باهر دويدار يفضح الجماعات الإرهابية وخبايا إعادة تدويرها
مؤلف يكشف أدوار الأمن المصري عبر موسم رمضان
انشرWhatsAppTwitterFacebook
سيناريست يملك الكثير من الخيال الواسع
حفل الفن المصري بالعديد من الأسماء التي تركت مهنة الطب وشقت طريقها إلى عالمي الفن والأدب وغيرهما من المجالات التي لا علاقة لها بالطب، وتمكنت من تحقيق نجاحات لافتة، وتركت ولا زالت بصمات واضحة في الأعمال التي قدمتها. ولم يعد الفنان يحيى الفخراني الوحيد الذي ترك الطب ومارس الفن، فهناك آخرون سلكوا هذا الطريق والآن سطع نجم المخرج بيتر ميمي والمؤلف والسيناريست باهر دويدار وقدما معا أعمالا فنية تؤكد وجود علاقة خفية بين الطب والفن.
قال دويدار في أحد حواراته الصحافية مؤخرا إن الرابطة الإنسانية واقتراب الطبيب من النفس البشرية يمكّنانه من الفهم، إذ يبدو الشخص وهو مستلقٍ على السرير في أضعف حالاته وأصدقها، ما يساعد على الإلمام بتفاصيل حياته المجهولة لمن حوله ويسهم في تحليله وتشخيصه كتابة أو تمثيلا، إذا كان الطبيب فنانا أو الفنان طبيبا.
تمثل عبارة دويدار المفتاح الذي هيأ أمامه دخول الدراما، لكنها لم تكن الوحيدة التي مكنته من تركيز جهده على مسلسلات ذات طبيعة أمنية ولها علاقة بالجاسوسية وعوالمها الغامضة التي تحتاج إلى جراح ماهر كي يتمكن من الغوص في تفاصيلها وخباياها، خاصة إذا كان التأليف له علاقة بالجماعات الإرهابية والمتطرفة التي زاد انتشارها في مصر ودول عربية مختلفة في العقدين الماضيين.
مسلسله الجديد “العائدون” للموسم الرمضاني الحالي يدور حول محاربة الإرهاب وهو عمل مخابراتي تشويقي مرتبط بالفترة بين 2018 و2020. وقد وصفه دويدار مؤخرا بأنه عبارة عن قضية أمنية أحداثها وقعت في هذا التوقيت، خطر كان يتهدد العالم كافة ولم يكن أحد يتخيله أو يشاهده، وفي مصر التفتت إليه القيادة التي كلفت الأجهزة الأمنية بالجواب عن ذلك السؤال، وعندما وردت الإجابة كان هناك تحد كبير، على حد قوله.
البراعة والخيال والمخابرات
~ مسلسله الجديد "العائدون" للموسم الرمضاني الحالي يدور حول محاربة الإرهاب وهو عمل مخابراتي تشويقي مرتبط بالفترة بين 2018 و2020
بزغ نجم دويدار كمؤلف وسيناريست محترف مع مسلسل “كلبش” بأجزائه الثلاثة، بطولة أمير كرارة، وارتفعت مكانته الدرامية مع تقديم الجزء الأول ثم الثاني من مسلسل “الاختيار” بطولة كرارة أيضا، ومسلسل “هجمة مرتدة” بطولة أحمد عز، وستترسخ أكثر مع عرض مسلسل “العائدون” بطولة أمير كرارة في رمضان الحالي.
لا أعلم ما هي طبيعة العلاقة التي ربطت بين دويدار وكرارة، لكن الرجل تحدث عن هذه المسألة بما يفيد أن الكيمياء الإنسانية بينهما أسهمت بدور كبير في الارتياح للعمل معا وتقديم مسلسلات على مستوى عال من الجودة الفنية والحبكة الأمنية، أسهمت بدور معتبر في تكرار النجاح من عمل إلى آخر.
قدم المؤلف المصري مجموعة مهمة من الأعمال الدرامية، غير أن المسلسلات التي تحمل شعلة الأمن والجاسوسية كانت أكثر جذبا، فقد كتب الجزء الأول من مسلسل “حكايات بنات” ومسلسل “حق ميت” ثم “الميزان”، وجميعها حققت نجاحات متفاوتة، غير أنها لم تكن سببا في انتشاره جماهيريا ورواجه فنيا، مقارنة بما قدمه لاحقا من أعمال تدور في فلك القصص الأمنية التي تظهر براعة رجال الشرطة والمخابرات.
تحتاج النوعية الأخيرة إلى مؤلف بارع وسيناريست يملك الكثير من الخيال الواسع والعلاقة الطيبة بالجهات الأمنية المصرية التي تمده بوقائع حقيقية تساعده على نسج قصة حافلة بالإثارة وتحمل من الأهداف ما يخدم مصالح الدولة الحيوية.
توافرت لدويدار البراعة والخيال والعلاقة الجيدة مع المخابرات، وهو الثلاثي الذي مكنه من تقديم رؤى مفعمة بالأحداث المثيرة، وأضيف إليه ضلع رابع وهو الخبرة العملية التي اكتسبها من عمله كطبيب في منظمة الإغاثة الإنسانية الدولية التي أوفدته إلى ليبيا والصومال خلال الفترة من 2012 – 2015.
توقف دويدار عن الكتابة خلال هذه الفترة لظروف عمله ولم يتوقف عن القراءة والتفكير والتمعن في من حوله في هذين البلدين اللذين شهد الإرهاب فيهما انتعاشا كبيرا، وبدأت الجماعات المتطرفة تكتسب أرضا خصبة كقوة رئيسية في معادلة الأمن في المنطقة، ويتم استخدامها كأداة لتخريب الدول وتحريض شعوبها على أنظمتها ما فتح عينيه على عالم مختلف، ونبهه إلى تطورات لا يعلم الكثير منا شيئا عن تفاصيلها الدقيقة.
◙ مسلسله "هجمة مرتدة" يعالج الحرب الاقتصادية، أما "الاختيار" فيرصد زيف الخطاب الديني
مع أنه طبيب ضمن بعثة دولية، إلا أنه كان شغوفا بمعرفة ما يدور حوله من تطورات في عالمي الإرهاب والتطرف وخرائطه الإقليمية، وتأكد أن حمل السلاح حرفة لدى الكثير من أصحابه، وتجارة رائجة، وتقف خلفه جهات لها مصالح في تغذيته ورعايته، ليس بالضرورة أن تكون لها علاقة مباشرة معا، فالكثير يعملون بصورة منفردة، ويتم تحقيق الأهداف من خلال جماعات إرهابية عابرة للحدود.
اختمرت الكثير من الأفكار في مخيلته وهو لا يزال يمارس مهنته كطبيب تخدير مهمته أن يخفف الأوجاع والآلام عن الناس، وعندما عاد إلى القاهرة عقب رحلة مليئة بالألغام الأمنية ساقه حنينه إلى الدراما للتفكير في العودة إليها، وجاءت البداية القوية مع مسلسل “كلبش” الذي وضعه في مقدمة خارطة الدراما وجعله يترك الطب.
وضع بصماته الفنية وهو في منتصف العمر، حيث جاءته الشهرة في بداية الأربعينات من عمره، ونجح في استثمار مواهبه وعلاقاته لتكريس جهده على الأعمال الأمنية إلى الدرجة التي يصفه البعض بأنه المدافع الأول عن الشرطة والمخابرات في مصر، فطبيعة الأعمال التي قدمها وحققت له النجاح تنصف العاملين في هذين القطاعين وتقدم نماذج من لحم ودم قدم أصحابها تضحيات لا يُعرف عنها شيء، واعتقد البعض أنه ضابط في جهاز المخابرات المصرية وليس طبيبا أو مؤلفا عاديا.
كان من الطبيعي أن يتسرب هذا الشعور إلى كل من تابعوا أعماله، فقد بدا أنها جاءت من بعيد ومحفوفة بالغموض على طريقة رجال المخابرات، فالأعمال التي قدمها من قبل لم تحقق له الانتشار المطلوب، واسمه يبدو مثيرا وديانته بدت محيرة، فالاسم يحمل في مصر الانتماء إلى الديانتين، الإسلام أو المسيحية.
المشي بين الألغام
جرى فك جوانب من الغموض الذي أحاط به مع إجراء المزيد من الحوارات عملا بنصيحة سقراط “تحدث يا هذا حتى أراك”، وعندما تحدث عرفه الناس وتأكدوا أنه طبيب ومسلم ومؤلف مصري من محافظة بني سويف في جنوب القاهرة، ساقته موهبته الدرامية وقدره الإنساني إلى طرق أبواب عالم الإرهاب والتطرف والجاسوسية والتذكير ببطولات وتضحيات رجال الأمن في مصر والدفاع مبكرا عن بلدهم.
من اعتقدوا أنه رجل أمن لهم كل الأعذار، فمن يشرّح الجوانب الخفية في عالم الإرهاب، ومن يسبح وسط حقول مليئة بالألغام يزرعها متطرفون في مناطق مختلفة ليس كاتبا عاديا، لأن الخفايا التي جرى رفع الستار عنها يصعب أن تتوافر من خلال القراءة والخبرة مهما كانت المهارات التي اكتسبها صاحبها.
~ البراعة والخيال والعلاقة الجيدة مع المخابرات، ثلاثي يملكه دويدار، ومن خلاله قدّم رؤى مفعمة بالأحداث المثيرة، إضافة إلى الخبرة العملية التي اكتسبها من عمله كطبيب في منظمة الإغاثة الإنسانية الدولية التي أوفدته إلى ليبيا والصومال
حل دويدار هذا اللغز مباشرة ولم يترك المجال للتكهنات والتخمينات عندما أكد أن القصص التي تناولها ولها علاقة بهذا المجال حصل عليها من الأجهزة الأمنية التي فتحت له خزائن أسرارها ليقدم أعمالا من أرض الواقع، ولم ينكر أن ثمة تعاونا بينهما ساعده على تقديم حقائق لا خيالات، وكان الخيال منصبا على الحبكة الدرامية.
وجدت أجهزة الأمن في دويدار كنزا استراتيجيا كانت تبحث عنه بعد رحيل الكاتب المصري صالح مرسي صاحب العديد من الملاحم في عالم الجاسوسية وأبرزها “رأفت الهجان” و”دموع في عيون وقحة” و”الحفار”.
يكمن الفرق بين مرسي ودويدار في أن أعمال الأول كرست جل همها لكشف بطولات أجهزة المخابرات لرفع الروح المعنوية عند المصريين وتأكيد أن إسرائيل يمكن أن تهزم أمنيا، وتم تبديد جوانب من الصورة الذهنية التي جعلتها عدوا مخيفا لأبعد مدى.
مهمة دويدار لا علاقة لها بإسرائيل مباشرة، وإن كانت هناك إشارات إليها في ثنايا بعض الأعمال التي قدمها، لكن مهمته الأساسية انصبت حول عالم الإرهاب وتعقيداته السياسية وتشابكاته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتأكيد على أن النظام المصري واجه في العقدين الأخيرين حربا شرسة تمكن من تجاوز الكثير من حلقاتها بنجاح.
اكتسب المؤلف والسيناريست المصري شهرته من طبيعة القضايا التي تناولها بتركيز شديد، والتي منحت الدراما دورا سياسيا كبيرا وجعلتها من أهم الأدوات الإعلامية في يد الدولة المصرية، فلم تعد الدراما للتسلية وقضاء وقت ممتع مع القصص الإنسانية والاجتماعية التي تتطرق إليها، بل تحولت إلى رأس حربة في المعركة الممتدة ضد الإرهاب وفلوله وذيوله ومن يقفون خلفه لتوظيفه بأشكال مختلفة.
من هنا تكمن أهمية دويدار، فهو مؤلف غير نمطي واستفاد من الحصيلة العملية والنظرية التي اختزلها في ذهنه، فقد ذكر في لقاء تلفزيوني أخيرا أنه كان مستهدفا من حركة الشباب الإرهابية في الصومال خلال عمله في منظمة الإغاثة في مقديشو، ما جعله يقرأ في أدبيات الحركات الإسلامية ويفهم كيف تفكر وتتحرك عناصرها.
لم يذكر الرجل المناسبة التي جمعته برجال الأمن في مصر ولعبت دورا في تعزيز الثقة بينهما، لكن يمكن استشفاف ذلك من جملة تصريحاته، فعمله في ليبيا والصومال وهما من البؤر الرئيسية للمتطرفين في المنطقة التي يحاربها الأمن المصري كان كافيا لإيجاد رابطة بينهما كمصري ومستهدف أيضا.
الغموض البنّاء
◙ إعادة اكتشاف مهمة الدراما مع النمو الملحوظ لحروب الأفكار
وضع دويدار خلطة درامية لكشف جانب من الحرب الاقتصادية في المنطقة من خلال مسلسل “هجمة مرتدة”، وزيف الخطاب السياسي والديني الذي يعتمد عليه الإرهابيون في “الاختيار” و”العائدون”.
ووجه للمتطرفين ضربات قاسية عندما استخدم مهارته في تضفير الأحداث التي وقعت مع الأفكار التي يتبناها هؤلاء وتقديم صورة للجمهور ليحكم عليهم، وهي رسالة أصابت الهدف عندما لعبت على وتر التنوير ونشر الوعي كمهمة تقوم بها الدراما، وأخرجتها من عالم التسلية إلى فضاء أرحب يحمل من المعاني والأفكار ما يسهم في تعزيز الخطاب المقاوم للمتشددين.
هذه واحدة من الدروس التي يمكن استخلاصها من دراما الأمن التي عرضت في السنوات الأخيرة بمصر، وبدأت تزحف منها إلى دول عربية أخرى، فالتأثير الذي تحدثه الدراما الجماهيرية يفوق عشرات المرات أية وسيلة إعلامية، لأنها تدخل كل بيت بلا استئذان، وزادت أهميتها مع انتشار المنصات على شبكة الإنترنت.
أعاد دويدار اكتشاف مهمة الدراما المصرية مع النمو الملحوظ في حروب الأفكار التي عانت منها الدولة في فترة من الفترات وكادت تفقد هيبتها لعدم قدرتها على الصد والرد، ولذلك تحظى الأعمال التي تخوض بقوة في عملية فضح المؤامرات التي تحاك ضد الدولة بتقدير رسمي يشجعها على الاستمرار.
مؤلف يكشف أدوار الأمن المصري عبر موسم رمضان
انشرWhatsAppTwitterFacebook
سيناريست يملك الكثير من الخيال الواسع
حفل الفن المصري بالعديد من الأسماء التي تركت مهنة الطب وشقت طريقها إلى عالمي الفن والأدب وغيرهما من المجالات التي لا علاقة لها بالطب، وتمكنت من تحقيق نجاحات لافتة، وتركت ولا زالت بصمات واضحة في الأعمال التي قدمتها. ولم يعد الفنان يحيى الفخراني الوحيد الذي ترك الطب ومارس الفن، فهناك آخرون سلكوا هذا الطريق والآن سطع نجم المخرج بيتر ميمي والمؤلف والسيناريست باهر دويدار وقدما معا أعمالا فنية تؤكد وجود علاقة خفية بين الطب والفن.
قال دويدار في أحد حواراته الصحافية مؤخرا إن الرابطة الإنسانية واقتراب الطبيب من النفس البشرية يمكّنانه من الفهم، إذ يبدو الشخص وهو مستلقٍ على السرير في أضعف حالاته وأصدقها، ما يساعد على الإلمام بتفاصيل حياته المجهولة لمن حوله ويسهم في تحليله وتشخيصه كتابة أو تمثيلا، إذا كان الطبيب فنانا أو الفنان طبيبا.
تمثل عبارة دويدار المفتاح الذي هيأ أمامه دخول الدراما، لكنها لم تكن الوحيدة التي مكنته من تركيز جهده على مسلسلات ذات طبيعة أمنية ولها علاقة بالجاسوسية وعوالمها الغامضة التي تحتاج إلى جراح ماهر كي يتمكن من الغوص في تفاصيلها وخباياها، خاصة إذا كان التأليف له علاقة بالجماعات الإرهابية والمتطرفة التي زاد انتشارها في مصر ودول عربية مختلفة في العقدين الماضيين.
مسلسله الجديد “العائدون” للموسم الرمضاني الحالي يدور حول محاربة الإرهاب وهو عمل مخابراتي تشويقي مرتبط بالفترة بين 2018 و2020. وقد وصفه دويدار مؤخرا بأنه عبارة عن قضية أمنية أحداثها وقعت في هذا التوقيت، خطر كان يتهدد العالم كافة ولم يكن أحد يتخيله أو يشاهده، وفي مصر التفتت إليه القيادة التي كلفت الأجهزة الأمنية بالجواب عن ذلك السؤال، وعندما وردت الإجابة كان هناك تحد كبير، على حد قوله.
البراعة والخيال والمخابرات
~ مسلسله الجديد "العائدون" للموسم الرمضاني الحالي يدور حول محاربة الإرهاب وهو عمل مخابراتي تشويقي مرتبط بالفترة بين 2018 و2020
بزغ نجم دويدار كمؤلف وسيناريست محترف مع مسلسل “كلبش” بأجزائه الثلاثة، بطولة أمير كرارة، وارتفعت مكانته الدرامية مع تقديم الجزء الأول ثم الثاني من مسلسل “الاختيار” بطولة كرارة أيضا، ومسلسل “هجمة مرتدة” بطولة أحمد عز، وستترسخ أكثر مع عرض مسلسل “العائدون” بطولة أمير كرارة في رمضان الحالي.
لا أعلم ما هي طبيعة العلاقة التي ربطت بين دويدار وكرارة، لكن الرجل تحدث عن هذه المسألة بما يفيد أن الكيمياء الإنسانية بينهما أسهمت بدور كبير في الارتياح للعمل معا وتقديم مسلسلات على مستوى عال من الجودة الفنية والحبكة الأمنية، أسهمت بدور معتبر في تكرار النجاح من عمل إلى آخر.
قدم المؤلف المصري مجموعة مهمة من الأعمال الدرامية، غير أن المسلسلات التي تحمل شعلة الأمن والجاسوسية كانت أكثر جذبا، فقد كتب الجزء الأول من مسلسل “حكايات بنات” ومسلسل “حق ميت” ثم “الميزان”، وجميعها حققت نجاحات متفاوتة، غير أنها لم تكن سببا في انتشاره جماهيريا ورواجه فنيا، مقارنة بما قدمه لاحقا من أعمال تدور في فلك القصص الأمنية التي تظهر براعة رجال الشرطة والمخابرات.
تحتاج النوعية الأخيرة إلى مؤلف بارع وسيناريست يملك الكثير من الخيال الواسع والعلاقة الطيبة بالجهات الأمنية المصرية التي تمده بوقائع حقيقية تساعده على نسج قصة حافلة بالإثارة وتحمل من الأهداف ما يخدم مصالح الدولة الحيوية.
توافرت لدويدار البراعة والخيال والعلاقة الجيدة مع المخابرات، وهو الثلاثي الذي مكنه من تقديم رؤى مفعمة بالأحداث المثيرة، وأضيف إليه ضلع رابع وهو الخبرة العملية التي اكتسبها من عمله كطبيب في منظمة الإغاثة الإنسانية الدولية التي أوفدته إلى ليبيا والصومال خلال الفترة من 2012 – 2015.
توقف دويدار عن الكتابة خلال هذه الفترة لظروف عمله ولم يتوقف عن القراءة والتفكير والتمعن في من حوله في هذين البلدين اللذين شهد الإرهاب فيهما انتعاشا كبيرا، وبدأت الجماعات المتطرفة تكتسب أرضا خصبة كقوة رئيسية في معادلة الأمن في المنطقة، ويتم استخدامها كأداة لتخريب الدول وتحريض شعوبها على أنظمتها ما فتح عينيه على عالم مختلف، ونبهه إلى تطورات لا يعلم الكثير منا شيئا عن تفاصيلها الدقيقة.
◙ مسلسله "هجمة مرتدة" يعالج الحرب الاقتصادية، أما "الاختيار" فيرصد زيف الخطاب الديني
مع أنه طبيب ضمن بعثة دولية، إلا أنه كان شغوفا بمعرفة ما يدور حوله من تطورات في عالمي الإرهاب والتطرف وخرائطه الإقليمية، وتأكد أن حمل السلاح حرفة لدى الكثير من أصحابه، وتجارة رائجة، وتقف خلفه جهات لها مصالح في تغذيته ورعايته، ليس بالضرورة أن تكون لها علاقة مباشرة معا، فالكثير يعملون بصورة منفردة، ويتم تحقيق الأهداف من خلال جماعات إرهابية عابرة للحدود.
اختمرت الكثير من الأفكار في مخيلته وهو لا يزال يمارس مهنته كطبيب تخدير مهمته أن يخفف الأوجاع والآلام عن الناس، وعندما عاد إلى القاهرة عقب رحلة مليئة بالألغام الأمنية ساقه حنينه إلى الدراما للتفكير في العودة إليها، وجاءت البداية القوية مع مسلسل “كلبش” الذي وضعه في مقدمة خارطة الدراما وجعله يترك الطب.
وضع بصماته الفنية وهو في منتصف العمر، حيث جاءته الشهرة في بداية الأربعينات من عمره، ونجح في استثمار مواهبه وعلاقاته لتكريس جهده على الأعمال الأمنية إلى الدرجة التي يصفه البعض بأنه المدافع الأول عن الشرطة والمخابرات في مصر، فطبيعة الأعمال التي قدمها وحققت له النجاح تنصف العاملين في هذين القطاعين وتقدم نماذج من لحم ودم قدم أصحابها تضحيات لا يُعرف عنها شيء، واعتقد البعض أنه ضابط في جهاز المخابرات المصرية وليس طبيبا أو مؤلفا عاديا.
كان من الطبيعي أن يتسرب هذا الشعور إلى كل من تابعوا أعماله، فقد بدا أنها جاءت من بعيد ومحفوفة بالغموض على طريقة رجال المخابرات، فالأعمال التي قدمها من قبل لم تحقق له الانتشار المطلوب، واسمه يبدو مثيرا وديانته بدت محيرة، فالاسم يحمل في مصر الانتماء إلى الديانتين، الإسلام أو المسيحية.
المشي بين الألغام
جرى فك جوانب من الغموض الذي أحاط به مع إجراء المزيد من الحوارات عملا بنصيحة سقراط “تحدث يا هذا حتى أراك”، وعندما تحدث عرفه الناس وتأكدوا أنه طبيب ومسلم ومؤلف مصري من محافظة بني سويف في جنوب القاهرة، ساقته موهبته الدرامية وقدره الإنساني إلى طرق أبواب عالم الإرهاب والتطرف والجاسوسية والتذكير ببطولات وتضحيات رجال الأمن في مصر والدفاع مبكرا عن بلدهم.
من اعتقدوا أنه رجل أمن لهم كل الأعذار، فمن يشرّح الجوانب الخفية في عالم الإرهاب، ومن يسبح وسط حقول مليئة بالألغام يزرعها متطرفون في مناطق مختلفة ليس كاتبا عاديا، لأن الخفايا التي جرى رفع الستار عنها يصعب أن تتوافر من خلال القراءة والخبرة مهما كانت المهارات التي اكتسبها صاحبها.
~ البراعة والخيال والعلاقة الجيدة مع المخابرات، ثلاثي يملكه دويدار، ومن خلاله قدّم رؤى مفعمة بالأحداث المثيرة، إضافة إلى الخبرة العملية التي اكتسبها من عمله كطبيب في منظمة الإغاثة الإنسانية الدولية التي أوفدته إلى ليبيا والصومال
حل دويدار هذا اللغز مباشرة ولم يترك المجال للتكهنات والتخمينات عندما أكد أن القصص التي تناولها ولها علاقة بهذا المجال حصل عليها من الأجهزة الأمنية التي فتحت له خزائن أسرارها ليقدم أعمالا من أرض الواقع، ولم ينكر أن ثمة تعاونا بينهما ساعده على تقديم حقائق لا خيالات، وكان الخيال منصبا على الحبكة الدرامية.
وجدت أجهزة الأمن في دويدار كنزا استراتيجيا كانت تبحث عنه بعد رحيل الكاتب المصري صالح مرسي صاحب العديد من الملاحم في عالم الجاسوسية وأبرزها “رأفت الهجان” و”دموع في عيون وقحة” و”الحفار”.
يكمن الفرق بين مرسي ودويدار في أن أعمال الأول كرست جل همها لكشف بطولات أجهزة المخابرات لرفع الروح المعنوية عند المصريين وتأكيد أن إسرائيل يمكن أن تهزم أمنيا، وتم تبديد جوانب من الصورة الذهنية التي جعلتها عدوا مخيفا لأبعد مدى.
مهمة دويدار لا علاقة لها بإسرائيل مباشرة، وإن كانت هناك إشارات إليها في ثنايا بعض الأعمال التي قدمها، لكن مهمته الأساسية انصبت حول عالم الإرهاب وتعقيداته السياسية وتشابكاته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتأكيد على أن النظام المصري واجه في العقدين الأخيرين حربا شرسة تمكن من تجاوز الكثير من حلقاتها بنجاح.
اكتسب المؤلف والسيناريست المصري شهرته من طبيعة القضايا التي تناولها بتركيز شديد، والتي منحت الدراما دورا سياسيا كبيرا وجعلتها من أهم الأدوات الإعلامية في يد الدولة المصرية، فلم تعد الدراما للتسلية وقضاء وقت ممتع مع القصص الإنسانية والاجتماعية التي تتطرق إليها، بل تحولت إلى رأس حربة في المعركة الممتدة ضد الإرهاب وفلوله وذيوله ومن يقفون خلفه لتوظيفه بأشكال مختلفة.
من هنا تكمن أهمية دويدار، فهو مؤلف غير نمطي واستفاد من الحصيلة العملية والنظرية التي اختزلها في ذهنه، فقد ذكر في لقاء تلفزيوني أخيرا أنه كان مستهدفا من حركة الشباب الإرهابية في الصومال خلال عمله في منظمة الإغاثة في مقديشو، ما جعله يقرأ في أدبيات الحركات الإسلامية ويفهم كيف تفكر وتتحرك عناصرها.
لم يذكر الرجل المناسبة التي جمعته برجال الأمن في مصر ولعبت دورا في تعزيز الثقة بينهما، لكن يمكن استشفاف ذلك من جملة تصريحاته، فعمله في ليبيا والصومال وهما من البؤر الرئيسية للمتطرفين في المنطقة التي يحاربها الأمن المصري كان كافيا لإيجاد رابطة بينهما كمصري ومستهدف أيضا.
الغموض البنّاء
◙ إعادة اكتشاف مهمة الدراما مع النمو الملحوظ لحروب الأفكار
وضع دويدار خلطة درامية لكشف جانب من الحرب الاقتصادية في المنطقة من خلال مسلسل “هجمة مرتدة”، وزيف الخطاب السياسي والديني الذي يعتمد عليه الإرهابيون في “الاختيار” و”العائدون”.
ووجه للمتطرفين ضربات قاسية عندما استخدم مهارته في تضفير الأحداث التي وقعت مع الأفكار التي يتبناها هؤلاء وتقديم صورة للجمهور ليحكم عليهم، وهي رسالة أصابت الهدف عندما لعبت على وتر التنوير ونشر الوعي كمهمة تقوم بها الدراما، وأخرجتها من عالم التسلية إلى فضاء أرحب يحمل من المعاني والأفكار ما يسهم في تعزيز الخطاب المقاوم للمتشددين.
هذه واحدة من الدروس التي يمكن استخلاصها من دراما الأمن التي عرضت في السنوات الأخيرة بمصر، وبدأت تزحف منها إلى دول عربية أخرى، فالتأثير الذي تحدثه الدراما الجماهيرية يفوق عشرات المرات أية وسيلة إعلامية، لأنها تدخل كل بيت بلا استئذان، وزادت أهميتها مع انتشار المنصات على شبكة الإنترنت.
أعاد دويدار اكتشاف مهمة الدراما المصرية مع النمو الملحوظ في حروب الأفكار التي عانت منها الدولة في فترة من الفترات وكادت تفقد هيبتها لعدم قدرتها على الصد والرد، ولذلك تحظى الأعمال التي تخوض بقوة في عملية فضح المؤامرات التي تحاك ضد الدولة بتقدير رسمي يشجعها على الاستمرار.