حران
Harran - Harran
حرّان
اسم لعدة مدن وبلدات قديمة وحديثة تنتشر في أنحاء مختلفة من سورية، ولكن أشهرها تاريخياً وحضارياً مدينة حران الواقعة في أعالي الجزيرة السورية (جنوبي تركيا اليوم) قرب منابع نهر البليخ بين الرها ورأس العين.
اسمها في المصادر الشرقية القديمة Harran (u) وبالآرامية Hrn. عرفها الإغريق باسم كراي Karrhai والرومان كذلك Carrhae. ودعاها آباء الكنيسة Hellenopolis أي «مدينة الهيلينيين». ذكرها بطلميوس المجسطي في جغرافيته وحدد موقعها وأبراجها. ووصفها ياقوت الحموي في معجم البلدان بأنها «مدينة عظيمة مشهورة على طريق الموصل والشام والروم وأنها قصبة ديار مضر».
وجاء ذكرها في التوراة مقترناً باسم إبراهيم الخليل، الذي مر بها وأقام فيها قادماً من «أور» في جنوبي العراق في أثناء رحلته إلى بلاد الشام. اكتسبت حران أهميتها من وقوعها على الطريق التجاري الرئيس في أعالي بلاد الرافدين، وبسبب مكانتها الدينية بوصفها من أشهر مراكز عبادة إله القمر سين. وقد أكدت التنقيبات الأثرية أن الموقع كان مسكوناً منذ الألف الثالثة قبل الميلاد.
ورد ذكرها لأول مرة في الرقم المسمارية المكتشفة في مدينة ماري والعائدة إلى أوائل الألف الثانية ق.م، حيث كانت مقـراً لمملكة صغيرة تابعة لمملكة ماري في عصر ملكها زمر يليم، كما يرد ذكر حران وإلهها سين في النصوص الحثية، ثم يتكرر ذكرها في حوليات الملوك الآشوريين، ويبدو أنها أصبحت جزءاً من المملكة الآشورية في عهد شلما نصر الثالث، وصار لها مكانة متميزة تحت حكم الصرغونيين بسبب موقعها الاستراتيجي ومكانتها الدينية، إذ كان الملوك الآشوريون يستشيرون معبد الإله سين قبل القيام بحملاتهم الحربية. وتتحدث بعض الرقم الآشورية عن إحصاء للسكان جرى في منطقة حران يظهر سيطرة الأسماء الآرامية على سكانها، ويدل على أن المد الآرامي في المنطقة قد طالهم.
صارت حران بعد سقوط نينوى (612ق.م) عاصمة آخر الملوك الآشوريين آشور أوبليط الثاني، ولكنها لم تصمد طويلاً أمام جيوش البابليين الذين تمكنوا من احتلالها لتخضع لسلطانهم منذ عام 609 ق.م، فأولوها عناية كبيرة، وقام الملك نبوخذ نصر بترميم المدينة ومعابدها.
سقطت بعدها في أيدي الفرس الأخمينيين (538ق.م)، وبقيت تابعة لهم حتى قدوم الاسكندر المقدوني (333ق.م) الذي أسس فيها مستوطنة عسكرية مقدونية. ثم خضعت كسائر مدن المنطقة للمملكة السلوقية، وازداد التأثير الإغريقي فيها فأطلقت على آلهتها أسماء إغريقية، ولكنها حافظت على اسمها الأصلي بصيغته اليونانية (كراي) وبعد تأسيس مملكة الرها العربية في القرن الثاني ق.م .غدت حران جزءاً منها، ثم خضعت للنفوذ الفرثي.
اشتهرت حران في التاريخ الروماني باسم المعركة التي جرت قربها عام 53ق.م، وقتل فيها القائد الروماني كراسوس، والي سورية آنذاك، وهزم جيشه هزيمة منكرة على أيدي الفرثيين، وبقيت تابعة لهم حتى خضعت أخيراً للحكم الروماني سنة 168م. وقد منحها الامبراطور سبتيميوس سفيروس مرتبة مستعمرة رومانية ،وجعلها عاصمة ولاية ميسوبوتامية (الجزيرة) وبدأت تسك نقوداً حملت اسمها. مر بها الامبراطور كَرَكلا في أثناء حملته الفارسية وزار معبدها الشهير عام 217م حين اغتيل هناك. عانت حران من الصراعات والحروب بين الفرس والروم، وكانت تعد حصناً قوياً على الحدود البيزنطية الساسانية .
بقي أهلها على وثنيتهم بعد أن أصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية، وانتشر فيما بينهم مذهب الصابئة وهو مذهب ديني، كان مزيجاً من المعتقدات البابلية والعبادات الإغريقية وبعض ملامح الأفلاطونية الحديثة والمسيحية .
فتحت حـران في عهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد القائد عياض بن غنم عام 18هـ/639م، وصالحه أهلها على مثال أهل الرها، وكان يسكنها آنذاك المسيحيون والصابئة. وقد اتخذها مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين مقراً لــه بعد مبايعته بالخلافة عام 127هـ/744م وحتى نهايتها.
اشتهرت حران في العهود الإسلامية بأنها مدينة الصابئة ، كما اشتهرت بفصاحة اللسان السرياني الذي كان يتكلمه أهلها، ولكن شهرتها الكبيرة في العصر العباسي ارتبطت بذلك العدد الكبير من الفلاسفة والعلماء الذين نبغوا فيها، ومن أشهرهم ثابت بن قرة الحراني وأولاده وأحفاده وكذلك البتاني وسواه، وقد نقل هؤلاء العلماء كثيراً من المؤلفات الإغريقية العلمية إلى اللغة العربية، وجعلوا من حران أحد أهم مراكز الترجمة والفكر في ذلك العصر.
ويصفها المقدسي في أواخر القرن العاشر الميلادي، بأنها مدينة جميلة تحميها قلعة مبنية من الحجر المنحوت. وعندما زارها الرحالة ابن جبير في القرن الثاني عشر الميلادي، كان نجمها قد أفل وتراجعت أهميتها وانتقل مركز الثقل في المنطقة إلى مدينة الرها (أورفه اليوم).
وما تزال أسوارها القديمة باقية حتى اليوم مع البوابات الرئيسة، ولكن معظم الآثار الباقية والمرئية فيها، مثل القلعة والجامع الكبير، تعود إلى العصور الإسلامية.
محمد الزين
Harran - Harran
حرّان
اسمها في المصادر الشرقية القديمة Harran (u) وبالآرامية Hrn. عرفها الإغريق باسم كراي Karrhai والرومان كذلك Carrhae. ودعاها آباء الكنيسة Hellenopolis أي «مدينة الهيلينيين». ذكرها بطلميوس المجسطي في جغرافيته وحدد موقعها وأبراجها. ووصفها ياقوت الحموي في معجم البلدان بأنها «مدينة عظيمة مشهورة على طريق الموصل والشام والروم وأنها قصبة ديار مضر».
وجاء ذكرها في التوراة مقترناً باسم إبراهيم الخليل، الذي مر بها وأقام فيها قادماً من «أور» في جنوبي العراق في أثناء رحلته إلى بلاد الشام. اكتسبت حران أهميتها من وقوعها على الطريق التجاري الرئيس في أعالي بلاد الرافدين، وبسبب مكانتها الدينية بوصفها من أشهر مراكز عبادة إله القمر سين. وقد أكدت التنقيبات الأثرية أن الموقع كان مسكوناً منذ الألف الثالثة قبل الميلاد.
ورد ذكرها لأول مرة في الرقم المسمارية المكتشفة في مدينة ماري والعائدة إلى أوائل الألف الثانية ق.م، حيث كانت مقـراً لمملكة صغيرة تابعة لمملكة ماري في عصر ملكها زمر يليم، كما يرد ذكر حران وإلهها سين في النصوص الحثية، ثم يتكرر ذكرها في حوليات الملوك الآشوريين، ويبدو أنها أصبحت جزءاً من المملكة الآشورية في عهد شلما نصر الثالث، وصار لها مكانة متميزة تحت حكم الصرغونيين بسبب موقعها الاستراتيجي ومكانتها الدينية، إذ كان الملوك الآشوريون يستشيرون معبد الإله سين قبل القيام بحملاتهم الحربية. وتتحدث بعض الرقم الآشورية عن إحصاء للسكان جرى في منطقة حران يظهر سيطرة الأسماء الآرامية على سكانها، ويدل على أن المد الآرامي في المنطقة قد طالهم.
صارت حران بعد سقوط نينوى (612ق.م) عاصمة آخر الملوك الآشوريين آشور أوبليط الثاني، ولكنها لم تصمد طويلاً أمام جيوش البابليين الذين تمكنوا من احتلالها لتخضع لسلطانهم منذ عام 609 ق.م، فأولوها عناية كبيرة، وقام الملك نبوخذ نصر بترميم المدينة ومعابدها.
سقطت بعدها في أيدي الفرس الأخمينيين (538ق.م)، وبقيت تابعة لهم حتى قدوم الاسكندر المقدوني (333ق.م) الذي أسس فيها مستوطنة عسكرية مقدونية. ثم خضعت كسائر مدن المنطقة للمملكة السلوقية، وازداد التأثير الإغريقي فيها فأطلقت على آلهتها أسماء إغريقية، ولكنها حافظت على اسمها الأصلي بصيغته اليونانية (كراي) وبعد تأسيس مملكة الرها العربية في القرن الثاني ق.م .غدت حران جزءاً منها، ثم خضعت للنفوذ الفرثي.
اشتهرت حران في التاريخ الروماني باسم المعركة التي جرت قربها عام 53ق.م، وقتل فيها القائد الروماني كراسوس، والي سورية آنذاك، وهزم جيشه هزيمة منكرة على أيدي الفرثيين، وبقيت تابعة لهم حتى خضعت أخيراً للحكم الروماني سنة 168م. وقد منحها الامبراطور سبتيميوس سفيروس مرتبة مستعمرة رومانية ،وجعلها عاصمة ولاية ميسوبوتامية (الجزيرة) وبدأت تسك نقوداً حملت اسمها. مر بها الامبراطور كَرَكلا في أثناء حملته الفارسية وزار معبدها الشهير عام 217م حين اغتيل هناك. عانت حران من الصراعات والحروب بين الفرس والروم، وكانت تعد حصناً قوياً على الحدود البيزنطية الساسانية .
بقي أهلها على وثنيتهم بعد أن أصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية، وانتشر فيما بينهم مذهب الصابئة وهو مذهب ديني، كان مزيجاً من المعتقدات البابلية والعبادات الإغريقية وبعض ملامح الأفلاطونية الحديثة والمسيحية .
فتحت حـران في عهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد القائد عياض بن غنم عام 18هـ/639م، وصالحه أهلها على مثال أهل الرها، وكان يسكنها آنذاك المسيحيون والصابئة. وقد اتخذها مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين مقراً لــه بعد مبايعته بالخلافة عام 127هـ/744م وحتى نهايتها.
اشتهرت حران في العهود الإسلامية بأنها مدينة الصابئة ، كما اشتهرت بفصاحة اللسان السرياني الذي كان يتكلمه أهلها، ولكن شهرتها الكبيرة في العصر العباسي ارتبطت بذلك العدد الكبير من الفلاسفة والعلماء الذين نبغوا فيها، ومن أشهرهم ثابت بن قرة الحراني وأولاده وأحفاده وكذلك البتاني وسواه، وقد نقل هؤلاء العلماء كثيراً من المؤلفات الإغريقية العلمية إلى اللغة العربية، وجعلوا من حران أحد أهم مراكز الترجمة والفكر في ذلك العصر.
ويصفها المقدسي في أواخر القرن العاشر الميلادي، بأنها مدينة جميلة تحميها قلعة مبنية من الحجر المنحوت. وعندما زارها الرحالة ابن جبير في القرن الثاني عشر الميلادي، كان نجمها قد أفل وتراجعت أهميتها وانتقل مركز الثقل في المنطقة إلى مدينة الرها (أورفه اليوم).
وما تزال أسوارها القديمة باقية حتى اليوم مع البوابات الرئيسة، ولكن معظم الآثار الباقية والمرئية فيها، مثل القلعة والجامع الكبير، تعود إلى العصور الإسلامية.
محمد الزين