"المنسف" سيد المائدة الأردنية منذ آلاف السنين
طبق أردني أُدرِج في ديسمبر الماضي على لائحة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.
الخميس 2023/04/06
انشرWhatsAppTwitterFacebook
لون وذوق
الطعام عنوان الشعوب وعلامة من علامات الهوية قبل المعالم والكتب التاريخية والإنجازات الاقتصادية؛ فـ”المنسف” طعام يرتبط بالأردنيين، نشأ على أرضهم زمن مملكة مؤاب القديمة، وتفننوا في إعداده رغم أنه ينتشر في دول أخرى مجاورة.
عمّان - يُعدّ “المنسف” الطبق الوطني الأردني الذي ترتبط نشأته بحرب قديمة وتطور تاريخي، وصمد على مدى آلاف السنين في الأردن رمزاً للأصالة وكرم الضيافة.
ويُطبخ “المنسف”، الذي يوصف بأنه “سيد المائدة الأردنية”، بلحم الغنم وكرات “الجميد” المحضرة من حليب الأغنام والسمن البلدي والأرزّ واللوز والصنوبر لتزيينه.
يقول أشرف مبيضين (47 عاما) الذي يملك مع صديقه تامر المجالي (42 عاما) مطعم “مناسف مؤاب” في عمان إن “المنسف طبق مشهور في أكثر من دولة لكن أساسه وأصله من الأردن، وهو الألذّ ونُسب إلى مملكة مؤاب قديما”.
ويضيف بينما يفرد الأرزّ ويرتّب قطع اللحم في طبق كبير أن المطعم “يقدّم الأكلات الشعبية الأردنية ومنها المنسف والفتيت (الخبز المفتت واللبن) والعيش (القمح المجروش المطبوخ) واللزاقيات (حلويات)، لكن سيد المائدة الأردنية هو المنسف”.
ويؤكد شريكه المجالي الذي كان يُعدّ طبق “الرشوف”، وهو عبارة عن طبخ جريش القمح والعدس والحمص المسلوق بلبن الجميد مع إضافة البصل والسمن البلدي ليتم تناوله كحساء، أن “المنسف هو سيد المائدة الأردنية، وإذا أردت أن تكرم ضيفك لا يوجد ما هو أفضل من المنسف”.
وأُدرِج “المنسف” في ديسمبر الماضي على لائحة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. وجميع مكوناته منتجة محليا، ويشتهر على سبيل المثال “الجميد الكركي” (نسبة إلى محافظة الكرك الواقعة على بعد 118 كيلومترا إلى جنوب عمان) و”السمن البلقاوي” (نسبة إلى محافظة البلقاء التي تبعد نحو 30 كيلومتراً إلى شمال غرب عمان).
ويقول المؤرخ والكاتب جورج طريف إن “المنسف كان بالأساس يصنع من ثريد لحم الضأن واللبن وخبز الشراك (خبز رقيق)”.
ولاحقا أصبحت “المادة الرئيسية للمنسف البرغل، ثم تطور بعد اكتشاف الأرز الذي استخدم في المنسف خلال فترة متأخرة من القرن التاسع عشر”.
ويرتبط “المنسف” تاريخيا بالأردن من خلال حادثة تروى عن الملك ميشع، أحد ملوك مملكة مؤاب التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ودامت إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وامتدت حدودها على الساحل الشرقي للبحر الميت، من شمال مدينة الكرك إلى الشوبك (تبعد نحو 205 كيلومترات إلى جنوب عمان).
ويقول طريف “كان مركز حكم الملك ميشع في الكرك، وكان يعلم جيدا أن اليهود لا يأكلون اللحم المطبوخ باللبن، وفقا لشريعتهم المستمدة من التوراة”.
وأضاف “أراد أن يختبر ولاء شعبه المؤابي في الحرب ضد العبرانيين في المعركة الواقعة في القرن التاسع قبل الميلاد، فطلب من شعبه أن يطبخ اللحم باللبن”.
واستجاب شعبه لطلبه، وبهذا -وفقا لطريف- “نسف ما جاء في التوراة، ومنذ تلك الفترة سُميت هذه الأكلة بالمنسف”.
وهناك أكلات أردنية قد تكون اندثرت مثل “شوربة الجعدة” المحضرة من نبات الجعدة البري والعدس واللبن، أو “الخميعة” وهو طبق حلويات يعد من الخبز المفتت والحليب والسكر، يشبه رقائق الفطور المعروفة اليوم.
إلاّ أن بعض الأكلات بقيت حاضرة في مناطق محددة، كـ”المكمورة” (طبقات من العجين مع الدجاج والبصل وزيت الزيتون) المعروفة في شمال الأردن، و”المجللة” (خبز مع عويس ومقطع ولبن ولحم مع البصل بالسمن البلدي) في جنوب البلاد.
ويقول الباحث والأكاديمي حسن مبيضين (58 عاما) إن “المنسف وجبة ذات معايير خاصة وطقوس خاصة، وأيضا لأشخاص تربطهم علاقات خاصة؛ بمعنى أنها تُقدَّم وفق بروتوكول معين للضيافة وطريقة التقديم والترتيب”.
وأشار إلى أن “التعامل مع الضيف يكون وفق الدرجة، لجهة طريقة الاستقبال وطريقة الوداع وطريقة تقديم الأكل؛ فمثلا يقدم رأس الذبيحة على أكبر سدر لكبير القوم، وأحيانا الرأس والذبيحة كاملة ليشعر الضيف بأنه نال من الإكرام أبلغه وأجزله”.
وتقليديا يشترك ما بين 12 و14 شخصاً في الأكل من سدر المنسف الكبير، مستخدمين أيديهم اليمنى بينما اليسرى تبقى خلف ظهورهم، لكن الوجبات باتت تُقدّم بشكل فردي غالباً.
وتقول الطالبة زينة عليان (14 سنة) التي تناولت المنسف مع زميلاتها ومعلماتها، إن “المنسف جزء من التراث القديم للأردن”. وتضيف أنه “وجبة مميزة بفوائدها (…) تحتوي اللحم والخبز واللبن والأرزّ، وهي مكوّنات صحية ليست كالوجبات الجاهزة أو السريعة التي تحتوي الكثير من الزيوت غير الصحية”.
أما معلمتها ضحى صالح (31 عاما) فقالت “جئنا إلى هذا المطعم لإطلاع طلابنا على الثقافة الاجتماعية الأردنية وطبيعة الطعام الأردني الشعبي الأصيل الذي يرمز إلى أصالة البلد وكرم الضيافة”.
ولاحظت أن “المنسف هو طبق شامل فيه كل الفوائد الغذائية، وتناوله ممتع (…) ويجعلنا مرتبطين بواقعنا وأصالتنا وتراثنا”.
طبق أردني أُدرِج في ديسمبر الماضي على لائحة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.
الخميس 2023/04/06
انشرWhatsAppTwitterFacebook
لون وذوق
الطعام عنوان الشعوب وعلامة من علامات الهوية قبل المعالم والكتب التاريخية والإنجازات الاقتصادية؛ فـ”المنسف” طعام يرتبط بالأردنيين، نشأ على أرضهم زمن مملكة مؤاب القديمة، وتفننوا في إعداده رغم أنه ينتشر في دول أخرى مجاورة.
عمّان - يُعدّ “المنسف” الطبق الوطني الأردني الذي ترتبط نشأته بحرب قديمة وتطور تاريخي، وصمد على مدى آلاف السنين في الأردن رمزاً للأصالة وكرم الضيافة.
ويُطبخ “المنسف”، الذي يوصف بأنه “سيد المائدة الأردنية”، بلحم الغنم وكرات “الجميد” المحضرة من حليب الأغنام والسمن البلدي والأرزّ واللوز والصنوبر لتزيينه.
يقول أشرف مبيضين (47 عاما) الذي يملك مع صديقه تامر المجالي (42 عاما) مطعم “مناسف مؤاب” في عمان إن “المنسف طبق مشهور في أكثر من دولة لكن أساسه وأصله من الأردن، وهو الألذّ ونُسب إلى مملكة مؤاب قديما”.
ويضيف بينما يفرد الأرزّ ويرتّب قطع اللحم في طبق كبير أن المطعم “يقدّم الأكلات الشعبية الأردنية ومنها المنسف والفتيت (الخبز المفتت واللبن) والعيش (القمح المجروش المطبوخ) واللزاقيات (حلويات)، لكن سيد المائدة الأردنية هو المنسف”.
ويؤكد شريكه المجالي الذي كان يُعدّ طبق “الرشوف”، وهو عبارة عن طبخ جريش القمح والعدس والحمص المسلوق بلبن الجميد مع إضافة البصل والسمن البلدي ليتم تناوله كحساء، أن “المنسف هو سيد المائدة الأردنية، وإذا أردت أن تكرم ضيفك لا يوجد ما هو أفضل من المنسف”.
وأُدرِج “المنسف” في ديسمبر الماضي على لائحة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. وجميع مكوناته منتجة محليا، ويشتهر على سبيل المثال “الجميد الكركي” (نسبة إلى محافظة الكرك الواقعة على بعد 118 كيلومترا إلى جنوب عمان) و”السمن البلقاوي” (نسبة إلى محافظة البلقاء التي تبعد نحو 30 كيلومتراً إلى شمال غرب عمان).
ويقول المؤرخ والكاتب جورج طريف إن “المنسف كان بالأساس يصنع من ثريد لحم الضأن واللبن وخبز الشراك (خبز رقيق)”.
ولاحقا أصبحت “المادة الرئيسية للمنسف البرغل، ثم تطور بعد اكتشاف الأرز الذي استخدم في المنسف خلال فترة متأخرة من القرن التاسع عشر”.
ويرتبط “المنسف” تاريخيا بالأردن من خلال حادثة تروى عن الملك ميشع، أحد ملوك مملكة مؤاب التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ودامت إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وامتدت حدودها على الساحل الشرقي للبحر الميت، من شمال مدينة الكرك إلى الشوبك (تبعد نحو 205 كيلومترات إلى جنوب عمان).
ويقول طريف “كان مركز حكم الملك ميشع في الكرك، وكان يعلم جيدا أن اليهود لا يأكلون اللحم المطبوخ باللبن، وفقا لشريعتهم المستمدة من التوراة”.
وأضاف “أراد أن يختبر ولاء شعبه المؤابي في الحرب ضد العبرانيين في المعركة الواقعة في القرن التاسع قبل الميلاد، فطلب من شعبه أن يطبخ اللحم باللبن”.
واستجاب شعبه لطلبه، وبهذا -وفقا لطريف- “نسف ما جاء في التوراة، ومنذ تلك الفترة سُميت هذه الأكلة بالمنسف”.
وهناك أكلات أردنية قد تكون اندثرت مثل “شوربة الجعدة” المحضرة من نبات الجعدة البري والعدس واللبن، أو “الخميعة” وهو طبق حلويات يعد من الخبز المفتت والحليب والسكر، يشبه رقائق الفطور المعروفة اليوم.
إلاّ أن بعض الأكلات بقيت حاضرة في مناطق محددة، كـ”المكمورة” (طبقات من العجين مع الدجاج والبصل وزيت الزيتون) المعروفة في شمال الأردن، و”المجللة” (خبز مع عويس ومقطع ولبن ولحم مع البصل بالسمن البلدي) في جنوب البلاد.
ويقول الباحث والأكاديمي حسن مبيضين (58 عاما) إن “المنسف وجبة ذات معايير خاصة وطقوس خاصة، وأيضا لأشخاص تربطهم علاقات خاصة؛ بمعنى أنها تُقدَّم وفق بروتوكول معين للضيافة وطريقة التقديم والترتيب”.
وأشار إلى أن “التعامل مع الضيف يكون وفق الدرجة، لجهة طريقة الاستقبال وطريقة الوداع وطريقة تقديم الأكل؛ فمثلا يقدم رأس الذبيحة على أكبر سدر لكبير القوم، وأحيانا الرأس والذبيحة كاملة ليشعر الضيف بأنه نال من الإكرام أبلغه وأجزله”.
وتقليديا يشترك ما بين 12 و14 شخصاً في الأكل من سدر المنسف الكبير، مستخدمين أيديهم اليمنى بينما اليسرى تبقى خلف ظهورهم، لكن الوجبات باتت تُقدّم بشكل فردي غالباً.
وتقول الطالبة زينة عليان (14 سنة) التي تناولت المنسف مع زميلاتها ومعلماتها، إن “المنسف جزء من التراث القديم للأردن”. وتضيف أنه “وجبة مميزة بفوائدها (…) تحتوي اللحم والخبز واللبن والأرزّ، وهي مكوّنات صحية ليست كالوجبات الجاهزة أو السريعة التي تحتوي الكثير من الزيوت غير الصحية”.
أما معلمتها ضحى صالح (31 عاما) فقالت “جئنا إلى هذا المطعم لإطلاع طلابنا على الثقافة الاجتماعية الأردنية وطبيعة الطعام الأردني الشعبي الأصيل الذي يرمز إلى أصالة البلد وكرم الضيافة”.
ولاحظت أن “المنسف هو طبق شامل فيه كل الفوائد الغذائية، وتناوله ممتع (…) ويجعلنا مرتبطين بواقعنا وأصالتنا وتراثنا”.