شْنيتْسْلَر (أرتور ـ)
(1862 ـ 1931)
أرتور شنيتسلر Arthur Schnitzler كاتب مسرحي وروائي وقاص وشاعر نمساوي، ولد وتوفي في العاصمة فيينا. ينحدر شنيتسلر من عائلة برجوازية ثرية، فقد كان والده جراحاً شهيراً ومدرساً للطب، وكان للعائلة علاقات وثيقة مع الوسط الفني في المسرح والأوبرا. تبع الشاب خطا والده فدرس الطب في جامعة فيينا وتخرج فيها عام 1885. مارس الطب عدة سنوات وتخصص من ثم في الأمراض العصبية وصار طبيباً شهيراً يدير عيادته الخاصة.
بدأ شنيتسلر بنشر أعماله في الصحف والمجلات المحلية منذ عام 1880، كما أخذ ينشر قصائده منذ عام 1886 بالاسم المستعار أناتول Anatol. سافر لمدة عامين إلى لندن وبرلين وباريس لدراسة التجهيزات الصحية، وحال عودته عام 1900 وإثر صدور قصته الطويلة[ر] Novelle بعنوان «الملازم غوستل» Leutnant Gustl تعرض للمحاكمة بتهمة إهانة الشرف العسكري في قصته والإساءة إلى سمعة الجيش النمساوي ـ الهنغاري، وعوقب بتجريده من لقب (كبير الأطباء) بصفته عضواً سابقاً في سلك الضباط القيصري.
كان شنيتسلر نجماً اجتماعياً محبوباً، تربطه علاقات صداقة مع المحلل النفساني فرويد Freud والكاتب هاينريش مَن H.Mannوالمسرحي هـوغو فون هوفمنستال H. von Hofmannsthal، وكان عضواً في الجمعية الأدبية «فيينا الفتاة» Jung-Wien. وبالتدريج تزايد اهتمامه بالكتابة الأدبية على حساب ممارسة الطب، وبقي طوال حياته مواطناً ليبرالياً، بعيداً عن الأحزاب السياسية أياً كان توجهها. إلا أن أعماله النثرية والمسرحية تتناول النظام الاجتماعي القائم من زاوية تحليلية ناقدة، تكشف العيوب وتعرّي الفضائح وتغوص في أعماق النفس البشرية بحثاً عن دوافع سلوكها بهدف فهمها. وقد توصل في أفضل مسرحياته إلى تحقيق ما يسمى بالتوازن التشيخوفي[ر. تشيخوف] بين المعايشة النفسية والقسوة الموضوعية مصوراً نماذج بشرية وأجواء اجتماعية من فيينا، كما في حلقة مسرحيات «أناتول»Anatol ت(1891) المؤلفة من سبع مسرحيات قصيرة حول شخصية محورية واحدة هي أناتول، وشريكة جديدة في كل واحدة منها. وقد صدرت ترجمتها العربية عام 2003، وعرض منها في دمشق مسرحية «عشاء الوداع» Abschiedssouper بإخراج الفنان بسام كوسا. وفي المسرحيـات الثلاث الآتية «حكايـات» Märchen ت(1893)و«بريٌ طليق» Freiwild ت(1896)و«الوصية» Das Vermächtnis ت(1898)تتجلى تأثيرات هنريك إبسن H.Ibsen، من خلال معالجته موضوعات راهنة. وفي مسرحية «حب عابر» Liebelei ت(1896)حقق الكاتب أول نجاح كبير ومؤثر على خشبة المسرح بموضوع يعالج التناقض العاطفي بين فتاة من العامة وفتى من الأكابر. وقد أخرجت المسرحية سينمائياً مرتين عام 1914 وعام 1932. وفي مسرحيته الغروتِسكية grotesque (المبالغة الكاريكاتيرية التهكمية) «الببغاء الأخضر»Der grüne Kakadu ت(1899) يتناول الكاتب فساد طبقة النبلاء وابتذالها في مواجهة الطموح المشروع لعامة الشعب. أما مسرحيته «رقصة الحلقة» Reigenت(1900) فهي المسرحية الأكثر إثارة للجدل والمنع والمحاكمة في الربع الأول من القرن العشرين. فقد أخرجت المسرحية للسينما مرات عديدة، وعرضتها معظم المسارح الأوربية شرقاً وغرباً، إلا في موطنها فيينا حيث لم يرفع عنها المنع إلا عام 1982. تعرض المسرحية في عشر حكايات ظواهر الانحطاط الحسي والعاطفي بين شرائح البرجوازية والأرستقراطية، وتبين أن ما يسود العلاقات بين الجنسين هو الغريزة وليس عاطفة الحب، وتنتهي المسرحية برقصة موت الحب. أما في مسرحية «طريق العزلة» Der einsame Weg ت(1903)فيتناول الكاتب موضوعة العزلة الاجتماعية التي تحول دون قيام علاقات حب حقيقية بين الناس، ولكن ثمة نبرة أمل تشي باعتقاد الكاتب بأن «جيلاً جديداً قادماً سيعرف كيف يعيش». إضافة إلى اهتمام السينما بمسرح شنيتسلر، فقد اقتُبس عدد من مسرحياته للأوبرا والأوبريت. أما ما كتبه المؤلف مسرحياً عقب الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية النمساوية فلم يصل من حيث الزخم الفني والفكري إلى مستوى أعمال ما قبل الحرب. لم يكن إنتاج شنيتسلر على صعيد القصة والرواية بغزارة أعماله المسرحية، إلا أن نضجها الفني والفكري وموضوعاتها لا تقل أهمية عن مسرحه. وتعد بين أهم أعماله مجموعة القصص الطويلة «زوجة الحكيم» Die Frau des Weisenت(1897) ورواية «الآنسة إلزِه» Fräulein Else ت(1924) التي تحولت إلى فيلم سينمائي مثل «الملازم غوستل». وهناك أيضاً رواية «تيريزِه» Therese ت(1928)ورواية «طريق العزلة» (1908) بعنوان المسرحية نفسها.
ويرى النقاد أن شينتسلر في عمله الضخم والمهم قام بدور الطبيب الذي شرح جسد المجتمع النمساوي، وبدور المحلل النفسي الذي كشف أمراضه كي يعالجه ويشفيه.
نبيل الحفار
(1862 ـ 1931)
أرتور شنيتسلر Arthur Schnitzler كاتب مسرحي وروائي وقاص وشاعر نمساوي، ولد وتوفي في العاصمة فيينا. ينحدر شنيتسلر من عائلة برجوازية ثرية، فقد كان والده جراحاً شهيراً ومدرساً للطب، وكان للعائلة علاقات وثيقة مع الوسط الفني في المسرح والأوبرا. تبع الشاب خطا والده فدرس الطب في جامعة فيينا وتخرج فيها عام 1885. مارس الطب عدة سنوات وتخصص من ثم في الأمراض العصبية وصار طبيباً شهيراً يدير عيادته الخاصة.
بدأ شنيتسلر بنشر أعماله في الصحف والمجلات المحلية منذ عام 1880، كما أخذ ينشر قصائده منذ عام 1886 بالاسم المستعار أناتول Anatol. سافر لمدة عامين إلى لندن وبرلين وباريس لدراسة التجهيزات الصحية، وحال عودته عام 1900 وإثر صدور قصته الطويلة[ر] Novelle بعنوان «الملازم غوستل» Leutnant Gustl تعرض للمحاكمة بتهمة إهانة الشرف العسكري في قصته والإساءة إلى سمعة الجيش النمساوي ـ الهنغاري، وعوقب بتجريده من لقب (كبير الأطباء) بصفته عضواً سابقاً في سلك الضباط القيصري.
كان شنيتسلر نجماً اجتماعياً محبوباً، تربطه علاقات صداقة مع المحلل النفساني فرويد Freud والكاتب هاينريش مَن H.Mannوالمسرحي هـوغو فون هوفمنستال H. von Hofmannsthal، وكان عضواً في الجمعية الأدبية «فيينا الفتاة» Jung-Wien. وبالتدريج تزايد اهتمامه بالكتابة الأدبية على حساب ممارسة الطب، وبقي طوال حياته مواطناً ليبرالياً، بعيداً عن الأحزاب السياسية أياً كان توجهها. إلا أن أعماله النثرية والمسرحية تتناول النظام الاجتماعي القائم من زاوية تحليلية ناقدة، تكشف العيوب وتعرّي الفضائح وتغوص في أعماق النفس البشرية بحثاً عن دوافع سلوكها بهدف فهمها. وقد توصل في أفضل مسرحياته إلى تحقيق ما يسمى بالتوازن التشيخوفي[ر. تشيخوف] بين المعايشة النفسية والقسوة الموضوعية مصوراً نماذج بشرية وأجواء اجتماعية من فيينا، كما في حلقة مسرحيات «أناتول»Anatol ت(1891) المؤلفة من سبع مسرحيات قصيرة حول شخصية محورية واحدة هي أناتول، وشريكة جديدة في كل واحدة منها. وقد صدرت ترجمتها العربية عام 2003، وعرض منها في دمشق مسرحية «عشاء الوداع» Abschiedssouper بإخراج الفنان بسام كوسا. وفي المسرحيـات الثلاث الآتية «حكايـات» Märchen ت(1893)و«بريٌ طليق» Freiwild ت(1896)و«الوصية» Das Vermächtnis ت(1898)تتجلى تأثيرات هنريك إبسن H.Ibsen، من خلال معالجته موضوعات راهنة. وفي مسرحية «حب عابر» Liebelei ت(1896)حقق الكاتب أول نجاح كبير ومؤثر على خشبة المسرح بموضوع يعالج التناقض العاطفي بين فتاة من العامة وفتى من الأكابر. وقد أخرجت المسرحية سينمائياً مرتين عام 1914 وعام 1932. وفي مسرحيته الغروتِسكية grotesque (المبالغة الكاريكاتيرية التهكمية) «الببغاء الأخضر»Der grüne Kakadu ت(1899) يتناول الكاتب فساد طبقة النبلاء وابتذالها في مواجهة الطموح المشروع لعامة الشعب. أما مسرحيته «رقصة الحلقة» Reigenت(1900) فهي المسرحية الأكثر إثارة للجدل والمنع والمحاكمة في الربع الأول من القرن العشرين. فقد أخرجت المسرحية للسينما مرات عديدة، وعرضتها معظم المسارح الأوربية شرقاً وغرباً، إلا في موطنها فيينا حيث لم يرفع عنها المنع إلا عام 1982. تعرض المسرحية في عشر حكايات ظواهر الانحطاط الحسي والعاطفي بين شرائح البرجوازية والأرستقراطية، وتبين أن ما يسود العلاقات بين الجنسين هو الغريزة وليس عاطفة الحب، وتنتهي المسرحية برقصة موت الحب. أما في مسرحية «طريق العزلة» Der einsame Weg ت(1903)فيتناول الكاتب موضوعة العزلة الاجتماعية التي تحول دون قيام علاقات حب حقيقية بين الناس، ولكن ثمة نبرة أمل تشي باعتقاد الكاتب بأن «جيلاً جديداً قادماً سيعرف كيف يعيش». إضافة إلى اهتمام السينما بمسرح شنيتسلر، فقد اقتُبس عدد من مسرحياته للأوبرا والأوبريت. أما ما كتبه المؤلف مسرحياً عقب الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية النمساوية فلم يصل من حيث الزخم الفني والفكري إلى مستوى أعمال ما قبل الحرب. لم يكن إنتاج شنيتسلر على صعيد القصة والرواية بغزارة أعماله المسرحية، إلا أن نضجها الفني والفكري وموضوعاتها لا تقل أهمية عن مسرحه. وتعد بين أهم أعماله مجموعة القصص الطويلة «زوجة الحكيم» Die Frau des Weisenت(1897) ورواية «الآنسة إلزِه» Fräulein Else ت(1924) التي تحولت إلى فيلم سينمائي مثل «الملازم غوستل». وهناك أيضاً رواية «تيريزِه» Therese ت(1928)ورواية «طريق العزلة» (1908) بعنوان المسرحية نفسها.
ويرى النقاد أن شينتسلر في عمله الضخم والمهم قام بدور الطبيب الذي شرح جسد المجتمع النمساوي، وبدور المحلل النفسي الذي كشف أمراضه كي يعالجه ويشفيه.
نبيل الحفار