رصافه
Al-Rusafah - Al-Rusafah
الرُّصافة
هي سيرجيوبوليس Serigiopolis أي مدينة القديس سركيس، تقع شمالي سورية إلى الجنوب الغربي من الرقة، وتبعد عنها نحو خمسين كيلومتراً.
يعود اكتشاف هذه المدينة إلى أواخر القرن السابع عشر الميلادي، فقد عثرت جماعة من التجار البريطانيين في أثناء سفرهم من حلب إلى تدمر في عام 1691م على أطلال واسعة بين الفرات وتدمر، ثم كتب أحد أفراد هذه الجماعة مقالاً عن هذه الأطلال إلى إحدى المجلات الإنكليزية، ذكر فيه اسم الرصافة Rusafa، ومضى وقت طويل قبل أن يثار موضوع الرصافة مرة أخرى في عام 1903م، ثم زارها في عام 1907م المؤرخان سارِّه F.Sarre وهرتزفيلد E.Herzfeld وكتبا عنها، يضاف إلى هذا ما كتبه عنها الرحالة موزيل A.Musil.
لهذه المدينة تاريخ موغل في القدم، إذ من المحتمل أن يعود تأسيس الرصافة إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وهي نفسها (ر ص ف)، كما ورد اسمها في النصوص القديمة، إلا أنه لا يوجد اليوم دلائل أثرية عن هذا الموقع في تلك الحقبة المبكرة، ولم توفر الحفريات بعد بشيء من هذا.
لقد نالت الرصافة أهمية استراتيجية في العصر الروماني، لكونها حصناً على حدود الإمبراطورية الرومانية لصد هجمات الفرس والبارثيين، وقد أقام الرومان هناك وحدة من الفرسان المحليين في داخل القلعة التي كانت لا تزال بسيطة في ذلك الحين.
وأصبحت الرصافة معروفة أكثر من ذي قبل منذ مطلع القرن الرابع الميلادي، بعد أن استشهد فيها سركيس (سيرجيوس) الضابط العربي في الجيش الروماني، وأحد ضحايا الاضطهاد الذي تعرضت لها المسيحية في عهد الرومان. وعُدّ سيرجيوس من القديسين الذين يُمَجّدون في البادية والمقاطعات الأخرى في سورية وبلاد ما بين النهرين، وتحول قبره الذي دفن فيه خارج أسوار الرصافة إلى مزار يؤمه الزوار من كل منطقة البحر المتوسط، ولعل زيارته دخلت في برنامج رحلات الحج إلى بلاد الشام، وأدى هذا إلى أن زاد غنى هذه المدينة التي أصبحت، وقد صار اسمها سيرجيوبوليس، مركز أسقفية (متروبوليتية).
وبلغت مدينة الرصافة في أواخر القرن الخامس وخلال القرن السادس الميلاديين قمة الازدهار، وقد أدى غناها إلى طمع الفرس بغزوها، مما دعا القيصر البيزنطي جوستنيان لاتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها، فبنى في عام 542م أسوارها الضخمة لحمايتها، بعد أن كانت محاطة بسور من الطين.
يصف بروكوبيوس Procopius كاتب بلاط القيصر جوستنيان مدينة الرصافة وشكلها في القرن السادس الميلادي، حيث بلغت ذروة ازدهارها وتطورها في زمن الإمبراطور المذكور، فيقول :«توجد في منطقة الفرات كنيسة مكرسة للقديس الشهير سركيس، والسكان الأقدمون سموا هذا المكان باسمه توقيراً وخشوعا،ً وأحاطوه بتحصين بسيط. وأصبح هذا البناء المقدس فيما بعد غنياً بالهبات الغالية الثمينة وموضع إعجاب عام. وقد أخذ القيصر جوستنيان هذا الأمر في الحسبان وأولاه اهتمامه، فأحاط المكان بسور منيع منعة فائقة، وبنى خزانات للماء تفيض عن حاجة السكان. وشيد إضافة إلى هذا بيوتاً وقاعات استقبال وأبنية أخرى مما يزين المدينة عادة، ووضع هناك وحدة عسكرية على السور الذي يغلق عند الضرورة».
ومع الفتح العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي شهدت الرصافة مرحلة ازدهار ثانية، ويذكـر لنا البلاذري (ت279هـ) والطبري (ت310هـ) وأبو الفداء (ت852هـ) أن الخليفة هـشام بن عبد الملك قد اختار الرصافة وبناها وإليه تنسب، فيقال رصافة هشام، ومنها خرج عندما تولّى الخلافة، وكانت وفاته بالرصافة وفيها قبره. وقد عاشت الرصافة في عهد الخليفة هشام ( 105-125هـ/ 724-743م)، آخر فترة ازدهار لها، ويحتمل أن تكون الحياة قد انطفأت في الرصافة بعد غزو المغول وهجماتهم على سورية في القرن الثالث عشر الميلادي.
ترتفع على أرض هذه المدينة، داخل سورها، أطلال عديدة من العصرين البيزنطي والإسلامي، فقد وصل منها ما هو مهم ورائع مما بناه جوستنيان، كخزانات الماء الواسعة المبنية بالآجر، وأسوارها الضخمة التي ذكرها بروكوبيوس والتي لازالت في وضع سليم، وتعد واحدة من أجمل وأهم العناصر المعمارية في هذه المدينة.
تحيط الأسوار بالمدينة بشكل مستطيل تقريباً، وتحصر بينها مساحة إحدى وعشرين هكتاراً، ويبلغ عرض هذه الأسوار ثلاثة أمتار، وطول الجدار الشمالي 536.5 متراً والجدار الشرقي 350.35 متراً، والجدار الجنوبي 549.40 متراً والجدار الغربي 411.20 متراً، ولهذه الأسوار أربع بوابات رئيسة، ويوجد فيها واحد وخمسون برجا،ً لها أشكال مستطيلة أو مستديرة أو خماسية الأضلاع، وتحتل الزوايا الأربع أبراج مستديرة.
تم اكتشاف جزء من الشارع الذي يتصل بالبوابة الشمالية بطول 135 متراً يراوح عرضه بين 2.10م و2.80م، يقع على جانبيه رصيفان يراوح عرض كل منهما بين 0.80م و1.10م. وتقع على جانبي هذا الشارع الحوانيت التي لا زالت بقاياها قائمة على ارتفاع متر واحد.
ولعل كثرة الدخل الذي كانت تجنيه المدينة عن طريق الحج، جعلت كنيسة المدينة الصغيرة قادرة على بناء الكنائس الكبيرة، فقد بني في أواخر القرن الخامس وبداية القرن السادس الميلاديين ثلاث كنائس ضخمة هي:
ـ الكنيسة التي بنيت في أواخر القرن الخامس الميلادي، ولا تزال معظم جدرانها قائمة حتى اليوم.
ـ الكنيسة التي بنيت في السنوات الأولى من القرن السادس الميلادي، وهذه الكنيسة خربت بفعل الزلازل قبيل القرن التاسع الميلادي.
ـ المبنى المركزي، وهو مبنى لإحدى الكنائس الثلاث الكبيرة في الرصافة، بنيت هذه الكنيسة في العقود الأولى من القرن السادس الميلادي، أي زمن الإمبراطور جوستنيان، وخربت بالهزّة نفسها التي ضربت الكنيسة في القرن السادس الميلادي، لكن تخريبها لم يكن كليا،ً فجدرانها الخارجية ما زالت قائمة، عدا الزاوية الجنوبية الغربية، ولهذه الكنيسة مخطط مختلف عن بقية الكنائس.
وهناك بناء من العصر الإسلامي ذو قباب ومسجد وحمام خاص وخان.
عبد الرزاق زقزوق
Al-Rusafah - Al-Rusafah
الرُّصافة
يعود اكتشاف هذه المدينة إلى أواخر القرن السابع عشر الميلادي، فقد عثرت جماعة من التجار البريطانيين في أثناء سفرهم من حلب إلى تدمر في عام 1691م على أطلال واسعة بين الفرات وتدمر، ثم كتب أحد أفراد هذه الجماعة مقالاً عن هذه الأطلال إلى إحدى المجلات الإنكليزية، ذكر فيه اسم الرصافة Rusafa، ومضى وقت طويل قبل أن يثار موضوع الرصافة مرة أخرى في عام 1903م، ثم زارها في عام 1907م المؤرخان سارِّه F.Sarre وهرتزفيلد E.Herzfeld وكتبا عنها، يضاف إلى هذا ما كتبه عنها الرحالة موزيل A.Musil.
لهذه المدينة تاريخ موغل في القدم، إذ من المحتمل أن يعود تأسيس الرصافة إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وهي نفسها (ر ص ف)، كما ورد اسمها في النصوص القديمة، إلا أنه لا يوجد اليوم دلائل أثرية عن هذا الموقع في تلك الحقبة المبكرة، ولم توفر الحفريات بعد بشيء من هذا.
لقد نالت الرصافة أهمية استراتيجية في العصر الروماني، لكونها حصناً على حدود الإمبراطورية الرومانية لصد هجمات الفرس والبارثيين، وقد أقام الرومان هناك وحدة من الفرسان المحليين في داخل القلعة التي كانت لا تزال بسيطة في ذلك الحين.
وأصبحت الرصافة معروفة أكثر من ذي قبل منذ مطلع القرن الرابع الميلادي، بعد أن استشهد فيها سركيس (سيرجيوس) الضابط العربي في الجيش الروماني، وأحد ضحايا الاضطهاد الذي تعرضت لها المسيحية في عهد الرومان. وعُدّ سيرجيوس من القديسين الذين يُمَجّدون في البادية والمقاطعات الأخرى في سورية وبلاد ما بين النهرين، وتحول قبره الذي دفن فيه خارج أسوار الرصافة إلى مزار يؤمه الزوار من كل منطقة البحر المتوسط، ولعل زيارته دخلت في برنامج رحلات الحج إلى بلاد الشام، وأدى هذا إلى أن زاد غنى هذه المدينة التي أصبحت، وقد صار اسمها سيرجيوبوليس، مركز أسقفية (متروبوليتية).
وبلغت مدينة الرصافة في أواخر القرن الخامس وخلال القرن السادس الميلاديين قمة الازدهار، وقد أدى غناها إلى طمع الفرس بغزوها، مما دعا القيصر البيزنطي جوستنيان لاتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها، فبنى في عام 542م أسوارها الضخمة لحمايتها، بعد أن كانت محاطة بسور من الطين.
يصف بروكوبيوس Procopius كاتب بلاط القيصر جوستنيان مدينة الرصافة وشكلها في القرن السادس الميلادي، حيث بلغت ذروة ازدهارها وتطورها في زمن الإمبراطور المذكور، فيقول :«توجد في منطقة الفرات كنيسة مكرسة للقديس الشهير سركيس، والسكان الأقدمون سموا هذا المكان باسمه توقيراً وخشوعا،ً وأحاطوه بتحصين بسيط. وأصبح هذا البناء المقدس فيما بعد غنياً بالهبات الغالية الثمينة وموضع إعجاب عام. وقد أخذ القيصر جوستنيان هذا الأمر في الحسبان وأولاه اهتمامه، فأحاط المكان بسور منيع منعة فائقة، وبنى خزانات للماء تفيض عن حاجة السكان. وشيد إضافة إلى هذا بيوتاً وقاعات استقبال وأبنية أخرى مما يزين المدينة عادة، ووضع هناك وحدة عسكرية على السور الذي يغلق عند الضرورة».
كاتدرائية سيرجيوس: |
تاج مزين بزخارف نباتية |
ا |
الباب الشمالي: تفصيل للقُويْسة |
جناح الكنيسة الشمالي |
تحيط الأسوار بالمدينة بشكل مستطيل تقريباً، وتحصر بينها مساحة إحدى وعشرين هكتاراً، ويبلغ عرض هذه الأسوار ثلاثة أمتار، وطول الجدار الشمالي 536.5 متراً والجدار الشرقي 350.35 متراً، والجدار الجنوبي 549.40 متراً والجدار الغربي 411.20 متراً، ولهذه الأسوار أربع بوابات رئيسة، ويوجد فيها واحد وخمسون برجا،ً لها أشكال مستطيلة أو مستديرة أو خماسية الأضلاع، وتحتل الزوايا الأربع أبراج مستديرة.
تم اكتشاف جزء من الشارع الذي يتصل بالبوابة الشمالية بطول 135 متراً يراوح عرضه بين 2.10م و2.80م، يقع على جانبيه رصيفان يراوح عرض كل منهما بين 0.80م و1.10م. وتقع على جانبي هذا الشارع الحوانيت التي لا زالت بقاياها قائمة على ارتفاع متر واحد.
ولعل كثرة الدخل الذي كانت تجنيه المدينة عن طريق الحج، جعلت كنيسة المدينة الصغيرة قادرة على بناء الكنائس الكبيرة، فقد بني في أواخر القرن الخامس وبداية القرن السادس الميلاديين ثلاث كنائس ضخمة هي:
ـ الكنيسة التي بنيت في أواخر القرن الخامس الميلادي، ولا تزال معظم جدرانها قائمة حتى اليوم.
ـ الكنيسة التي بنيت في السنوات الأولى من القرن السادس الميلادي، وهذه الكنيسة خربت بفعل الزلازل قبيل القرن التاسع الميلادي.
ـ المبنى المركزي، وهو مبنى لإحدى الكنائس الثلاث الكبيرة في الرصافة، بنيت هذه الكنيسة في العقود الأولى من القرن السادس الميلادي، أي زمن الإمبراطور جوستنيان، وخربت بالهزّة نفسها التي ضربت الكنيسة في القرن السادس الميلادي، لكن تخريبها لم يكن كليا،ً فجدرانها الخارجية ما زالت قائمة، عدا الزاوية الجنوبية الغربية، ولهذه الكنيسة مخطط مختلف عن بقية الكنائس.
وهناك بناء من العصر الإسلامي ذو قباب ومسجد وحمام خاص وخان.
عبد الرزاق زقزوق