متفجرات
Explosives - Explosifs
المتفجرات
المتفجرات explosives مركبات أو مزائج كيمياوية سريعة الاحتراق أو التفكك مع توليد كمية كبيرة من الغازات والحرارة، ينتج منها ضغط مفاجئ في زمن قصير جداً.
الاستعمال الرئيسي للمتفجرات في زمن السلم هو النسف والاستخدام في المناجم والمقالع[ر: المقلع]، كما تستخدم المتفجرات في أجهزة التأشير والألعاب النارية[ر: الناريات]، ولإجراء البرشمة المصمتة (المحكمة) وتشكيل المعادن، ومادة دافعة في المقذوفات والصواريخ، وحشوات ناسفة بهدف الهدم والتخريب، وحشوات متفجرة في القذائف والقنابل والألغام[ر: اللغم، القنابل، القنبلة النووية، القذائف الصاروخية].
ومن استخدامات المتفجرات في زمن السلم أيضاً هدم المباني القديمة والمتداعية بتفجيرها. إذ إن ترتيب المتفجرات بعناية وفق دراسة معينة يؤدي إلى انهيار المبنى المطلوب من دون أن تُمس أو تصاب المنشآت المحيطة به بأذى. وهذه التقنية مفيدة على نحو خاص في المدن، حيث تفكيك البناء قطعة قطعة وجزءاً جزءاً يستغرق زمناً ونفقات كبيرة، في حين يتسبب التفجير غير المتحكم به في فوضى وأخطار غير محسوبة.
هناك ثلاثة أنواع رئيسية من التفجير: التفجير الميكانيكي والتفجير النووي والتفجير الكيمياوي. يعتمد التفجير الميكانيكي على رد الفعل الفيزيائي، مثل زيادة ضغط الهواء في عبوة محكمة. ولمثل هذه الأجهزة استخدامات شتى ولاسيما في المناجم والمقالع التي لا يحسن فيها التفجير الكيمياوي. أما التفجير النووي فيتم عن طريق تفاعل نووي مستمر وبسرعة ثابتة يتحرر في أثنائه قدر هائل من الطاقة. وثمة تجارب تجرى لاستخدام التفجيرات النووية سلمياً لأغراض استخراج النفط. أما التفجير الكيمياوي محور هذا البحث فيعد الأسلوب المفضل في مختلف تطبيقات الهندسة.
لمحة تاريخية
أول متفجر كيمياوي معروف هو البارود[ر]، ويسمى البارود الأسود أو ذرور المدافع gunpowder، وهو من أقدم المواد المتفجرة المعروفة، ولا يمكن على وجه الدقة تحديد مَن أول من اخترعه، كما لا يعرف أصل تسميته بالعربية، وقد بقي البارود المتفجر الوحيد المعروف عدة قرون.
وأهم المتفجرات الحديثة النتروسلولوز nitrocellulose والنتروغليسرين nitroglycerin، وقد اكتشِف كلاهما عام 1846. ومنذ ذلك الحين غدت ضروب النترات nitrates ومركبات النترو[ر: المشتقات النترية] nitro compounds وضروب الفلمينات fulminates والأزيدات azides المركبات المتفجرة الرئيسية، وتستخدم وحدها أو مع أنواع الوقود أو عناصر أخرى. ويعد ثالث أكسيد الزينون xenon trioxide أول متفجر مؤكسد، وقد طُور عام 1962.
مواصفات المتفجرات الكيمياوية
تُصنف المتفجرات الكيمياوية في صنفين رئيسيين هما: المتفجرات الخفيفة low explosives أو الحارقة deflagrating، وتحترق بمعدل 2.5 سم في الثانية، وتولد ضغطاً خفيفاً نسبياً، ومنها البارود الأسود وأنواع من البارود اللادخاني. وقد ينصعق هذا النوع من المتفجرات في شروط معينة، كأن يحشر البارود بكميات كبيرة في مكان ضيق محكم الإغلاق ويفجَّر بصاعق. أما النوع الثاني فيشمل المتفجرات الشديدة الانفجار أو الصاعقة detonating or high explosives مثل الديناميت dynamite والـ ت.ن.ت trinitrotoluene (T.N.T) وغيرهما. وهي تنصعق بمعدلات تراوح بين 914- 9140م/ثا.
تقسم المتفجرات الشديدة الانفجار عادة إلى فئتين: فئة أولية وفئة ثانوية. فالأولية تنصعق بالاشتعال بلهب أو شرارة أو صدمة أو أي مصدر أو وسيلة تعطي حرارة كافية. أما المتفجرات الثانوية فتحتاج إلى صاعق وإلى معزز (محرض) إضافي في بعض الحالات. وقليل من المتفجرات يمكن أن يكون أولياً وثانوياً معاً، ويتوقف ذلك على شروط الاستخدام. وهناك عدد كبير من المتفجرات القابلة للصعق. بعضها مقاوم جداً للصدمات والاحتكاك ويمكن تداوله وخزنه واستخدامه بأمان نسبي كالـ ت.ن.ت مثلاً. وبعضها حساس جداً، كالنتروغليسرين، ولابد من مزجه بمواد مهدئة تخفف من حساسيته ليمكن استخدامه عملياً. وللحصول على المواصفات المرغوبة في متفجر ما يتم عادة مزج عدة أنواع من المتفجرات من مواصفات مختلفة بعضها مع بعض.
تُصنف المتفجرات كذلك بحسب مواصفات مهمة أخرى تؤثر في استخدامها في تطبيقات معينة. ومن هذه المواصفات سهولة صعقها وثباتها في شروط الحرارة والبرد والرطوبة. وإن مفعول التحطيم shattering effect أو قوة القصم (التدمير) brisance التي يوسم بها المتفجر مرهونة بسرعة انصعاقه. وبعض المتفجرات الشديدة الحديثة تنصعق بمعدل 9140م/ثا، وهي فعالة للغاية في أعمال التدمير وفي الاستخدام العسكري، ولإحداث أنواع معينة من التفجيرات.
ومن جهة أخرى تستخدم في المناجم والمقالع متفجرات خفيفة بسرعة انصعاق بطيئة وقدرة قصم ضعيفة حين يراد استخراج كتل كبيرة من الصخر أو الخام. أما المتفجرات المستخدمة دافعاً في الأسلحة النارية فيجب أن تحترق ببطء أكثر؛ لأنها يجب أن تعطي المقذوف دفعاً متزايداً باطراد في داخل السبطانة وليس صدمة مفاجئة قد تحطم المدفع إن كانت أقوى مما يجب. وأكثر الأنواع الخاصة من المتفجرات حساس بالحرارة أو الصدمة، ولها قوة قصم متوسطة إلى عالية، وتستخدم لبدء إشعال المتفجرات الشديدة الأقل حساسية. وغالباً ما تُمزج المتفجرات الشديدة مع مواد خاملة (غير فعالة inert) للتقليل من حساسيتها، كما هو شأن الديناميت.
المتفجرات الدافعة
ثمة نوعان من المتفجرات التي تُستخدم عموماً حشوات دافعة للمقذوفات في الأسلحة النارية والصواريخ. ويدعى كلاهما البارود اللادخاني. وهو مصطلح مضلل؛ لأن النوعين كليهما لا يخلوان من الدخان حين ينفجران، وليس لهما شكل البارود الحقيقي. وتطلق هذه التسمية خاصة على النوع الأول الوحيد الأساس، وهو المتفجر الخفيف المعروف باسم النتروسلولوز الهلامي أو البارود القطني [C6H7O2(OH)3-X(ONO2)X]n؛ وهو مادة بيضاء ليفية القوام تشبه القطن، وتتألف من النتروسلولوز مع بعض الإضافات، وقد حل فيها محل ألياف القطن اليوم سلولوز الخشب النقي جزئياً أو كلياً، ولا تزيد نسبة الآزوت فيها على 12.5-13.5%. وتختلف المواصفات الفيزيائية والكيمياوية للنتروسلولوز باختلاف نسبة ما يحتويه من الآزوت (النتروجين) والإضافات. أما النوع الثاني، أي البارود اللادخاني الثنائي الأساس، أو ثنائي القاعدة double-base powder or compound powder فمزيج يشتمل على نسبة 70-80% نتروسلولوز و20-30% نترو غليسرين. وقد يضاف إلى الصنفين الديفينيل أمين diphenylamine لضمان ثباتهما، كما يضاف الإتير الكحولي أو أسيتات الإتيل ethyl acetate لإعطاء النتروسلولوز قواماً هلامياً gelatinized، وقد يضاف الغرافيت للإقلال من قابليتهما للشحن بالكهرباء الساكنة. كذلك يستعمل ثنائي نترو التولُوين dinitrotoluene (DNT) وثنائي بوتيل فتالات dibutylphthalate وثنائي إثيل دفينيل البولة diethyldiphenylurea (المركَّز)، وهي مركبات غير طيارة؛ للتخفيف من معدل احتراق البارود اللادخاني ومن امتصاصه للرطوبة عند التخزين، ويضاف إليه كمية قليلة من مثبِّت هو هلام النفط petroleum jelly.
يتم التحكم بمعدل احتراق كلا النوعين من البارود اللادخاني بتشكيل حبات البارود. ولأن حبات البارود تحترق من السطح إلى الداخل فمن الممكن صنع حبات تحترق بسرعة تتباطأ باطراد وبمعدل ثابت، أو بسرعة متزايدة مطردة بحسب شكل الحبة وأبعادها. فإذا كانت حبة البارود كروية وبدأت بالاحتراق يتضاءل سطحها باطراد، فتتباطأ سرعة احتراقها تدريجياً. ويستخدم هذا البارود المتباطئ الاحتراق في الأسلحة النارية القصيرة السبطانة مثل المسدسات.
المتفجرات الشديدة الانفجار
النتروغليسرين: النتروغليسرين متفجر كيمياوي اكتشفه الكيميائي الإيطالي أسكانيو سوبريرو Ascanio Sobrero عام 1846، وسماه في بادئ الأمر الغليسرين الناري pyroglycerin، ثم صار يدعى نتروغليسرين (انظر الصيغة 1) أو الزيت الناسف blasting oil [ر. الغليسرول].
وبسبب مخاطر صنعه وعدم توافر الوسائل المناسبة لصعقه ظل النتروغليسرين حبيس المختبرات حتى قام الكيميائي السويدي عمانويل نوبل Immanuel Nobel وابنه ألفريد Alfred بدراسات مكثفة في الأعوام 1859-1861 فتحت المجال لاستخدام النتروغليسرين تجارياً. وقد شيّد الاثنان في عام 1862 مصنعاً أميناً وفعالاً لإنتاج النتروغليسرين، غير أنه انفجر بعد عامين، وقُتل في الانفجار أخو ألفريد الأصغر المدعو إميل أوسكار Emil O. مع آخرين. وكان ذلك حافزاً لألفريد لمتابعة العمل على عوامة في بحيرة أول الأمر، ومن ثم تشييد عدة مصانع لإنتاج هذا المتفجر في ألمانيا والسويد والنروج والولايات المتحدة الأمريكية.
كان الديناميت ثاني أهم اختراع تقدم به نوبل عام 1867. وقد اشتق الاسم من الإغريقية اليونانية dynamis أي «القوة». إذ تبين له أن التراب السيليسي المسامي الرسوبي المعروف باسم «كيسلغور» kieselguhr يمتص كميات كبيرة من النتروغليسرين، وبذلك يتم الحصول على متفجرٍ أكثر أماناً من الغليسرين النقي وقابلٍ للتداول. وكان الديناميت رقم 1- كما سماه نوبل - يتألف من 75% نتروغليسرين و25% تراب رسوبي. وقد وجد نوبل أن فعل التراب الرسوبي لا يقتصر على تخميد مفعول النترو غليسرين بل يعمل على امتصاص الحرارة وضبط قوة الانفجار، ودفعه ذلك إلى البحث عن مكونات أكثر فعالية مثل لبّ الخشب مادة ماصة ونترات الصوديوم مادة مؤكسدة. ومع تعديل كميات هذه المواد - التي غدت تسمى معاجين dopes - بنسب مختلفة توصل نوبل إلى تحسين فاعلية الديناميت وتحضير أصناف منه تختلف في قوتها وشدتها تحت اسم ضروب الديناميت الصرفstraight dynamites. وبالتالي فإن «الديناميت الصرف 40%» يعني أنه يحوي 40% نتروغليسرين و60% معاجين. سجل نوبل اختراعه عام 1869، وتوصل آخرون إلى تركيبات مشابهة في الفترة نفسها تقريباً، ولم يتمكن أي منهم من إثبات سبقه إلى هذا الاختراع. وقد استُخدم الديناميت والنتروغليسرين في حفر الأنفاق وتوسيع آبار النفط وشق الطرق، ومازال يُستخدم إلى اليوم لرخص تكاليفه وسهولة استعماله.
كان من إسهامات نوبل الأخرى اختراعه عام 1875 الديناميت الهلامي، بإذابة النترو غليسرين في الكولوديون (محلول من نتروسلولوز مخفف النترو ومزيج من الإتير والكحول يستعمل لتغطية الجروح)، ثم تركه يتبخر ليحصل على متفجر لدن قابل للتكييف شديد الانفجار مقاوم للماء.
النتروسلولوز: في عام 1845 اخترع الكيميائي الألماني كريستيان شونِباين Christian Schoenbein نترو القطن nitrocotton أو ما يعرف بالبارود القطني، بأن غمس القطن في مزيج من حمض الآزوت وحمض الكبريت، ثم غسله بالماء ليزيل الحمض عنه. وكان يأمل من وراء ذلك الحصول على مادة دافعة للأسلحة الحربية، ولكنه وجد أن هذا المتفجر سريع جداً وعنيف المفعول. وفي نحو العام 1860 توصل رائد في الجيش البروسي يدعى ي. شولتزه E.Schultze إلى إنتاج مادة دافعة مفيدة هي النتروسلولوز. فقد نقع قطعاً صغيرة من الخشب في حمض الآزوت ثم أزال الحمض وشرّب القطع نترات الباريوم ونترات البوتاسيوم. وكان غرضه من ذلك تزويدها بالأكسجين لحرق الخشب غير المنترج تماماً. وقد حصل شولتزة على بارود جيد يصلح لبواريد الصيد، غير أنه سريع الاشتعال جداً ولا يصلح للاستعمال في المدافع ومعظم البنادق.
في عام 1884 صنع الكيميائي الفرنسي بول ڤييه Paul Vieille أول بارود لا دخاني على النحو المعروف اليوم. فقد نقع النتروسلولوز في مزيج من الإتير والكحول حتى أصبح كتلة هلامية رققها على شكل صفيحة ثم قطعها شرائط. وبعد تبخر المادة الحالة حصل على مادة كثيفة تشبه قرون الحيوانات. وقد أعطى هذا المنتج نتائج مرضية في جميع أنواع المدافع.
وفي عام 1888 أنتج ألفرد نوبل اختراعاً جديداً أسماه بالستيت ballistite، إذ مزج 40% من النتروسلولوز المخفف النترو و60% من النتروغليسرين ثم قطع الناتج شرائح ليحصل على مادة دافعة ممتازة ظلت تستعمل 75 سنة. بيد أن البريطانيين لم يعترفوا بفضل نوبل وحقوقه فيها، وطوروا عدداً من المنتجات المماثلة لها أطلقوا عليها اسماً عاماً هو الكوردايت cordite. كذلك توصلت شركة دوبون الأمريكية عام 1909 إلى منتج مماثل وبالجودة نفسها أساسها نترو القطن المخفف النترو، ويدعى بيروسللولوز pyrocellulose، وأضيفت إليها كمية ضئيلة من ديفينيل أمين للمحافظة على استقرارها، وبعد تحبُّبِها وإزالة السوائل عنها يضاف إليها الغرافيت. واستبدل بالقطن في خاتمة المطاف سلولوز الخشب.
نترات الأمونيوم: كان التطور التالي في الأهمية بعد الديناميت والمتفجر الهلامي حلول نترات الأمونيوم ammonium nitrate محل جزء من النتروغليسرين للحصول على منتج أكثر أماناً وأقل كلفة. وكان استخدام نترات الأمونيوم في صنع المتفجرات قد سجل عام 1867من قبل كيميائيين آخرين في السويد، غير أن نوبل هو من صنع «ضروب الديناميت الممتاز» extra dynamites بإنتاج مزيج هلامي يحتوي على 20-60% نترات الأمونيوم. وسعى كثيرون في الفترة بين عامي 1867 و1884 إلى تطوير مزيج نترات الأمونيوم الهلامي من دون نتائج مجدية؛ بسبب ميله لامتصاص الرطوبة غالباً. وفي عام 1885 توصل كيميائي أمريكي يدعى بنيمان R.S.Penniman إلى حل للمشكلة بتغليف نترات الأمونيوم بقليل من البارافين أو مادة مشابهة قبل استخدامه. وسرعان ما ظهرت بفضل هذا التطور أصناف عدة من ديناميت الأمونيا[ر: النشادر] وشاع استخدامها. وبطل التغليف بعد أن تم التوصل إلى وسائل أكثر أماناً للتعامل مع مشكلة الرطوبة. وكل البلاد التي تستخرج الفحم من مناجم تحت الأرض تستخدم متفجرات من هذا النوع وفق ضوابط متفق عليها وتحت أسماء مختلفة. وتتصف هذه المتفجرات بضآلة كمية الحرارة التي تنشرها عند الانفجار، واحتواء معظمها على عامل تبريد مثل كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) أو كلوريد الأمونيوم لمنع حرارة الانفجار من إشعال الغازات الموجودة تحت الأرض وغبار الفحم.
الـ ت. ن. ت: الـ ت.ن.ت واسمه الكامل « ترينترو تولوين» (ثلاثي نترو تولوين) (TNT)، متفجر قوي جداً يعرف بالحروف الأولى من اسمه. وهو مسحوق منترج بلوري أصفر باهت اللون، عطري الرائحة صيغته C7H5N3O6، قليل الانحلال بالماء، وسريع الانحلال بالبنزن benzene[ر. الفحوم الهدروجينية العطرية] والتولوين والأسيتون. وزنه النوعي 1.654.
اكتشف هذه المادة جون ويلبراند J.Wilbrand عام 1863، وكانت تستخدم على نطاق واسع في الصباغة، فلم يلجأ إلى استخدامها متفجراً حتى العام 1904. ومن أهم خصائصها إمكانية إذابتها بأمان عند درجة حرارة 82 ْس، ولا تنفجر عند درجة حرارة تقل عن240 ْس. ولوجود هذا الفارق الكبير بين نقطة انصهارها ونقطة تفككها بفعل الحرارة يمكن صهرها في وعاء ببخار الماء وصبها في قوالب وحدها أو ممزوجة مع متفجرات أخرى. وهي غير حساسة بالصدمات ولا تنفجر إلا بفعل صاعق، ولذلك تعد مادة الـ ت.ن.ت من أكثر المتفجرات الشديدة - غير النووية - صلاحية للاستعمالات العسكرية وغير العسكرية. غير أن لها سيئتين: أولاهما أنها مادة حساسة جداً في الحالة الصلبة، وثانيتهما أنه من الصعب سكبها من دون فقاعات هوائية. ويمكن التغلب على السيئة الأولى بإحداث ثقب في مركز حشوة الـ ت.ن.ت وعلى طولها بقطر 2.5 سم، وملء الثقب بمادة التتريل (ترينترو فينيل ميتيل نترامين) tetryl (trinitrophenylmethylnitramine). ويمكن التغلب على السيئة الثانية باستخدام مزيج من 40% ترينتروكسيلين trinitroxylene (TNX) و60% ت.ن.ت. إن هذا المزيج يمكن سكبه تماماً، ويمكن صعقه بوجود معزز صغير من التتريل. وقد كان الـ ت.ن.ت المتفجر الأكثر استعمالاًَ من مختلف الأطراف المتحاربة في الحربين العالميتين بحالته النقية أو ممزوجاً مع متفجرات أخرى.
تنهار جزيئات الـ ت.ن.ت حين تنخع أو تصدم jolted، فتتحد ذرات الأكسجين مع ذرات الكربون والهدروجين لتشكل ثنائي أكسيد الكربون وبخار الماء على التوالي. ويحرر الانهيار ذرات النتروجين التي تشكل غاز الآزوت. وهكذا يتبدل الـ ت.ن.ت عند انصعاقه من الحالة الصلبة المتراصة إلى سحابة هائلة الحجم من الغازات، ينجم عنها انفجار قوي جداً.
متفجرات كيمياوية أخرى
الكلورات والبركلورات (فوق الكلورات): يعود الاهتمام بضروب الكلورات وضروب البركلورات chlorates and perchlorates (أملاح حمض الكلور وحمض فوق الكلور) إلى عام 1788. وهي مزيج من الزيوت الثقيلة الصلبة والسائلة. وقد شيدت في أوربا وأمريكا مصانع عدة لإنتاج هذه الأنواع من المتفجرات، واختص أكثرها بإنتاج كلورات البوتاسيوم، غير أن معظمها - إن لم تكن كلها- التهمته النيران أو انفجر، ولم يعمد أحد إلى إنتاج متفجرات الكلورات لسنوات عديدة بعدها.
متفجرات سبرنغل: سجل البريطاني هرمان سبرنغل Hermann Sprengel في عام 1871 اختراع مركبٍ من مواد مؤكسدة، من بينها الكلورات والنترات وحمض الآزوت nitric acid، مع مواد قابلة للاحتراق، مثل النترونفتالين nitronaphthalene والبنزن والنتروبنزن nitrobenzene. وتختلف هذه المتفجرات عن سابقتها بكون أحد مركباتها مائعاً، ولا يحضر المزيج إلا قبل الاستعمال مباشرة. وقد شاعت متفجرات سبرنغل في أوربا وبقي استهلاكها في الولايات المتحدة محدوداً.
متفجرات الأكسجين السائل: عمد الألماني كارل فون لينده Carl von Linde عام 1895إلى غمس أكياس مسامية تحوي الفحم الحجري في الأكسجين السائل. على طريقة سبرنغل، وصار هذا المتفجر يعرف باسم لوكس LOX. وقد استخدم هذا المتفجر في ألمانيا على نطاق واسع في الحرب العالمية الأولى لعدم توافر النترات بكميات كافية لديها، ولكن استخدامه كان قليلاً في الحرب الثانية بسبب التوصل إلى استخراج كميات وافرة من النترات من النشادر صناعياً. ولما كان تصنيع الأكسجين السائل يحتاج إلى تجهيزات معقدة وعالية التكاليف فقد انحصر إنتاج اللوكس في المناطق التي تستهلك كميات قليلة منه، كما هي الحال في مناجم الفحم في الغرب الأوسط الأمريكي إذ بلغ الاستهلاك الأعظمي في عام 1953 نحو 10 ملايين كغ، وهبط عام 1968 إلى الصفر.
متفجرات نتروالنشاء: يعد نتروالنشاء nitrostarch شبيهاً جداً بالنتروسلولوز، وقد لفت الاهتمام في زمن مبكر، غير أنه لم يُنتَج عملياً إلا عام 1905. وهو شبيه بالديناميت الصرف وديناميت النشادر فيما عدا أن نتروالنشاء يستخدم بدلاً من النتروغليسرين. ومن سيئاته شدته الضعيفة نسبياً وكونه متوسط المقاومة للماء، وعدم إمكانية تحويله إلى منتج هلامي. غير أن من حسناته أنه لا يتسبب في الصداع في حال ملامسته، وهي السمة المرافقة لجميع المزائج التي تحوي نتروغليسرين.
النترامون والنترامكس: النترامون والنترامكس Nitramon & Nitramex متفجرات متطورة مهمة، طورتها شركة دوبون Dupont عام 1934. والنترامون متفجر معلب يتألف عادة من 92% نترات أمونيوم و4% دينتروتولوين dinitrotoluene و4% شمع البارافين. وهناك أصناف منه تحوي مادة مكملة معدنية مثل الألمنيوم أو السيليكون الحديدي ferrosilicon. والنترامون غير حساس بفعل الفتيل الصاعق، أو الكبسول المشعل التجاري، أو الصدمة أو الاحتكاك أو في حال الإصابة بالذخيرة الصغيرة. وهو يحتاج إلى صاعق كبير لصعقه. والصاعق الوحيد المعروف لهذه الغاية هو ما يطلق عليه اسم صاعق النترامون. وهو منتج معلب يحوي نترامون في طرفيه وأماتول amatol في الوسط ويمكن صعقه بفتيل صاعق أو كبسولة. تنتج علب النترامون بأحجام مختلفة، أصغرها بقطر 10سم. وتنتج منها علب خاصة لأعمال المسح الزلزالي والتنقيب عن النفط والغاز بقطر 5-6.4سم.
والنترامكس شبيه بالنترامون ولكنه أشد منه لأنه يحتوي على ت.ن.ت ومادة معدنية مكملة مثل الألمنيوم، وقد حلت ضروب الهلام المائي water gels محل الاثنين في العقود الأخيرة.
حمض البيكريك وبيكرات الأمونيوم: حمض البيكريك picric acid أو 6، 4، 2 - ترينتروفينول بلورات صلبة لا رائحة لها ذات لون أصفر باهت، تستخدم متفجراً في الذخائر الحربية وصباغاً أصفر ومادة معقمة، صيغتها HOC6H(NO2)3. يمكن تشكيل صفائح أو إبر أو قضبان بلورية صفراء من محلول حمض البيكريك حسب نسبة التركيز. وهو ينصهر عند درجة الحرارة 122-123 ْس ويخضع للتسخين البطيء المتدرج، غير أنه ينفجر في التسخين السريع، كما يمكن أن ينفجر بالصدمة. اكتشِف الحمض عام 1771 واستخدم لصبغ الحرير بدءاً من عام 1849. واحتل في الاستخدامات العسكرية مكانة مهمة بين المتفجرات الأخرى بدءاً من عام 1886 حين استخدمه الفرنسيون حشوة للقنابل المتفجرة تحت اسم ميلينيت milinite، واستخدمه البريطانيون تحت اسم ليدّايت liddite، وعرفه اليابانيون باسم شيموس shimose واستخدموه في الحرب الروسية اليابانية عام 1905. غير أن مفعوله المؤكسد القوي على سطوح القذائف كان من أكبر سيئاته فتراجع استخدامه بعد الحرب الأولى.
أما بيكرات الأمونيوم ammonium picrate أو المتفجر «د» فهو من أملاح حمض البيكريك، وله قيمة كبيرة لدى استخدامه حشوات متفجرة في القذائف الخارقة للدرع مع صاعق مناسب، بسبب مقاومته للصدمات الشديدة عندما تخترق القذيفة تصفيحاً بسماكة 30سم قبل أن تنصعق.
الأماتول: في بدايات الحرب العالمية الأولى تبين أن استخدام مزيج من الـ ت.ن.ت ونترات الأمونيوم حشوة للقذائف المتفجرة له فاعلية الـ ت.ن.ت النقي نفسها. وكانت نسبة المزيج الأكثر شيوعاً 80-20 أو 50-50 نترات الأمونيوم - ت.ن.ت، وقد سمي أماتول amatol، وميزته الرئيسية التخفيف من استهلاك الـ ت.ن.ت ورخص تكاليفه. وقد استخدم الأماتول على نطاق واسع في الحرب العالمية الثانية حشوات لقنابل الطائرات وقذائف المدفعية. وللتخفيف من استهلاك الـ ت.ن.ت أيضاً استخدمت نترو النشاء مادة أساسية لحشوات الرمانات اليدوية وقذائف الهاون.
الحشوات الجوفاء: الحشوة الجوفاء shaped charge، منتج احتل مكانة كبيرة في الحرب العالمية الثانية حين زودت به الصواريخ التي تطلق يدوياً. تتألف الحشوة الجوفاء عادة من مخروط أو قمع من المعدن أو الزجاج محاط بمادة متفجرة عالية الكثافة شديدة المفعول، ومعها وسائل كافية لتبقيها في حالة العطالة حتى تجتاز المسافة المطلوبة إلى الهدف. وعندما ينصعق المتفجر ينهار القمع ويتبخر محدثاً نفثاً صغير القطر هائل الحرارة مع جزيئات مادة صلبة تنطلق باستقامة بسرعة تراوح بين 3050-9100 م/ثا، وتصدم الهدف بسرعة وشدة تؤدي إلى انصهاره في نقطة الصدم، وينتج منها ثقب مستدير نافذ.
المتفجرات الشديدة الحديثة
قبيل الحرب العالمية الثانية وفي أثنائها طُوِّر عدد من المتفجرات الجديدة الشديدة الفاعلية. ومن أهمها السيكلونايت cyclonite وبنتا إريتريتول تترانترات pentaerythritol tetranitrate. وإتلين ديامين دينترات ethylenediaminedinitrate وغيرها، وكل واحد منها مزيج يحتوي على كميات مختلفة من الـ ت.ن.ت تراوح بين 40-50 %، وتستخدم حيث يتطلب الأمر قوة قصم وتشظ شديدة.
يرمز للسيكلونايت بالحروف آر دي إكس RDX ويستخدم في صنع الصواعق. ولدى مزجه مع الـ ت.ن.ت والشمع يصبح اسمه «المركب ب» Composition B ويستعمل في حشوات القنابل الشديدة الانفجار. وثمة مزيج مشابه له يحتوي على الألمنيوم يدعى توربكس Torpex له مفعول تحت الماء وتفوق شدته شدة الـ ت.ن.ت بنسبة 50%.
وهناك عدد من التراكيب المتفجرة اللدنة الأخرى تحتوي على نسب كبيرة من السيكلونايت، مع متفجرات ملدِّنة ويرمز لها بحروف وأرقام، مثل C-1 وC-3 وC-2 وC-4، يستخدم كل منها في الحشوات الناسفة المعدة للهدم، والفارق الأساسي بينها تحملها لدرجات حرارة دنيا وعظمى مختلفة مع بقائها صالحة للاستخدام.
أما بنتا إريتريتول تترانترات فيرمز له بالحروف الأولى «بيتن» PETN ومواصفاته مماثلة للسيكلونايت، ويمكن مزجه مع الـ ت.ن.ت ليكوِّن معه متفجراً يدعى بنتولايت pentolite. ويعد البيتن اليوم الحشوة الصاعقة الرئيسية لمعظم المتفجرات، ونواة الفتيل الصاعق المستخدم في صعق الحشوات الناسفة، وكذلك حشوة معززة في أعمال النسف. تحشر بين الصاعق والحشوة الرئيسية من المتفجرات الشديدة في القذائف الكبيرة وقنابل الطائرات. وتصنع منه كبسولة صاعقة أو مفجِّر يحوي شحنة صغيرة توضع في الديناميت وتشعل بمشعل أو فتيل بطيء أو بشرارة كهربائية. ولهذه المتفجرات الحساسة قوة قصم وتفجير شديدة.
وفي عام 1955 حدث تحول رئيسي في صناعة المتفجرات منذ اختراع الديناميت. فقد شهد ذلك العام استخدام نمطين من المتفجرات الشديدة الانفجار حلت محل الديناميت إلى درجة كبيرة. أولهما مزيج نترات الأمونيوم المستخدمة في التسميد (94%) وزيت الوقود fuel oil رقم 2 (6%)، ويعرف هذا المزيج بالحروف الأولى ANFO. توضع الشحنة المتفجرة في أكياس من البولي إتيلين توفر لها مناعة من الماء، وتزيد شدتها بنسبة 25 % على شدة الـ ت.ن.ت.
أما النمط الثاني فيدعى المتفجرات الرداغ (الموحِلة) slurry explosives (الردغة الوحل الشديد) أو ضروب الهلام المائي water gels، وقد أدخلت في الاستخدام عام 1958، وتستعمل في الهدم غالباً. تتألف هذه المتفجرات من مزيج من نترات الأمونيوم والـ ت.ن.ت، وماء كافٍ لتشكيل مادة مائعة، ومواد مهلَّمة ورابطة مثل البوراكس، ثم أضيف إليها فيما بعد الألمنيوم وزيوت معدنية أخرى. يكوِّن النمطان الأول والثاني معاً 70% من استهلاك الولايات المتحدة الأمريكية من المتفجرات الحديثة الشديدة الانفجار لمختلف الاستخدامات، وتتوافر لديها تقانات متطورة لإنتاجهما تفوق ما لدى الدول الأخرى.
الصواعق أو المتفجرات الصاعقة
إن الشحنات الصاعقة متفجرات عالية الحساسية نسبياً؛ لذلك تستخدم لكي تنصعق ذاتياً بفعل صدمة ميكانيكية أو حرارة معتدلة بحيث تصدر قوة كافية لتفجير الشحنة الرئيسية. وظلت فلمينات الزئبق mercury fulminate Hg(ONC)2 المركب الرئيسي المستعمل لهذه الغاية، إما وحده أو ممزوجاً مع مركبات أخرى مثل كلورات البوتاسيوم. ويرى معظم الخبراء إلى اليوم أن اختراع ألفريد نوبل للصاعق (كبسولة الإشعال blasting cap) من مزيج فلمينات الزئبق مع كلورات البوتاسيوم (بنسبة 80-20 أو 90-10) عام 1865 كان أعظم إنجاز في علم المتفجرات منذ اكتشاف البارود. وقد ظل هذا الصاعق الوسيلة الرئيسية في الاستخدام حتى عشرينات القرن العشرين. ويعد الجمع بين الفتيل البطيء (الفتيل الآمن safety fuse)- الذي اخترعه بيكفورد Bickford- والصاعق أكثر الوسائل الأمينة التي تصلح لصعق النتروغليسرين وكثير من المتفجرات الأخرى الشديدة الانفجار عن بعد.
تعد فلمينات الزئبق مثالاً على المتفجرات الأولية والثانوية، فإذا ضغطت إلى درجة كبيرة تصبح شحنة ثنائية القاعدة، أما إذا خفف ضغط ذراتها فتتحول إلى مشعل مخفض القدرة. وهي خطرة للغاية ولا يمكن تخزينها عند درجات حرارة عالية من دون أن تتفكك. أضف إلى ذلك صعوبة الحصول على الزئبق في زمن الحرب. وقد كان من نتائج ذلك أن حل محل فلمينات الزئبق كلّية - سواء للاستعمال التجاري أم العسكري- كل من أزيد الرصاصlead azide PbN6 ، وديازو دينتروفينول diazodinitrophenol، وهكسا نترومانيتول hexanitromannitol. وتستعمل هذه المشعلات الصاعقة بتماس مع شحنة من السيكلونايت أو البيتن اللذين حلا محل التتريل.
المتفجرات الأمينة
قد يكون استخدام المتفجرات العادية الشديدة الانفجار في بعض الحالات، وخاصة في مناجم الفحم خطراً جداًَ لأنه يتسبب في اشتعال الغازات السريعة الاحتراق أو ذرور غبار الفحم الموجود تحت الأرض.
ولتفجير طبقات الفحم في مثل هذه الأحوال هناك أنواع عدة من المتفجرات الأمينة تم تطويرها بحيث تقلِّل الخطر إلى حده الأدنى سواء من الحريق أم من الانفجار، فلا تحدث لهيباً إلا للحظات قصيرة جداً، كما أن لهبها بارد نسبياً. وأنواع المتفجرات الأمينة المتفق عليها للاستعمال في مناجم الفحم هي أساساً مزائج من نترات الأمونيوم مع مركّبات أخرى من مثل نترات الصوديوم والنتروغليسرين والنتروسللولوز ونترو النشاء والمواد المكربنة وكلوريد الصوديوم وكربونات الصوديوم. وثمة نوع آخر من الشحنات الناسفة تلقى قبولاً متزايداً للاستعمال في المناجم لأنها لا تصدر لهيباً على الإطلاق، وهي أسطوانة من ثنائي أكسيد الكربون السائل الذي يمكن أن يتحول إلى غاز في لحظة بوساطة عنصر تسخين كيمياوي داخلي، وعلى إحدى نهايتي الأسطوانة سدادة سريعة الانكسار يتوسع الغاز من خلالها.
من مزايا شحنة ثنائي أكسيد الكربون أنها ليست متفجراً في ذاتها، وأنها تمتص الحرارة بدلاً من نشرها. ومن مزاياها الأخرى أن شدة الانفجار قابلة للتوجيه نحو قعر الثقب المحفور الذي تغرس فيه الشحنة، فتقلل من تناثر الفحم وتكسره.
محمد وليد الجلاد
Explosives - Explosifs
المتفجرات
المتفجرات explosives مركبات أو مزائج كيمياوية سريعة الاحتراق أو التفكك مع توليد كمية كبيرة من الغازات والحرارة، ينتج منها ضغط مفاجئ في زمن قصير جداً.
الاستعمال الرئيسي للمتفجرات في زمن السلم هو النسف والاستخدام في المناجم والمقالع[ر: المقلع]، كما تستخدم المتفجرات في أجهزة التأشير والألعاب النارية[ر: الناريات]، ولإجراء البرشمة المصمتة (المحكمة) وتشكيل المعادن، ومادة دافعة في المقذوفات والصواريخ، وحشوات ناسفة بهدف الهدم والتخريب، وحشوات متفجرة في القذائف والقنابل والألغام[ر: اللغم، القنابل، القنبلة النووية، القذائف الصاروخية].
ومن استخدامات المتفجرات في زمن السلم أيضاً هدم المباني القديمة والمتداعية بتفجيرها. إذ إن ترتيب المتفجرات بعناية وفق دراسة معينة يؤدي إلى انهيار المبنى المطلوب من دون أن تُمس أو تصاب المنشآت المحيطة به بأذى. وهذه التقنية مفيدة على نحو خاص في المدن، حيث تفكيك البناء قطعة قطعة وجزءاً جزءاً يستغرق زمناً ونفقات كبيرة، في حين يتسبب التفجير غير المتحكم به في فوضى وأخطار غير محسوبة.
هناك ثلاثة أنواع رئيسية من التفجير: التفجير الميكانيكي والتفجير النووي والتفجير الكيمياوي. يعتمد التفجير الميكانيكي على رد الفعل الفيزيائي، مثل زيادة ضغط الهواء في عبوة محكمة. ولمثل هذه الأجهزة استخدامات شتى ولاسيما في المناجم والمقالع التي لا يحسن فيها التفجير الكيمياوي. أما التفجير النووي فيتم عن طريق تفاعل نووي مستمر وبسرعة ثابتة يتحرر في أثنائه قدر هائل من الطاقة. وثمة تجارب تجرى لاستخدام التفجيرات النووية سلمياً لأغراض استخراج النفط. أما التفجير الكيمياوي محور هذا البحث فيعد الأسلوب المفضل في مختلف تطبيقات الهندسة.
لمحة تاريخية
أول متفجر كيمياوي معروف هو البارود[ر]، ويسمى البارود الأسود أو ذرور المدافع gunpowder، وهو من أقدم المواد المتفجرة المعروفة، ولا يمكن على وجه الدقة تحديد مَن أول من اخترعه، كما لا يعرف أصل تسميته بالعربية، وقد بقي البارود المتفجر الوحيد المعروف عدة قرون.
وأهم المتفجرات الحديثة النتروسلولوز nitrocellulose والنتروغليسرين nitroglycerin، وقد اكتشِف كلاهما عام 1846. ومنذ ذلك الحين غدت ضروب النترات nitrates ومركبات النترو[ر: المشتقات النترية] nitro compounds وضروب الفلمينات fulminates والأزيدات azides المركبات المتفجرة الرئيسية، وتستخدم وحدها أو مع أنواع الوقود أو عناصر أخرى. ويعد ثالث أكسيد الزينون xenon trioxide أول متفجر مؤكسد، وقد طُور عام 1962.
مواصفات المتفجرات الكيمياوية
تُصنف المتفجرات الكيمياوية في صنفين رئيسيين هما: المتفجرات الخفيفة low explosives أو الحارقة deflagrating، وتحترق بمعدل 2.5 سم في الثانية، وتولد ضغطاً خفيفاً نسبياً، ومنها البارود الأسود وأنواع من البارود اللادخاني. وقد ينصعق هذا النوع من المتفجرات في شروط معينة، كأن يحشر البارود بكميات كبيرة في مكان ضيق محكم الإغلاق ويفجَّر بصاعق. أما النوع الثاني فيشمل المتفجرات الشديدة الانفجار أو الصاعقة detonating or high explosives مثل الديناميت dynamite والـ ت.ن.ت trinitrotoluene (T.N.T) وغيرهما. وهي تنصعق بمعدلات تراوح بين 914- 9140م/ثا.
تقسم المتفجرات الشديدة الانفجار عادة إلى فئتين: فئة أولية وفئة ثانوية. فالأولية تنصعق بالاشتعال بلهب أو شرارة أو صدمة أو أي مصدر أو وسيلة تعطي حرارة كافية. أما المتفجرات الثانوية فتحتاج إلى صاعق وإلى معزز (محرض) إضافي في بعض الحالات. وقليل من المتفجرات يمكن أن يكون أولياً وثانوياً معاً، ويتوقف ذلك على شروط الاستخدام. وهناك عدد كبير من المتفجرات القابلة للصعق. بعضها مقاوم جداً للصدمات والاحتكاك ويمكن تداوله وخزنه واستخدامه بأمان نسبي كالـ ت.ن.ت مثلاً. وبعضها حساس جداً، كالنتروغليسرين، ولابد من مزجه بمواد مهدئة تخفف من حساسيته ليمكن استخدامه عملياً. وللحصول على المواصفات المرغوبة في متفجر ما يتم عادة مزج عدة أنواع من المتفجرات من مواصفات مختلفة بعضها مع بعض.
تُصنف المتفجرات كذلك بحسب مواصفات مهمة أخرى تؤثر في استخدامها في تطبيقات معينة. ومن هذه المواصفات سهولة صعقها وثباتها في شروط الحرارة والبرد والرطوبة. وإن مفعول التحطيم shattering effect أو قوة القصم (التدمير) brisance التي يوسم بها المتفجر مرهونة بسرعة انصعاقه. وبعض المتفجرات الشديدة الحديثة تنصعق بمعدل 9140م/ثا، وهي فعالة للغاية في أعمال التدمير وفي الاستخدام العسكري، ولإحداث أنواع معينة من التفجيرات.
ومن جهة أخرى تستخدم في المناجم والمقالع متفجرات خفيفة بسرعة انصعاق بطيئة وقدرة قصم ضعيفة حين يراد استخراج كتل كبيرة من الصخر أو الخام. أما المتفجرات المستخدمة دافعاً في الأسلحة النارية فيجب أن تحترق ببطء أكثر؛ لأنها يجب أن تعطي المقذوف دفعاً متزايداً باطراد في داخل السبطانة وليس صدمة مفاجئة قد تحطم المدفع إن كانت أقوى مما يجب. وأكثر الأنواع الخاصة من المتفجرات حساس بالحرارة أو الصدمة، ولها قوة قصم متوسطة إلى عالية، وتستخدم لبدء إشعال المتفجرات الشديدة الأقل حساسية. وغالباً ما تُمزج المتفجرات الشديدة مع مواد خاملة (غير فعالة inert) للتقليل من حساسيتها، كما هو شأن الديناميت.
المتفجرات الدافعة
ثمة نوعان من المتفجرات التي تُستخدم عموماً حشوات دافعة للمقذوفات في الأسلحة النارية والصواريخ. ويدعى كلاهما البارود اللادخاني. وهو مصطلح مضلل؛ لأن النوعين كليهما لا يخلوان من الدخان حين ينفجران، وليس لهما شكل البارود الحقيقي. وتطلق هذه التسمية خاصة على النوع الأول الوحيد الأساس، وهو المتفجر الخفيف المعروف باسم النتروسلولوز الهلامي أو البارود القطني [C6H7O2(OH)3-X(ONO2)X]n؛ وهو مادة بيضاء ليفية القوام تشبه القطن، وتتألف من النتروسلولوز مع بعض الإضافات، وقد حل فيها محل ألياف القطن اليوم سلولوز الخشب النقي جزئياً أو كلياً، ولا تزيد نسبة الآزوت فيها على 12.5-13.5%. وتختلف المواصفات الفيزيائية والكيمياوية للنتروسلولوز باختلاف نسبة ما يحتويه من الآزوت (النتروجين) والإضافات. أما النوع الثاني، أي البارود اللادخاني الثنائي الأساس، أو ثنائي القاعدة double-base powder or compound powder فمزيج يشتمل على نسبة 70-80% نتروسلولوز و20-30% نترو غليسرين. وقد يضاف إلى الصنفين الديفينيل أمين diphenylamine لضمان ثباتهما، كما يضاف الإتير الكحولي أو أسيتات الإتيل ethyl acetate لإعطاء النتروسلولوز قواماً هلامياً gelatinized، وقد يضاف الغرافيت للإقلال من قابليتهما للشحن بالكهرباء الساكنة. كذلك يستعمل ثنائي نترو التولُوين dinitrotoluene (DNT) وثنائي بوتيل فتالات dibutylphthalate وثنائي إثيل دفينيل البولة diethyldiphenylurea (المركَّز)، وهي مركبات غير طيارة؛ للتخفيف من معدل احتراق البارود اللادخاني ومن امتصاصه للرطوبة عند التخزين، ويضاف إليه كمية قليلة من مثبِّت هو هلام النفط petroleum jelly.
يتم التحكم بمعدل احتراق كلا النوعين من البارود اللادخاني بتشكيل حبات البارود. ولأن حبات البارود تحترق من السطح إلى الداخل فمن الممكن صنع حبات تحترق بسرعة تتباطأ باطراد وبمعدل ثابت، أو بسرعة متزايدة مطردة بحسب شكل الحبة وأبعادها. فإذا كانت حبة البارود كروية وبدأت بالاحتراق يتضاءل سطحها باطراد، فتتباطأ سرعة احتراقها تدريجياً. ويستخدم هذا البارود المتباطئ الاحتراق في الأسلحة النارية القصيرة السبطانة مثل المسدسات.
المتفجرات الشديدة الانفجار
النتروغليسرين: النتروغليسرين متفجر كيمياوي اكتشفه الكيميائي الإيطالي أسكانيو سوبريرو Ascanio Sobrero عام 1846، وسماه في بادئ الأمر الغليسرين الناري pyroglycerin، ثم صار يدعى نتروغليسرين (انظر الصيغة 1) أو الزيت الناسف blasting oil [ر. الغليسرول].
كان الديناميت ثاني أهم اختراع تقدم به نوبل عام 1867. وقد اشتق الاسم من الإغريقية اليونانية dynamis أي «القوة». إذ تبين له أن التراب السيليسي المسامي الرسوبي المعروف باسم «كيسلغور» kieselguhr يمتص كميات كبيرة من النتروغليسرين، وبذلك يتم الحصول على متفجرٍ أكثر أماناً من الغليسرين النقي وقابلٍ للتداول. وكان الديناميت رقم 1- كما سماه نوبل - يتألف من 75% نتروغليسرين و25% تراب رسوبي. وقد وجد نوبل أن فعل التراب الرسوبي لا يقتصر على تخميد مفعول النترو غليسرين بل يعمل على امتصاص الحرارة وضبط قوة الانفجار، ودفعه ذلك إلى البحث عن مكونات أكثر فعالية مثل لبّ الخشب مادة ماصة ونترات الصوديوم مادة مؤكسدة. ومع تعديل كميات هذه المواد - التي غدت تسمى معاجين dopes - بنسب مختلفة توصل نوبل إلى تحسين فاعلية الديناميت وتحضير أصناف منه تختلف في قوتها وشدتها تحت اسم ضروب الديناميت الصرفstraight dynamites. وبالتالي فإن «الديناميت الصرف 40%» يعني أنه يحوي 40% نتروغليسرين و60% معاجين. سجل نوبل اختراعه عام 1869، وتوصل آخرون إلى تركيبات مشابهة في الفترة نفسها تقريباً، ولم يتمكن أي منهم من إثبات سبقه إلى هذا الاختراع. وقد استُخدم الديناميت والنتروغليسرين في حفر الأنفاق وتوسيع آبار النفط وشق الطرق، ومازال يُستخدم إلى اليوم لرخص تكاليفه وسهولة استعماله.
كان من إسهامات نوبل الأخرى اختراعه عام 1875 الديناميت الهلامي، بإذابة النترو غليسرين في الكولوديون (محلول من نتروسلولوز مخفف النترو ومزيج من الإتير والكحول يستعمل لتغطية الجروح)، ثم تركه يتبخر ليحصل على متفجر لدن قابل للتكييف شديد الانفجار مقاوم للماء.
النتروسلولوز: في عام 1845 اخترع الكيميائي الألماني كريستيان شونِباين Christian Schoenbein نترو القطن nitrocotton أو ما يعرف بالبارود القطني، بأن غمس القطن في مزيج من حمض الآزوت وحمض الكبريت، ثم غسله بالماء ليزيل الحمض عنه. وكان يأمل من وراء ذلك الحصول على مادة دافعة للأسلحة الحربية، ولكنه وجد أن هذا المتفجر سريع جداً وعنيف المفعول. وفي نحو العام 1860 توصل رائد في الجيش البروسي يدعى ي. شولتزه E.Schultze إلى إنتاج مادة دافعة مفيدة هي النتروسلولوز. فقد نقع قطعاً صغيرة من الخشب في حمض الآزوت ثم أزال الحمض وشرّب القطع نترات الباريوم ونترات البوتاسيوم. وكان غرضه من ذلك تزويدها بالأكسجين لحرق الخشب غير المنترج تماماً. وقد حصل شولتزة على بارود جيد يصلح لبواريد الصيد، غير أنه سريع الاشتعال جداً ولا يصلح للاستعمال في المدافع ومعظم البنادق.
متفجرات لدنة (بلاستيكية) منوعة |
وفي عام 1888 أنتج ألفرد نوبل اختراعاً جديداً أسماه بالستيت ballistite، إذ مزج 40% من النتروسلولوز المخفف النترو و60% من النتروغليسرين ثم قطع الناتج شرائح ليحصل على مادة دافعة ممتازة ظلت تستعمل 75 سنة. بيد أن البريطانيين لم يعترفوا بفضل نوبل وحقوقه فيها، وطوروا عدداً من المنتجات المماثلة لها أطلقوا عليها اسماً عاماً هو الكوردايت cordite. كذلك توصلت شركة دوبون الأمريكية عام 1909 إلى منتج مماثل وبالجودة نفسها أساسها نترو القطن المخفف النترو، ويدعى بيروسللولوز pyrocellulose، وأضيفت إليها كمية ضئيلة من ديفينيل أمين للمحافظة على استقرارها، وبعد تحبُّبِها وإزالة السوائل عنها يضاف إليها الغرافيت. واستبدل بالقطن في خاتمة المطاف سلولوز الخشب.
نترات الأمونيوم: كان التطور التالي في الأهمية بعد الديناميت والمتفجر الهلامي حلول نترات الأمونيوم ammonium nitrate محل جزء من النتروغليسرين للحصول على منتج أكثر أماناً وأقل كلفة. وكان استخدام نترات الأمونيوم في صنع المتفجرات قد سجل عام 1867من قبل كيميائيين آخرين في السويد، غير أن نوبل هو من صنع «ضروب الديناميت الممتاز» extra dynamites بإنتاج مزيج هلامي يحتوي على 20-60% نترات الأمونيوم. وسعى كثيرون في الفترة بين عامي 1867 و1884 إلى تطوير مزيج نترات الأمونيوم الهلامي من دون نتائج مجدية؛ بسبب ميله لامتصاص الرطوبة غالباً. وفي عام 1885 توصل كيميائي أمريكي يدعى بنيمان R.S.Penniman إلى حل للمشكلة بتغليف نترات الأمونيوم بقليل من البارافين أو مادة مشابهة قبل استخدامه. وسرعان ما ظهرت بفضل هذا التطور أصناف عدة من ديناميت الأمونيا[ر: النشادر] وشاع استخدامها. وبطل التغليف بعد أن تم التوصل إلى وسائل أكثر أماناً للتعامل مع مشكلة الرطوبة. وكل البلاد التي تستخرج الفحم من مناجم تحت الأرض تستخدم متفجرات من هذا النوع وفق ضوابط متفق عليها وتحت أسماء مختلفة. وتتصف هذه المتفجرات بضآلة كمية الحرارة التي تنشرها عند الانفجار، واحتواء معظمها على عامل تبريد مثل كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) أو كلوريد الأمونيوم لمنع حرارة الانفجار من إشعال الغازات الموجودة تحت الأرض وغبار الفحم.
اكتشف هذه المادة جون ويلبراند J.Wilbrand عام 1863، وكانت تستخدم على نطاق واسع في الصباغة، فلم يلجأ إلى استخدامها متفجراً حتى العام 1904. ومن أهم خصائصها إمكانية إذابتها بأمان عند درجة حرارة 82 ْس، ولا تنفجر عند درجة حرارة تقل عن240 ْس. ولوجود هذا الفارق الكبير بين نقطة انصهارها ونقطة تفككها بفعل الحرارة يمكن صهرها في وعاء ببخار الماء وصبها في قوالب وحدها أو ممزوجة مع متفجرات أخرى. وهي غير حساسة بالصدمات ولا تنفجر إلا بفعل صاعق، ولذلك تعد مادة الـ ت.ن.ت من أكثر المتفجرات الشديدة - غير النووية - صلاحية للاستعمالات العسكرية وغير العسكرية. غير أن لها سيئتين: أولاهما أنها مادة حساسة جداً في الحالة الصلبة، وثانيتهما أنه من الصعب سكبها من دون فقاعات هوائية. ويمكن التغلب على السيئة الأولى بإحداث ثقب في مركز حشوة الـ ت.ن.ت وعلى طولها بقطر 2.5 سم، وملء الثقب بمادة التتريل (ترينترو فينيل ميتيل نترامين) tetryl (trinitrophenylmethylnitramine). ويمكن التغلب على السيئة الثانية باستخدام مزيج من 40% ترينتروكسيلين trinitroxylene (TNX) و60% ت.ن.ت. إن هذا المزيج يمكن سكبه تماماً، ويمكن صعقه بوجود معزز صغير من التتريل. وقد كان الـ ت.ن.ت المتفجر الأكثر استعمالاًَ من مختلف الأطراف المتحاربة في الحربين العالميتين بحالته النقية أو ممزوجاً مع متفجرات أخرى.
تنهار جزيئات الـ ت.ن.ت حين تنخع أو تصدم jolted، فتتحد ذرات الأكسجين مع ذرات الكربون والهدروجين لتشكل ثنائي أكسيد الكربون وبخار الماء على التوالي. ويحرر الانهيار ذرات النتروجين التي تشكل غاز الآزوت. وهكذا يتبدل الـ ت.ن.ت عند انصعاقه من الحالة الصلبة المتراصة إلى سحابة هائلة الحجم من الغازات، ينجم عنها انفجار قوي جداً.
متفجرات كيمياوية أخرى
الكلورات والبركلورات (فوق الكلورات): يعود الاهتمام بضروب الكلورات وضروب البركلورات chlorates and perchlorates (أملاح حمض الكلور وحمض فوق الكلور) إلى عام 1788. وهي مزيج من الزيوت الثقيلة الصلبة والسائلة. وقد شيدت في أوربا وأمريكا مصانع عدة لإنتاج هذه الأنواع من المتفجرات، واختص أكثرها بإنتاج كلورات البوتاسيوم، غير أن معظمها - إن لم تكن كلها- التهمته النيران أو انفجر، ولم يعمد أحد إلى إنتاج متفجرات الكلورات لسنوات عديدة بعدها.
متفجرات سبرنغل: سجل البريطاني هرمان سبرنغل Hermann Sprengel في عام 1871 اختراع مركبٍ من مواد مؤكسدة، من بينها الكلورات والنترات وحمض الآزوت nitric acid، مع مواد قابلة للاحتراق، مثل النترونفتالين nitronaphthalene والبنزن والنتروبنزن nitrobenzene. وتختلف هذه المتفجرات عن سابقتها بكون أحد مركباتها مائعاً، ولا يحضر المزيج إلا قبل الاستعمال مباشرة. وقد شاعت متفجرات سبرنغل في أوربا وبقي استهلاكها في الولايات المتحدة محدوداً.
متفجرات الأكسجين السائل: عمد الألماني كارل فون لينده Carl von Linde عام 1895إلى غمس أكياس مسامية تحوي الفحم الحجري في الأكسجين السائل. على طريقة سبرنغل، وصار هذا المتفجر يعرف باسم لوكس LOX. وقد استخدم هذا المتفجر في ألمانيا على نطاق واسع في الحرب العالمية الأولى لعدم توافر النترات بكميات كافية لديها، ولكن استخدامه كان قليلاً في الحرب الثانية بسبب التوصل إلى استخراج كميات وافرة من النترات من النشادر صناعياً. ولما كان تصنيع الأكسجين السائل يحتاج إلى تجهيزات معقدة وعالية التكاليف فقد انحصر إنتاج اللوكس في المناطق التي تستهلك كميات قليلة منه، كما هي الحال في مناجم الفحم في الغرب الأوسط الأمريكي إذ بلغ الاستهلاك الأعظمي في عام 1953 نحو 10 ملايين كغ، وهبط عام 1968 إلى الصفر.
متفجرات نتروالنشاء: يعد نتروالنشاء nitrostarch شبيهاً جداً بالنتروسلولوز، وقد لفت الاهتمام في زمن مبكر، غير أنه لم يُنتَج عملياً إلا عام 1905. وهو شبيه بالديناميت الصرف وديناميت النشادر فيما عدا أن نتروالنشاء يستخدم بدلاً من النتروغليسرين. ومن سيئاته شدته الضعيفة نسبياً وكونه متوسط المقاومة للماء، وعدم إمكانية تحويله إلى منتج هلامي. غير أن من حسناته أنه لا يتسبب في الصداع في حال ملامسته، وهي السمة المرافقة لجميع المزائج التي تحوي نتروغليسرين.
النترامون والنترامكس: النترامون والنترامكس Nitramon & Nitramex متفجرات متطورة مهمة، طورتها شركة دوبون Dupont عام 1934. والنترامون متفجر معلب يتألف عادة من 92% نترات أمونيوم و4% دينتروتولوين dinitrotoluene و4% شمع البارافين. وهناك أصناف منه تحوي مادة مكملة معدنية مثل الألمنيوم أو السيليكون الحديدي ferrosilicon. والنترامون غير حساس بفعل الفتيل الصاعق، أو الكبسول المشعل التجاري، أو الصدمة أو الاحتكاك أو في حال الإصابة بالذخيرة الصغيرة. وهو يحتاج إلى صاعق كبير لصعقه. والصاعق الوحيد المعروف لهذه الغاية هو ما يطلق عليه اسم صاعق النترامون. وهو منتج معلب يحوي نترامون في طرفيه وأماتول amatol في الوسط ويمكن صعقه بفتيل صاعق أو كبسولة. تنتج علب النترامون بأحجام مختلفة، أصغرها بقطر 10سم. وتنتج منها علب خاصة لأعمال المسح الزلزالي والتنقيب عن النفط والغاز بقطر 5-6.4سم.
والنترامكس شبيه بالنترامون ولكنه أشد منه لأنه يحتوي على ت.ن.ت ومادة معدنية مكملة مثل الألمنيوم، وقد حلت ضروب الهلام المائي water gels محل الاثنين في العقود الأخيرة.
حمض البيكريك وبيكرات الأمونيوم: حمض البيكريك picric acid أو 6، 4، 2 - ترينتروفينول بلورات صلبة لا رائحة لها ذات لون أصفر باهت، تستخدم متفجراً في الذخائر الحربية وصباغاً أصفر ومادة معقمة، صيغتها HOC6H(NO2)3. يمكن تشكيل صفائح أو إبر أو قضبان بلورية صفراء من محلول حمض البيكريك حسب نسبة التركيز. وهو ينصهر عند درجة الحرارة 122-123 ْس ويخضع للتسخين البطيء المتدرج، غير أنه ينفجر في التسخين السريع، كما يمكن أن ينفجر بالصدمة. اكتشِف الحمض عام 1771 واستخدم لصبغ الحرير بدءاً من عام 1849. واحتل في الاستخدامات العسكرية مكانة مهمة بين المتفجرات الأخرى بدءاً من عام 1886 حين استخدمه الفرنسيون حشوة للقنابل المتفجرة تحت اسم ميلينيت milinite، واستخدمه البريطانيون تحت اسم ليدّايت liddite، وعرفه اليابانيون باسم شيموس shimose واستخدموه في الحرب الروسية اليابانية عام 1905. غير أن مفعوله المؤكسد القوي على سطوح القذائف كان من أكبر سيئاته فتراجع استخدامه بعد الحرب الأولى.
أما بيكرات الأمونيوم ammonium picrate أو المتفجر «د» فهو من أملاح حمض البيكريك، وله قيمة كبيرة لدى استخدامه حشوات متفجرة في القذائف الخارقة للدرع مع صاعق مناسب، بسبب مقاومته للصدمات الشديدة عندما تخترق القذيفة تصفيحاً بسماكة 30سم قبل أن تنصعق.
الأماتول: في بدايات الحرب العالمية الأولى تبين أن استخدام مزيج من الـ ت.ن.ت ونترات الأمونيوم حشوة للقذائف المتفجرة له فاعلية الـ ت.ن.ت النقي نفسها. وكانت نسبة المزيج الأكثر شيوعاً 80-20 أو 50-50 نترات الأمونيوم - ت.ن.ت، وقد سمي أماتول amatol، وميزته الرئيسية التخفيف من استهلاك الـ ت.ن.ت ورخص تكاليفه. وقد استخدم الأماتول على نطاق واسع في الحرب العالمية الثانية حشوات لقنابل الطائرات وقذائف المدفعية. وللتخفيف من استهلاك الـ ت.ن.ت أيضاً استخدمت نترو النشاء مادة أساسية لحشوات الرمانات اليدوية وقذائف الهاون.
الحشوات الجوفاء: الحشوة الجوفاء shaped charge، منتج احتل مكانة كبيرة في الحرب العالمية الثانية حين زودت به الصواريخ التي تطلق يدوياً. تتألف الحشوة الجوفاء عادة من مخروط أو قمع من المعدن أو الزجاج محاط بمادة متفجرة عالية الكثافة شديدة المفعول، ومعها وسائل كافية لتبقيها في حالة العطالة حتى تجتاز المسافة المطلوبة إلى الهدف. وعندما ينصعق المتفجر ينهار القمع ويتبخر محدثاً نفثاً صغير القطر هائل الحرارة مع جزيئات مادة صلبة تنطلق باستقامة بسرعة تراوح بين 3050-9100 م/ثا، وتصدم الهدف بسرعة وشدة تؤدي إلى انصهاره في نقطة الصدم، وينتج منها ثقب مستدير نافذ.
المتفجرات الشديدة الحديثة
قبيل الحرب العالمية الثانية وفي أثنائها طُوِّر عدد من المتفجرات الجديدة الشديدة الفاعلية. ومن أهمها السيكلونايت cyclonite وبنتا إريتريتول تترانترات pentaerythritol tetranitrate. وإتلين ديامين دينترات ethylenediaminedinitrate وغيرها، وكل واحد منها مزيج يحتوي على كميات مختلفة من الـ ت.ن.ت تراوح بين 40-50 %، وتستخدم حيث يتطلب الأمر قوة قصم وتشظ شديدة.
وهناك عدد من التراكيب المتفجرة اللدنة الأخرى تحتوي على نسب كبيرة من السيكلونايت، مع متفجرات ملدِّنة ويرمز لها بحروف وأرقام، مثل C-1 وC-3 وC-2 وC-4، يستخدم كل منها في الحشوات الناسفة المعدة للهدم، والفارق الأساسي بينها تحملها لدرجات حرارة دنيا وعظمى مختلفة مع بقائها صالحة للاستخدام.
وفي عام 1955 حدث تحول رئيسي في صناعة المتفجرات منذ اختراع الديناميت. فقد شهد ذلك العام استخدام نمطين من المتفجرات الشديدة الانفجار حلت محل الديناميت إلى درجة كبيرة. أولهما مزيج نترات الأمونيوم المستخدمة في التسميد (94%) وزيت الوقود fuel oil رقم 2 (6%)، ويعرف هذا المزيج بالحروف الأولى ANFO. توضع الشحنة المتفجرة في أكياس من البولي إتيلين توفر لها مناعة من الماء، وتزيد شدتها بنسبة 25 % على شدة الـ ت.ن.ت.
أما النمط الثاني فيدعى المتفجرات الرداغ (الموحِلة) slurry explosives (الردغة الوحل الشديد) أو ضروب الهلام المائي water gels، وقد أدخلت في الاستخدام عام 1958، وتستعمل في الهدم غالباً. تتألف هذه المتفجرات من مزيج من نترات الأمونيوم والـ ت.ن.ت، وماء كافٍ لتشكيل مادة مائعة، ومواد مهلَّمة ورابطة مثل البوراكس، ثم أضيف إليها فيما بعد الألمنيوم وزيوت معدنية أخرى. يكوِّن النمطان الأول والثاني معاً 70% من استهلاك الولايات المتحدة الأمريكية من المتفجرات الحديثة الشديدة الانفجار لمختلف الاستخدامات، وتتوافر لديها تقانات متطورة لإنتاجهما تفوق ما لدى الدول الأخرى.
الصواعق أو المتفجرات الصاعقة
إن الشحنات الصاعقة متفجرات عالية الحساسية نسبياً؛ لذلك تستخدم لكي تنصعق ذاتياً بفعل صدمة ميكانيكية أو حرارة معتدلة بحيث تصدر قوة كافية لتفجير الشحنة الرئيسية. وظلت فلمينات الزئبق mercury fulminate Hg(ONC)2 المركب الرئيسي المستعمل لهذه الغاية، إما وحده أو ممزوجاً مع مركبات أخرى مثل كلورات البوتاسيوم. ويرى معظم الخبراء إلى اليوم أن اختراع ألفريد نوبل للصاعق (كبسولة الإشعال blasting cap) من مزيج فلمينات الزئبق مع كلورات البوتاسيوم (بنسبة 80-20 أو 90-10) عام 1865 كان أعظم إنجاز في علم المتفجرات منذ اكتشاف البارود. وقد ظل هذا الصاعق الوسيلة الرئيسية في الاستخدام حتى عشرينات القرن العشرين. ويعد الجمع بين الفتيل البطيء (الفتيل الآمن safety fuse)- الذي اخترعه بيكفورد Bickford- والصاعق أكثر الوسائل الأمينة التي تصلح لصعق النتروغليسرين وكثير من المتفجرات الأخرى الشديدة الانفجار عن بعد.
مجموعة متفجرات مع مؤقت زمني | |
المتفجرات الأمينة
قد يكون استخدام المتفجرات العادية الشديدة الانفجار في بعض الحالات، وخاصة في مناجم الفحم خطراً جداًَ لأنه يتسبب في اشتعال الغازات السريعة الاحتراق أو ذرور غبار الفحم الموجود تحت الأرض.
ولتفجير طبقات الفحم في مثل هذه الأحوال هناك أنواع عدة من المتفجرات الأمينة تم تطويرها بحيث تقلِّل الخطر إلى حده الأدنى سواء من الحريق أم من الانفجار، فلا تحدث لهيباً إلا للحظات قصيرة جداً، كما أن لهبها بارد نسبياً. وأنواع المتفجرات الأمينة المتفق عليها للاستعمال في مناجم الفحم هي أساساً مزائج من نترات الأمونيوم مع مركّبات أخرى من مثل نترات الصوديوم والنتروغليسرين والنتروسللولوز ونترو النشاء والمواد المكربنة وكلوريد الصوديوم وكربونات الصوديوم. وثمة نوع آخر من الشحنات الناسفة تلقى قبولاً متزايداً للاستعمال في المناجم لأنها لا تصدر لهيباً على الإطلاق، وهي أسطوانة من ثنائي أكسيد الكربون السائل الذي يمكن أن يتحول إلى غاز في لحظة بوساطة عنصر تسخين كيمياوي داخلي، وعلى إحدى نهايتي الأسطوانة سدادة سريعة الانكسار يتوسع الغاز من خلالها.
من مزايا شحنة ثنائي أكسيد الكربون أنها ليست متفجراً في ذاتها، وأنها تمتص الحرارة بدلاً من نشرها. ومن مزاياها الأخرى أن شدة الانفجار قابلة للتوجيه نحو قعر الثقب المحفور الذي تغرس فيه الشحنة، فتقلل من تناثر الفحم وتكسره.
محمد وليد الجلاد