علم الآثار في العالم الغربي: يُذكر هوميروس شاعر اليونان الشهير من أهل القرن التاسع قبل الميلاد على أنه أقدم الأثريين. ويعد بعض المتحمسين للتوراة أنها من المصادر الأثرية. ومن الأوائل الذين وصفوا الآثار اليوناني توقيديدس (القرن الخامس قبل الميلاد)، وكذلك هيرودوتس من حيث كونه رحالة، على أن الخيال يختلط بالواقع في رواياته.
وكان بوزانياس وكْزِنوفون واسترابون ممن وصفوا الأوابد الأثرية التي عرفوها في بلادهم اليونانية وخارجها. ويشير الروماني فيتروفيوس (القرن الأول ق.م) في مؤلفه الشهير عن فن العمارة إلى المنشآت اليونانية الكلاسيكية، وكذلك يفعل معاصره المؤرخ بلينوس (23 ـ 79م) في كتابه «التاريخ الطبيعي».
وعرفت القرون الوسطى الأوربية ميلاً للاطلاع على الآثار القديمة. وفي كتابات الرحالة ماركو بولو نهج في تتبع الآثار يشبه ما ألفه الرحالة العرب، وكان الفنان الشهير ليوناردو دافنشي يهتم بالآثار ويتساءل عن المستحاثات وأسبابها.
وفي عصر النهضة الأوربية عمت دراسة العلوم الإنسانية، ومنها دراسة مخلّفات الإنسان. فنشر الهولندي غروتر كتابات منقوشة جمعها من رومة، ومنها نصوص تركها تدمريون كانوا يعيشون فيها. ومارس جاك سبون من ليون في القرن السابع عشر للميلاد هواية العمل الأثري وصنّف الآثار تصنيفاً منطقياً. ومع ذلك فإن العلم كان مايزال في بدايته، حتى إن بعضهم كان يظن أن الأدوات الصوانية أحجارٌ أتت بها الصواعق. وفي القرن الثامن عشر بدأت هواية الآثار تجتذب الناس، وعم الإعجاب بما تركه القدماء، وظهر الميل إلى تقليد الأساليب القديمة في العمارة، ونشأ أسلوب الكلاسيكية الحديثة في العمارة، وانتشر وصف الآثار ورسمها والاستمتاع بها، ونشرها في كتب ضخمة بديعة المظهر يتباهى باقتنائها الأثرياء والمعاهد العلمية.
ولم يكتف الباحثون الأثريون في القرن الثامن عشر بزيارة الآثار ووصفها ورسمها بل دأب القادرون منهم على السفر،مثل الدبلوماسيين والرحالة الأغنياء، على اقتناء الآثار من الشرق والغرب وجلبها إلى بلادهم. وكان بعضهم يحتفظ بما يجلبه من المجموعات في أماكن خاصة بالمتاحف، كالأب الفرنسي بارتلمي مفسر الكتابات الفينيقية والتدمرية، الذي اقتنى من رومة مجموعات من الآثار لمصلحة «متحف المداليات» في باريس. ولابد من القول هنا إن أخذ المجموعات الأثرية بوسائل غير مشروعة من مواطنها قد أفقر التراث القومي للكثير من البلدان.
ويجدر في هذا الصدد ذكر رحلة الإنكليزيين وود ودوكنس إلى تدمر عام 1751م، وتأليفهما الكتاب الشهير «أطلال تدمر» الذي نشر بالإنكليزية والفرنسية عام 1753، ثم نشر مؤلفهما عن أطلال بعلبك بعد ذلك بأربع سنوات. وفي مطلع القرن الثامن عشر أسست في لندن أول جمعية أثرية. وقريباً من ذلك التاريخ بدأت أعمال التنقيب في بومبي وهركولانوم اللتين طمرهما بركان فيزوف قرب نابولي في إيطالية، وقد قام على هذه التنقيبات شارل الثالث دوبوربون ملك نابولي الذي كان يعمل على حفر سراديب في الخبث البركاني بحثاً عن الكنوز.
وفي خضم هذه الفوضى ظهر رجال ذوو نزعة علمية راحوا يحاولون وضع شيء من التنظيم، ومن أشهر هؤلاء جوهان يواكيم فينكلمان (1717 - 1768) الذي يعد مؤسس علم الآثار في ألمانية.
كان فينكلمان قيماً على مكتبة الفاتيكان، وألف كتاباً في الفن القديم والفن الروماني وآثار هركولانوم وغير ذلك من الموضوعات. وقد كني بأبي علم الآثار لمؤلفاته وشغفه بجمع الآثار، ولاسيما النقود، ولطريقته التاريخية في تصنيف الآثار، ومع ذلك كله فقد ظلت كلمة «أركيولوجية» أي علم الآثار غائمة غير محددة المعالم، وظل ثمة خلط بين تاريخ الفن وعلم الآثار. على أن المنحى الأثري أخذ يثبت، وأصبح النشاط الأثري أكثر كثافة، وراحت المتاحف تتسع بما كان يأتيها من بلاد اليونان، ومن الشرق، فقد قدم فونيل، القنصل الفرنسي في أثينة، إلى متحف اللوفر بعض منحوتات الأفاريز المسروقة من معبد البارثنيون في أثينة. إن مثل هذه السرقات لم تكن تسمى باسمها الصريح بل كانت تعد رفداً للعلم. وإذا كان صحيحاً أن بعض الآثار المنهوبة حفظت من الدمار أو التخريب في بعض الحالات، إلا أنها أنقصت قيمة الأوابد التي سرقت منها وقللت من جمالها.
كان الهدف العلمي حينئذ ممتزجاً بالهدف الاستعماري، ومن ذلك ما تم في حملة نابليون على مصر، فمع الدراسات الأثرية والعلمية وكشف حجر رشيد (1799) وتفسير الكتابات الهيروغليفية (1822م)، تمت عملية نقل واسعة للآثار المصرية وامتلأت بها المتاحف الفرنسية ومن ثم المتاحف الأوربية. وكانت اليونان في مقدمة ما استهدفه العاملون في حقل الآثار من الأوربيين في تلك الحقبة. فقد عمل فون ستاكلبرغ في إيجينا، وعمل اللورد إلجين في أكروبول أثينة لمصلحة المتحف البريطاني (1816)، وأنشئ معهد المراسلات الأثرية في ألمانية (1829) والمدرسة الأثرية الفرنسية في أثينة (1846) كما قامت جمعية أثرية روسية في موسكو.
اقترن علم الآثار في القرن التاسع عشر بالسعي وراء المغامرة والمجد القومي أو الشخصي وبالجاسوسية وبالصراع الدولي. وكانت محصلة ذلك مزيداً من الكشوف. ومن ذلك قيام السويسري بوركهارت بتعريف العالم بمدينة البتراء (1812) ومباشرة بول إميل بوتا قنصل فرنسة في الموصل بالتنقيب في نينوى قيو نجيق (1842) وفي خورسباد (1843) وتابع عمله الفرنسي فكتور بلاس من 1858 إلى 1865. ويذكر كذلك الإنكليزي هنري لايارد الذي قام بالتنقيب في منطقة ما بين النهرين (1845 ـ 1851) مستطلعاً آثار البابليين والآشوريين. وقد عثر في عام 1849 على نينوى، قرب الموصل، وكان أول من قام بالتنقيب في منطقة الجزيرة السورية ولاسيما في تل عربان على نهر الخابور (1850).
وفي 1861 نشر إرنست رينان كتابه الشهير «بعثة إلى فينيقية» كما نشر ملكيور دوفوغي مؤلفه الضخم «سورية الوسطى» بين 1865 و1877، وكان قد زار سورية في الخمسينات من ذلك القرن. وهذان المؤلفان يعدّان من المنطلقات الأساسية للدراسات الأثرية في سورية.
وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حقق الألماني هنريش شليمان كشوفاً مثيرة في طروادة وميكيني (ميسينة) وتيرانت (في اليونان الآن) وقريباً من ذلك الوقت اكتشف الإنكليزي آرثر إيفانس المدائن المينوية في كريت، وبدأ الفرنسي سارزيك في 1877 التنقيب عن لاغاش في منطقة تلّو (في العراق) وعرّف العالم بالحضارة السومرية. وفي 1904 نشر فلندرز بيتري كتاب «الطرائق والأهداف في علم الآثار» ونهج منهجاً علمياً في دراسة الفخار والاهتمام بالتعاقب الطبقي الأثري (الستراتيغرافي) في حفرياته في نوقراطيس (نقراش) في مصر. وكان الألمان قد بدؤوا في ذلك الوقت يهتمون بطريق بغداد ـ برلين فنقلوا نشاطهم إلى العراق وسورية ونقب كولدوي في بابل، وأندره في آشور، وماكس فون أوبنهايم في الجزيرة السورية (تل حَلَف)، وفيغاند في تدمر وبعلبك، وتبعهم الأمريكيون (بعثة بتلر 1904/1905/1909). ومن المكتشفات المثيرة في هذا القرن اكتشاف كارتر وكارنافون قبر توت عنخ آمون (1923) واكتشاف مارشال ومكاي المدائن المغيبة في حوض موهنجدارو وهارابا في الهند، وأسهم في الأعمال هناك فيما بعد مورتيمور هويلر صاحب طريقة الأبعاد الثلاثة في التنقيب الأثري.
ومن أهم أعمال التنقيب بين الحربين العالميتين حفريات ليونارد وولي في «أور» جنوبي الرافدين وهنري فرنكفورت في حوض ديالى، ويوردان ونولدكه وهنريش ولنسن في أوروك (الوركاء).
وكان بوزانياس وكْزِنوفون واسترابون ممن وصفوا الأوابد الأثرية التي عرفوها في بلادهم اليونانية وخارجها. ويشير الروماني فيتروفيوس (القرن الأول ق.م) في مؤلفه الشهير عن فن العمارة إلى المنشآت اليونانية الكلاسيكية، وكذلك يفعل معاصره المؤرخ بلينوس (23 ـ 79م) في كتابه «التاريخ الطبيعي».
وعرفت القرون الوسطى الأوربية ميلاً للاطلاع على الآثار القديمة. وفي كتابات الرحالة ماركو بولو نهج في تتبع الآثار يشبه ما ألفه الرحالة العرب، وكان الفنان الشهير ليوناردو دافنشي يهتم بالآثار ويتساءل عن المستحاثات وأسبابها.
وفي عصر النهضة الأوربية عمت دراسة العلوم الإنسانية، ومنها دراسة مخلّفات الإنسان. فنشر الهولندي غروتر كتابات منقوشة جمعها من رومة، ومنها نصوص تركها تدمريون كانوا يعيشون فيها. ومارس جاك سبون من ليون في القرن السابع عشر للميلاد هواية العمل الأثري وصنّف الآثار تصنيفاً منطقياً. ومع ذلك فإن العلم كان مايزال في بدايته، حتى إن بعضهم كان يظن أن الأدوات الصوانية أحجارٌ أتت بها الصواعق. وفي القرن الثامن عشر بدأت هواية الآثار تجتذب الناس، وعم الإعجاب بما تركه القدماء، وظهر الميل إلى تقليد الأساليب القديمة في العمارة، ونشأ أسلوب الكلاسيكية الحديثة في العمارة، وانتشر وصف الآثار ورسمها والاستمتاع بها، ونشرها في كتب ضخمة بديعة المظهر يتباهى باقتنائها الأثرياء والمعاهد العلمية.
ولم يكتف الباحثون الأثريون في القرن الثامن عشر بزيارة الآثار ووصفها ورسمها بل دأب القادرون منهم على السفر،مثل الدبلوماسيين والرحالة الأغنياء، على اقتناء الآثار من الشرق والغرب وجلبها إلى بلادهم. وكان بعضهم يحتفظ بما يجلبه من المجموعات في أماكن خاصة بالمتاحف، كالأب الفرنسي بارتلمي مفسر الكتابات الفينيقية والتدمرية، الذي اقتنى من رومة مجموعات من الآثار لمصلحة «متحف المداليات» في باريس. ولابد من القول هنا إن أخذ المجموعات الأثرية بوسائل غير مشروعة من مواطنها قد أفقر التراث القومي للكثير من البلدان.
ويجدر في هذا الصدد ذكر رحلة الإنكليزيين وود ودوكنس إلى تدمر عام 1751م، وتأليفهما الكتاب الشهير «أطلال تدمر» الذي نشر بالإنكليزية والفرنسية عام 1753، ثم نشر مؤلفهما عن أطلال بعلبك بعد ذلك بأربع سنوات. وفي مطلع القرن الثامن عشر أسست في لندن أول جمعية أثرية. وقريباً من ذلك التاريخ بدأت أعمال التنقيب في بومبي وهركولانوم اللتين طمرهما بركان فيزوف قرب نابولي في إيطالية، وقد قام على هذه التنقيبات شارل الثالث دوبوربون ملك نابولي الذي كان يعمل على حفر سراديب في الخبث البركاني بحثاً عن الكنوز.
وفي خضم هذه الفوضى ظهر رجال ذوو نزعة علمية راحوا يحاولون وضع شيء من التنظيم، ومن أشهر هؤلاء جوهان يواكيم فينكلمان (1717 - 1768) الذي يعد مؤسس علم الآثار في ألمانية.
كان فينكلمان قيماً على مكتبة الفاتيكان، وألف كتاباً في الفن القديم والفن الروماني وآثار هركولانوم وغير ذلك من الموضوعات. وقد كني بأبي علم الآثار لمؤلفاته وشغفه بجمع الآثار، ولاسيما النقود، ولطريقته التاريخية في تصنيف الآثار، ومع ذلك كله فقد ظلت كلمة «أركيولوجية» أي علم الآثار غائمة غير محددة المعالم، وظل ثمة خلط بين تاريخ الفن وعلم الآثار. على أن المنحى الأثري أخذ يثبت، وأصبح النشاط الأثري أكثر كثافة، وراحت المتاحف تتسع بما كان يأتيها من بلاد اليونان، ومن الشرق، فقد قدم فونيل، القنصل الفرنسي في أثينة، إلى متحف اللوفر بعض منحوتات الأفاريز المسروقة من معبد البارثنيون في أثينة. إن مثل هذه السرقات لم تكن تسمى باسمها الصريح بل كانت تعد رفداً للعلم. وإذا كان صحيحاً أن بعض الآثار المنهوبة حفظت من الدمار أو التخريب في بعض الحالات، إلا أنها أنقصت قيمة الأوابد التي سرقت منها وقللت من جمالها.
كان الهدف العلمي حينئذ ممتزجاً بالهدف الاستعماري، ومن ذلك ما تم في حملة نابليون على مصر، فمع الدراسات الأثرية والعلمية وكشف حجر رشيد (1799) وتفسير الكتابات الهيروغليفية (1822م)، تمت عملية نقل واسعة للآثار المصرية وامتلأت بها المتاحف الفرنسية ومن ثم المتاحف الأوربية. وكانت اليونان في مقدمة ما استهدفه العاملون في حقل الآثار من الأوربيين في تلك الحقبة. فقد عمل فون ستاكلبرغ في إيجينا، وعمل اللورد إلجين في أكروبول أثينة لمصلحة المتحف البريطاني (1816)، وأنشئ معهد المراسلات الأثرية في ألمانية (1829) والمدرسة الأثرية الفرنسية في أثينة (1846) كما قامت جمعية أثرية روسية في موسكو.
اقترن علم الآثار في القرن التاسع عشر بالسعي وراء المغامرة والمجد القومي أو الشخصي وبالجاسوسية وبالصراع الدولي. وكانت محصلة ذلك مزيداً من الكشوف. ومن ذلك قيام السويسري بوركهارت بتعريف العالم بمدينة البتراء (1812) ومباشرة بول إميل بوتا قنصل فرنسة في الموصل بالتنقيب في نينوى قيو نجيق (1842) وفي خورسباد (1843) وتابع عمله الفرنسي فكتور بلاس من 1858 إلى 1865. ويذكر كذلك الإنكليزي هنري لايارد الذي قام بالتنقيب في منطقة ما بين النهرين (1845 ـ 1851) مستطلعاً آثار البابليين والآشوريين. وقد عثر في عام 1849 على نينوى، قرب الموصل، وكان أول من قام بالتنقيب في منطقة الجزيرة السورية ولاسيما في تل عربان على نهر الخابور (1850).
وفي 1861 نشر إرنست رينان كتابه الشهير «بعثة إلى فينيقية» كما نشر ملكيور دوفوغي مؤلفه الضخم «سورية الوسطى» بين 1865 و1877، وكان قد زار سورية في الخمسينات من ذلك القرن. وهذان المؤلفان يعدّان من المنطلقات الأساسية للدراسات الأثرية في سورية.
وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حقق الألماني هنريش شليمان كشوفاً مثيرة في طروادة وميكيني (ميسينة) وتيرانت (في اليونان الآن) وقريباً من ذلك الوقت اكتشف الإنكليزي آرثر إيفانس المدائن المينوية في كريت، وبدأ الفرنسي سارزيك في 1877 التنقيب عن لاغاش في منطقة تلّو (في العراق) وعرّف العالم بالحضارة السومرية. وفي 1904 نشر فلندرز بيتري كتاب «الطرائق والأهداف في علم الآثار» ونهج منهجاً علمياً في دراسة الفخار والاهتمام بالتعاقب الطبقي الأثري (الستراتيغرافي) في حفرياته في نوقراطيس (نقراش) في مصر. وكان الألمان قد بدؤوا في ذلك الوقت يهتمون بطريق بغداد ـ برلين فنقلوا نشاطهم إلى العراق وسورية ونقب كولدوي في بابل، وأندره في آشور، وماكس فون أوبنهايم في الجزيرة السورية (تل حَلَف)، وفيغاند في تدمر وبعلبك، وتبعهم الأمريكيون (بعثة بتلر 1904/1905/1909). ومن المكتشفات المثيرة في هذا القرن اكتشاف كارتر وكارنافون قبر توت عنخ آمون (1923) واكتشاف مارشال ومكاي المدائن المغيبة في حوض موهنجدارو وهارابا في الهند، وأسهم في الأعمال هناك فيما بعد مورتيمور هويلر صاحب طريقة الأبعاد الثلاثة في التنقيب الأثري.
ومن أهم أعمال التنقيب بين الحربين العالميتين حفريات ليونارد وولي في «أور» جنوبي الرافدين وهنري فرنكفورت في حوض ديالى، ويوردان ونولدكه وهنريش ولنسن في أوروك (الوركاء).