الطّبيعة قد تبدو لنا في بعض الأحيان وحشيّة، ولكنّ جميع الحيوانات طوّرت أساليب واستراتيجيّات للتكيّف مع هذه البيئة القاسية.
بعض هذه الإستراتيجيّات تتعدّى مسألة بناء المأوى والمسكن وتشكيل التّحالفات التي من شأنها تزويد الأفراد بالأمن.
الكثير من الحيوانات تذهب إلى حدّ تغيير غذائها وتصرّفاتها في سبيل حماية أنفسها من أخطار الطّبيعة المايكروسكوبيّة: من الطّفيليّات.قردة الشّامبانزي المحبوسة غالبًا ما تتعرّض للإصابة بالعدوى من قبل دودة طفيليّة، ممّا يؤدّي إلى تسدّد مميت في الأمعاء أو عدوى باكتيريّة ثانويّة.
ولكنّ قردة الشّامبانزي البريّة نادرًا ما تتعرّض لحالات مماثلة.
قبل ما يزيد على الـ 30 عام، لاحظ مايكل هوفمان، وهو باحث مختصّ في تطوّر النّظم الإجتماعيّة في جامعة كيوتو، أنّ قردة الشّامبانزي البريّة كانت تعالج أنفسها بأنفسها عن طريق استهلاك أطعمة من شأنها أن تحارب العدوى التي قد تسبّبها الطفيليّات، وخصوصًا الدّودة المعويّة.
منذ ذلك الحين، وثّق العلماء تصرّفاتٍ مماثلة عند عدد من الكائنات الحيّة الأخرى، مثل قردة المكّاك والغنم.
الآن، إكتشافنا أنّ أنواعًا مختلفة من الحشرات تمارس التّداوي الذّاتي أيضًا سيفتح أمام العلماء إمكانيّة دراسة هذهِ الظّاهرة في المختبرات، مع الأمل أنّ أبحاثًا كهذه ستعود علينا بنتائج تطبيقيّة عمليّة في مجال تربية الحيوانات وحتّى الطبّ البشريّ.
لقد التقى هوفمان بقردة الشّامبانزي القادرة على التّداوي الذّاتي لأول مرة في الثّمانينات من القرن الماضي في افريقيا، إذ أنّه يذكر مشاهدة قرد مريض يمصُّ سائلاً من نبتةٍ ورقها مرٌّ.
أحد المداويين التقليديّين، محمّدي سيف القلندي، أخبرَ هوفمان أنّ هذه الأوراق المُرّة كانت تستخدم طبيًّا من قبل السّكّان المحلّيين (قبيلة الواتونجي).
النّبتة لم تزوّد قرد الشّامبانزي بأيّ مواد مغذّيّة، كما أنّها نادرًا ما كانت تستخدم من قبل القردة الأصحّاء.
ولكنّ القردة المريضة كثيرًا ما شُوهدَت وهي تأكل من هذه النّبتة، وعادة ما كانت عوارض مرضها تختفي بعد فترةٍ وجيزة.
أبحاث هوفمان التي تلت هذهِ المشاهدات كشفت عن مركّبات كيميائيّة في النّبتة ذاتِ الورق المُرّ وغيرها من النّباتات الطّبيّة التي استخدمتها قردة الشّامبانزي والتي من شأنها أن تساعد في محاربة عدوى الدّيدان الخيطيّة.
هذه الظّاهرة لا تتوقّف على الحيوانات البرّيّة، فدراسات أخرى أظهرت أنّ حتّى الحيوانات الدّاجنة تقوم بممارساتٍ مماثلة.
من المعروف مثلاً أنّ الأغنام تتحكّم بطاقة أجسادها وتحافظ على التّوازن الغذائي عن طريق تغيير نوعيّة الغذاء التي تستهلك.
بالإضافة إلى ذلك، تتعلّم الأغنام أن تختار نباتات غنيّة بالـ (Tannin)، وهو عنصرٌ بيوكيميائيّ قادر على قتل الطّفيليّات وإزالة العدوى، عندما تعاني من وجود الدّيدان الخيطيّة في أمعائها.
يأمل الباحثون الذين يقومون بدراسة ظاهرة التّداوي الذّاتي عند الحيوانات أن ترشد أباحثهم ممارسات تربية الحيوانات.
خوان فيلالبا، باحث في جامعة ولاية يوتا، يخبرنا أنّ “الفكرة [من وراء هذه الأبحاث] هو ان نزوّد الحيوانات بنباتاتٍ ومغذّيات تحتوي على مركّباتٍ طبيعيّة مثل الـ (Tannin) ومنحها الفرصة لتختار ما يناسبها لتخفيف معاناتها من العدوى الطّفيليّة وبحسب الحاجة”.
كما أنّ استراتيجيّات التّداوي الذّاتي التي يدرسها الباحثون قد تفيد الحيوانات المحبوسة في حدائق الحيوان حول العالم.
التّداوي الذّاتي عند الحشرات
ممارسة التّداوي الذّاتي عند القردة وغيرها من الثديّيات هي في الغالب تصرّفاتٌ مُتعلّمَة، حيث يتلقّاها الجيل الجديد من الحيوانات عن طريق مشاهدة ومتابعة تصرّفات أمّهاتهم، ومن ثمّ تتعزّز هذهِ التصرّفات عندما يتنبّه الحيوان إلى الآثار المفيدة للنّباتات الطبيّة المختلفة.
ولكنّ ممارسة التّداوي الذّاتي موجودة أيضًا عند حيواناتٍ غير قادرة على التّفكير المعقّد والتّجريديّ ولا تتسنّى لها فرصة التعلّم من أمّهاتها أو من البالغين في بيئتها.
على سبيل المثال، اكتشف العلماء مؤخّرًا السّبب وراء تدقيق فراشة الملك على اختيار نباتات الصّقلاب لوضع بيضها.
“غالبًا ما تتذوّق إناث فراشة الملك النّباتات، ترفضها وتطير بعيدًا”، يخبرنا جاكوباس دي رود الباحث في جامعة إيموري.
لقد ظهرَ انّ تدقيق الفراشات في إختيار النّباتات الملائمة لوضع بيضها مضبوطٌ بصحّتها.
لقد وجد دي رود أنّ الفراشات المصابة بعدوى من قبل الطفيليّة الأوّليّة (Ophryocystis elektroscirrha) عادةً ما تلجأ إلى نباتات الصّقلاب التي تحتوي على مستويات عالية من الـ (Cardenolide)، وهو ستيرويد (مركّب عضويّ) من شأنِهِ ان يعرقل نموّ الطفيليّات في يرقات الملك.
ممارسات مشابهة وُثّقَت عند ذبابة الفاكهة وغيرها من الحشرات.
يعتقدُ الباحثون أنّ هذه التصرّفات هي تصرّفات غريزيّة عند الحشرات، وذلك لأنّها لا تتعلّم من أمّهاتها.
من المحتمل مثلاً أن تغيّر العدوى الطّفيليّة كيمياء الدّماغ عند هذه الحشرات، ممّا يدفعها لتفضيل تصرّفات مُعيّنة أو خيارات غذائيّة على الأخرى.
بالإضافة إلى كونها دراسة مذهلة لتصرّفات الحيوان، تحديد ودراسة الخيارات التي تتّخذها بعض الحيوانات للتّداوي الذّاتي قد يُساعد البشر أيضًا، على الأقلّ كما يدّعي دي رود.
الطفيليّات الأوّليّة، مثل الملاريا والمقوسات، هي مشاكل صحيّة بشريّة أيضًا، وهذه الطّفيليّات حسّاسة لنفس المركّبات الكيميائيّة التي تستخدمها فراشات الملك لمهاجمة طفيليّة الـ (O. elektroscirrha). هذا على الأقلّ قد يعِدُ بتطبيقاتٍ عمليّة في الطبّ البشريّ مُستقبلاً.
بعض هذه الإستراتيجيّات تتعدّى مسألة بناء المأوى والمسكن وتشكيل التّحالفات التي من شأنها تزويد الأفراد بالأمن.
الكثير من الحيوانات تذهب إلى حدّ تغيير غذائها وتصرّفاتها في سبيل حماية أنفسها من أخطار الطّبيعة المايكروسكوبيّة: من الطّفيليّات.قردة الشّامبانزي المحبوسة غالبًا ما تتعرّض للإصابة بالعدوى من قبل دودة طفيليّة، ممّا يؤدّي إلى تسدّد مميت في الأمعاء أو عدوى باكتيريّة ثانويّة.
ولكنّ قردة الشّامبانزي البريّة نادرًا ما تتعرّض لحالات مماثلة.
قبل ما يزيد على الـ 30 عام، لاحظ مايكل هوفمان، وهو باحث مختصّ في تطوّر النّظم الإجتماعيّة في جامعة كيوتو، أنّ قردة الشّامبانزي البريّة كانت تعالج أنفسها بأنفسها عن طريق استهلاك أطعمة من شأنها أن تحارب العدوى التي قد تسبّبها الطفيليّات، وخصوصًا الدّودة المعويّة.
منذ ذلك الحين، وثّق العلماء تصرّفاتٍ مماثلة عند عدد من الكائنات الحيّة الأخرى، مثل قردة المكّاك والغنم.
الآن، إكتشافنا أنّ أنواعًا مختلفة من الحشرات تمارس التّداوي الذّاتي أيضًا سيفتح أمام العلماء إمكانيّة دراسة هذهِ الظّاهرة في المختبرات، مع الأمل أنّ أبحاثًا كهذه ستعود علينا بنتائج تطبيقيّة عمليّة في مجال تربية الحيوانات وحتّى الطبّ البشريّ.
لقد التقى هوفمان بقردة الشّامبانزي القادرة على التّداوي الذّاتي لأول مرة في الثّمانينات من القرن الماضي في افريقيا، إذ أنّه يذكر مشاهدة قرد مريض يمصُّ سائلاً من نبتةٍ ورقها مرٌّ.
أحد المداويين التقليديّين، محمّدي سيف القلندي، أخبرَ هوفمان أنّ هذه الأوراق المُرّة كانت تستخدم طبيًّا من قبل السّكّان المحلّيين (قبيلة الواتونجي).
النّبتة لم تزوّد قرد الشّامبانزي بأيّ مواد مغذّيّة، كما أنّها نادرًا ما كانت تستخدم من قبل القردة الأصحّاء.
ولكنّ القردة المريضة كثيرًا ما شُوهدَت وهي تأكل من هذه النّبتة، وعادة ما كانت عوارض مرضها تختفي بعد فترةٍ وجيزة.
أبحاث هوفمان التي تلت هذهِ المشاهدات كشفت عن مركّبات كيميائيّة في النّبتة ذاتِ الورق المُرّ وغيرها من النّباتات الطّبيّة التي استخدمتها قردة الشّامبانزي والتي من شأنها أن تساعد في محاربة عدوى الدّيدان الخيطيّة.
هذه الظّاهرة لا تتوقّف على الحيوانات البرّيّة، فدراسات أخرى أظهرت أنّ حتّى الحيوانات الدّاجنة تقوم بممارساتٍ مماثلة.
من المعروف مثلاً أنّ الأغنام تتحكّم بطاقة أجسادها وتحافظ على التّوازن الغذائي عن طريق تغيير نوعيّة الغذاء التي تستهلك.
بالإضافة إلى ذلك، تتعلّم الأغنام أن تختار نباتات غنيّة بالـ (Tannin)، وهو عنصرٌ بيوكيميائيّ قادر على قتل الطّفيليّات وإزالة العدوى، عندما تعاني من وجود الدّيدان الخيطيّة في أمعائها.
يأمل الباحثون الذين يقومون بدراسة ظاهرة التّداوي الذّاتي عند الحيوانات أن ترشد أباحثهم ممارسات تربية الحيوانات.
خوان فيلالبا، باحث في جامعة ولاية يوتا، يخبرنا أنّ “الفكرة [من وراء هذه الأبحاث] هو ان نزوّد الحيوانات بنباتاتٍ ومغذّيات تحتوي على مركّباتٍ طبيعيّة مثل الـ (Tannin) ومنحها الفرصة لتختار ما يناسبها لتخفيف معاناتها من العدوى الطّفيليّة وبحسب الحاجة”.
كما أنّ استراتيجيّات التّداوي الذّاتي التي يدرسها الباحثون قد تفيد الحيوانات المحبوسة في حدائق الحيوان حول العالم.
التّداوي الذّاتي عند الحشرات
ممارسة التّداوي الذّاتي عند القردة وغيرها من الثديّيات هي في الغالب تصرّفاتٌ مُتعلّمَة، حيث يتلقّاها الجيل الجديد من الحيوانات عن طريق مشاهدة ومتابعة تصرّفات أمّهاتهم، ومن ثمّ تتعزّز هذهِ التصرّفات عندما يتنبّه الحيوان إلى الآثار المفيدة للنّباتات الطبيّة المختلفة.
ولكنّ ممارسة التّداوي الذّاتي موجودة أيضًا عند حيواناتٍ غير قادرة على التّفكير المعقّد والتّجريديّ ولا تتسنّى لها فرصة التعلّم من أمّهاتها أو من البالغين في بيئتها.
على سبيل المثال، اكتشف العلماء مؤخّرًا السّبب وراء تدقيق فراشة الملك على اختيار نباتات الصّقلاب لوضع بيضها.
“غالبًا ما تتذوّق إناث فراشة الملك النّباتات، ترفضها وتطير بعيدًا”، يخبرنا جاكوباس دي رود الباحث في جامعة إيموري.
لقد ظهرَ انّ تدقيق الفراشات في إختيار النّباتات الملائمة لوضع بيضها مضبوطٌ بصحّتها.
لقد وجد دي رود أنّ الفراشات المصابة بعدوى من قبل الطفيليّة الأوّليّة (Ophryocystis elektroscirrha) عادةً ما تلجأ إلى نباتات الصّقلاب التي تحتوي على مستويات عالية من الـ (Cardenolide)، وهو ستيرويد (مركّب عضويّ) من شأنِهِ ان يعرقل نموّ الطفيليّات في يرقات الملك.
ممارسات مشابهة وُثّقَت عند ذبابة الفاكهة وغيرها من الحشرات.
يعتقدُ الباحثون أنّ هذه التصرّفات هي تصرّفات غريزيّة عند الحشرات، وذلك لأنّها لا تتعلّم من أمّهاتها.
من المحتمل مثلاً أن تغيّر العدوى الطّفيليّة كيمياء الدّماغ عند هذه الحشرات، ممّا يدفعها لتفضيل تصرّفات مُعيّنة أو خيارات غذائيّة على الأخرى.
بالإضافة إلى كونها دراسة مذهلة لتصرّفات الحيوان، تحديد ودراسة الخيارات التي تتّخذها بعض الحيوانات للتّداوي الذّاتي قد يُساعد البشر أيضًا، على الأقلّ كما يدّعي دي رود.
الطفيليّات الأوّليّة، مثل الملاريا والمقوسات، هي مشاكل صحيّة بشريّة أيضًا، وهذه الطّفيليّات حسّاسة لنفس المركّبات الكيميائيّة التي تستخدمها فراشات الملك لمهاجمة طفيليّة الـ (O. elektroscirrha). هذا على الأقلّ قد يعِدُ بتطبيقاتٍ عمليّة في الطبّ البشريّ مُستقبلاً.