عُمر المدني.. يُزيّن دمشق بلوحتين جداريتين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عُمر المدني.. يُزيّن دمشق بلوحتين جداريتين

    عُمر المدني.. يُزيّن دمشق بلوحتين جداريتين



    دمشق
    اختارَ الفنان عمر المدني أعمدة جسر فيكتوريا في دمشق، لِرسم لوحتين جداريتين، بداية العام الحالي، مُحاوِلاً الإسهام بتجميل المرافق العامة وإضفاء لمساتٍ فنية عليها، ولا سيما أن المنطقة الواصلة بين عدة شوارع وأمكنة، تزدحم بالمارة والسيارات معظم الوقت، وتطغى عليها رماديّةٌ أسمنتيّة مع غياب أي مظهرٍ جمالي. ومن هنا بدأ مشروعه، فتقدّم أولاً بطلبٍ إلى محافظة دمشق، بموازاة مجموعة إجراءاتٍ رسميّة، وعندما حصل على الموافقات المطلوبة، أحضر أدواته وشرع يرسم، حتى أصبحت الجداريتان بعد ثلاثة أشهرٍ تقريباً، عملاً فنياً مُكتملاً، تحقق معهما حلمه، بتركِ بصمةٍ مهما كانت صغيرة، في المدينة التي يُحب.
    عن الجداريتين


    اهتمام المدني بالجداريات بعيداً عن أجواء المراسم والصالات، مرّ بمراحل عديدة، يقول في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": «لطالما كان البحث والاكتشاف أولويةً عندي، ونقطةً أولى في اختيار الأسلوب وخطة العمل، وعليه كان اختياري الاشتغال على الجداريات بألوان الإكريليك، بعد تجريب تقنياتٍ كثيرة وألوانٍ متعددة كالطباشير والباستيل والخشب، أمّا فكرة الرسم في شوارع دمشق، فهي حاضرة منذ وقتٍ طويل، لكن الآلية اللازمة للتنفيذ كانت سبباً في التأجيل، يُضاف إليها تفصيلٌ على درجةٍ من الأهمية» -يشرح المدني- «العثور على مكانٍ مُناسب للمشروع، تطلّب وقتاً ودراسة، لأن رسم جداريةٍ يحتاج شروطاً مُحددة، أهمها عدم تعرضها لأشعة الشمس، والبعد عن الرطوبة والأمطار، كنّا بحاجة موقعٍ يحمي اللوحة، إلى أن اخترنا جسر فيكتوريا، وهو من أقدم جسور دمشق، عدا عن أنه يقع في مكانٍ يُشبه التجمّع أو الملتقى، بحيث لا بد أن يمرّ به القادم من محافظةٍ أخرى أو الزائر من خارج البلد».
    أبحث عن مكانٍ مناسب لرمزية العمل، وربما أتعاون مع جهاتٍ أخرى لهذا الهدف

    رسم المدني جداريتيه بأبعادٍ 3م × 3م، وكان مضمونهما أجزاء من معالم دمشقيّة شهيرة، منها "عمود التلغراف في ساحة المرجة، السيف الدمشقي، مدخل سوق الحميدية، واجهة المسجد الأموي، قهوة النوفرة". عن هذا المزيج يقول: «لا يوجد جداريات في دمشق تليق بها، بحضارتها وغناها وإرثها، لذلك اخترت نُتفاً من معالمها، جمعتها في لوحةٍ واحدة، تُؤكد عراقتها وخصوصيتها، كما لا يُمكن في الوقت نفسه، أن نرسم على جدرانها تفاصيل تتجاوز الخريطة السورية».

    مزيدٌ من الفن



    خلال إنجاز العمل، كان المدني يستخدم سلالم (وسقّالة)، وهو ما أثار اهتمام أعدادٍ من الناس، وقفوا يتفرجون ويُحاورونه، وهو ما دفعه للمُطالبة بمزيدٍ من اللوحات والمنحوتات، في دمشق والمحافظات، بيديه ويدي غيره من الفنانين، فهي ستُضفي جاذبية على الأمكنة المُحيطة بها، إضافةً إلى الرمزية والقيمة التي تحملها أينما عُرِضت، عوضاً عن اللوحات الإعلانية التي تحتل مساحاتٍ واسعة، بشكل فوضوي ومُنفّر، يُضيف للمدوّنة: «مُحِبو هذا النوع من الفنون اهتموا كثيراً بالمُنجز، ما رأيته هو أن عامة الشعب راقت لهم الفكرة الجديدة، كانوا اعتادوا سابقاً رؤية الجدار الأسمنتي بشكله الكئيب، لكنهم شاهدوه بشكلٍ مُختلف، جميل ومُلوّن، أتمنى مزيداً من الجمال في مدينةٍ جميلةٍ أصلاً».
    مواضيع مُختلفة


    يرسم المدني أيضاً، مناظر طبيعية وحاراتٍ دمشقية، ولوحاتٍ مركَبة بأحجامٍ مختلفة، وما يطلبه سوق العمل، لكنه يُؤمن أنّ موضوعاً معيناً، يُلامس الفنان أكثر من غيره، يقول: «أختار مواضيعي مما يحدث حولي، من نشرات الأخبار والحوادث والاهتمامات الإنسانية، رسمتُ مُؤخراً أربع لوحاتٍ عن كارثة الزلزال، لأطفالٍ تحت الأنقاض، وبيوتٍ مُهدّمة أو تُوشك على السقوط، لم أرسم دماءً ولا أشلاءً، حتى لا تكون لوحتي جارحة، كما حاولتُ تخفيف القساوة التي عايشها الناس، وفي العموم، أرسم لوحةً يمكن اقتناؤها لسنوات، مريحة وممتعة وتحمل موضوعاً».

    فكرة جديدة


    يستعد المدني لجداريةٍ جديدة، تجمع الأماكن المشهورة في المحافظات السورية، وفي ذهنه تنفيذها بشكلٍ يدمج حجارتها مع بعض، يشرح: «أبحث عن مكانٍ مناسب لرمزية العمل، وربما أتعاون مع جهاتٍ أخرى لهذا الهدف»، لكنه رغم ممارسته الرسم يومياً، لا يبدو معنياً بإقامة معرضٍ فردي، بعد معرضين سابقين في المركز الثقافي في مشروع دمر والمركز الثقافي في العدوي، ومشاركاتٍ جماعية منها مع جمعية شموع السلام والمركز الثقافي البلغاري، يُوضح: «المعارض لم يعد لها قيمة بوجود التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أتاحت نشر اللوحات للملايين من دون التقيّد بزمن، حضور المعارض أصبح ممكناً افتراضياً كذلك، أرى أن الشكل التقليدي للعرض سيختفي لصالح نظيره الأوسع عبر الشاشات الصغيرة».
    مُنطلقٌ للحوار


    الناقد والتشكيلي أديب مخزوم، رأى في اللوحات الجدارية عامةً، من ضمنها ما يشتغل عليه المدني، "منطلقاً للحوار والنقاش، كونها تعمل على إيجاد حالةٍ من التبادل والاطلاع الفني والثقافي، وتُساهم في كسر النظرة العامة السائدة عن الفن التشكيلي، بأنه حكرٌ على الصالات وجمهور النخبة، بحيث يُمكن للناس جميعاً، ومن لا يرتادون الصالات، مُشاهدة اللوحات الجدارية، وربما يُعجبون بها".

    يُضيف مخزوم للمدوّنة: «المعروف أن فن النزول إلى الشارع، في الرسم والنحت، له علاقة وطيدة بالعمارة الحديثة، ويدخل ضمن المشروعات المعمارية لتخطيط المدن، وتجميل الشوارع والحدائق والساحات العامة، وغيرها»، لكن ما تجب الإشارة إليه أيضاً على حد تعبيره، هو أن «الجداريات الحديثة تُعيد الاعتبار للبقية الباقية من العناصر التراثية التي تتعرض للزوال، وتكاد تنقرض، بعد أن تآكلت وسوّدتها مسحات من غبار أزمنة الإهمال والنسيان، وهذا يعني تواصلاً بين الماضي والحاضر، عبر العديد من الجداريات المُنجزة في هذا الزمن، وهي ميزة تُحسب لكل عمل مدروس ومُبتكر».
    ضرورة المتابعة


    التشكيلي مطيع الجميلي أثنى على جرأة المدني في إنجاز جداريتين في مدينة دمشق، وقال لـ "مدوّنة وطن": «عمر المدني، يعمل جاهداً ومحباً للفن، وتجربته تتطور باستمرار، أرى له مستقبلاً حافلاً نتيجة لمثابرته في عمله، أتمنى أن يجد من يدعمه، طالما أنه يعمل ويحلم أن يجد طريقه على جادة الإبداع».

    وبيّن الجميلي أن العمل في الجداريات، يحتاج متابعةً وتدريباً، وهو ما يحرص عليه المدني، منطلقاً من رغبة الولوج في عالم الرسم، وما علينا إلا أن نُشجع المواهب ونطورها كي تصل إلى مستوى مقبول، وأضاف: «الفنان المُتمكن من أدواته، يستطيع أن يُنجز كل شيء، من الطبيعة أو البيئة أو التراث، وما أعنيه هنا هو أنه درس الفن دراسةً أكاديميةً، وطبّق دروس التخطيط واللون والإنشاء، بينما عمر المدني من الهواة في مجال الرسم، يحتاج إلى تمرينٍ وممارسةٍ وخيالٍ واسع ليتكمن من إنجاز مشاريع أكبر وأكثر تأثيراً».
يعمل...
X