حياه (علم)
Biology - Biologie
الحياة (علم ـ)
البيولوجية
استحدثت لفظة «علم الحياة» البيولوجية biologie عام 1800 في مؤلفات «لامارك» و«تريفيرانُس Treviranus»، و«بورداخ Burdach». بيد أنه لم يكن هناك في بداية الأمر حقل أبحاث حقيقي جدير بهذا الاسم، ومع ذلك فإن هذا المصطلح كان مؤشراً لبداية نقلة نحو اهتمام بالكائنات الحية أكبر من ذلك الذي كان محصوراً في دائرة الدراسات التصنيفية والوصفية التي كانت مجال الاهتمام حتى ذلك الوقت. ولقد قدم «تريفيرانوس» تعريفاً بالمجالات التي سوف تكون موضع اهتمام من وضعوا مصطلح «بيولوجية» سنة 1804 تحديداً لمنهج دراساتهم في الحياة والأحياء.
أسس علم الأحياء
وضعت أسس هذا العلم في الفترة ما بين 1828-1866 متمثلة في أعمال «فون بير» في علم الجنين[ر] embryologie، و«شوان» مع «شليدن» في علم الخلية cytologie، و«مولر» و«ليبيج وهلمهولتز ودوبوا، وريموند، وبرنارد» في مجال علم الوظيفة physiologie، و«والاس ودارون» في علم التطور الحيوي والجغرافيا الحيوية، و«ماندل» في علم الوراثة. لكن «دارون» الذي نشر كتابه أصل الأنواع L’origine des espèces، كان بمثابة إعلان لإنجازات بضعة وثلاثين عاماً مهدت الطريق أمام ميلاد معظم الفروع البيولوجية المستحدثة التي نعرفها اليوم، وكانت بمثابة طفرة في هذا العالم جعلته يتجه اتجاهات لا حصر لها والتي نعرفها حالياً، إذ إن عالم البيولوجية اليوم شهد مولد أفكار جريئة، وغير مسبوقة في مجالات علم الوراثة، وبيولوجية الخلية، وعلم الأعصاب، بالإضافة إلى تقدم مذهل في بيولوجية التطور وعلم التبيؤ[ر] ecologie، وعلم البيولوجية الجزيئية، حيث أدت كل هذه التفرعات إلى قيام صناعة كاملة متنامية ظهرت آثارها جلية في مجالات الطب المتباينة، وعلم الزراعة، وتربية الحيوان، والاغتذاء البشري حتى وصلت إلى مجالات تحديد النسل وتحسينه، والاستنساخ الحيواني والبشري والحصول على خلايا عصبية من خلايا البشرة في شهر نيسان عام2002، وهذا أمر أحدث انقلاباً جديداً في علم الحياة المعاصر قلب موازين العالم كله في مجالات التمايز الخلوي والنسج، ومن هنا فإننا نتفق مع القائلين في مؤتمر البيولوجية ومصير الإنسان الذين أطلقوا على القرن العشرين قرن (البيولوجية).
أصل هذا العلم
ومع أن شمس البيولوجية، بوصفها علماً حديثاً، لم تبزغ إلا في أواسط القرن التاسع عشر، إلا أن جذوره تمتد إلى عصر الإغريق حيث نشأ منذ أكثر من ألفي عام على شكل «مدارس» تميزت منها مدرستان مازالتا معروفتين إلى اليوم هما: المدرسة الطبية، ومدرسة التاريخ الطبيعي. فأما المدرسة الطبية فمثلها «أبقراط Hippocrate» وسابقوه وتابعوه، وقد بلغت ذروة ازدهارها في العالم القديم (ما بين عامي 130 و200م) بأعمال «جالينوس Galenus» التي أدت إلى نشأة التشريح وعلم وظائف الأعضاء. وأما مدرسة التاريخ الطبيعي، فقد بلغت ذروة ازدهارها على يدي «أرسطو Aristotle» كما تشهد بذلك أعماله ممثلة في كتابه: «تاريخ الحيوانات History of Animals»، وعن هذه المدرسة نشأت علوم التبيؤ والتصنيف والبيولوجية المقارنة، والتشريح المقارن anatomie compare.
ولقد استمر الفصل بين التاريخ الطبيعي وعلم الحياة والطب طوال العصور الوسطى وعصر النهضة، مع ارتباطها بعلم النبات (لأنه - على الرغم من كونها فروعاً من التاريخ الطبيعي - كانت منصبة على الأعشاب ذات الخصائص الطبية). وفي الحقيقة، إن قادة علم النبات من «سيزالبينو Cesalpino» (في بداية القرن السادس عشر) حتى «لينبوس» (في نهاية القرن الثامن عشر) كانوا أطباء باستثناء وحيد هو «جون راي John Ray» وبمرور الوقت استقل علم النبات وانضم إلى علم الحيوان ليتكون منهما علم التاريخ الطبيعي الذي انسلخ منه علم الحفريات، وانضم إلى علم طبقات الأرض «الجيولوجيا» وبقي التشريح ووظائف الأعضاء «علم الغريزة» حيث شكلا المكونات البيولوجية للمدرسة الطبية.
ولم يكن للثورة العلمية إلا أثر ضئيل في علم الحياة «البيولوجية»، الذي لم تتأثر مسيرته بصورة فعالة إلا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما اكتشف التباين الذي فاق التصور في أنواع النبات والحيوان. ولقد كانت الثروة الأحيائية التي جلبها المستكشفون الأفراد (ومنهم جامعو النباتات من تلاميذ «لينيه») نواة لمتاحف التاريخ الطبيعي، كما حفزت الدارسين إلى التركيز على علم التصنيف ذلك الفرع، الذي كان يشكل الجانب الأكبر من علم البيولوجية في عهد «لينيه»، إلى جانب علميِّ التشريح ووظائف الأعضاء كعماد للمدرسة الطبية.
وفي أثناء تلك المرحلة كانت معظم أنشطة المشتغلين بعلوم الحياة تتسم بأنها وصفية، ولكن هذا لا يعني وصفنا تلك الفترة من تاريخ البيولوجية بالعقم الفكري، فلقد تمت فيها إنجازات في مجال التاريخ الطبيعي (على يدي بَفنِّ) ووظائف الأعضاء (بيشا Bichat وماغندي Magendie) والمورفولوجيا النموذجية (على يد غوته Goethe) والفلسفة الطبيعية (بلومتباخ وتابعيه).
طبيعة علم الحياة وبنيته
حاول العلماء عام 1955، وضع أفضل هيكل يعبر عن طبيعة علم الحياة وبنيته، وفق معايير وضعت مسبقاً من قبل العلماء وطبقاً لمقترحات البيولوجي «مينكس Mainx»، من شأنها تقسيم هذا العلم إلى مجالات رئيسية ثلاثة هي:
علم الشكل morphologie
علم الجنين embryologie
علم وظائف الأعضاء physiologie
إضافة إلى قليل من الموضوعات التي كثيراً ما تكون الاعتبارات المورفولوجية أساساً لها مثل: علم الخلية cytologie، وعلم النُّسج histologie، كما حاز قبولاً واسعاً اقتراح فايس Weiss» بتقسيم العلم (من منظور آخر) إلى: بيولوجية جزيئية biologie moleculaire، وبيولوجية خلوية biologie cellulaire، وبيولوجية وراثية biologie genetique، وبيولوجية تطورية biologie developpée، وبيولوجية الجماعات biologie des groupes والبيئة 'L’environnement، وهذا هو التقسيم الذي اتخذته مؤسسة العلوم القومية الفرنسية أساساً لعنونة مصادرها المعلوماتية. ومن الطريف أن واضع هذا التصنيف قد جمع فروعاً شتى مثل: التصنيف والسلوك والتطور والبيئة في كومة واحدة تحت الفئة الأخيرة من الهيكل المقدم منه (وهي التي تضم كل ما يخص الأحياء كمجموعات)، بينما احتجز خمس فئات متساوية الأهمية فيما يخص الكائن الحي كفرد، وليس في ذلك غرابة لأن «فايس» الذي وضع هذا الهيكل من المتحمسين للمنهج التجريبي.
وفي عام 1970 شكلت الأكاديمية القومية في فرنسا لجنة لدراسة علوم الحياة، قسمت هذه العلوم إلى اثنتي عشر فئة هي البيولوجية الجزيئية (مع الكيمياء الحيوية)، علم الوراثة، بيولوجية الخلية، الفيزيولوجيا، بيولوجية التطور، المورفولوجيا، والتصنيف، علم التبيؤ (إيكولوجية)، بيولوجية السلوك، علم التغذية، علم آليات المرض disease mechanisms، وأخيراً علم العقاقير pharmacologie (والفروع الثلاثة الأخيرة منها ذات أهمية تطبيقية واضحة). وعلى الرغم مما أدخله هذا التقسيم على ما سبقه من تحسينات، إلا أنه لم يخل من المشكلات ومنها على سبيل المثال: اعتبار التصنيف وبيولوجية التطور فرعاً واحداً.
مفهوم الحياة
عندما يتكلم علماء الحياة والفلاسفة عن «الحياة La vie» إنما هم في العادة لا يعنون بذلك ظاهرة المعيشة، التي هي نقيض الموت، وإنما يعنون على الأرجح خاصية الحياة التي هي نقيض انعدام الحياة في أي جماد. ولقد كان من الأهداف الرئيسية لعلم البيولوجية إلقاء الضوء على هذه الحقيقة المسماة «بالحياة». ولكن المشكلة هنا هي أن كلمة «حياة» يفهم منها شيء، قد يكون قوة أو مادة، ظل الفلاسفة والبيولوجيون قروناً يحاولون تعريفه من دون طائل. وفي الحقيقة، إن لفظ «حياة» هو مجرد تعبير عن عملية «المعيشة» ولا وجود له ككيان مستقل، وبمقدور المرء أن يصف ظاهرة المعيشة، بل ويحاول أن يحدد ماهيتها، وأن يعرف ماهية الكائن المتعضي الحي organisme، وأن يحاول وضع حد فاصل بينه وبين ما هو غير حي. حقاً إن المرء يستطيع أن يحاول شرح كيف أن المعيشة، كعملية، يمكن أن تكون نتاج تجمّعات من الجزيئات التي هي، في حد ذاتها، محرومة من الحياة.
ومنذ القرن السادس عشر ومحاولات الإجابة عن السؤال: «ما هي الحياة»؟ وكيف يمكن تفسير العمليات الحياتية؟ لا تزال موضوع صراع ساخن بين أصحاب مختلف الآراء. وباختصار، كان الوضع هو انقسام المفكرين دائماً إلى فئتين: إحداها يعلن أن الكائنات الحية ليست في الحقيقة مختلفة إطلاقاً عن المادة غير الحية، وكان أصحاب هذا التوجه يدعون أحياناً «بالآليين Mecanistes»، وعلى الجانب الآخر توجهٌ آخر يدعى أصحابه بالحياتيين Vitalistes، كانوا ينادون برأي آخر خلاصته أن للكائنات الحية خصائص لا يمكن وجودها في المادة الخاملة. وتأسيساً على ذلك فهم يرون أن النظريات والمفاهيم البيولوجية، لا يمكن أن تكون خاضعة لقوانين الفيزياء والكيمياء.... وفي بعض الدوائر الثقافية كان رأي الآليين هو الغالب والمسيطر في حين أنه في أماكن وأزمنة أخرى كان يبدو أن الحياتيين كانوا هم أصحاب اليد العليا. ومع ذلك فإن الاتجاه في القرن الحادي والعشرين أصبح واضحاً بأن كلاً من الفئتين قد أصاب أحياناً وأخطأ أحياناً أخرى.
فالآليون كانوا على حق في إصرارهم على الاعتقاد بعدم وجود مكونات للحياة فيما وراء الطبيعة، وأن الحياة على مستوى الجزيئات ممكنة التفسير وفقاً لقوانين الفيزياء والكيمياء، وفي الوقت نفسه كان الحياتيون على حق في احتجاجهم على أن الكائنات الحية غير مماثلة إطلاقاً للمادة غير الحية، بل إن لها الكثير من الصفات المميزة غير العادية، وبالأخص برنامجها الجيني الذي اكتسبته عبر تاريخها، وهو أمر غير معروف في عالم الجمادات: فالكائنات المتعضية organismes تمثل نظماً متعددة مستويات الترتيب، وهي مختلفة تماماً عن أي شيء يمكن أن يوجد في عالم الجمادات. أما الفلسفة التي أتت بعد ذلك واستوعبت أحسن ما في الحياتية وأحسن ما في الآلية من مبادئ (بعد استبعاد التزايدات) فقد أصبحت تعرف باسم «العضوانية organicisme»، وهذا هو الأنموذج السائد اليوم.
مفهوم الحياتية ووجود قوة حيوية
ومما لاشك فيه أن الحياتية كانت حركة مضادة منذ أن ولدت في القرن السابع عشر، بل إنها كانت تمرداً على الفلسفة الآلية للثورة العلمية، كما كانت انقلاباً ضد الآليين من عصر «غاليليو» إلى عصر «نيوتن»، إذ إنها كانت تقاوم بإصرار مقولة إن الحيوان ما هو إلا آلة، وإن كل مظاهر الحياة يمكن تفسيرها بالكامل بأنها «مادة في حالة حركة». ولكن الحياتيين بقدر ما كانوا مقنعين في رفضهم الحاسم لمزاعم الآليين، كانوا أيضاً، وبالقدر نفسه، غير منطقيين، فيما قدموه من محاولات لتفسير ما ذهبوا إليه، إذ إن كل تفسيراتهم، على كثرتها وتنوعها، لا تقدم نظرية متماسكة.
ووفقاً لما رآه فريق من الحياتيين، فإن قيام «الحياة» مرتبط بوجود مادة خاصة غير موجودة في الجمادات (هي التي أطلقوا عليها اسم البروتوبلازم) أو توافر حالة ETAT كالحالة الغراونية أو الغروية. وفي رأي فريق آخر منهم: أن الحياة تكمن في «قوة خاصة» تتميز عن تلك القوى التي يتحدث عنها الآليون. وجدير بالذكر أن أسماء تلك القوة الخاصة في لغات من نادوا بوجودها: ليبنز كرافت Lebens Kraft، وإنتيليتشي Entelechie وإيلان فيتال Elan Vitale.
وفي نهاية الأمر تزحزحت فكرة «المائع الحيوي» لتحل محلها فكرة «القوة الحيوية» كتفسير لابديل له لمظاهر الحياة التي استعصت على التفسير بغير هذه الفكرة، التي لاقت القبول حتى من عالم له مثل شهرة «مولر Muller».
وعلى امتداد قرون ثلاثة من بداية القرن السادس عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر كان علماء وظائف الأعضاء في إنكلترا أصحاب أفكار متماشية مع الحياتية، ذلك المذهب الذي ظل محتفظاً بقوته خلال الأربعين سنة الأولى من القرن التاسع عشر (1800-1840)، كما تدل على ذلك كتابات «هنتر J.Hunter» و«بريكارد J.C.Prichard» وغيرهما. وفي فرنسا حيث كان تيار الديكارتية Cartesianisme بوجه خاص قوياً، لم تكن مفاجأة أن تتسم الحركة المضادة التي قام بها الحياتيون على الدرجة نفسها من العنف. وكان أبرز من يمثلونها هم جماعة مدرسة مونبلييه Montpellier .في الوقت الذي كانت ألمانيا هي الموطن الذي بلغ فيه مذهب الحياتية أعلى درجات ازدهاره وأوسع مجالات انتشاره.
ازدواجية علم الحياة المعاصر وخصائص الحياة: سواء أخذنا برأي البيولوجيين المتخصصين أو برأي فلاسفة العلوم، فإن المفهوم المتفق عليه اليوم لطبيعة الكائنات الحية هو سيادة قوانين الفيزياء والكيمياء على جميع وظائفها التي تتم على المستوى الجيني، وعلى معظم وظائفها التي تتم على مستوى الخلايا. ومع ذلك فالكائنات المتعضية تتميز عن المادة الخاملة في كونها أنظمة رئاسية ذات كيان، له كثير من الصفات الانبثاقية، والأهم من ذلك هو أن كل أنشطتها تتم تنفيذاً لبرامج جينية، في طياتها معلومات مكتسبة تراكمت عبر التاريخ، وكلا الأمرين لا وجود له في عالم الجمادات.
ونتيجة لذلك، فالكائنات الحية المتعضية تمثل شكلاً لافتاً للنظر من أشكال الازدواجية، وهي هنا ليست ازدواجية البدن والروح ولا المحسوسات والغيبيات، فازدواجيات علم البيولوجية الحديث نابعة من حقيقة أن للكائن الحي صورتين متلازمتين في كيان واحد؛ النمط الوراثي أو الجيني génotype والنمط الظاهري phénotype.
فأما النمط الوراثي، فبحكم أنه مكوّن من حموض نووية، فإن فهمه يحتاج إلى إيضاحات تطورية.
وأما النمط الظاهري، فهو حصيلة تجمعات من المادة الكبيرة الجزيئات كالبروتينات والدهون التي بُنيت على أساس معلومات يمدها بها النمط الوراثي، ومثل هذه الازدواجية غير معروفة في عالم الجمادات.
وبوسعنا جدولة الظواهر المميزة للكائنات الحية كما يأتي:
ـ تعد الكائنات المتعضية حصيلة 3.8 بليون سنة من النشوء والارتقاء، يعكس هذا التاريخ خصائصها؛ فتكوينها وسلوكها وكل أنشطتها الأخرى تسير طبقاً لبرامج جينية هي حصيلة المعلومات الوراثية المتراكمة عبر مسيرة تاريخ الحياة، أما استقراء هذا التاريخ فإنه يدل على تيار متصل بدأ منذ نشأة الحياة وسريانها في أبسط الكائنات (بدائيات النوى procaryotes)، وارتقائها لتسري في الأشجار العملاقة والفِيَلة والحيتان والآدميين.
ـ الخواص الكيميائية: على الرغم من أن ذرات المواد غير الحية هي بعينها قوام تركيب جميع الكائنات الحية المتعضية، إلا أن نمو هذه الكائنات وأداءها الوظيفي يتمّان بفعل مركبات خاصة هي الحموض النووية، والهرمونات، والإنزيمات (الخمائر)، وغيرها من الجزيئات العملاقة التي لا وجود لها في عالم الجمادات. وقد كشفت الكيمياء العضوية والحيوية أن كل المواد الموجودة في الكائنات الحية يمكن تحليلها إلى جزيئات أبسط تركيباً، كما يمكن أيضاً تخليقها (أي تركيبها مخبرياً).
ـ الآليات التنظيمية: وهي ضوابط تؤمن حفظ نظام العمل واستقراره في الكيان الحي بكل الطرق، وهذا أمر لا وجود له بتاتاً في عالم الجمادات.
ـ التعضي organisation: الكائنات الحية أنظمة معقدة ومنضبطة، وهذا هو سر قدرتها على استيعاب التعليمات الوراثية الصادرة من الجينات، والتزامها بمساراتها التكوينية والتطورية.
التكيف: الكائنات الحية متوائمة مع الظروف المحيطة نتيجة تعرضها للانتخاب الطبيعي عبر أجيال سابقة لا حصر لها.
ـ محدودة القـدّ: أي أن حجوم الكائنات الحية - من أصغر الفيروسات حتى أضخم الأشجار والحيتان - تشغل نطاقاً محدوداً يتوسط عالم الموجودات. كما أن الوحدات الأساسية للتعضي الحيوي - وهي الخلايا ومكوناتها - صغيرة جداً، وهذا يتيح للكائنات المتعضية مرونة عظيمة في النمو والتطور.
ـ دورة الحياة: تتسم الكائنات الحياة كلها على الأغلب، وخاصة تلك التي تتكاثر جنسياً ، بأن لها دورة حياة محددة تبدأ بالبيضة الملقحة (الزيجوت)، وتمر بأطوار جنينية أو يرقية مختلفة حتى تصل إلى مرحلة البلوغ، وتختلف درجة التعقيد في دورة الحياة من نوع إلى آخر بما في ذلك التعاقب بين الأجيال الجنسية واللاجنسية في بعض الأنواع.
ـ الأنظمة المفتوحة: تحصل الكائنات الحية على الطاقة والمواد من الوسط الخارجي وتنفث فيه النواتج النهائية لعمليات الاستقلاب (الأيض)، وهي في ذلك لا تتقيد بالقانون الثاني لعلم التحريك الحراري.
وقصارى القول: إن هذه الخصائص المميزة للكائنات الحية المتعضية تحقق لها عدداً من القدرات التي لاوجود لها في الأنظمة غير الحية، منها:
القدرة على التطور، القدرة على الاستنساخ الذاتي، القدرة على النمو والتمايز على أساس برنامج جيني، القدرة على النشاط الاستقلابي (تقييد الطاقة وإطلاقها)، القدرة على التنظيم الذاتي للمحافظة على نظام العمل في كيانها المعقد في حالة اتزان، القدرة على التجاوب مع المؤثرات الصادرة من الوسط المحيط بها (باستقبالها بوساطة أعضاء الحس ثم إدراكها)، القابلية للتغير الازدواجي (النمط الظاهري والنمط الوراثي أو الجيني).
كل هذه الخصائص المميزة للكائنات الحية المتعضية تؤهلها لأن تحتل مرتبة متميزة عن الأنظمة غير الحية، ولقد كان التعرف التدريجي على تفرد عالم الأحياء واستقلاله سبباً في ظهور ذلك الفرع من العلوم المسمى «بالبيولوجية» ثم أدى إلى الاعتراف به كعلم قائم بذاته.
هل أضحت البيولوجية علماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟!
أمكن، بعد منتصف القرن العشرين، تمييز ثلاث وجهات نظر شديدة الاختلاف حول وضع البيولوجية بين العلوم. ففي أقصى اليمين، كان هناك رأي بوجوب استبعادها تماماً عن دائرة العلم، لأنه يفتقر إلى القابلية للتقنين والقياس الكمي الدقيق التي هي سمات العلم الحقيقي (والمقصود علم الفيزياء)، وفي أقصى اليسار رأيٌ بأن للبيولوجية كل مقومات العلم الحقيقي التي تجعله مكافئاً للفيزياء، وإن كان يختلف عنه في جوانب مهمة، مما يستدعي منحه مرتبة العلم القائم بذاته. وفيما بين هذين وجهة نظر تعدُّ البيولوجية علماً فرعياً لأن جميع معطياته يمكن - في نهاية الأمر - إحالتها إلى قوانين الفيزياء والكيمياء.
ويمكن إعادة صياغة السؤال: «هل البيولوجية علم قائم بذاته» في جملتين: الأولى هي «هل البيولوجية - كالفيزياء والكيمياء - علم؟» والجملة الثانية هي: «هل علم البيولوجية مناظر تماماً لهذين العلمين؟». للإجابة عن السـؤال الأول يمكننا الرجـوع إلى المعايير الثمـانيـة التي وضعها «جون مور John Moorr» عام(1993) كمسوغات للاعتراف بأي نشاط فكري كعلم، نوجزها بإشارة دون إبانة:
1 ـ أن يكون أساسه بيانات ميدانية أو مخبرية هي حصيلة مشاهدة أو تجربة.
2 ـ أن يستهدف جمع البيانات الإجابة عن أسئلة، وأن تستهدف المشاهدات إزالة الشك.
3 ـ الالتزام بالموضوعية في المنهج والوسائل.
4 ـ تمشي الفرضيات مع المشاهدات، وانسجامها مع فكرة البحث.
5 ـ صلاحية جميع الفروض والاحتمالات وتمحيص المتداخل منها بالمقارنة والمفاضلة.
6 ـ صلاحية التعميمات للتطبيق على كل الموضوعات المتداخلة في نطاق العلم محـل الدراسة، وأن تكون الظواهر الشاذة قابلة للتفسير من دون تبريرات غيبية.
7 ـ عدم التسليم بأي اكتشاف كحقيقة إلا بعد تأكيده من عدة مصادر خارجية.
8 ـ القدرة على تقديم حلول للمشاكل المحيرة، وإحلال نظريات صحيحة محل نظريات معيبة أو ناقصة، مما يؤدي إلى التحسين المتنامي للمعرفة.
بناء على هذه المعايير يغلب الرأي القائل بوجوب الاعتراف بالبيولوجية كعلم أصيل مستقل مثل الفيزياء والكيمياء.
فكرة عن مجالات تقدم الحياة في بيولوجية الخلية
نشر أول بحث في علم الخلية cytologie من قبل «روبرت هوك R.Hooke» عام 1667 حيث استعملت كلمة خلية cellule بمعناها البيولوجي أول مرة، ثم توالت الاكتشافات البيولوجية بعد استخدام المجهر لرؤية ما تعجز العين المجردة عن مشاهدته، وذلك على مدى مئة وخمسين عاماً حتى عام 1820. بيد أن اكتشاف التكبير الفائق باستعمال الغمر بالزيت أو ما يسمى بالعدسة الغاطسة، قد أدى، نحو عام 1890، إلى تحسين إضاءة الأجسام وخاصة بعد استخدام المثبتات والملونات إذ اتضح التباين في مختلف أجزاء الخلية وخاصة الخلايا النباتية باعتبار تباين جُدُرها ووضوحها على عكس الصعوبة التي اتضحت في الخلايا الحيوانية حيث الجدران عبارة عن أغشية شفافة وغاية في الرقة، وهذا ما قاد العالم «مايين Meyen» من (1804-1840) إلى اكتشاف ظاهرة التكاثر في الخلايا النباتية، واكتشف العضيات أمثال الصانعات الخضر chloroplastes.
لكن باحثين آخرين من أمثال «روبرت براون R.Brown» الذي اكتشف أول مرة جسماً وسط الخلية أسماه النواة noyau، تلاه «شلايدن Shleiden» بعد سبع سنوات الذي أعلن أن الخلايا الجديدة تنشأ عن نمو النواة، فأطلق على النواة اسم «صانعة الخلايا cytoplaste»، ولكن البيولوجيين أعلنوا بعد سنوات أن الخلايا الجديدة تتكون بانقسام الخلايا القديمة، والمهم هنا أنه بعد اكتشاف أن النبات يتكون من خلايا متباينة في الشكل والوظيفة، فقد أعلن أن النتيجة ذاتها تنطبق على الحيوان، وأن النوى الجديدة يمكن أن تنشأ من مادة خلوية تسمى «السيتوبلاسم» وهذا ما انسجم مع نظرية التكوُّن الذاتي التي تعني أن كل خلية تنشأ عن خلية نظيرة، بدءاً من خلية أصلية، وصدر بعد ذلك إعلان يقول: «كل الخلايا تنشأ من خلايا» إذ ظهرت النظرية الخلوية الجديدة.
لكن الباحثين أبدوا اهتماماً خاصاً بالنواة إذ أعلنوا حقيقة مهمة مفادها أن النواة يسبق انقسامها انقسام السيتوبلازم، وتتالت البحوث لتوضح أن «كل النوى تنشأ عن نوى» وهو إعلان العالم «فلمنغ»، حيث اتجه مع غيره لدراسة عملية الإخصاب (الإلقاح) التي قدمت لعلم البيولوجية مفاتيح المشكلة كلها عندما تم التعرف على الخلية البيضية والعروس الذكر وعملية الإخصاب وعملية الانقسام وتكوين الكائن الجديد من خلايا تكون بادئ الأمر غير متمايزة، تتمايز بعد ذلك بالشكل والوظيفة لتشكيل منظومة الكائن الحي المتكاملة لتؤمن كائناً حياً جديداً إنْ في النبات أو في الحيوان.
لكن تسجيل اندماج العروس الذكر بالعروس الأنثى لم تتضح إلا في غضون الربع الثالث من القرن التاسع عشر، حيث اتضح اندماج النواتين الذكرية والأنثوية بعملية تسمى «انصهار نواتي العروسين» amphimixie لتنشأ عن ذلك لاقحة تسمى البيضة الملقحة تؤدي إلى تكوين طليعة جنين، الجنين.
وكان في الخاتمة أن تبلورت عمليات نقل الصفات الوراثية عن طريق مواد توجد في النواة مما أدى إلى ظهور فكرة الصبغيات chromosomes وموضوع المورِّثات، وهكذا تطور هذا العلم سريعاً حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم، واحتل علم الحياة مكان الطليعة بين العلوم لخطورة مكتشفاته وأهميتها، وبدت للعالم أهمية فكرة ربطه بأخلاقيات تسمى «الأخلاق البيولوجية».
سعيد محمد الحفار
Biology - Biologie
الحياة (علم ـ)
البيولوجية
استحدثت لفظة «علم الحياة» البيولوجية biologie عام 1800 في مؤلفات «لامارك» و«تريفيرانُس Treviranus»، و«بورداخ Burdach». بيد أنه لم يكن هناك في بداية الأمر حقل أبحاث حقيقي جدير بهذا الاسم، ومع ذلك فإن هذا المصطلح كان مؤشراً لبداية نقلة نحو اهتمام بالكائنات الحية أكبر من ذلك الذي كان محصوراً في دائرة الدراسات التصنيفية والوصفية التي كانت مجال الاهتمام حتى ذلك الوقت. ولقد قدم «تريفيرانوس» تعريفاً بالمجالات التي سوف تكون موضع اهتمام من وضعوا مصطلح «بيولوجية» سنة 1804 تحديداً لمنهج دراساتهم في الحياة والأحياء.
أسس علم الأحياء
وضعت أسس هذا العلم في الفترة ما بين 1828-1866 متمثلة في أعمال «فون بير» في علم الجنين[ر] embryologie، و«شوان» مع «شليدن» في علم الخلية cytologie، و«مولر» و«ليبيج وهلمهولتز ودوبوا، وريموند، وبرنارد» في مجال علم الوظيفة physiologie، و«والاس ودارون» في علم التطور الحيوي والجغرافيا الحيوية، و«ماندل» في علم الوراثة. لكن «دارون» الذي نشر كتابه أصل الأنواع L’origine des espèces، كان بمثابة إعلان لإنجازات بضعة وثلاثين عاماً مهدت الطريق أمام ميلاد معظم الفروع البيولوجية المستحدثة التي نعرفها اليوم، وكانت بمثابة طفرة في هذا العالم جعلته يتجه اتجاهات لا حصر لها والتي نعرفها حالياً، إذ إن عالم البيولوجية اليوم شهد مولد أفكار جريئة، وغير مسبوقة في مجالات علم الوراثة، وبيولوجية الخلية، وعلم الأعصاب، بالإضافة إلى تقدم مذهل في بيولوجية التطور وعلم التبيؤ[ر] ecologie، وعلم البيولوجية الجزيئية، حيث أدت كل هذه التفرعات إلى قيام صناعة كاملة متنامية ظهرت آثارها جلية في مجالات الطب المتباينة، وعلم الزراعة، وتربية الحيوان، والاغتذاء البشري حتى وصلت إلى مجالات تحديد النسل وتحسينه، والاستنساخ الحيواني والبشري والحصول على خلايا عصبية من خلايا البشرة في شهر نيسان عام2002، وهذا أمر أحدث انقلاباً جديداً في علم الحياة المعاصر قلب موازين العالم كله في مجالات التمايز الخلوي والنسج، ومن هنا فإننا نتفق مع القائلين في مؤتمر البيولوجية ومصير الإنسان الذين أطلقوا على القرن العشرين قرن (البيولوجية).
أصل هذا العلم
ومع أن شمس البيولوجية، بوصفها علماً حديثاً، لم تبزغ إلا في أواسط القرن التاسع عشر، إلا أن جذوره تمتد إلى عصر الإغريق حيث نشأ منذ أكثر من ألفي عام على شكل «مدارس» تميزت منها مدرستان مازالتا معروفتين إلى اليوم هما: المدرسة الطبية، ومدرسة التاريخ الطبيعي. فأما المدرسة الطبية فمثلها «أبقراط Hippocrate» وسابقوه وتابعوه، وقد بلغت ذروة ازدهارها في العالم القديم (ما بين عامي 130 و200م) بأعمال «جالينوس Galenus» التي أدت إلى نشأة التشريح وعلم وظائف الأعضاء. وأما مدرسة التاريخ الطبيعي، فقد بلغت ذروة ازدهارها على يدي «أرسطو Aristotle» كما تشهد بذلك أعماله ممثلة في كتابه: «تاريخ الحيوانات History of Animals»، وعن هذه المدرسة نشأت علوم التبيؤ والتصنيف والبيولوجية المقارنة، والتشريح المقارن anatomie compare.
ولقد استمر الفصل بين التاريخ الطبيعي وعلم الحياة والطب طوال العصور الوسطى وعصر النهضة، مع ارتباطها بعلم النبات (لأنه - على الرغم من كونها فروعاً من التاريخ الطبيعي - كانت منصبة على الأعشاب ذات الخصائص الطبية). وفي الحقيقة، إن قادة علم النبات من «سيزالبينو Cesalpino» (في بداية القرن السادس عشر) حتى «لينبوس» (في نهاية القرن الثامن عشر) كانوا أطباء باستثناء وحيد هو «جون راي John Ray» وبمرور الوقت استقل علم النبات وانضم إلى علم الحيوان ليتكون منهما علم التاريخ الطبيعي الذي انسلخ منه علم الحفريات، وانضم إلى علم طبقات الأرض «الجيولوجيا» وبقي التشريح ووظائف الأعضاء «علم الغريزة» حيث شكلا المكونات البيولوجية للمدرسة الطبية.
ولم يكن للثورة العلمية إلا أثر ضئيل في علم الحياة «البيولوجية»، الذي لم تتأثر مسيرته بصورة فعالة إلا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما اكتشف التباين الذي فاق التصور في أنواع النبات والحيوان. ولقد كانت الثروة الأحيائية التي جلبها المستكشفون الأفراد (ومنهم جامعو النباتات من تلاميذ «لينيه») نواة لمتاحف التاريخ الطبيعي، كما حفزت الدارسين إلى التركيز على علم التصنيف ذلك الفرع، الذي كان يشكل الجانب الأكبر من علم البيولوجية في عهد «لينيه»، إلى جانب علميِّ التشريح ووظائف الأعضاء كعماد للمدرسة الطبية.
وفي أثناء تلك المرحلة كانت معظم أنشطة المشتغلين بعلوم الحياة تتسم بأنها وصفية، ولكن هذا لا يعني وصفنا تلك الفترة من تاريخ البيولوجية بالعقم الفكري، فلقد تمت فيها إنجازات في مجال التاريخ الطبيعي (على يدي بَفنِّ) ووظائف الأعضاء (بيشا Bichat وماغندي Magendie) والمورفولوجيا النموذجية (على يد غوته Goethe) والفلسفة الطبيعية (بلومتباخ وتابعيه).
طبيعة علم الحياة وبنيته
حاول العلماء عام 1955، وضع أفضل هيكل يعبر عن طبيعة علم الحياة وبنيته، وفق معايير وضعت مسبقاً من قبل العلماء وطبقاً لمقترحات البيولوجي «مينكس Mainx»، من شأنها تقسيم هذا العلم إلى مجالات رئيسية ثلاثة هي:
علم الشكل morphologie
علم الجنين embryologie
علم وظائف الأعضاء physiologie
إضافة إلى قليل من الموضوعات التي كثيراً ما تكون الاعتبارات المورفولوجية أساساً لها مثل: علم الخلية cytologie، وعلم النُّسج histologie، كما حاز قبولاً واسعاً اقتراح فايس Weiss» بتقسيم العلم (من منظور آخر) إلى: بيولوجية جزيئية biologie moleculaire، وبيولوجية خلوية biologie cellulaire، وبيولوجية وراثية biologie genetique، وبيولوجية تطورية biologie developpée، وبيولوجية الجماعات biologie des groupes والبيئة 'L’environnement، وهذا هو التقسيم الذي اتخذته مؤسسة العلوم القومية الفرنسية أساساً لعنونة مصادرها المعلوماتية. ومن الطريف أن واضع هذا التصنيف قد جمع فروعاً شتى مثل: التصنيف والسلوك والتطور والبيئة في كومة واحدة تحت الفئة الأخيرة من الهيكل المقدم منه (وهي التي تضم كل ما يخص الأحياء كمجموعات)، بينما احتجز خمس فئات متساوية الأهمية فيما يخص الكائن الحي كفرد، وليس في ذلك غرابة لأن «فايس» الذي وضع هذا الهيكل من المتحمسين للمنهج التجريبي.
وفي عام 1970 شكلت الأكاديمية القومية في فرنسا لجنة لدراسة علوم الحياة، قسمت هذه العلوم إلى اثنتي عشر فئة هي البيولوجية الجزيئية (مع الكيمياء الحيوية)، علم الوراثة، بيولوجية الخلية، الفيزيولوجيا، بيولوجية التطور، المورفولوجيا، والتصنيف، علم التبيؤ (إيكولوجية)، بيولوجية السلوك، علم التغذية، علم آليات المرض disease mechanisms، وأخيراً علم العقاقير pharmacologie (والفروع الثلاثة الأخيرة منها ذات أهمية تطبيقية واضحة). وعلى الرغم مما أدخله هذا التقسيم على ما سبقه من تحسينات، إلا أنه لم يخل من المشكلات ومنها على سبيل المثال: اعتبار التصنيف وبيولوجية التطور فرعاً واحداً.
مفهوم الحياة
عندما يتكلم علماء الحياة والفلاسفة عن «الحياة La vie» إنما هم في العادة لا يعنون بذلك ظاهرة المعيشة، التي هي نقيض الموت، وإنما يعنون على الأرجح خاصية الحياة التي هي نقيض انعدام الحياة في أي جماد. ولقد كان من الأهداف الرئيسية لعلم البيولوجية إلقاء الضوء على هذه الحقيقة المسماة «بالحياة». ولكن المشكلة هنا هي أن كلمة «حياة» يفهم منها شيء، قد يكون قوة أو مادة، ظل الفلاسفة والبيولوجيون قروناً يحاولون تعريفه من دون طائل. وفي الحقيقة، إن لفظ «حياة» هو مجرد تعبير عن عملية «المعيشة» ولا وجود له ككيان مستقل، وبمقدور المرء أن يصف ظاهرة المعيشة، بل ويحاول أن يحدد ماهيتها، وأن يعرف ماهية الكائن المتعضي الحي organisme، وأن يحاول وضع حد فاصل بينه وبين ما هو غير حي. حقاً إن المرء يستطيع أن يحاول شرح كيف أن المعيشة، كعملية، يمكن أن تكون نتاج تجمّعات من الجزيئات التي هي، في حد ذاتها، محرومة من الحياة.
ومنذ القرن السادس عشر ومحاولات الإجابة عن السؤال: «ما هي الحياة»؟ وكيف يمكن تفسير العمليات الحياتية؟ لا تزال موضوع صراع ساخن بين أصحاب مختلف الآراء. وباختصار، كان الوضع هو انقسام المفكرين دائماً إلى فئتين: إحداها يعلن أن الكائنات الحية ليست في الحقيقة مختلفة إطلاقاً عن المادة غير الحية، وكان أصحاب هذا التوجه يدعون أحياناً «بالآليين Mecanistes»، وعلى الجانب الآخر توجهٌ آخر يدعى أصحابه بالحياتيين Vitalistes، كانوا ينادون برأي آخر خلاصته أن للكائنات الحية خصائص لا يمكن وجودها في المادة الخاملة. وتأسيساً على ذلك فهم يرون أن النظريات والمفاهيم البيولوجية، لا يمكن أن تكون خاضعة لقوانين الفيزياء والكيمياء.... وفي بعض الدوائر الثقافية كان رأي الآليين هو الغالب والمسيطر في حين أنه في أماكن وأزمنة أخرى كان يبدو أن الحياتيين كانوا هم أصحاب اليد العليا. ومع ذلك فإن الاتجاه في القرن الحادي والعشرين أصبح واضحاً بأن كلاً من الفئتين قد أصاب أحياناً وأخطأ أحياناً أخرى.
فالآليون كانوا على حق في إصرارهم على الاعتقاد بعدم وجود مكونات للحياة فيما وراء الطبيعة، وأن الحياة على مستوى الجزيئات ممكنة التفسير وفقاً لقوانين الفيزياء والكيمياء، وفي الوقت نفسه كان الحياتيون على حق في احتجاجهم على أن الكائنات الحية غير مماثلة إطلاقاً للمادة غير الحية، بل إن لها الكثير من الصفات المميزة غير العادية، وبالأخص برنامجها الجيني الذي اكتسبته عبر تاريخها، وهو أمر غير معروف في عالم الجمادات: فالكائنات المتعضية organismes تمثل نظماً متعددة مستويات الترتيب، وهي مختلفة تماماً عن أي شيء يمكن أن يوجد في عالم الجمادات. أما الفلسفة التي أتت بعد ذلك واستوعبت أحسن ما في الحياتية وأحسن ما في الآلية من مبادئ (بعد استبعاد التزايدات) فقد أصبحت تعرف باسم «العضوانية organicisme»، وهذا هو الأنموذج السائد اليوم.
مفهوم الحياتية ووجود قوة حيوية
ومما لاشك فيه أن الحياتية كانت حركة مضادة منذ أن ولدت في القرن السابع عشر، بل إنها كانت تمرداً على الفلسفة الآلية للثورة العلمية، كما كانت انقلاباً ضد الآليين من عصر «غاليليو» إلى عصر «نيوتن»، إذ إنها كانت تقاوم بإصرار مقولة إن الحيوان ما هو إلا آلة، وإن كل مظاهر الحياة يمكن تفسيرها بالكامل بأنها «مادة في حالة حركة». ولكن الحياتيين بقدر ما كانوا مقنعين في رفضهم الحاسم لمزاعم الآليين، كانوا أيضاً، وبالقدر نفسه، غير منطقيين، فيما قدموه من محاولات لتفسير ما ذهبوا إليه، إذ إن كل تفسيراتهم، على كثرتها وتنوعها، لا تقدم نظرية متماسكة.
ووفقاً لما رآه فريق من الحياتيين، فإن قيام «الحياة» مرتبط بوجود مادة خاصة غير موجودة في الجمادات (هي التي أطلقوا عليها اسم البروتوبلازم) أو توافر حالة ETAT كالحالة الغراونية أو الغروية. وفي رأي فريق آخر منهم: أن الحياة تكمن في «قوة خاصة» تتميز عن تلك القوى التي يتحدث عنها الآليون. وجدير بالذكر أن أسماء تلك القوة الخاصة في لغات من نادوا بوجودها: ليبنز كرافت Lebens Kraft، وإنتيليتشي Entelechie وإيلان فيتال Elan Vitale.
وفي نهاية الأمر تزحزحت فكرة «المائع الحيوي» لتحل محلها فكرة «القوة الحيوية» كتفسير لابديل له لمظاهر الحياة التي استعصت على التفسير بغير هذه الفكرة، التي لاقت القبول حتى من عالم له مثل شهرة «مولر Muller».
وعلى امتداد قرون ثلاثة من بداية القرن السادس عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر كان علماء وظائف الأعضاء في إنكلترا أصحاب أفكار متماشية مع الحياتية، ذلك المذهب الذي ظل محتفظاً بقوته خلال الأربعين سنة الأولى من القرن التاسع عشر (1800-1840)، كما تدل على ذلك كتابات «هنتر J.Hunter» و«بريكارد J.C.Prichard» وغيرهما. وفي فرنسا حيث كان تيار الديكارتية Cartesianisme بوجه خاص قوياً، لم تكن مفاجأة أن تتسم الحركة المضادة التي قام بها الحياتيون على الدرجة نفسها من العنف. وكان أبرز من يمثلونها هم جماعة مدرسة مونبلييه Montpellier .في الوقت الذي كانت ألمانيا هي الموطن الذي بلغ فيه مذهب الحياتية أعلى درجات ازدهاره وأوسع مجالات انتشاره.
ازدواجية علم الحياة المعاصر وخصائص الحياة: سواء أخذنا برأي البيولوجيين المتخصصين أو برأي فلاسفة العلوم، فإن المفهوم المتفق عليه اليوم لطبيعة الكائنات الحية هو سيادة قوانين الفيزياء والكيمياء على جميع وظائفها التي تتم على المستوى الجيني، وعلى معظم وظائفها التي تتم على مستوى الخلايا. ومع ذلك فالكائنات المتعضية تتميز عن المادة الخاملة في كونها أنظمة رئاسية ذات كيان، له كثير من الصفات الانبثاقية، والأهم من ذلك هو أن كل أنشطتها تتم تنفيذاً لبرامج جينية، في طياتها معلومات مكتسبة تراكمت عبر التاريخ، وكلا الأمرين لا وجود له في عالم الجمادات.
ونتيجة لذلك، فالكائنات الحية المتعضية تمثل شكلاً لافتاً للنظر من أشكال الازدواجية، وهي هنا ليست ازدواجية البدن والروح ولا المحسوسات والغيبيات، فازدواجيات علم البيولوجية الحديث نابعة من حقيقة أن للكائن الحي صورتين متلازمتين في كيان واحد؛ النمط الوراثي أو الجيني génotype والنمط الظاهري phénotype.
فأما النمط الوراثي، فبحكم أنه مكوّن من حموض نووية، فإن فهمه يحتاج إلى إيضاحات تطورية.
وأما النمط الظاهري، فهو حصيلة تجمعات من المادة الكبيرة الجزيئات كالبروتينات والدهون التي بُنيت على أساس معلومات يمدها بها النمط الوراثي، ومثل هذه الازدواجية غير معروفة في عالم الجمادات.
وبوسعنا جدولة الظواهر المميزة للكائنات الحية كما يأتي:
ـ تعد الكائنات المتعضية حصيلة 3.8 بليون سنة من النشوء والارتقاء، يعكس هذا التاريخ خصائصها؛ فتكوينها وسلوكها وكل أنشطتها الأخرى تسير طبقاً لبرامج جينية هي حصيلة المعلومات الوراثية المتراكمة عبر مسيرة تاريخ الحياة، أما استقراء هذا التاريخ فإنه يدل على تيار متصل بدأ منذ نشأة الحياة وسريانها في أبسط الكائنات (بدائيات النوى procaryotes)، وارتقائها لتسري في الأشجار العملاقة والفِيَلة والحيتان والآدميين.
ـ الخواص الكيميائية: على الرغم من أن ذرات المواد غير الحية هي بعينها قوام تركيب جميع الكائنات الحية المتعضية، إلا أن نمو هذه الكائنات وأداءها الوظيفي يتمّان بفعل مركبات خاصة هي الحموض النووية، والهرمونات، والإنزيمات (الخمائر)، وغيرها من الجزيئات العملاقة التي لا وجود لها في عالم الجمادات. وقد كشفت الكيمياء العضوية والحيوية أن كل المواد الموجودة في الكائنات الحية يمكن تحليلها إلى جزيئات أبسط تركيباً، كما يمكن أيضاً تخليقها (أي تركيبها مخبرياً).
ـ الآليات التنظيمية: وهي ضوابط تؤمن حفظ نظام العمل واستقراره في الكيان الحي بكل الطرق، وهذا أمر لا وجود له بتاتاً في عالم الجمادات.
ـ التعضي organisation: الكائنات الحية أنظمة معقدة ومنضبطة، وهذا هو سر قدرتها على استيعاب التعليمات الوراثية الصادرة من الجينات، والتزامها بمساراتها التكوينية والتطورية.
التكيف: الكائنات الحية متوائمة مع الظروف المحيطة نتيجة تعرضها للانتخاب الطبيعي عبر أجيال سابقة لا حصر لها.
ـ محدودة القـدّ: أي أن حجوم الكائنات الحية - من أصغر الفيروسات حتى أضخم الأشجار والحيتان - تشغل نطاقاً محدوداً يتوسط عالم الموجودات. كما أن الوحدات الأساسية للتعضي الحيوي - وهي الخلايا ومكوناتها - صغيرة جداً، وهذا يتيح للكائنات المتعضية مرونة عظيمة في النمو والتطور.
ـ دورة الحياة: تتسم الكائنات الحياة كلها على الأغلب، وخاصة تلك التي تتكاثر جنسياً ، بأن لها دورة حياة محددة تبدأ بالبيضة الملقحة (الزيجوت)، وتمر بأطوار جنينية أو يرقية مختلفة حتى تصل إلى مرحلة البلوغ، وتختلف درجة التعقيد في دورة الحياة من نوع إلى آخر بما في ذلك التعاقب بين الأجيال الجنسية واللاجنسية في بعض الأنواع.
ـ الأنظمة المفتوحة: تحصل الكائنات الحية على الطاقة والمواد من الوسط الخارجي وتنفث فيه النواتج النهائية لعمليات الاستقلاب (الأيض)، وهي في ذلك لا تتقيد بالقانون الثاني لعلم التحريك الحراري.
وقصارى القول: إن هذه الخصائص المميزة للكائنات الحية المتعضية تحقق لها عدداً من القدرات التي لاوجود لها في الأنظمة غير الحية، منها:
القدرة على التطور، القدرة على الاستنساخ الذاتي، القدرة على النمو والتمايز على أساس برنامج جيني، القدرة على النشاط الاستقلابي (تقييد الطاقة وإطلاقها)، القدرة على التنظيم الذاتي للمحافظة على نظام العمل في كيانها المعقد في حالة اتزان، القدرة على التجاوب مع المؤثرات الصادرة من الوسط المحيط بها (باستقبالها بوساطة أعضاء الحس ثم إدراكها)، القابلية للتغير الازدواجي (النمط الظاهري والنمط الوراثي أو الجيني).
كل هذه الخصائص المميزة للكائنات الحية المتعضية تؤهلها لأن تحتل مرتبة متميزة عن الأنظمة غير الحية، ولقد كان التعرف التدريجي على تفرد عالم الأحياء واستقلاله سبباً في ظهور ذلك الفرع من العلوم المسمى «بالبيولوجية» ثم أدى إلى الاعتراف به كعلم قائم بذاته.
هل أضحت البيولوجية علماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟!
أمكن، بعد منتصف القرن العشرين، تمييز ثلاث وجهات نظر شديدة الاختلاف حول وضع البيولوجية بين العلوم. ففي أقصى اليمين، كان هناك رأي بوجوب استبعادها تماماً عن دائرة العلم، لأنه يفتقر إلى القابلية للتقنين والقياس الكمي الدقيق التي هي سمات العلم الحقيقي (والمقصود علم الفيزياء)، وفي أقصى اليسار رأيٌ بأن للبيولوجية كل مقومات العلم الحقيقي التي تجعله مكافئاً للفيزياء، وإن كان يختلف عنه في جوانب مهمة، مما يستدعي منحه مرتبة العلم القائم بذاته. وفيما بين هذين وجهة نظر تعدُّ البيولوجية علماً فرعياً لأن جميع معطياته يمكن - في نهاية الأمر - إحالتها إلى قوانين الفيزياء والكيمياء.
ويمكن إعادة صياغة السؤال: «هل البيولوجية علم قائم بذاته» في جملتين: الأولى هي «هل البيولوجية - كالفيزياء والكيمياء - علم؟» والجملة الثانية هي: «هل علم البيولوجية مناظر تماماً لهذين العلمين؟». للإجابة عن السـؤال الأول يمكننا الرجـوع إلى المعايير الثمـانيـة التي وضعها «جون مور John Moorr» عام(1993) كمسوغات للاعتراف بأي نشاط فكري كعلم، نوجزها بإشارة دون إبانة:
1 ـ أن يكون أساسه بيانات ميدانية أو مخبرية هي حصيلة مشاهدة أو تجربة.
2 ـ أن يستهدف جمع البيانات الإجابة عن أسئلة، وأن تستهدف المشاهدات إزالة الشك.
3 ـ الالتزام بالموضوعية في المنهج والوسائل.
4 ـ تمشي الفرضيات مع المشاهدات، وانسجامها مع فكرة البحث.
5 ـ صلاحية جميع الفروض والاحتمالات وتمحيص المتداخل منها بالمقارنة والمفاضلة.
6 ـ صلاحية التعميمات للتطبيق على كل الموضوعات المتداخلة في نطاق العلم محـل الدراسة، وأن تكون الظواهر الشاذة قابلة للتفسير من دون تبريرات غيبية.
7 ـ عدم التسليم بأي اكتشاف كحقيقة إلا بعد تأكيده من عدة مصادر خارجية.
8 ـ القدرة على تقديم حلول للمشاكل المحيرة، وإحلال نظريات صحيحة محل نظريات معيبة أو ناقصة، مما يؤدي إلى التحسين المتنامي للمعرفة.
بناء على هذه المعايير يغلب الرأي القائل بوجوب الاعتراف بالبيولوجية كعلم أصيل مستقل مثل الفيزياء والكيمياء.
فكرة عن مجالات تقدم الحياة في بيولوجية الخلية
نشر أول بحث في علم الخلية cytologie من قبل «روبرت هوك R.Hooke» عام 1667 حيث استعملت كلمة خلية cellule بمعناها البيولوجي أول مرة، ثم توالت الاكتشافات البيولوجية بعد استخدام المجهر لرؤية ما تعجز العين المجردة عن مشاهدته، وذلك على مدى مئة وخمسين عاماً حتى عام 1820. بيد أن اكتشاف التكبير الفائق باستعمال الغمر بالزيت أو ما يسمى بالعدسة الغاطسة، قد أدى، نحو عام 1890، إلى تحسين إضاءة الأجسام وخاصة بعد استخدام المثبتات والملونات إذ اتضح التباين في مختلف أجزاء الخلية وخاصة الخلايا النباتية باعتبار تباين جُدُرها ووضوحها على عكس الصعوبة التي اتضحت في الخلايا الحيوانية حيث الجدران عبارة عن أغشية شفافة وغاية في الرقة، وهذا ما قاد العالم «مايين Meyen» من (1804-1840) إلى اكتشاف ظاهرة التكاثر في الخلايا النباتية، واكتشف العضيات أمثال الصانعات الخضر chloroplastes.
لكن باحثين آخرين من أمثال «روبرت براون R.Brown» الذي اكتشف أول مرة جسماً وسط الخلية أسماه النواة noyau، تلاه «شلايدن Shleiden» بعد سبع سنوات الذي أعلن أن الخلايا الجديدة تنشأ عن نمو النواة، فأطلق على النواة اسم «صانعة الخلايا cytoplaste»، ولكن البيولوجيين أعلنوا بعد سنوات أن الخلايا الجديدة تتكون بانقسام الخلايا القديمة، والمهم هنا أنه بعد اكتشاف أن النبات يتكون من خلايا متباينة في الشكل والوظيفة، فقد أعلن أن النتيجة ذاتها تنطبق على الحيوان، وأن النوى الجديدة يمكن أن تنشأ من مادة خلوية تسمى «السيتوبلاسم» وهذا ما انسجم مع نظرية التكوُّن الذاتي التي تعني أن كل خلية تنشأ عن خلية نظيرة، بدءاً من خلية أصلية، وصدر بعد ذلك إعلان يقول: «كل الخلايا تنشأ من خلايا» إذ ظهرت النظرية الخلوية الجديدة.
لكن الباحثين أبدوا اهتماماً خاصاً بالنواة إذ أعلنوا حقيقة مهمة مفادها أن النواة يسبق انقسامها انقسام السيتوبلازم، وتتالت البحوث لتوضح أن «كل النوى تنشأ عن نوى» وهو إعلان العالم «فلمنغ»، حيث اتجه مع غيره لدراسة عملية الإخصاب (الإلقاح) التي قدمت لعلم البيولوجية مفاتيح المشكلة كلها عندما تم التعرف على الخلية البيضية والعروس الذكر وعملية الإخصاب وعملية الانقسام وتكوين الكائن الجديد من خلايا تكون بادئ الأمر غير متمايزة، تتمايز بعد ذلك بالشكل والوظيفة لتشكيل منظومة الكائن الحي المتكاملة لتؤمن كائناً حياً جديداً إنْ في النبات أو في الحيوان.
لكن تسجيل اندماج العروس الذكر بالعروس الأنثى لم تتضح إلا في غضون الربع الثالث من القرن التاسع عشر، حيث اتضح اندماج النواتين الذكرية والأنثوية بعملية تسمى «انصهار نواتي العروسين» amphimixie لتنشأ عن ذلك لاقحة تسمى البيضة الملقحة تؤدي إلى تكوين طليعة جنين، الجنين.
وكان في الخاتمة أن تبلورت عمليات نقل الصفات الوراثية عن طريق مواد توجد في النواة مما أدى إلى ظهور فكرة الصبغيات chromosomes وموضوع المورِّثات، وهكذا تطور هذا العلم سريعاً حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم، واحتل علم الحياة مكان الطليعة بين العلوم لخطورة مكتشفاته وأهميتها، وبدت للعالم أهمية فكرة ربطه بأخلاقيات تسمى «الأخلاق البيولوجية».
سعيد محمد الحفار