جمال الدين،إبراهيم بن علي(الشيرازي)الشيخ الإمام القدوة المجتهد الزاهد العلامة المناظر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جمال الدين،إبراهيم بن علي(الشيرازي)الشيخ الإمام القدوة المجتهد الزاهد العلامة المناظر

    الشيرازي (إبراهيم بن علي ـ)
    (393 ـ 476هـ/1003ـ 1082م)

    جمال الدين، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفِيروزآبادي الشيرازي نزيل بغداد، الشيخ الإمام القدوة المجتهد الزاهد العلامة المناظر شيخ الشافعية[ر]. ولد في فِيروزآباد، وهي بليدة قرب شيراز ببلاد فارس، ثم دخل شيراز سنة عشر وأربعمئة، ثم البصرة فبغداد في سنة خمس عشرة وأربعمئة.
    ومما ذكروا عنه أنه كان إمام المؤمنين في الفقه[ر]، فريد دهره، مدرس النظامية[ر]، لو رآه الشافعي[ر] لتجمل به. ظهر نبوغه فكان مرجع الطلاب ومفتي الأمة، واشتهر بقوة الحجة في الجدل والمناظرة، يحفظ مسائل الخلاف كما يحفظ الرجل الفاتحة. وتفرد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة. صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، ولكن خطه كان في غاية الرداءة، وقالوا: بحسن نيته في العلم اشتهرت تصانيفه في الدنيا.
    وكان محبباً إلى غالب الخلق، رفيع الجاه لا يقدر أحد أن يرميه بسوء، لحسن سيرته وشهرتها عند الخلق. جاءته الدنيا صاغرة فأباها واقتصر على خشونة العيش أيام حياته، فكان لا يملك شيئاً من الدنيا، بلغ به الفقر حتى كان أحياناً لا يجد قوتاً ولا ملبساً، ولم يحج إذ لم يكن له استطاعة الزاد والراحلة، ولكن لو أراد الحج[ر] لحملوه على الأحداق إلى مكة، وما تزوج إلى أن مات، ولما مات لم يخلف درهماً ولا عليه درهم.
    وكان مستجاب الدعوة ورعاً متواضعاً، كريماً جواداً، طلق الوجه دائم البشر، حسن المجالسة مليح المحاورة، يحفظ كثيراً من الحكايات الحسنة والأشعار، وله شعر حسن. ومنه:
    سألت الناس عن خل وفي
    فقالوا ما إلى هذا سبيل
    تمسك إن ظفرت بود حر
    فإن الحر في الدنيا قليل
    ومن شعره المشهور ما مطلعه:
    لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا
    وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
    ولما توفي قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر بن ماكولا[ر] ببغداد (ت447هـ) أكره القائم بأمر الله الشيخ الإمام أبا إسحاق على أن يتقلد له النظر في الأحكام والمظالم شرقاً وغرباً، فامتنع فوكل به، فكتب إليه: ألم يكفك أن هلكت حتى تهلكني معك، فبكى القائم بأمر الله وقال: هكذا فليكن العلماء، إنما أردنا أن يقال: إنه كان في عصرنا من وكل به وأكره على القضاء فامتنع، وقد أعفيناه.
    وأما ما قيل في الثناء على الشيخ من الشعر، فمنه ما ضرب المثل به في الفصاحة والمناظرة، كقول سلار العقيلي أوحد شعراء عصره:
    كفاني إذا عنّ الحوادث صارم
    ينيلني المأمول بالإثر والأثر
    يقد ويفري في اللقاء كأنه
    لسان أبي إسحاق في مجلس النظر
    ولعاصم بن الحسن فيه:
    تراه من الذكاء نحيف جسم
    عليه من توقده دليل
    إذا كان الفتى ضخم المعاني
    فليس يضيره الجسم النحيل
    قرأ الشيخ أبو إسحاق الفقه في شيراز على أبي عبد الله محمد بن عبد الله البيضاوي وعلى أبي أحمد عبد الوهاب بن محمد بن رامين البغدادي ثم دخل البصرة وقرأ الفقه بها على الخرزي، ثم دخل بغداد وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري[ر] ولازمه واشتهر به وصار أعظم أصحابه ومعيد درسه حتى استخلفه في حلقته سنة ثلاثين، وقرأ الأصول على أبي حاتم القزويني وقرأ الفقه أيضاً على الزجّاجي وطائفة آخرين، فأتم ما بدأ به من الدرس والبحث، حتى برع في الفقه وروى الحديث، إذ سمعه ببغداد من شيخ الفقهاء والمحدثين أبي بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني، ومن مسند العراق أبي علي الحسن بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزاز الأصولي، وأبي الفرج محمد بن عبيد الله الخرجوشي، وأبي الطيب الطبري وغيرهم. ولزم في بغداد مجلس وعظ الأستاذ أبي نصر عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم القشيري، مع أن الأستاذ كان شاباً إذ ذاك، وإنما ذلك لحرص الشيخ على الانتفاع بوعظه. وما برح يدأب ويجد حتى صار أنظر أهل زمانه، والمقدم على أقرانه، وامتدت إليه الأعين وانتشر صيته، ورحل إليه من كل مكان.
    وأما أشهر أقرانه فأبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي الفقيه المعروف بابن الصباغ[ر]، والحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، والعلامة البارع مفتي العراق قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن حسن بن عبد الوهاب بن حسويه الدامغاني الحنفي[ر]، وكان يورد في درسه من المداعبات والنوادر نظير ما يورد الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فإذا اجتمعا صار اجتماعهما نزهة.
    خرج الشيخ في آخر سنة خمس وسبعين من بغداد إلى خراسان سفيراً من قبل الخليفة المقتدي بأمر الله إلى السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي وإلى الوزير نظام الملك في شأن من شؤون الدولة، وكذلك ليخطب للخليفة بنت السلطان؛ فعبر نيسابور وأتم ذلك ثم رجع، ولقي في هذا السفر حفاوة عظيمة جداً من جميع أصناف الناس وطبقاتهم في كل بلدة مر بها. وكان المقتدي بأمر الله كبير الإجلال للشيخ أبي إسحاق، إذ كان سبباً في جعله خليفة.
    ويعد من أعظم تلامذته أبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت الإمام البندنيجي، وأبو منصور أحمد بن عبد الوهاب بن موسى الشيرازي الواعظ، وأبو الحسن علي بن سعيد بن عبد الرحمن العبدري، وأبو محمد القاسم ابن علي بن محمد بن عثمان أبو محمد البصري الحريري صاحب المقامات، وأحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس الجرجاني، وأبو حكيم عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخبري الفرضي، والقاضي العلامة أبو عبد الله الحسين بن نصر بن المرهف النهاوندي الأيدبني؛ وغيرهم كثير، كما استفاد منه الحافظ أبو بكر الخطيب، مع أنه معدود في أقرانه. وكان أبو إسحاق يقول من قرأ علي مسألة فهو ولدي، ويقول: العوام ينسبون بالأولاد والأغنياء بالأموال والعلماء بالعلم.
    كان الشيخ أولاً يُدرِّس في مسجد بباب المراتب إلى أن بنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظامية على شاطىء دجلة، فانتقل إليها ودرس بها بعد تمنع شديد، فظل يدرس فيها ويديرها إلى حين وفاته.
    وأما كتبه فقد صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب؛ فكان صاحب التصانيف الحسنة ذات الألفاظ المتسقة، وعرف فضلها العلماء. ومنها:
    كتابا «التنبيه» و«المهذب» في الفقه. أما «المهذب» فقد فرغ من تصنيفه سنة تسع وستين وأربعمئة، أخذه من تعليق شيخه أبي الطيب الطبري. وقيل إن سبب تصنيفه له أنه بلغه أن ابن الصباغ قال إذا اصطلح الشافعي وأبو حنيفة[ر] ذهب علم أبي إسحاق الشيرازي. يعني أن علمه هو مسائل الخلاف بينهما فإذا اتفقا ارتفع. فصنف الشيخ حينئذ المهذب. وذُكر أن الشيخ كان يصلي ركعتين عند فراغ كل فصل منه. وأنه قال: «لو عرض هذا الكتاب الذي صنفته على النبي لقال: هذا شريعتي التي أمرت بها أمتي». وأنه صنفه مراراً فلما لم يوافق مقصوده رمى به في دجلة واستقر رأيه على هذه النسخة المجمع عليها. وهو كتاب جليل القدر اعتنى بشأنه فقهاء الشافعية في كل عصر، فأكثروا من شروحه وتخريج أحاديثه والتعليق عليها، واعتنى الكثيرون منهم بحفظه مع أنه في حجم مجلدين كبيرين.
    وأما التنبيه ففرغ منه في شعبان من سنة ثلاث وخمسين وأربعمئة، أخذه من تعليق الشيخ أبي حامد المروزي. وهو أحد الكتب الخمسة المشهورة المتداولة بين الشافعية وهو أكثرها تداولاً. ومن كتبه أيضا «اللمع وشرحه»، و«التبصرة» وهي كتب في أصول الفقه[ر]. والوصول إلى معرفة الأصول، وعليه شرح لأبي الفتح عثمان بن جني[ر]. وكتابا «الملخص» و«المعونة» في الجدل[ر]. وله كذلك كتاب كبير في الخلاف اسمه «تذكرة المسؤولين في الخلاف بين الحنفي والشافعي». وآخر دونه سماه «النكت والعيون» وهو في الخلاف أيضاً. وكتاب «طبقات الفقهاء»، وقد أكثر النقل عنه أصحاب كتب التراجم، وهو مختصر وغير مقتصر على الشافعيين بل فيه الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة والظاهرية. وكتاب الألقاب. وكتاب نصح أهل العلم. وغير ذلك.
    ومما يقال أن الشيخ أبا إسحاق أخذ أسماء كتبه من أسماء كتب أبي الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي.
    توفي الشيرازي ببغداد ودفن بمقبرة باب إبرز.
    حسان القادري

يعمل...
X