كلّما نقوم بقياس ظاهرة طبيعيّة معيّنة، عادة ما ننظر لنتائجنا بعينٍ من الشّك والرّيبة، وذلك لأنّ في تجربتنا مع الأشياء والأجسام ذات الأحجام الإعتياديّة والمألوفة، مثل الكرات أو القطارات أو حتّى أجهزة المختبرات، عادة ما نلاحظ أنّ دقّة النّتائج مرتبطة بدقّة أجهزة القياس التي نستخدم، وأنّ اسىتعمال أجهزة قادرة على القياس بدقّة أكبر من الممكن أن يقلّل من الرّيبة التي تتخلّل نتائج قياساتنا.
في الواقع، الكثير منّا ربّما يتوقّع أنّ اللاّيقين الذي يتخلّل نتائج قياساتنا وأبحاثنا من الممكن أن يقارب الصّفر، في حال استخدامنا لآلات وأجهزة قادرة على إجراء قياسات وحسابات في منتهى الدقّة.
ولكنّ مبدأ اللاّيقين، الذي طوّره الفيزيائيّ الألمانيّ فيرنر هايزنبيرج في العشرينات من القرن الماضي، يخبرنا أنّ هنالك سقفٌ فعليّ يحدّ من دقّة القياسات.
هذا السّقف أو الحدّ غير متعلّق بجودة آلات وأجهزة القياس، ولكنّه أصلٌ ثابت يكمن في طبيعة الأشياء.
(ليس هنالك أيّ أثر عمليّ يُذكر لهذا الحدّ عندما نتحدّث عن أجسام بأحجام إعتياديّة، ولكنّ آثاره عظيمة عندما نتعامل مع الجسيمات دون الذريّة، مثل الإلكترون).
عندما نريد أن نقيس خاصيّة معيّنة لجسمٍ ما، لا بدّ من أن نتفاعل مباشرة مع هذا الجسم عن طريق جهاز أو آلة ما.
تخيّل، على سبيل المثال، لو أردنا إستخدام مصباح يدوي لتحديد مكان كرة مطّاطيّة كبيرة في غرفة مظلمة.
سنبصر الكرة المطّاطيّة في اللّحظة التي ينعكس فيها الضّوء من الكرة ليدخل إلى عينيك.
عندما يصطدم شعاعٌ من الفوتونات بجسمٍ بحجم الكرة المطّاطيّة، فلن يكون لهذا التّصادم أيّ أثر فعليّ على سرعة أو موضع الكرة.
ولكن، تخيّل على الجهة الأخرى، ماذا ستفعل لو أردت تحديد موضع إلكترون عن طريق تسليط الضّوء على الجسيم؟
لا بدّ أن تتذكّر أنّ الدقّة في تحديد موضع الأجسام ستكون محدودة بطول موجة شعاع الضّوء الذي نستخدم.
ولذلك إذا أردنا أن نتحصّل على تقدير دقيق لموضع الإلكترون، لا بدّ من أن نلجأ إلى الأطياف ذات الموجة القصيرة (مثل الأشعّة فوق البنفسجيّة، أشعّة إكس، أو حتّى أشعّة جاما).
هذا يعني أنّنا بحاجة إلى توظيف الفوتونات ذات الطّاقة العالية. ولكن، عليك أن تتذكّر أيضًا، أنّ الفوتونات كلّما امتلكت طاقة أكبر، كلّما ازدادت السّرعة التي تمنحها للإلكترون في حال الإصطدام، ممّا يحدث تغييرًا في حركة الإلكترون بشكلٍ لا يمكن التنبّؤ به.
ولذلك محاولة تحديد وقياس موضع الإلكترون بدقّة يؤدّي إلى إنعدام اليقين بشأن سرعتِهِ، كما أنّ قياس موضع الإلكترون في لحظة ما سينتقص من دقّة معرفتنا بموضعه المستقبليّ.
ولكن ماذا عن الأطياف ذات الموجة الطّويلة؟ ألا يمكن إستخدامها لقياس موضع وسرعة الإلكترون في آنٍ واحد؟ ليس بهذه السّرعة! لأنّ هذه الفوتونات تمتلك طاقة منخفضة، فإنّ سرعة الإلكترون لن تتغيّر بشكلٍ كبير في خلال عمليّة القياس، ولكنّنا، بسبب طول الموجة، لن نستطيع تحديد موضع الإلكترون بدقّة عالية.
هذه المفارقة هي جوهر مبدأ اللّايقين: هنالك شكٌّ لا يمكن إختزاله بعد مستوى معيّن بشأن معرفتنا المتزامنة بموضع وسرعة الإلكترون.
كلّما ازدادت دقّة معرفتنا بأحد هذه الخواصّ (السّرعة أو الموضع)، كلّما ازداد اللايقين بشأن الخاصيّة الأخرى.