رستميون
Rustamids - Rostémides
الرستميون
الرستميون سلالة أسست دولة في تاهرت في المغرب الأوسط (الجزائر) عرفت باسم والد مؤسسها عبد الرحمن بن رستم، الذي جعل له بعض الكتاب القدماء نسباً يربطه بملوك الفرس القدماء، أما جده القريب بهرام فقيل إنه من موالي عثمان بن عفان.
نشأ عبد الرحمن في القيروان، وتتلمذ فيها على يد شيخ خارجي، ثم تلقى مع تلامذة مغاربة آخرين مبادئ المذهب الإباضي[ر] في البصرة، وبعد عودته لم يلبث أن برز في صفوف خوارج طرابلس الإباضية الذين يقودهم أبو الخطاب، وبلغ من علو مكانته لديه أن عينه نائباً عنه في القيروان إثر استخلاصها من الخوارج الصفرية[ر]، وعندما هزم الوالي العباسي محمد بن الأشعث أبا الخطاب، فر عبد الرحمن من القيروان سنة 144هـ/761م ليشترك مع خوارج آخرين بعد قرابة عشر سنوات بحصار أحد الولاة العباسيين في طبنة، ثم تمركز عبد الرحمن في تهودة، حيث هاجمته قوات الوالي، وأوقعت به، فانهزم نحو موقع تاهرت[ر] محتمياً هناك.
اتخذ عبد الرحمن من هذه المنطقة مقراً لدعوته، والتفت حوله جماعات قبلية كانت مواطن تنقلها في أقاليم المغرب الشرقية، بطرابلس وبلاد الجريد جنوب المغرب الأدنى، وقد بايعته هذه القبائل إماماً، كما بايعه أبو حاتم خليفة أبي الخطاب في طرابلس سنة 161هـ/777م.
بنى عبد الرحمن بن رستم في مكان نزوله مدينة لم تلبث أن أصبحت عامرة، عرفت بتاهرت الجديدة، (تاقدمت حالياً) تمييزاً لها من تاهرت القديمة التي تقع على بعد عشرة كيلومترات شرقاً.
عُرفت الدولة الرستمية بأنها إمامة خارجية إباضية لقبائل صحراوية ولذا كان نفوذها واسعاً باتساع مواطن تنقل هذه القبائل. وهكذا انتشر نفوذها في الجنوب إلى ضفاف النيجر، وفي الغرب حتى واحة سجلماسة، وفي الشرق اعترف الأغالبة[ر] لعبد الوهاب بن عبد الرحمن الإمام الثاني بالسلطة لا على جبل نفوسة فقط، بل على كل المناطق الداخلية في منطقة طرابلس، بينما بقيت المدينة للأغالبة، وفي الشمال امتد نفوذها حتى وادي شلف، وكان لها منفذ على البحر في مرسى فَرّوخ.
إذا كانت بعض مبادئ الخوارج قد تحققت بتأسيس الدولة الرستمية فإن مبدأهم المتعلق بالإمامة الانتخابية للأصلح من المسلمين لم يتحقق، هذا المبدأ الذي ثاروا تحت شعاره مراراً وتكراراً على أولئك الذين جعلوها وراثية كملك قيصر وكسرى، ذلك أن الدولة الرستمية سارت على الطريق نفسه الذي سار فيه أعداء الخوارج، فقد بقيت إمامتهم عملياً في أبناء وأحفاد عبد الرحمن يتوارثون الحكم إلى أن قضى عليها الفاطميون سنة 296هـ/908م.
عقد الأئمة الرستميون علاقات دبلوماسية وودية مع أمراء قرطبة الأمويين الأقوياء الذين يدينون بالمذهب المالكي، وعلى الرغم من الاختلاف في المذهب فإن المصالح السياسية استوجبت مثل هذه العلاقات، لأن الأدارسة[ر] العلويين في المغرب الأقصى والأغالبة السنة الموالين للعباسيين في الشرق في تونس، كانوا أعداءً للرستميين والأمويين في الوقت نفسه، ففي سنة 207هـ/822م استقبل الأمير عبـد الرحمـن الثـاني استقبالاً لائقاً سفارة مؤلفة من ثلاثة أبناء للإمام عبد الوهاب (171-208هـ/787-823م) وصلوا قرطبـة لتهنئة الأميـر بمناسبة توليه السلطـة، وفي سنة 239هـ/853م أرسل الأميـر محمد الأول هديـة قيمة للإمام أفلح (208-258هـ/823-871م) عند توليه الإمامة، كما أن أفراداً من الأسرة الرستمية الذين أرسلوا إلى الأندلس تولوا مناصب هامة فيها.
توفر لتاهرت عاصمة الدولة الرستمية أساس مادي ساعد على ازدهارها اقتصادياً وحضارياً، ولعل أول عناصر هذا الأساس المادي، الأرض الخصبة والمياه التي كانت تأتيها من جبل غزول وخاصة من وادي شلف الذي يقول عنه اليعقوبي (ت 284هـ) نقلاً عن أحد الرستميين «وعليه قرى وعماره يفيض كما يفيض نيل مصر، يزرع عليه العصفر والكتان والسمسم وغير ذلك من الحبوب». وكانت تاهرت تقاطعاً لخطوط مواصلات من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، مما جعل المدينة سوقاً وجعل أهلها يشاركون في التجارة، بدليل أن التجارة صارت أساس ازدهار المدن الصحراوية التي لجؤوا إليها بعد نزوحهم من بلدهم كورقلان التي يقول عنها الإدريسي: «إنها مدينة فيها قبائل مياسير وتجار أغنياء يتجولون في بلاد السودان إلى بلاد غانة وغربها فيخرجون منها التبر ويضربونه دراهم باسم بلدهم وهم وهبية إباضية».
كان لحكام الدولة بوصفهم أئمة، دور كبير في الحياة الفكرية التي استفادت من اليسر المادي، وروح التسامح، فقد عاش في ظل رعايتهم واصلية معتزلة[ر] وبعض الشيعة، مع مجموعات مسيحية، وكان أفراد منهم يتولون وظائف في الإدارة، وكان الجدل والحوار قائماً دوماً بين الإباضية والواصلية (أتباع واصل بن عطاء) ولم يكتف الأئمة بالحماية والتشجيع، بل تجاوزوا ذلك إلى المشاركة وخاصة في مجال الفكر الديني والمذهبي، وينسب للمؤسس تأليف تفسير للقرآن الكريم، وديوان خطب، ورسائل إخوانيات، كما كان لابنه وخليفته كتاب في الفقه هو «مسائل جبل نفوسة» وكان يحتوي أجوبته على المسائل الواردة إليه من أهل ذلك الجبل وشيوخه، ويبدو أنه أضحى كتاب الفقه الأساسي للإباضية.
يقدم العمران مظهراً آخر من مظاهر التقدم الحضاري، فقد أغنت الكشوف الأثرية لكل من مارسييه ودوسو لامار عام 1941 المعلومات المستقاة من الروايات التاريخية، إذ تبين للمكتشفين مما عثر عليه من صهاريج المياه الضخمة ومن جزء لمقر الأئمة وغيرها، أن تاهرت كانت محصنة ومهيأة لتحمّل الحصار. كما أن بناء القصبة (المدينة) المعروفة في المصادر باسم المعصومة يشبه الحصون السورية التي بنيت قبل ذلك في القرن الثاني للهجرة الثامن الميلادي.
ولقد نقل الإباضية النشاط العمراني إلى سدراته أو صدراته، مقر الأئمة الثاني، حيث عُثر في كشوف 1950 على ثلاثة منازل كبيرة غنية بالتزيينات، وكذلك تم التعرف على المسجد الجامع الذي يزوره الإباضية، مع ضريح للإمام يعقوب بن أفلح الذي يعده البعض آخر الأئمة الرستميين.
نجدة خماش
Rustamids - Rostémides
الرستميون
الرستميون سلالة أسست دولة في تاهرت في المغرب الأوسط (الجزائر) عرفت باسم والد مؤسسها عبد الرحمن بن رستم، الذي جعل له بعض الكتاب القدماء نسباً يربطه بملوك الفرس القدماء، أما جده القريب بهرام فقيل إنه من موالي عثمان بن عفان.
نشأ عبد الرحمن في القيروان، وتتلمذ فيها على يد شيخ خارجي، ثم تلقى مع تلامذة مغاربة آخرين مبادئ المذهب الإباضي[ر] في البصرة، وبعد عودته لم يلبث أن برز في صفوف خوارج طرابلس الإباضية الذين يقودهم أبو الخطاب، وبلغ من علو مكانته لديه أن عينه نائباً عنه في القيروان إثر استخلاصها من الخوارج الصفرية[ر]، وعندما هزم الوالي العباسي محمد بن الأشعث أبا الخطاب، فر عبد الرحمن من القيروان سنة 144هـ/761م ليشترك مع خوارج آخرين بعد قرابة عشر سنوات بحصار أحد الولاة العباسيين في طبنة، ثم تمركز عبد الرحمن في تهودة، حيث هاجمته قوات الوالي، وأوقعت به، فانهزم نحو موقع تاهرت[ر] محتمياً هناك.
اتخذ عبد الرحمن من هذه المنطقة مقراً لدعوته، والتفت حوله جماعات قبلية كانت مواطن تنقلها في أقاليم المغرب الشرقية، بطرابلس وبلاد الجريد جنوب المغرب الأدنى، وقد بايعته هذه القبائل إماماً، كما بايعه أبو حاتم خليفة أبي الخطاب في طرابلس سنة 161هـ/777م.
بنى عبد الرحمن بن رستم في مكان نزوله مدينة لم تلبث أن أصبحت عامرة، عرفت بتاهرت الجديدة، (تاقدمت حالياً) تمييزاً لها من تاهرت القديمة التي تقع على بعد عشرة كيلومترات شرقاً.
عُرفت الدولة الرستمية بأنها إمامة خارجية إباضية لقبائل صحراوية ولذا كان نفوذها واسعاً باتساع مواطن تنقل هذه القبائل. وهكذا انتشر نفوذها في الجنوب إلى ضفاف النيجر، وفي الغرب حتى واحة سجلماسة، وفي الشرق اعترف الأغالبة[ر] لعبد الوهاب بن عبد الرحمن الإمام الثاني بالسلطة لا على جبل نفوسة فقط، بل على كل المناطق الداخلية في منطقة طرابلس، بينما بقيت المدينة للأغالبة، وفي الشمال امتد نفوذها حتى وادي شلف، وكان لها منفذ على البحر في مرسى فَرّوخ.
إذا كانت بعض مبادئ الخوارج قد تحققت بتأسيس الدولة الرستمية فإن مبدأهم المتعلق بالإمامة الانتخابية للأصلح من المسلمين لم يتحقق، هذا المبدأ الذي ثاروا تحت شعاره مراراً وتكراراً على أولئك الذين جعلوها وراثية كملك قيصر وكسرى، ذلك أن الدولة الرستمية سارت على الطريق نفسه الذي سار فيه أعداء الخوارج، فقد بقيت إمامتهم عملياً في أبناء وأحفاد عبد الرحمن يتوارثون الحكم إلى أن قضى عليها الفاطميون سنة 296هـ/908م.
عقد الأئمة الرستميون علاقات دبلوماسية وودية مع أمراء قرطبة الأمويين الأقوياء الذين يدينون بالمذهب المالكي، وعلى الرغم من الاختلاف في المذهب فإن المصالح السياسية استوجبت مثل هذه العلاقات، لأن الأدارسة[ر] العلويين في المغرب الأقصى والأغالبة السنة الموالين للعباسيين في الشرق في تونس، كانوا أعداءً للرستميين والأمويين في الوقت نفسه، ففي سنة 207هـ/822م استقبل الأمير عبـد الرحمـن الثـاني استقبالاً لائقاً سفارة مؤلفة من ثلاثة أبناء للإمام عبد الوهاب (171-208هـ/787-823م) وصلوا قرطبـة لتهنئة الأميـر بمناسبة توليه السلطـة، وفي سنة 239هـ/853م أرسل الأميـر محمد الأول هديـة قيمة للإمام أفلح (208-258هـ/823-871م) عند توليه الإمامة، كما أن أفراداً من الأسرة الرستمية الذين أرسلوا إلى الأندلس تولوا مناصب هامة فيها.
توفر لتاهرت عاصمة الدولة الرستمية أساس مادي ساعد على ازدهارها اقتصادياً وحضارياً، ولعل أول عناصر هذا الأساس المادي، الأرض الخصبة والمياه التي كانت تأتيها من جبل غزول وخاصة من وادي شلف الذي يقول عنه اليعقوبي (ت 284هـ) نقلاً عن أحد الرستميين «وعليه قرى وعماره يفيض كما يفيض نيل مصر، يزرع عليه العصفر والكتان والسمسم وغير ذلك من الحبوب». وكانت تاهرت تقاطعاً لخطوط مواصلات من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، مما جعل المدينة سوقاً وجعل أهلها يشاركون في التجارة، بدليل أن التجارة صارت أساس ازدهار المدن الصحراوية التي لجؤوا إليها بعد نزوحهم من بلدهم كورقلان التي يقول عنها الإدريسي: «إنها مدينة فيها قبائل مياسير وتجار أغنياء يتجولون في بلاد السودان إلى بلاد غانة وغربها فيخرجون منها التبر ويضربونه دراهم باسم بلدهم وهم وهبية إباضية».
كان لحكام الدولة بوصفهم أئمة، دور كبير في الحياة الفكرية التي استفادت من اليسر المادي، وروح التسامح، فقد عاش في ظل رعايتهم واصلية معتزلة[ر] وبعض الشيعة، مع مجموعات مسيحية، وكان أفراد منهم يتولون وظائف في الإدارة، وكان الجدل والحوار قائماً دوماً بين الإباضية والواصلية (أتباع واصل بن عطاء) ولم يكتف الأئمة بالحماية والتشجيع، بل تجاوزوا ذلك إلى المشاركة وخاصة في مجال الفكر الديني والمذهبي، وينسب للمؤسس تأليف تفسير للقرآن الكريم، وديوان خطب، ورسائل إخوانيات، كما كان لابنه وخليفته كتاب في الفقه هو «مسائل جبل نفوسة» وكان يحتوي أجوبته على المسائل الواردة إليه من أهل ذلك الجبل وشيوخه، ويبدو أنه أضحى كتاب الفقه الأساسي للإباضية.
يقدم العمران مظهراً آخر من مظاهر التقدم الحضاري، فقد أغنت الكشوف الأثرية لكل من مارسييه ودوسو لامار عام 1941 المعلومات المستقاة من الروايات التاريخية، إذ تبين للمكتشفين مما عثر عليه من صهاريج المياه الضخمة ومن جزء لمقر الأئمة وغيرها، أن تاهرت كانت محصنة ومهيأة لتحمّل الحصار. كما أن بناء القصبة (المدينة) المعروفة في المصادر باسم المعصومة يشبه الحصون السورية التي بنيت قبل ذلك في القرن الثاني للهجرة الثامن الميلادي.
ولقد نقل الإباضية النشاط العمراني إلى سدراته أو صدراته، مقر الأئمة الثاني، حيث عُثر في كشوف 1950 على ثلاثة منازل كبيرة غنية بالتزيينات، وكذلك تم التعرف على المسجد الجامع الذي يزوره الإباضية، مع ضريح للإمام يعقوب بن أفلح الذي يعده البعض آخر الأئمة الرستميين.
نجدة خماش