شينييه (أندريه ـ)
(1762 ـ 1794)
أندريه شينييه André Chénier شاعر فرنسي ولد في اصطنبول، كان والده، لوي شينييه Louis Chénier، قنصلاً عاماً لفرنسا في السلطنة العثمانية، وكانت أمه يونانية. تركته عائلته وهو في الثالثة من عمره في كنف عمته في مدينة كاركاسونCarcassonne وعادت إلى باريس. وفي عام 1773، في طريق عودة الأب من عمله في مراكش، اصطحب ابنه إلى باريس، والتمّ شمل العائلة مجدداً. كان منزل العائلة في باريس، بحكم ثقافة والدته، ملتقى راقياً للفنانين والشعراء والمختصين بالحضارة اليونانية وعلم الآثار، فتشرب فيه شينييه الثقافة، وفهم الجمال الذي تركه القدماء، وتعرف فيه الرسام دافيد David وعلماء وفنانين آخرين. وتابع بموازة ذلك الدراسة في كوليج دي نافار Collège de Navarre، وكان يقرأ في الوقت ذاته أعمال كبار فلاسفة القرن الثامن عشر الذين تعلم منهم حب الحرية. حاول بمساعدة والده التماس مكان له في السلك العسكري، لكن مساعيهما أخفقت، فالتحق بالسفارة الفرنسية في لندن عام1787 سكرتيراً خاصاً للسفير.
تفرغ شينييه منذ عام 1791 للنشاط السياسي، فنشر عدداً من المقالات في صحيفة «مونيتور» Moniteur، ثم في «جريدة باريس»Journal de Pari، إذ خلف كوندورسيه Condorcet الذي عين رئيساً للمجلس التشريعي. ويمكن تصنيف أندريه شينييه سياسياً، من خلال كتاباته ومواقفه، بأنه من المعتدلين ومن دعاة نظام الملكية الدستورية. إذ سرعان ما شعر بالنفور الشديد من العنف والاضطهاد اللذين طبقهما اليعاقبةJacobins، وجرّت حماسته المتقدة في مهاجمتهم عليه عداوتهم القاتلة. ومع سقوط النظام الملكي رسمياً، شعر بعقم الفكرة التي كافح من أجلها، وهي المواءمة بين الملكية والثورة. وبعد يومين أُغلقت «جريدة باريس» وأحرقت أوراقها وتوارى شينييه عن الأنظار، وفي 1793 نُفذ حكم الإعدام بالملك وضيِّق الخناق على أعداء الثورة. أمضى شينييه أوقاتاً من الاضطراب والتنقل، إذ استقر في ضاحية فِرساي Versailles، غير بعيد عن مقام المرأة الثانية في حياته التي كتب لها أكثر أشعاره حرارة وعاطفة، وترد في قصائده باسم فانّي Fanny، وألقي القبض عليه في عام 1794 وانتهى الأمر به في سجن سان-لازار Saint-Lazare في باريس.
ألف شينييه «القصائد الريفية» Les Bucoliques بين عامي 1785 و1787، وقصائد Idylles وهي غزليات ريفية الإلهام تنضح ببراءة العاطفة وموسيقية الأصوات، ويرى بعضهم أنها اقتباس نظّامٍ حاذقٍ لما عند القدامى. ويحدد أحد النقاد عام 1785 أيضاً على أنه التاريخ الفعلي لشروع شينييه بنظم «هرمِس» Hermés، وهي قصيدة أرادها الشاعر ملحمية وتعليمية، تتناول في مقاطع منها تنشئة الإنسان تربوياً وتناسق الكون وحسن ترتيبه. وينفتح العمل على مقدمة بعنوان «الاختراع» L’invention، لكن القصيدة بقيت مشروعاً لم يكتمل، شأنها في ذلك شأن مشروعه الآخر لملحمة بعنوان «أمريكا».
نظم شينييه في السجن ما يراه بعضهم أشهر وأجمل أشعاره وأجملها، ومنها قصيدة «الأسيرة الشابة» La Jeune Captive، المستوحاة من مصير إحدى رفيقاته في الأسر، وهي من نوع الشعر الوجداني الذي يغلب عليه الحنان والحزن. وتعتبر قصائده في هذا النوع التجسيد الأمثل له، كما الهجائيات التي نظمها في سجنه والموجهة ضد أعدائه، التي ترقى لمضاهاة أقوى ما نُظم في هذا المجال في الشعر الفرنسي.
يعد أندريه شينييه وريثاً للاتباعيين (الكلاسيكيين) بإعجابه باليونان القديمة واعتناقه مبدأ كمال الشكل. وقد رحب شباب الجيل الإبداعي (الرومنسي) في مطلع القرن التاسع عشر بأشعاره ورأوا فيه البشير بهم لجسارته في تقطيع المسافات الكلامية في بيت الشعر، وفي الـ «أنا» متقدة العاطفة. والتقى معه من بعدهم شعراء البارناس[ر. البارناسية] Parnasse، لما عنده من صقل وتجويد لتفاصيل الشكل المصقول.
لم يأخذ نتاج شينييه الشعري طريقه إلى النشر إلا بعد انقضاء ربع قرن على وفاته، وبدءاً من 1902 توسعت الإصدارات لتشمل كل ما يتعلق بشخصه وحياته. وتحتفظ مكتبة كاركاسون بوثائق خاصة به، ولاسيما رسائله، إلى جانب مذكرة بخط والدته عنه، وعن شعره. ويعد الشاعر الفرنسي الأكبر في القرن الثامن عشر، الذي قضى على المقصلة شهيد آرائه في الملكية الدستورية.
عبد الله عويشق
(1762 ـ 1794)
أندريه شينييه André Chénier شاعر فرنسي ولد في اصطنبول، كان والده، لوي شينييه Louis Chénier، قنصلاً عاماً لفرنسا في السلطنة العثمانية، وكانت أمه يونانية. تركته عائلته وهو في الثالثة من عمره في كنف عمته في مدينة كاركاسونCarcassonne وعادت إلى باريس. وفي عام 1773، في طريق عودة الأب من عمله في مراكش، اصطحب ابنه إلى باريس، والتمّ شمل العائلة مجدداً. كان منزل العائلة في باريس، بحكم ثقافة والدته، ملتقى راقياً للفنانين والشعراء والمختصين بالحضارة اليونانية وعلم الآثار، فتشرب فيه شينييه الثقافة، وفهم الجمال الذي تركه القدماء، وتعرف فيه الرسام دافيد David وعلماء وفنانين آخرين. وتابع بموازة ذلك الدراسة في كوليج دي نافار Collège de Navarre، وكان يقرأ في الوقت ذاته أعمال كبار فلاسفة القرن الثامن عشر الذين تعلم منهم حب الحرية. حاول بمساعدة والده التماس مكان له في السلك العسكري، لكن مساعيهما أخفقت، فالتحق بالسفارة الفرنسية في لندن عام1787 سكرتيراً خاصاً للسفير.
تفرغ شينييه منذ عام 1791 للنشاط السياسي، فنشر عدداً من المقالات في صحيفة «مونيتور» Moniteur، ثم في «جريدة باريس»Journal de Pari، إذ خلف كوندورسيه Condorcet الذي عين رئيساً للمجلس التشريعي. ويمكن تصنيف أندريه شينييه سياسياً، من خلال كتاباته ومواقفه، بأنه من المعتدلين ومن دعاة نظام الملكية الدستورية. إذ سرعان ما شعر بالنفور الشديد من العنف والاضطهاد اللذين طبقهما اليعاقبةJacobins، وجرّت حماسته المتقدة في مهاجمتهم عليه عداوتهم القاتلة. ومع سقوط النظام الملكي رسمياً، شعر بعقم الفكرة التي كافح من أجلها، وهي المواءمة بين الملكية والثورة. وبعد يومين أُغلقت «جريدة باريس» وأحرقت أوراقها وتوارى شينييه عن الأنظار، وفي 1793 نُفذ حكم الإعدام بالملك وضيِّق الخناق على أعداء الثورة. أمضى شينييه أوقاتاً من الاضطراب والتنقل، إذ استقر في ضاحية فِرساي Versailles، غير بعيد عن مقام المرأة الثانية في حياته التي كتب لها أكثر أشعاره حرارة وعاطفة، وترد في قصائده باسم فانّي Fanny، وألقي القبض عليه في عام 1794 وانتهى الأمر به في سجن سان-لازار Saint-Lazare في باريس.
ألف شينييه «القصائد الريفية» Les Bucoliques بين عامي 1785 و1787، وقصائد Idylles وهي غزليات ريفية الإلهام تنضح ببراءة العاطفة وموسيقية الأصوات، ويرى بعضهم أنها اقتباس نظّامٍ حاذقٍ لما عند القدامى. ويحدد أحد النقاد عام 1785 أيضاً على أنه التاريخ الفعلي لشروع شينييه بنظم «هرمِس» Hermés، وهي قصيدة أرادها الشاعر ملحمية وتعليمية، تتناول في مقاطع منها تنشئة الإنسان تربوياً وتناسق الكون وحسن ترتيبه. وينفتح العمل على مقدمة بعنوان «الاختراع» L’invention، لكن القصيدة بقيت مشروعاً لم يكتمل، شأنها في ذلك شأن مشروعه الآخر لملحمة بعنوان «أمريكا».
نظم شينييه في السجن ما يراه بعضهم أشهر وأجمل أشعاره وأجملها، ومنها قصيدة «الأسيرة الشابة» La Jeune Captive، المستوحاة من مصير إحدى رفيقاته في الأسر، وهي من نوع الشعر الوجداني الذي يغلب عليه الحنان والحزن. وتعتبر قصائده في هذا النوع التجسيد الأمثل له، كما الهجائيات التي نظمها في سجنه والموجهة ضد أعدائه، التي ترقى لمضاهاة أقوى ما نُظم في هذا المجال في الشعر الفرنسي.
يعد أندريه شينييه وريثاً للاتباعيين (الكلاسيكيين) بإعجابه باليونان القديمة واعتناقه مبدأ كمال الشكل. وقد رحب شباب الجيل الإبداعي (الرومنسي) في مطلع القرن التاسع عشر بأشعاره ورأوا فيه البشير بهم لجسارته في تقطيع المسافات الكلامية في بيت الشعر، وفي الـ «أنا» متقدة العاطفة. والتقى معه من بعدهم شعراء البارناس[ر. البارناسية] Parnasse، لما عنده من صقل وتجويد لتفاصيل الشكل المصقول.
لم يأخذ نتاج شينييه الشعري طريقه إلى النشر إلا بعد انقضاء ربع قرن على وفاته، وبدءاً من 1902 توسعت الإصدارات لتشمل كل ما يتعلق بشخصه وحياته. وتحتفظ مكتبة كاركاسون بوثائق خاصة به، ولاسيما رسائله، إلى جانب مذكرة بخط والدته عنه، وعن شعره. ويعد الشاعر الفرنسي الأكبر في القرن الثامن عشر، الذي قضى على المقصلة شهيد آرائه في الملكية الدستورية.
عبد الله عويشق