تكرار ظهور النجوم في المسلسلات والإعلانات لا يخدمها ولا يسوّق السلعة
الفواصل الإعلانية الطويلة ضربت المتعة وزحف الجمهور والمعلنون إلى المنصات.
الممثل يناقض نفسه فيفقد مصداقيته
يشارك عدد كبير من النجوم المصريين في الإعلانات التلفزيونية الخاصة بشهر رمضان، بالتوازي مع أعمالهم الدرامية، فيقعون أحيانا ضحية أخطاء فادحة تنفر المشاهد والجمهور من متابعة المسلسلات، فمن يبدو “مشردا” أو ضحية في مسلسل ما لا تتقبله عين الناظر ثريا يروج لأحد التجمعات السكنية الحديثة خلال الفواصل الإعلانية. وينعكس هذا الأمر سلبا، حيث صارت المسلسلات جزءا من الإعلانات وافتقد الممثلون المصداقية في ما يقدمونه دراميا.
القاهرة - تشهد دراما رمضان في مصر هذا العام تغيرات عديدة في خارطة وأسلوب ومحتوى الإعلانات الترويجية اعتمادا على استقطاب نجوم الفن للقيام بدور البطولة فيها وتقديمها بصورة غير نمطية، لكن ذلك حيّر المشاهدين وصارت لديهم حالة من الشتات بين متابعة الفنان في المسلسل ثم رؤيته بعد دقائق في إعلان ترويجي.
ويشارك أغلب نجوم الموسم الدرامي في المسلسلات والإعلانات، وما إن يطالع الجمهور أيا منهم في عمل درامي حتى يشاهده في الفاصل الإعلاني بشخصية مغايرة تماما لتلك التي يظهر بها في المسلسل وأداء ربما يتناقض مع دوره في العملين.
ولئن كان البعض من الجمهور لا يجد مشكلة في ذلك فإن المعضلة الحقيقية مرتبطة بطبيعة الدور الذي يؤديه الفنان أو الفنانة، كأن تكون هناك نجمة تقوم بدور فتاة فقيرة تواجه حياة صعبة وتظهر عليها علامات البؤس، مثل دينا الشربيني في مسلسل “المشوار”، وخلال الفاصل الإعلاني يشاهدها الجمهور وهي تغني وترقص وتروج لمنتجع سكني فاخر، وفي إعلان آخر تغني بإعلان شركة اتصالات.
ومن أبرز النجوم الذين ظهروا في أعمال درامية ومسلسلات في آن واحد يسرا ونيلي كريم ودينا الشربيني وروبي وكريم عبدالعزيز وأحمد عز وأكرم حسني وأحمد أمين، ومعهم ممثلون ومطربون ليست لهم أعمال في رمضان، منهم تامر حسني وعمرو دياب وياسمين عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز.
وأزمة الكثير من النجوم أنهم يشاركون في إعلانات بلا فكرة محددة، وهي الأرضية الخصبة التي يتوقف عليها نجاح الإعلان من عدمه، عكس علاقة الجمهور بالفنان خلال تواجده في العمل الدرامي، فهو يؤدي الدور لتوصيل رسالة بعينها أو خدمة فكرة ما ضمن سيناريو محدد لينجذب إليه المشاهد ولا يصاب بالملل من طريقة الأداء أو عشوائية الدور والأسلوب.
صاحب رسالة واستهلاكي
نادر عدلي: المشاركة في الدراما والإعلانات معا يفقد الفنان جاذبيته
يرى البعض من النقاد أن علاقة الجمهور بالفنان تتأثر إذا كان يؤدي دورا بعينه في مسلسل والناس تعودوا عليه في صورة أو مكانة بعينها ثم يكون مجرد جزء من تركيبة الإبهار في الحملة الإعلانية لإضافة المزيد من المتعة البصرية فقط إلى المنتج، وهنا قد لا ينجح النجم أو لا تروّج السلعة لأن عدم ملاءمة الشخص صاحب الشهرة لإعلان تجاري في حد ذاته مثير لحفيظة الجمهور المستهدف.
وقال الناقد الفني نادر عدلي إن استسهال مشاركة الفنان في أعمال درامية وإعلانات في توقيت واحد يفقده جزءا من جاذبيته عند الجمهور، لأنه يظهر للمشاهد في صورة فنان استهلاكي فاقد لمسؤولية الرسالة، ما يؤثر على العمل الدرامي الذي يشارك في بطولته، خاصة إذا كان دوره في المسلسل والإعلان مناقضا، جزئيا أو كليا.
ومعضلة النسبة الأكبر من الإعلانات التلفزيونية في مصر أن أفكارها سطحية والنجم فيها هو الأساس، ويكون الاهتمام به على حساب المواصفات والفوائد الخاصة بالمنتج الذي يتم الإعلان عنه، لذلك يركز المشاهد على الفنان طوال الفاصل الإعلاني، وليس السلعة نفسها، ما يضاعف من حيرة الجمهور كون النجم لا يغيب عنه طوال اليوم أثناء عرض المسلسل أو الظهور في تخمة من الإعلانات.
وأضاف نادر عدلي لـ”العرب” أن الإعلانات لم تعد جيدة ولا تحقق جماهيرية للفنان، لأنها افتقدت الفكرة والحبكة والرصانة وأصبحت قائمة على النجم فقط، ففي الماضي القريب كان الناس يسألون بعضهم البعض: هل رأيت الإعلان الذي يروج لمنتج كذا؟ واليوم صار السؤال: هل رأيت إعلان الفنان؟ ثم تأتي مرحلة تقييم الإعلانات حسب اسم النجم وليس اسم المنتج بأن تكون هناك مفاضلة بين الإعلانات وفق ما قدمه كل فنان وليس السلع التي يُروّج لها، ما يعكس الخلل الذي يضرب المنظومة برمتها.
ولم تدرك أغلب القنوات والشركات المنتجة للإعلانات أن هناك تغيرات مجتمعية وثقافية أفقدت فكرة الاستعانة بالنجم لبيع منتج تأثيرها مهما كانت نسبة مشاهدات مسلسل هذا النجم في نفس توقيت عرض إعلانه.
وثمة إعلانات لأشخاص عاديين ليسوا فنانين لم يكن الناس يعرفون عنهم شيئا جذبوا الأضواء وتفاعل الجمهور معهم وتركوا ردود فعل إيجابية، والكثير من الناس ينتظرون لحظة عرض إعلانهم ولا يملون منهم لأن فكرتهم غير تقليدية أو قائمة على النجم.
ولا تتعلق المسألة بمدى شهرة مقدم الإعلان أو هل يتم انتقاؤه بعناية وفق مشاركاته في الموسم الدرامي أم لا، لكن العبرة في تفاعل الناس سلبا أو إيجابا مع الإعلان الذي شارك فيه النجم من حيث التأثير عليهم بجودة المنتج وسعره وفائدته وطريقة استخدامه، لأن الجمهور لن يشتري منتجا لمجرد أن عددا من النجوم المفضلين له يطلبون منه ذلك.
كما أن الأعمال الدرامية التي تتنافس القنوات على عرضها خلال موسم شهر رمضان فقدت جاذبيّتها أمام سيل الإعلانات المتدفق، ما جعل تأثير النجم نفسه في قناعات الناس بالغ الصعوبة، حيث يتخلل المسلسل الواحد ما يزيد عن خمسة فواصل إعلانية، كل واحد منها يتضمن قرابة عشرة إعلانات كفيلة بأن تصيب الجمهور بحالة من الملل، وربما كراهية مشاهدة العمل على الفضائيات المصرية.
القنوات الخليجية
علاقة الجمهور بالفنان تتأثر إذا اعتاد عليه الناس في صورة أو مكانة بعينها ثم يكون مجرد جزء من تركيبة الإبهار في الحملة الإعلانية
هناك من يتجهون إلى قنوات خليجية تقدم جرعة معتدلة من الإعلانات لا تخل بمعايير المشاهدة وتعرض نفس المسلسل المعروض بالقناة المصرية، أو يهربون إلى موقع يوتيوب لمتابعة الأعمال المفضلة دون إزعاج الإعلانات وضياع الوقت دون متعة، أو يكون الخيار الأسهل بالاشتراك في المنصات الرقمية التي تبث المسلسلات في توقيتات مختلفة بشكل يريح الجمهور وبعيدا عن مطاردته بالفواصل الإعلانية.
ولم تستطع الفضائيات المصرية قراءة المشهد لتتأقلم مع حالة الانقلاب التي حدثت في عادات المشاهدين؛ فإذا قبلوا الجلوس سابقا أمام الشاشات لمتابعة مسلسل مليء بالإعلانات، فإن الوضع الآن تغير وأصبح المشاهد يحدد طبيعة العمل الذي يريده وتوقيت عرضه، وما إذا كان يتضمن إعلانات أم لا، وكل ذلك متاح على المنصات الرقمية.
هجرة الجمهور إلى المنصات خلال الموسم الدرامي تعد انعكاسا لعدم الرضا عن المضامين الإعلانية، مهما كانت شهرة النجوم المشاركين فيها
وأوضح الناقد نادر عدلي لـ”العرب” أن الناس لم يعودوا يتحملون أن تصبح المسلسلات جزءا من الإعلانات مهما كانت شهرة النجوم الذين يستعرضون السلع والمنتجات ليل نهار، فالزمن تغير وإن كانت هناك قنوات لم تفهم بعد طبيعة المشاهد المعاصر؛ ذلك أن الجمهور نفسه يدرك أن الإعلانات تخل بالعمل الفني وقاتلة للإبداع الدرامي والمتعة، لأن الدراما أساسها التفاعل وإذا جرى كسرها بفواصل طويلة يفقد العمل هدفه.
وحققت الكثير من المنصات نموا ملحوظا على وقع التذمر الجماهيري، وذلك عكس المتبع من القنوات بأنها تتحكم في مواعيد بث المسلسلات الهامة في توقيتات معينة، مع إغراقها بإعلانات مرهقة نفسيا للجمهور، مثل التسول والأعمال الخيرية وعرض نماذج لأسر مريضة وفقيرة.
ويرى خبراء في قطاع الإعلانات أن زحف المعلنين إلى جمهور المنصات الرقمية أصبح ظاهرة واضحة لكون هذه الفئة لها مكونات شخصية مختلفة عن الكثير من الشرائح الأخرى، فهي ذواقة للفن، لكن بحاجة إلى طريقة مختلفة خاصة بها تناسب أذواقها فقط، وهذا بالفعل ما توفره الشركات المعلنة على المنصات.
كما أن الجهات المعلنة توفر ميزة استثنائية لجمهور المنصات غير موجودة في القنوات التلفزيونية، وهي قياس نسب المشاهدة، في ظل غياب الحد الأدنى من الأدوات الإعلامية التي تقيس التأثير الدعائي للمنتج أو المسلسل، فلا أحد يستطيع بالضبط معرفة عدد مشاهدي كل إعلان أو عمل درامي في المحطة، لأن قياسات المشاهدة دخلت فيها حسابات المصالح.
الهجرة إلى المنصات
النجم هو الأساس في الإعلانات المصرية
تعد هجرة الجمهور إلى المنصات خلال الموسم الدرامي انعكاسا لعدم الرضا عن المضامين الإعلانية، مهما كانت شهرة النجوم المشاركين فيها، فالجمهور لا يحتاج النجم في إعلان عن سلعة بل يريد عملا فنيا راقيا وله رسالة وقيمة.
ولا يتجاوز الإعلان الواحد على المنصة بضع ثوان، عكس الإعلانات التلفزيونية التي تستمر دقائق ويكون المشاهد مجبرا على متابعتها، لذلك صار المعلنون يذهبون إلى جمهور المنصات بطريقة تتناسب معه، فخلال لحظات يُمرر الإعلان وتُستكمل المشاهدة، والمشتركون وحدهم من يملكون تحديد ما يمكن مشاهدته في الوقت الذي يناسبهم.
ولأن الكثير من المعلنين على القنوات بدأوا يشعرون بالنفور الجماهيري سنويا من نفس هذه العادة السلبية، وتأكدوا من عدم جدوى التسويق للمنتج ضمن العشرات من الإعلانات، صارت المنصات هي الخيار الأفضل أمامهم، إذ تتضمن حلقة المسلسل عرض إعلانين أو ثلاثة على أقصى تقدير، وهذا أمر مقبول لجمهور المنصات، خاصة أن الإعلانات التي تستهدف هذه الفئة لا يكون النجم فيها هو البطل، بل السلعة المعلن عنها بحكم أن الرسالة الإعلانية مختصرة.
وصدر العام الماضي قرار ملزم لكل القنوات بتنظيم مدة الإعلانات أثناء مسلسلات رمضان واختصار الفواصل الإعلانية إلى 3 مرات فقط، لكن ذلك لم يتم تفعيله ولم يعد أمام القنوات سوى أن تكون قد تعلمت الدرس وتكف عن وضع المسلسل كجزء من الإعلانات إذا أرادت الحفاظ على ما تبقى من مكانتها أمام صعود المنصات، دراما وإعلانات، وامتلاك أغلب المشاهدين بدائل لا يجعلهم أسرى للشاشة الصغيرة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أحمد حافظ
كاتب مصري
الفواصل الإعلانية الطويلة ضربت المتعة وزحف الجمهور والمعلنون إلى المنصات.
الممثل يناقض نفسه فيفقد مصداقيته
يشارك عدد كبير من النجوم المصريين في الإعلانات التلفزيونية الخاصة بشهر رمضان، بالتوازي مع أعمالهم الدرامية، فيقعون أحيانا ضحية أخطاء فادحة تنفر المشاهد والجمهور من متابعة المسلسلات، فمن يبدو “مشردا” أو ضحية في مسلسل ما لا تتقبله عين الناظر ثريا يروج لأحد التجمعات السكنية الحديثة خلال الفواصل الإعلانية. وينعكس هذا الأمر سلبا، حيث صارت المسلسلات جزءا من الإعلانات وافتقد الممثلون المصداقية في ما يقدمونه دراميا.
القاهرة - تشهد دراما رمضان في مصر هذا العام تغيرات عديدة في خارطة وأسلوب ومحتوى الإعلانات الترويجية اعتمادا على استقطاب نجوم الفن للقيام بدور البطولة فيها وتقديمها بصورة غير نمطية، لكن ذلك حيّر المشاهدين وصارت لديهم حالة من الشتات بين متابعة الفنان في المسلسل ثم رؤيته بعد دقائق في إعلان ترويجي.
ويشارك أغلب نجوم الموسم الدرامي في المسلسلات والإعلانات، وما إن يطالع الجمهور أيا منهم في عمل درامي حتى يشاهده في الفاصل الإعلاني بشخصية مغايرة تماما لتلك التي يظهر بها في المسلسل وأداء ربما يتناقض مع دوره في العملين.
ولئن كان البعض من الجمهور لا يجد مشكلة في ذلك فإن المعضلة الحقيقية مرتبطة بطبيعة الدور الذي يؤديه الفنان أو الفنانة، كأن تكون هناك نجمة تقوم بدور فتاة فقيرة تواجه حياة صعبة وتظهر عليها علامات البؤس، مثل دينا الشربيني في مسلسل “المشوار”، وخلال الفاصل الإعلاني يشاهدها الجمهور وهي تغني وترقص وتروج لمنتجع سكني فاخر، وفي إعلان آخر تغني بإعلان شركة اتصالات.
ومن أبرز النجوم الذين ظهروا في أعمال درامية ومسلسلات في آن واحد يسرا ونيلي كريم ودينا الشربيني وروبي وكريم عبدالعزيز وأحمد عز وأكرم حسني وأحمد أمين، ومعهم ممثلون ومطربون ليست لهم أعمال في رمضان، منهم تامر حسني وعمرو دياب وياسمين عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز.
وأزمة الكثير من النجوم أنهم يشاركون في إعلانات بلا فكرة محددة، وهي الأرضية الخصبة التي يتوقف عليها نجاح الإعلان من عدمه، عكس علاقة الجمهور بالفنان خلال تواجده في العمل الدرامي، فهو يؤدي الدور لتوصيل رسالة بعينها أو خدمة فكرة ما ضمن سيناريو محدد لينجذب إليه المشاهد ولا يصاب بالملل من طريقة الأداء أو عشوائية الدور والأسلوب.
صاحب رسالة واستهلاكي
نادر عدلي: المشاركة في الدراما والإعلانات معا يفقد الفنان جاذبيته
يرى البعض من النقاد أن علاقة الجمهور بالفنان تتأثر إذا كان يؤدي دورا بعينه في مسلسل والناس تعودوا عليه في صورة أو مكانة بعينها ثم يكون مجرد جزء من تركيبة الإبهار في الحملة الإعلانية لإضافة المزيد من المتعة البصرية فقط إلى المنتج، وهنا قد لا ينجح النجم أو لا تروّج السلعة لأن عدم ملاءمة الشخص صاحب الشهرة لإعلان تجاري في حد ذاته مثير لحفيظة الجمهور المستهدف.
وقال الناقد الفني نادر عدلي إن استسهال مشاركة الفنان في أعمال درامية وإعلانات في توقيت واحد يفقده جزءا من جاذبيته عند الجمهور، لأنه يظهر للمشاهد في صورة فنان استهلاكي فاقد لمسؤولية الرسالة، ما يؤثر على العمل الدرامي الذي يشارك في بطولته، خاصة إذا كان دوره في المسلسل والإعلان مناقضا، جزئيا أو كليا.
ومعضلة النسبة الأكبر من الإعلانات التلفزيونية في مصر أن أفكارها سطحية والنجم فيها هو الأساس، ويكون الاهتمام به على حساب المواصفات والفوائد الخاصة بالمنتج الذي يتم الإعلان عنه، لذلك يركز المشاهد على الفنان طوال الفاصل الإعلاني، وليس السلعة نفسها، ما يضاعف من حيرة الجمهور كون النجم لا يغيب عنه طوال اليوم أثناء عرض المسلسل أو الظهور في تخمة من الإعلانات.
وأضاف نادر عدلي لـ”العرب” أن الإعلانات لم تعد جيدة ولا تحقق جماهيرية للفنان، لأنها افتقدت الفكرة والحبكة والرصانة وأصبحت قائمة على النجم فقط، ففي الماضي القريب كان الناس يسألون بعضهم البعض: هل رأيت الإعلان الذي يروج لمنتج كذا؟ واليوم صار السؤال: هل رأيت إعلان الفنان؟ ثم تأتي مرحلة تقييم الإعلانات حسب اسم النجم وليس اسم المنتج بأن تكون هناك مفاضلة بين الإعلانات وفق ما قدمه كل فنان وليس السلع التي يُروّج لها، ما يعكس الخلل الذي يضرب المنظومة برمتها.
ولم تدرك أغلب القنوات والشركات المنتجة للإعلانات أن هناك تغيرات مجتمعية وثقافية أفقدت فكرة الاستعانة بالنجم لبيع منتج تأثيرها مهما كانت نسبة مشاهدات مسلسل هذا النجم في نفس توقيت عرض إعلانه.
وثمة إعلانات لأشخاص عاديين ليسوا فنانين لم يكن الناس يعرفون عنهم شيئا جذبوا الأضواء وتفاعل الجمهور معهم وتركوا ردود فعل إيجابية، والكثير من الناس ينتظرون لحظة عرض إعلانهم ولا يملون منهم لأن فكرتهم غير تقليدية أو قائمة على النجم.
ولا تتعلق المسألة بمدى شهرة مقدم الإعلان أو هل يتم انتقاؤه بعناية وفق مشاركاته في الموسم الدرامي أم لا، لكن العبرة في تفاعل الناس سلبا أو إيجابا مع الإعلان الذي شارك فيه النجم من حيث التأثير عليهم بجودة المنتج وسعره وفائدته وطريقة استخدامه، لأن الجمهور لن يشتري منتجا لمجرد أن عددا من النجوم المفضلين له يطلبون منه ذلك.
كما أن الأعمال الدرامية التي تتنافس القنوات على عرضها خلال موسم شهر رمضان فقدت جاذبيّتها أمام سيل الإعلانات المتدفق، ما جعل تأثير النجم نفسه في قناعات الناس بالغ الصعوبة، حيث يتخلل المسلسل الواحد ما يزيد عن خمسة فواصل إعلانية، كل واحد منها يتضمن قرابة عشرة إعلانات كفيلة بأن تصيب الجمهور بحالة من الملل، وربما كراهية مشاهدة العمل على الفضائيات المصرية.
القنوات الخليجية
علاقة الجمهور بالفنان تتأثر إذا اعتاد عليه الناس في صورة أو مكانة بعينها ثم يكون مجرد جزء من تركيبة الإبهار في الحملة الإعلانية
هناك من يتجهون إلى قنوات خليجية تقدم جرعة معتدلة من الإعلانات لا تخل بمعايير المشاهدة وتعرض نفس المسلسل المعروض بالقناة المصرية، أو يهربون إلى موقع يوتيوب لمتابعة الأعمال المفضلة دون إزعاج الإعلانات وضياع الوقت دون متعة، أو يكون الخيار الأسهل بالاشتراك في المنصات الرقمية التي تبث المسلسلات في توقيتات مختلفة بشكل يريح الجمهور وبعيدا عن مطاردته بالفواصل الإعلانية.
ولم تستطع الفضائيات المصرية قراءة المشهد لتتأقلم مع حالة الانقلاب التي حدثت في عادات المشاهدين؛ فإذا قبلوا الجلوس سابقا أمام الشاشات لمتابعة مسلسل مليء بالإعلانات، فإن الوضع الآن تغير وأصبح المشاهد يحدد طبيعة العمل الذي يريده وتوقيت عرضه، وما إذا كان يتضمن إعلانات أم لا، وكل ذلك متاح على المنصات الرقمية.
هجرة الجمهور إلى المنصات خلال الموسم الدرامي تعد انعكاسا لعدم الرضا عن المضامين الإعلانية، مهما كانت شهرة النجوم المشاركين فيها
وأوضح الناقد نادر عدلي لـ”العرب” أن الناس لم يعودوا يتحملون أن تصبح المسلسلات جزءا من الإعلانات مهما كانت شهرة النجوم الذين يستعرضون السلع والمنتجات ليل نهار، فالزمن تغير وإن كانت هناك قنوات لم تفهم بعد طبيعة المشاهد المعاصر؛ ذلك أن الجمهور نفسه يدرك أن الإعلانات تخل بالعمل الفني وقاتلة للإبداع الدرامي والمتعة، لأن الدراما أساسها التفاعل وإذا جرى كسرها بفواصل طويلة يفقد العمل هدفه.
وحققت الكثير من المنصات نموا ملحوظا على وقع التذمر الجماهيري، وذلك عكس المتبع من القنوات بأنها تتحكم في مواعيد بث المسلسلات الهامة في توقيتات معينة، مع إغراقها بإعلانات مرهقة نفسيا للجمهور، مثل التسول والأعمال الخيرية وعرض نماذج لأسر مريضة وفقيرة.
ويرى خبراء في قطاع الإعلانات أن زحف المعلنين إلى جمهور المنصات الرقمية أصبح ظاهرة واضحة لكون هذه الفئة لها مكونات شخصية مختلفة عن الكثير من الشرائح الأخرى، فهي ذواقة للفن، لكن بحاجة إلى طريقة مختلفة خاصة بها تناسب أذواقها فقط، وهذا بالفعل ما توفره الشركات المعلنة على المنصات.
كما أن الجهات المعلنة توفر ميزة استثنائية لجمهور المنصات غير موجودة في القنوات التلفزيونية، وهي قياس نسب المشاهدة، في ظل غياب الحد الأدنى من الأدوات الإعلامية التي تقيس التأثير الدعائي للمنتج أو المسلسل، فلا أحد يستطيع بالضبط معرفة عدد مشاهدي كل إعلان أو عمل درامي في المحطة، لأن قياسات المشاهدة دخلت فيها حسابات المصالح.
الهجرة إلى المنصات
النجم هو الأساس في الإعلانات المصرية
تعد هجرة الجمهور إلى المنصات خلال الموسم الدرامي انعكاسا لعدم الرضا عن المضامين الإعلانية، مهما كانت شهرة النجوم المشاركين فيها، فالجمهور لا يحتاج النجم في إعلان عن سلعة بل يريد عملا فنيا راقيا وله رسالة وقيمة.
ولا يتجاوز الإعلان الواحد على المنصة بضع ثوان، عكس الإعلانات التلفزيونية التي تستمر دقائق ويكون المشاهد مجبرا على متابعتها، لذلك صار المعلنون يذهبون إلى جمهور المنصات بطريقة تتناسب معه، فخلال لحظات يُمرر الإعلان وتُستكمل المشاهدة، والمشتركون وحدهم من يملكون تحديد ما يمكن مشاهدته في الوقت الذي يناسبهم.
ولأن الكثير من المعلنين على القنوات بدأوا يشعرون بالنفور الجماهيري سنويا من نفس هذه العادة السلبية، وتأكدوا من عدم جدوى التسويق للمنتج ضمن العشرات من الإعلانات، صارت المنصات هي الخيار الأفضل أمامهم، إذ تتضمن حلقة المسلسل عرض إعلانين أو ثلاثة على أقصى تقدير، وهذا أمر مقبول لجمهور المنصات، خاصة أن الإعلانات التي تستهدف هذه الفئة لا يكون النجم فيها هو البطل، بل السلعة المعلن عنها بحكم أن الرسالة الإعلانية مختصرة.
وصدر العام الماضي قرار ملزم لكل القنوات بتنظيم مدة الإعلانات أثناء مسلسلات رمضان واختصار الفواصل الإعلانية إلى 3 مرات فقط، لكن ذلك لم يتم تفعيله ولم يعد أمام القنوات سوى أن تكون قد تعلمت الدرس وتكف عن وضع المسلسل كجزء من الإعلانات إذا أرادت الحفاظ على ما تبقى من مكانتها أمام صعود المنصات، دراما وإعلانات، وامتلاك أغلب المشاهدين بدائل لا يجعلهم أسرى للشاشة الصغيرة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أحمد حافظ
كاتب مصري