المؤرخ تامر الزغاري - Regent Tamer Zghari
٤ مارس، الساعة ٧:٣٠ م ·
ذكرى البطل العربي صلاح الدين الأيوبي
موحد الأمة، هزم أمام الفرنجة فعاد مرة أخرى وحرر القدس، حمى قبر النبي من أن يُسرق جسده الشريف
حيث في مثل هذا اليوم
توفي السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي سلطان مصر والشام.
وكان ذلك في 27 صفر 589 هجري
الموافق في تاريخ 1193/03/04م
-
-
الأصل
-
-
ينتمي صلاح الدين الأيوبي إلى الأسرة الروادية أي أنه من نسل القائد رواد بن المثنى الأزدي والي أذربيجان في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وعاشت الأسرة الروادية بين العجم لمئات السنين، حيث أن العباسيين جعلوها مسؤولة عن حماية وحكم تبريز ومراغة واردبيل، ونتيجة طول مدة بقاء الرواديين بين العجم إختلطوا بالأكراد وسكنوا بينهم وتزوجوا منهم، وهذا ما ذكره ياقوت الحموي والذي كان في زمانه، وكذلك نقل ابن واصل كلام عدد من الأمراء الأيوبي حيث قالوا: «إنما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم».
-
وبقي الرواديون في تلك المناطق إلى أن أتى السلاجقة والذين أنهوا نفوذهم، فعاد جزء كبير منهم إلى البلاد العربية ومنهم نجم الدين أيوب المولود في مدينة دوين في أذربيجان والذي إستقر في تكريت في العراق.
-
-
نشأته
-
-
ولد في عام 1138م في مدينة تكريت، حيث كان أبيه نجم الدين أيوب حاكما لقلعتها، وانتقل إلى بعلبك حيث أصبح أباه واليًا عليها لمدة سبع سنوات ثم انتقل إلى دمشق، وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق حيث أمضى فترة شبابه في بلاط الملك العادل نور الدين زنكي.
-
-
تولي الحكم وإعادة مصر للتبعية العباسية
-
-
أصبح نجم الدين أيوب وشقيقه أسد الدين شيركوه من الحاشية المقربة لعماد الدين زنكي سلطان الموصل وحلب ثم إنتقلت تبعيتهم إلى إبنه نور الدين زنكي، وقد قام نور الدين زنكي بإرسال جيش إلى مصر لإنقاذها من الجيوش الفرنجية والبيزنطية التي تسعى لإحتلالها، وكان قائد الجيش أسد الدين شيركوه، والذي إستطاع أن ينقذها ويصبح وزيرا لحاكم مصر أنذاك وهو العاضد العبيدي، وبعد وفاة شيركوه عام 1169 م، أصبح إبن أخيه صلاح الدين الأيوبي وزيرا، وقد إستطاع إنهاء الدولة العبيدية عام 1171م وإعادة تبعية مصر للخلافة العباسية.
-
-
توحيد مصر والشام
-
-
وفي عام 1174م توفي نور الدين زنكي وتولى مكانه ولده الملك الصالح إسماعيل ذي الأحد عشر ربيعًا، فكان صبيًا لا يستقل بالأمر ولا ينهض بأعباء الملك، فأعلن صلاح الدين الأيوبي إستقلاله وتأسيسه للدولة الأيوبية وعاصمتها القاهرة، وزحف بجيوشه إلى بلاد الشام وإستطاع السيطرة عليها أغلبها إلى أن وصل لمدينة حلب وحاصرها، فرفض الزنكيون ذلك وحصلت بينهم وبين صلاح الدين معركة قرب نهر العاصي إنتصر بها صلاح الدين الأيوبي، ثم تم عقد الصلح وتم الإعتراف بحكم صلاح الدين الأيوبي على الشام وبقي الزنكيون يحكمون مناطق محدودة ومنها مدينة الموصل وحلب والجزيرة
-
واعترف الخليفة العباسي بحكم صلاح الدين الأيوبي وقلده سيفين بولايتي مصر والشام.
-
-
الحرب مع الحشاشين
-
-
ضرب حصارا على جميع قلاع الحشاشين خلال شهر أغسطس من عام 1176م، لكنه لم يتمكن من فتح أي منها، وفي ليلة إستيقظ من نومه فوجد في الأعلى رسالة معلقة بخنجر مسموم كُتب فيها تهديد له إن لم يغادر الجبال فسوف يُقتل. عندئذ قرر صلاح الدين الأيوبي أن ينسحب ويعقد صلح مع الحشاشين.
-
-
هزيمته في المحاولة الأولى لتحرير فلسطين
-
-
في عام 1177 م حاول صلاح الدين الأيوبي أن يحرر فلسطين، فاقتحمها من الجنوب، ودخل عسقلان بسهولة، ثم تقدم صلاح الدين نحو الرملة، ولم يجد أي مقاومة، وحينما وصل إلى نهر تل الصافية، تفرق جيشه للبحث عن مكان يصلح للعبور، وبينما هم في هذه الحالة هجمت عليهم قوة فرنجية، قبل أن يرتبوا أوضاعهم حيث باغتوهم في الوقت المناسب.
-
وكان يقودهم الأمير الشهير أرناط ويسانده في مهمته بلدوين الرابع ملك بيت المقدس ولم يكن مع صلاح الدين في تلك اللحظة سوى عدد ضئيل من أمرائه وجنده، ثم بدأت المصادمات وتجمع جند صلاح الدين، واشتبكوا مع الفرنجة، وانتهت المعركة بهزيمة صلاح الدين وإنسحابه مع عدد قليل إلى مصر.
-
-
توسيع الدولة
-
-
في عام 1182م إستطاع أن يضم الجزيرة لدولته وذلك بمساعدة مظفر الدين كوكبري ثم سقطت الرها تلتها سروج ثم الرقة وقرقيسية ونصيبين ثم توجه إلى حلب فلم يقاوم حاكمها الزنكي لفترة طويلة، فعقدت مفاوضات بغرض تبادل الأراضي، على أن يسلّم زنكي حلب إلى صلاح الدين الأيوبي في مقابل استعادة سيطرته على سنجار ونصيبين والرقة وسروج، وأن تحارب قوات زنكي إلى جانب جيش صلاح الدين. وبحلول يونيو 1183 م، أصبحت حلب في يد صلاح الدين الأيوبي.
-
-
حماية قبر النبي
-
-
في عام 1183م قام حاكم الكرك الفرنجي أرناط آل شاتيون بإرسال سفنًا من خليج العقبة لمداهمة البلدات والقرى قبالة ساحل البحر الأحمر، وتم التصدي لهم، حيث كانوا ينوون مهاجمة المدينة المنورة ونهب قبر النبي محمد (ص) وظهرت أخبار بأنهم كانوا سينقلون جثمان النبي محمد إلى الأراضي الفرنجية، لجعل المسلمين يحجون إليها.
-
فتولى حسام الدين لؤلؤ قائد الأسطول المصري أمرهم فهاجمهم وهزمهم ودمر معظم سفنهم، فنزلوا إلى البر محاولين الفرار فهزمهم شر هزيمة.
-
-
تحرير القدس.
-
-
قرر صلاح الدين الأيوبي شن حملة جديدة بهدف تحرير فلسطين من الفرنجة وإستطاع أن يحقق نصر ساحق في معركة حطين في 1187/07/04 م، ثم قام بتحرير مدن الساحل إلى أن وصل صلاح الدين الأيوبي إلى القدس يوم الخميس في 11 رجب سنة 583 هـ، الموافق في 1187/09/20م، من جهة عين سلوان حتى يكون الماء قريب من جيشه وأمر جنده بمحاصرة المدينة في هيئة دائرية، وصلى المسلمين على الجبل الذي حولها يوم الجمعة، وزحفوا للقتال بعد الصلاة، ولم يكن في المدينة المقدسة قوة كبيرة لحمايتها من الهجوم الأيوبي، حيث لم يزيد عدد الجنود عن 1400 جندي، أما الباقون فكانوا من الفقراء والأهالي الذين لا خبرة لديهم في القتال.
-
وكان باليان بن بارزان يسكن مدينة القدس ويتولى شؤونها، وقاد القتال في ذلك اليوم وانضم إليه الكهنة والشمامسة، وكان ماهرًا في إدارة القتال وتوجيه المقاتلين أمام قوات صلاح الدين، وكان خوفه الأكبر أن يقتل المسلمين كل مسيحيي القدس عند دخولهم كما فعل الفرنجة عندما احتلوا المدينة عام 1099م، فحث السكان أن يدافعوا عن حياتهم ومقدساتهم حتى الرمق الأخير.
-
بعد ان أصاب باليان اليأس وأدرك حتمية سقوط المدينة، ووصله خبر عفو صلاح الدين عن الأرثذوكس فقط مما أدى إلى إنقسام مقاتليه، قام بالتهديد بقتل الرهائن المسلمين، والذين يُقدّر عددهم بأربعة الآف مسلم، وتدمير الأماكن الإسلامية المقدسة، أي قبة الصخرة والمسجد القبلي، اللذان يُشكلان المسجد الأقصى، إذا لم يعف صلاح الدين عنهم.
-
فاستشار صلاح الدين الأيوبي مجلسه ووافق على أن يعفو عن الجميع، على أن يتم دفع فدية على كل من فيها مقدارها عشرة دنانير من كل رجل وخمسه دنانير من كل امرأة ودينارين عن كل صبي وكل صبية لم يبلغ سن الرشد.
-
ثم سمح صلاح الدين بعد أن انقضت المهلة لمن لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية، وكان دخول صلاح الدين إلى المدينة في ليلة المعراج يوم 27 رجب سنة 583 هـ، الموافق في 1187/10/02 م.
-
وأرسل صلاح الدين الأيوبي رسالة إلى الخليفة العباسي احمد الناصر يبشره بالفتح، وكان الخليفة قد امده بالدعم المالي والعتاد والجنود الذين ارسلوا من دار الخلافة وامده بشبكة العيون التابعة للخلافة والتي كان لها دور كبير في جلب المعلومات عن الفرنجة ولها دور كبير أيضا في وقف تأثير الحشاشين المتحالفين مع الفرنجة.
-
-
الحملة الصليبية الثالثة
-
-
بعد تحرير القدس حثّ البابا غريغوري الثامن ملوك أوروبا على شن حملة صليبية جديدة لاستعادة بيت المقدس، فانطلقت الحملة الصليبية الثالثة يقودها ريِتشارد الأول «قلب الأسد» ملك إنجلترا، واستطاع أن يسيطر على عكا وقتل فيها 3000 من سكانها، وفي 7 سبتمبر 1191م، اشتبكت جيوش صلاح الدين مع جيوش الفرنجة بقيادة ريتشارد قلب الأسد في معركة أرسوف التي انهزم فيها صلاح الدين.
-
ولجأ الفريقان بعد ذلك إلى الصلح، وعقدت هدنة في 20 شعبان سنة 588 هـ، الموافق فيه 1 سبتمبر سنة 1192م، وبهذه الإتفاقية يسيطر الفرنجة على شريط ساحلي ما بين يافا وصور، وتظل القدس في أيدي الأيوبيين مع السماح للمسيحيين بالحج إليها.
-
-
وفاته
-
-
أثناء تواجده في دمشق مرض صلاح الدين بالحمى الصفراوية وأصابه أرق فلم ينم الليل إلا قليلاً، وأخذ المرض يشتد ويزيد حتى يأس الأطباء من حاله، فتوفي صلاح الدين فجر يوم الأربعاء في 4 مارس سنة 1193م، الموافق فيه 27 صفر سنة 589 هـ، ودُفن بعد صلاة عصر ذلك اليوم في المدرسة العزيزية قرب المسجد الأموي في دمشق، إلى جوار الملك نور الدين زنكي، وعندما فُتحت خزانته الشخصية لم يكن فيها ما يكفي من المال لجنازته، فلم يكن فيها سوى سبعة وأربعين درهمًا ناصريًا ودينارًا واحدًا ذهبًا، ولم يخلف ملكًا ولا دارًا، إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات.
**** المصادر:
1) موسوعة دول العالم الإسلامي ورجالها، مصطفى شاكر
2) سلالات الإسلامية الحاكمة، كليفورد إدموند بوسورث.
3) مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، ابن واصل
4) معجم البلدان، ياقوت الحموي
5) النوادر السلطانية والمحاسن اليوسيفية، ابن شداد
6) البداية والنهاية، ابن كثير
******************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري
******************