التنقيب عن الآثار في سورية: أشير من قبل إلى النشاط الأثري الذي قام به إرنست رينان في البعثة الفرنسية إلى بلاد الشام عام 1860 وقيامه بعمليات سبر في جبيل وصيدا وصور وأرواد وكشفه بعض المدافن في مقبرة صيدا. ومن ثم كانت حفريات المقريدي بك العثماني لحساب المتحف الهمايوني في صيدا. أما أول أعمال التنقيب المهمة في سورية فقد بدأت في 1888 في موقع زنجرلي (مدينة شمأل الآرامية القديمة) قام بها الألماني فان لوشان واشترك فيها ر. كولدوي قبل قيامه بالتنقيب في بابل. كان العمل منهجياً في الحدود الممكنة في ذلك الوقت وأعطى للمرة الأولى تقسيماً أثرياً وفنياً لآثار ضخمة من أرض سورية متأثرة بالفن الآشوري. ثم اهتم ماكس فون أوبنهايم بموقع تل حلف في الجزيرة السورية عام 1899 وبدأ التنقيب فيه عام 1911 واستمر حتى عام 1913 ومن ثم عاود الحفر بين 1927و 1929، وكان تأريخه للمعالم مضطرباً ومغلوطاً إلى أن تم تصحيحه فيما بعد. وعُرف العصران المميزان للموقع في الألف الخامس وعصر الحديد. وقام الألمان أيضاً بدراسة معمارية أثرية لبعض عمائر تدمر وبعلبك، وكذلك فعل الأمريكي بتلر على رأس بعثة جامعة برنستون في سورية (1904/1905/1909). واهتم ولزنجر ووتزنجر الألمانيان بآثار دمشق عام 1917.
كانت البلاد تخضع للسلطة العثمانية التي سهلت عمل الأجانب، وساعدتهم حماية الحصانة الدبلوماسية فزادت المجموعات الأثرية المنهوبة أو المشتراة بأبخس الأثمان. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك لوحة القانون المالي التدمري التي قام الأمير الأرميني الروسي أباماليك لازاريف بتقطيعها عام 1882 ونقلها إلى متحف الإرميتاج في سان بطرسبرغ (ليننغراد)، وكذلك المجموعة النادرة من المنحوتات التدمرية التي أخذها قنصل الدنمارك إلى متحف كارلسبرْغ في كوبنهاغن، وتماثيل عمريت (قرب طرطوس) التي كانت تهرّب إلى قنصل فرنسة في طرابلس، والتحف النادرة والمخطوطات التي أعطيت لغيلوم الثاني في أثناء زيارته للبلاد.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وقام الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان ربطت السلطة الفرنسية مصلحة الآثار بالمفوضية العليا في بيروت وجعلت مديريها ومفتشيها ومهندسيها من الفرنسيين مع قلة من المساعدين الفنيين والرسامين العرب. وعملت مصلحة الآثار هذه مع مؤسسات علمية فرنسية أو محلية في عدد من المواقع السورية كأنطاكية وتدمر وشهباء وقصر الحير الغربي وحَلَبْية - زَلَبْية (الخانوقة) على الفرات وغيرها.
وبين 1920 و1939 رخصت السلطات الأثرية الفرنسية لعدد من البعثات الأثرية الفرنسية والإنكليزية والأمريكية والدنماركية والتشيكية وغيرها بالتنقيب في المواقع السورية على أساس تقاسم الآثار بينها وبين المتحفين الوطنيين في دمشق وحلب.
وكان المتحف الوطني بدمشق آنئذ مؤسسة وطنية باشر مديره الأمير جعفر الحسني، رائد الآثار السورية، بإنشاء نواة تنقيب وطنية نقبت في مقابر جوبر وطفس وخسفين (1943) وأجرت سبراً في المعسكر ببصرى (1944) وتحريات في تسيل والعال وفيق (1946) في الجولان فكانت أول أعمال تنقيب وطنية أغنت المتحف الوطني بدمشق واشتهر بها في العالم. وتتعاون الآن المديرية العامة للآثار والمتاحف في الجمهورية العربية السورية وبعثاتها الوطنية للتنقيب مع نحو خمسين بعثة أثرية أجنبية.
علم آثار ما قبل التاريخأخذ علم آثار ما قبل التاريخ منحى علمياً منذ 1830 حين أكد العالم الفرنسي بوشيه دوبرت أن الأدوات الصوانية هي من صنع الإنسان، وبرهن على ذلك فيما كشفه في موقع إبفيل Abbeville. وقد لاقى رفضاً لآرائه وحملة عليه أول الأمر، ولكن العلماء أخذوا يتقبلون طروحاته شيئاً فشيئاً.
بدأ البحث بعد ذلك عن آثار من صنع تلك الأدوات الصوانية، أي بقايا الإنسان المستحاثي، والاهتداء إلى أقدم وجود للإنسان على الأرض. ودخل علم آثار ما قبل التاريخ المعاهد العالمية، وبرز كثير من الباحثين في ذلك الحقل، ومن أشهرهم الفرنسيون: الأب بروي ولانتييه ودوشاردران الذي كشف مع غيره من العلماء إنسان الصين الذي يعود لنصف مليون عام، وكان في ذلك الحين أقدم إنسان مستحاثي عرفه العالم، ومنهم كذلك دومورغان الذي تعرف في سنة 1897 حضارة ما قبل التاريخ في سوسة جنوبي إيران. ولما كان العلماء الفرنسيون رواد علم آثار ما قبل التاريخ فهم يعدون هذا العلم فرنسياً.
تتابعت الكشوف في ميدان ما قبل التاريخ، وقسمت عصوره إلى الحجري القديم (الباليوليتي) الأدنى والأوسط والأحدث، والحجري الوسيط (الميزوليتي)، والحجري الحديث (النيوليتي) ما قبل الفخاري وما بعد الفخاري، والحجري النحاسي (الكالكوليتي). وتم تتبع أصول الإنسان إلى ما قبل ثلاثة ملايين عام وأكثر في إفريقية وإلى ما قبل مليون عام أو أكثر مثلاً في سورية وقسمت أنواعه إلى الإنسان الأحمق (ستوبيديوس) والإنسان المنتصب في (إيريكتوس) والإنسان العاقل (سابيانس)، ونسبت مقتنيات صناعات ذلك الإنسان إلى أماكن اكتشافها أول مرة. ومن ذلك الأشولية والآشولية والفالوازية - الموسترية والنياندرتالية نسبة إلى أماكن في فرنسة وألمانية، وأما فيما يتصل بسورية فهناك تسميات محلية حديثة [ر. سورية].
العلوم المساعدة لعلم الآثاركان علم الآثار في بدايته وصفاً للعمائر الحجرية والمدافن الضخمة التي بقيت ظاهرة فوق الأرض وقاومت عوامل الطبيعة. ثم غدا علماً متميزاً يعتمد على كل الوثائق الممكنة بلا تحديد ويستفيد من وسائل أكثر العلوم ومعطياتها. وقد حصل تحول في تطور علم الآثار في السنوات العشرين الأخيرة، وحدث انقسام فكري ومنهجي في موضوع الآثار بين مدرسة أثرية تقليدية وطريقة تجديدية فقد كان علم الآثار في السابق يعتمد تصنيف الأشياء المكتشفة وتبويبها والتقريب فيما بينها. وبعد اكتشاف طرائق التأريخ الحديثة المطلقة أصبح في يد عالم الآثار سلاح قوي يعالج به مشكلة تحديد زمن الأشياء الذي يعد من أهم أهداف البحث والتنقيب.
كذلك استفاد علم الآثار من عناصر جديدة في نطاق العلوم الفيزيائية والطبيعية، مثل علم النبات والحيوان وعلم البيئة، وأصبحت مثل هذه العلوم أداة مهمة لتفسير المشكلات الأثرية، مثل معرفة تطور الزراعة وبداية تهجين الحيوان واختلافات المناخ الطبيعي وتطوراته على مدى الأزمان السابقة.
إن الاتجاه الحالي في علم الآثار يسعى إذن إلى وضع أسس منهجية للبحث الأثري المتعدد الجوانب الذي يشترك فيه عدد من العلوم والتقنيات، ومعنى هذا أن عالم الآثار، عندما يبدأ في معالجة مادته أو مشكلته الأثرية، يجب أن ينظر إليها من الإطار المعيشي الكامل للإنسان سواء من ناحية التضاريس الجغرافية للمنطقة التي سكنها، أو من ناحية مواردها الطبيعية من ماء ونبات وحيوان ومعادن وغيرها، أو من حيث المناخ وظواهر التعرية. وتتطلب هذه النظرة بطبيعة الحال تضافر العديد من العلوم والتخصصات عند فحص المشكلة الأثرية.
ويمكن تصنيف العلوم المساعدة إلى عدة فئات تدخل في مجال العلوم الجغرافية البيئية والعلوم التاريخية والإنسانية، والعلوم الرياضية والمعارف الفنية والتقنية وفيما يلي أهمها:
كانت البلاد تخضع للسلطة العثمانية التي سهلت عمل الأجانب، وساعدتهم حماية الحصانة الدبلوماسية فزادت المجموعات الأثرية المنهوبة أو المشتراة بأبخس الأثمان. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك لوحة القانون المالي التدمري التي قام الأمير الأرميني الروسي أباماليك لازاريف بتقطيعها عام 1882 ونقلها إلى متحف الإرميتاج في سان بطرسبرغ (ليننغراد)، وكذلك المجموعة النادرة من المنحوتات التدمرية التي أخذها قنصل الدنمارك إلى متحف كارلسبرْغ في كوبنهاغن، وتماثيل عمريت (قرب طرطوس) التي كانت تهرّب إلى قنصل فرنسة في طرابلس، والتحف النادرة والمخطوطات التي أعطيت لغيلوم الثاني في أثناء زيارته للبلاد.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وقام الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان ربطت السلطة الفرنسية مصلحة الآثار بالمفوضية العليا في بيروت وجعلت مديريها ومفتشيها ومهندسيها من الفرنسيين مع قلة من المساعدين الفنيين والرسامين العرب. وعملت مصلحة الآثار هذه مع مؤسسات علمية فرنسية أو محلية في عدد من المواقع السورية كأنطاكية وتدمر وشهباء وقصر الحير الغربي وحَلَبْية - زَلَبْية (الخانوقة) على الفرات وغيرها.
وبين 1920 و1939 رخصت السلطات الأثرية الفرنسية لعدد من البعثات الأثرية الفرنسية والإنكليزية والأمريكية والدنماركية والتشيكية وغيرها بالتنقيب في المواقع السورية على أساس تقاسم الآثار بينها وبين المتحفين الوطنيين في دمشق وحلب.
وكان المتحف الوطني بدمشق آنئذ مؤسسة وطنية باشر مديره الأمير جعفر الحسني، رائد الآثار السورية، بإنشاء نواة تنقيب وطنية نقبت في مقابر جوبر وطفس وخسفين (1943) وأجرت سبراً في المعسكر ببصرى (1944) وتحريات في تسيل والعال وفيق (1946) في الجولان فكانت أول أعمال تنقيب وطنية أغنت المتحف الوطني بدمشق واشتهر بها في العالم. وتتعاون الآن المديرية العامة للآثار والمتاحف في الجمهورية العربية السورية وبعثاتها الوطنية للتنقيب مع نحو خمسين بعثة أثرية أجنبية.
علم آثار ما قبل التاريخأخذ علم آثار ما قبل التاريخ منحى علمياً منذ 1830 حين أكد العالم الفرنسي بوشيه دوبرت أن الأدوات الصوانية هي من صنع الإنسان، وبرهن على ذلك فيما كشفه في موقع إبفيل Abbeville. وقد لاقى رفضاً لآرائه وحملة عليه أول الأمر، ولكن العلماء أخذوا يتقبلون طروحاته شيئاً فشيئاً.
بدأ البحث بعد ذلك عن آثار من صنع تلك الأدوات الصوانية، أي بقايا الإنسان المستحاثي، والاهتداء إلى أقدم وجود للإنسان على الأرض. ودخل علم آثار ما قبل التاريخ المعاهد العالمية، وبرز كثير من الباحثين في ذلك الحقل، ومن أشهرهم الفرنسيون: الأب بروي ولانتييه ودوشاردران الذي كشف مع غيره من العلماء إنسان الصين الذي يعود لنصف مليون عام، وكان في ذلك الحين أقدم إنسان مستحاثي عرفه العالم، ومنهم كذلك دومورغان الذي تعرف في سنة 1897 حضارة ما قبل التاريخ في سوسة جنوبي إيران. ولما كان العلماء الفرنسيون رواد علم آثار ما قبل التاريخ فهم يعدون هذا العلم فرنسياً.
تتابعت الكشوف في ميدان ما قبل التاريخ، وقسمت عصوره إلى الحجري القديم (الباليوليتي) الأدنى والأوسط والأحدث، والحجري الوسيط (الميزوليتي)، والحجري الحديث (النيوليتي) ما قبل الفخاري وما بعد الفخاري، والحجري النحاسي (الكالكوليتي). وتم تتبع أصول الإنسان إلى ما قبل ثلاثة ملايين عام وأكثر في إفريقية وإلى ما قبل مليون عام أو أكثر مثلاً في سورية وقسمت أنواعه إلى الإنسان الأحمق (ستوبيديوس) والإنسان المنتصب في (إيريكتوس) والإنسان العاقل (سابيانس)، ونسبت مقتنيات صناعات ذلك الإنسان إلى أماكن اكتشافها أول مرة. ومن ذلك الأشولية والآشولية والفالوازية - الموسترية والنياندرتالية نسبة إلى أماكن في فرنسة وألمانية، وأما فيما يتصل بسورية فهناك تسميات محلية حديثة [ر. سورية].
العلوم المساعدة لعلم الآثاركان علم الآثار في بدايته وصفاً للعمائر الحجرية والمدافن الضخمة التي بقيت ظاهرة فوق الأرض وقاومت عوامل الطبيعة. ثم غدا علماً متميزاً يعتمد على كل الوثائق الممكنة بلا تحديد ويستفيد من وسائل أكثر العلوم ومعطياتها. وقد حصل تحول في تطور علم الآثار في السنوات العشرين الأخيرة، وحدث انقسام فكري ومنهجي في موضوع الآثار بين مدرسة أثرية تقليدية وطريقة تجديدية فقد كان علم الآثار في السابق يعتمد تصنيف الأشياء المكتشفة وتبويبها والتقريب فيما بينها. وبعد اكتشاف طرائق التأريخ الحديثة المطلقة أصبح في يد عالم الآثار سلاح قوي يعالج به مشكلة تحديد زمن الأشياء الذي يعد من أهم أهداف البحث والتنقيب.
كذلك استفاد علم الآثار من عناصر جديدة في نطاق العلوم الفيزيائية والطبيعية، مثل علم النبات والحيوان وعلم البيئة، وأصبحت مثل هذه العلوم أداة مهمة لتفسير المشكلات الأثرية، مثل معرفة تطور الزراعة وبداية تهجين الحيوان واختلافات المناخ الطبيعي وتطوراته على مدى الأزمان السابقة.
إن الاتجاه الحالي في علم الآثار يسعى إذن إلى وضع أسس منهجية للبحث الأثري المتعدد الجوانب الذي يشترك فيه عدد من العلوم والتقنيات، ومعنى هذا أن عالم الآثار، عندما يبدأ في معالجة مادته أو مشكلته الأثرية، يجب أن ينظر إليها من الإطار المعيشي الكامل للإنسان سواء من ناحية التضاريس الجغرافية للمنطقة التي سكنها، أو من ناحية مواردها الطبيعية من ماء ونبات وحيوان ومعادن وغيرها، أو من حيث المناخ وظواهر التعرية. وتتطلب هذه النظرة بطبيعة الحال تضافر العديد من العلوم والتخصصات عند فحص المشكلة الأثرية.
ويمكن تصنيف العلوم المساعدة إلى عدة فئات تدخل في مجال العلوم الجغرافية البيئية والعلوم التاريخية والإنسانية، والعلوم الرياضية والمعارف الفنية والتقنية وفيما يلي أهمها: