لوحات عبد الله عبد السلام .. ظلال الشخوص والإيقاع اللوني الراقص
الثورة – أديب مخزوم:
يتجه الفنان عبد الله عبد السلام، في لوحاته الأحدث لإيجاد بعض الفروقات بين لوحة الأمس ولوحة اليوم، في صياغة المناخات والأجواء اللونية الكثيفة والشفافة والوصول إلى حالات الاختزال والاختصار وإضفاء المزيد من اللمسات المتتابعة والمتداخلة والمتحركة في كل الاتجاهات في خطوات صياغة الإيقاع اللوني الراقص، الدي يوحي أحياناً بإيحاءات المشهد الطبيعي والشخوص وبعض العناصر الأخرى.
فاللوحة التجريدية تتحول هنا من حالة إلى حالة، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة التعبيرية التي توحي بسراب الأشياء أو إيحاءاتها. فهو أحياناً يميل إلى التعبيرية التي تحافظ على بعض ملامح أو إشارات الشكل أو المشهد، وأحياناً أخرى يزاوج بين مؤشرات اللونية العفوية المثبتة في جزئيات لوحة المنظر، وبين مؤشرات التجريد اللوني الذي يظهر في بعض أجزاء اللوحة، حيث لا فواصل ولا حدود هنا بين حضور ملامح الأشكال وبين غيابها المطلق أحياناً في بعض أقسام اللوحة.
ومن خلال هذا التداخل بين مؤشرات الأشكال المنظورة وبين العناصر اللونية التجريدية، يصل إلى إيقاعات هندسية أحياناً (دوائر ومسطحات ومستطيلات) وخطوط شاقولية تحدد بعض المساحات المسطحة، ويتجه في مقاطع أخرى نحو لغة التلميح القادر على اختصار العناصر إلى أقصى حد.
وهكذا نستطيع الحديث عن حالات الدمج في أحيان كثيرة ما بين إشارات المظهر التعبيري وحركات اللمسات اللونية التجريدية، التي تأتي بضربات متداخلة ومتجاورة ومتراكمة فوق بعضها البعض، وهو هنا يرسم بحرية على مساحات الكانفاس الكبيرة، ويغوص في تجربة تعبيرية وتجريدية متحررة تستعيد إيقاعات الأشكال وما تعكسه من تداعيات طفولية تزيد من أجواء الحرية والتلقائية.
إلا أنه في أكثر الأحيان يكسر صفاء المساحة، دامجاً بين جمالية اللمسة العفوية والإيقاعات التعبيرية الحاملة بعض المظاهر الشاعرية والغنائية من خلال النظر إليها بالعين المعاصرة. مجسداً ظلال العناصر الإنسانية، حيث تغيب الشخوص وتبقى حركاتها وإيقاعاتها وظلالها الدالة عليها. ويمكن القول إن ظهور اللمسة العفوية الأكثر ارتباطاً بحالات الانفعال الوجداني، لم تأتِ إلا نتيجة البحث المستمر والمتواصل، أو نتيجة اختباراته المتتابعة التي أظهرت مرونة رموزه التعبيرية التلقائية التي يحكي من خلالها حكايته مع الواقع، حيث تدل هذه اللوحات على عفوية في التنفيذ والتلوين وشغف بالتبسيط والاختصار والاختزال. إذ الأهم بالنسبة له وضوح الإيقاعات اللونية المتراقصة الحاملة خلاصة وجوهر بحثه وتشكيلاته المسكونة بدرجات عالية من الانفعال، والمشغولة بكتل لونية تتجه إلى الكثافة مرة أو الشفافية مرة أخرى.
وهذا الانعطاف أو التحول الجدي في تجربة عبد الله، لا يرتكز على معطيات المكتسبات الأكاديمية والذهنية، بقدر ما يرتكز على خبرات تقنية عفوية، ومتابعات مكثفة، ومغامرة جادة، جعلت اللون أكثر تركيباً وتداخلاً، من دون أن تكون هناك صيغة عبثية أو مجانية.
كل ذلك بلوحات تجمع أجواء الطرب وإيقاع النغم وشاعرية اللون. ولا بد أن نكتشف بعض أوجه التنوع والنضج الموسيقي في الحوارات اللونية الغنائية. فالحضور اللوني هنا هو حضور موسيقي غنائي قبل أي شيء آخر، كونه يسعى لإظهار ضربات الفرشاة المتتابعة والمتجاورة، والمشرعة على النور والوهج والشمس والإشراق اللوني.
هكذا تطل لوحات عبد الله عبد السلام لصياغة موسيقا لونية، تقطف إيقاعات وروح المنظر الطبيعي المحلي، وتبرز التفاعل الوجداني معه بآن واحد، إنها حالة تعبيرية – تجريدية معاصرة موزعة دون تقليد واقعي على مساحة اللوحة.
والتجريد المتعدد الإيقاعات والمقروء في أجواء المنظر الخلوي، لا يتقيد بالمناخ الفني المتوارث حسب القواعد والأصول والضوابط المنسجمة والنسب الرياضية الباردة، فهو يبتعد عن كل ما يمكن أن يقيد الرؤية الفنية الذاتية، ولوحاته الأحدث تشكل خطوة تصاعدية باتجاه الحركة والإيقاع الموسيقي البصري، الذي يذهب بالمنظر إلى أقصى احتمالات الإيجاز والاختصار في تكاوينه الشكلية واللونية. كأنه يرسم أحاسيسه الملونة التي تسري كتموجات وإشارات لونية متتابعة ومتراقصة، حيث يمنحها الجرأة والحرية، بعيداً عن رتابة المعالجات التقريرية والإعلانية ومسايرة الإغراءات الاستهلاكية التجارية.
عبد الله عبد السلام (من مواليد السويداء 1977) شاعر وفنان تشكيلي، (ويمكن أن نتحدث هنا عن مدى العلاقة المتداخلة والمتبادلة بين كتاباته الشعرية ولوحاته).. وله العديد من المشاركات والمعارض داخل وخارج سورية، بعضها أقيم في دمشق وبيروت ودبي والقاهرة وبرلين وباريس.
الثورة – أديب مخزوم:
يتجه الفنان عبد الله عبد السلام، في لوحاته الأحدث لإيجاد بعض الفروقات بين لوحة الأمس ولوحة اليوم، في صياغة المناخات والأجواء اللونية الكثيفة والشفافة والوصول إلى حالات الاختزال والاختصار وإضفاء المزيد من اللمسات المتتابعة والمتداخلة والمتحركة في كل الاتجاهات في خطوات صياغة الإيقاع اللوني الراقص، الدي يوحي أحياناً بإيحاءات المشهد الطبيعي والشخوص وبعض العناصر الأخرى.
فاللوحة التجريدية تتحول هنا من حالة إلى حالة، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة التعبيرية التي توحي بسراب الأشياء أو إيحاءاتها. فهو أحياناً يميل إلى التعبيرية التي تحافظ على بعض ملامح أو إشارات الشكل أو المشهد، وأحياناً أخرى يزاوج بين مؤشرات اللونية العفوية المثبتة في جزئيات لوحة المنظر، وبين مؤشرات التجريد اللوني الذي يظهر في بعض أجزاء اللوحة، حيث لا فواصل ولا حدود هنا بين حضور ملامح الأشكال وبين غيابها المطلق أحياناً في بعض أقسام اللوحة.
ومن خلال هذا التداخل بين مؤشرات الأشكال المنظورة وبين العناصر اللونية التجريدية، يصل إلى إيقاعات هندسية أحياناً (دوائر ومسطحات ومستطيلات) وخطوط شاقولية تحدد بعض المساحات المسطحة، ويتجه في مقاطع أخرى نحو لغة التلميح القادر على اختصار العناصر إلى أقصى حد.
وهكذا نستطيع الحديث عن حالات الدمج في أحيان كثيرة ما بين إشارات المظهر التعبيري وحركات اللمسات اللونية التجريدية، التي تأتي بضربات متداخلة ومتجاورة ومتراكمة فوق بعضها البعض، وهو هنا يرسم بحرية على مساحات الكانفاس الكبيرة، ويغوص في تجربة تعبيرية وتجريدية متحررة تستعيد إيقاعات الأشكال وما تعكسه من تداعيات طفولية تزيد من أجواء الحرية والتلقائية.
إلا أنه في أكثر الأحيان يكسر صفاء المساحة، دامجاً بين جمالية اللمسة العفوية والإيقاعات التعبيرية الحاملة بعض المظاهر الشاعرية والغنائية من خلال النظر إليها بالعين المعاصرة. مجسداً ظلال العناصر الإنسانية، حيث تغيب الشخوص وتبقى حركاتها وإيقاعاتها وظلالها الدالة عليها. ويمكن القول إن ظهور اللمسة العفوية الأكثر ارتباطاً بحالات الانفعال الوجداني، لم تأتِ إلا نتيجة البحث المستمر والمتواصل، أو نتيجة اختباراته المتتابعة التي أظهرت مرونة رموزه التعبيرية التلقائية التي يحكي من خلالها حكايته مع الواقع، حيث تدل هذه اللوحات على عفوية في التنفيذ والتلوين وشغف بالتبسيط والاختصار والاختزال. إذ الأهم بالنسبة له وضوح الإيقاعات اللونية المتراقصة الحاملة خلاصة وجوهر بحثه وتشكيلاته المسكونة بدرجات عالية من الانفعال، والمشغولة بكتل لونية تتجه إلى الكثافة مرة أو الشفافية مرة أخرى.
وهذا الانعطاف أو التحول الجدي في تجربة عبد الله، لا يرتكز على معطيات المكتسبات الأكاديمية والذهنية، بقدر ما يرتكز على خبرات تقنية عفوية، ومتابعات مكثفة، ومغامرة جادة، جعلت اللون أكثر تركيباً وتداخلاً، من دون أن تكون هناك صيغة عبثية أو مجانية.
كل ذلك بلوحات تجمع أجواء الطرب وإيقاع النغم وشاعرية اللون. ولا بد أن نكتشف بعض أوجه التنوع والنضج الموسيقي في الحوارات اللونية الغنائية. فالحضور اللوني هنا هو حضور موسيقي غنائي قبل أي شيء آخر، كونه يسعى لإظهار ضربات الفرشاة المتتابعة والمتجاورة، والمشرعة على النور والوهج والشمس والإشراق اللوني.
هكذا تطل لوحات عبد الله عبد السلام لصياغة موسيقا لونية، تقطف إيقاعات وروح المنظر الطبيعي المحلي، وتبرز التفاعل الوجداني معه بآن واحد، إنها حالة تعبيرية – تجريدية معاصرة موزعة دون تقليد واقعي على مساحة اللوحة.
والتجريد المتعدد الإيقاعات والمقروء في أجواء المنظر الخلوي، لا يتقيد بالمناخ الفني المتوارث حسب القواعد والأصول والضوابط المنسجمة والنسب الرياضية الباردة، فهو يبتعد عن كل ما يمكن أن يقيد الرؤية الفنية الذاتية، ولوحاته الأحدث تشكل خطوة تصاعدية باتجاه الحركة والإيقاع الموسيقي البصري، الذي يذهب بالمنظر إلى أقصى احتمالات الإيجاز والاختصار في تكاوينه الشكلية واللونية. كأنه يرسم أحاسيسه الملونة التي تسري كتموجات وإشارات لونية متتابعة ومتراقصة، حيث يمنحها الجرأة والحرية، بعيداً عن رتابة المعالجات التقريرية والإعلانية ومسايرة الإغراءات الاستهلاكية التجارية.
عبد الله عبد السلام (من مواليد السويداء 1977) شاعر وفنان تشكيلي، (ويمكن أن نتحدث هنا عن مدى العلاقة المتداخلة والمتبادلة بين كتاباته الشعرية ولوحاته).. وله العديد من المشاركات والمعارض داخل وخارج سورية، بعضها أقيم في دمشق وبيروت ودبي والقاهرة وبرلين وباريس.