اردن (تاريخ)
Jordan - Jordanie
الأردن تاريخياً
تظهر جغرافية الأردن تنوعاً كبيراً في المظاهر الطبيعية التي تراوح بين البحر الميت الذي يقع على عمق 394م تحت سطح البحر مروراً بوادي عربة وخليج العقبة، وبين المرتفعات الشرقية التي يراوح ارتفاعها بين 600-1500م فوق سطح البحر مؤلفة حد الهضبة الأردنية. إن الأردن بوصفه تكويناً جغرافياً متنوعاً فيه السهل والجبل والوادي والنهر ومسايل المياه وسوى ذلك من مظاهر، كان منذ العصور القديمة مستقراً للإنسان ومعبراً لما قبله وما يليه من مستوطنات بشرية أقامها الإنسان القديم. ففي الجنوب، عبر وادي رم، وفي الشرق حيث وادي السرحان وجد المسافر طريقه إلى الجزيرة العربية، وفي الشمال ساعد الانخفاض بين جبل العرب من جهة وجبل الشيخ، وسلسلة جبال لبنان الغربية من جهة ثانية، على تسهيل المرور إلى سورية، فجعل كل ذلك من الأردن نقطة وصل مهمة بين أقاليم المنطقة.
الأردن حتى القرن السادس عشر
منذ العصر الحجري الممتد بين الأعوام 500 ألف إلى14 ألف قبل الميلاد سكن الإنسان الأردن، ووجد المنقبون مخلفات تعود إلى الحقبة المتأخرة من هذا العصر في مواقع الحرّانة والصحراء الشرقية وسواها.والعلماء متفقون أن الطقس في الأردن في هذا العصر كان مطيراً وأكثر رطوبة بوجه عام. وأن الإنسان كان يعيش على الصيد وجمع النباتات البرية وأنه كشف النار ورسم على الصخور صوراً للحيوانات ومنها الغزال، وما تزال هناك مواقع كثيرة تعود لهذا العصر لم تمتد إليها يد المنقبين بعد.
وفي الأردن عدد من المواقع التي تعود إلى العصر الحجري الحديث (8000 - 4500ق.م) وهذه المواقع تمتد من جنوبه إلى شماله. وقد حدثت في هذا العصر تغيرات مناخية مهمة منها ارتفاع الحرارة ونقص الأمطار عما كانت عليه في السابق ولاسيما في نهاية الألف السادس قبل الميلاد، الأمر الذي أدى إلى هجرة الناس من الصحراء الشرقية وتوجههم جنوباً وغرباً. وأهم آثار هذا العصر موجودة في تلال البيضا في الجنوب وفي عين الغزال في مدينة عمان الحالية، فقد وجدت آثار قرية كانت مأهولة وفيها أنواع من الحيوانات المؤهلة (الأغنام والماعز والكلاب وغيرها) والمزروعات (القمح والشعير وغيرها).
واستمر الإنسان يعيش في الأردن، يبني ويعمر ويزرع ويترك آثاره للعصور التالية: العصر الكالكوليتي (4500 - 3300 ق.م) والعصر البرونزي (3300 - 1200 ق.م) والعصر الحديدي (1200 - 332 ق.م) وما يسمى بالعصر الحديدي الثاني - العصر الفارسي (918 - 332 ق م) وأهم المراكز الحضرية في هذه الحقبة كانت عمّون (العاصمة عمّان الحالية وكانت تعرف باسم ربة عمّون وأهم الكشوف العائدة لهذه الحقبة وجدت فيما يعرف اليوم باسم قلعة عمّان)، ومؤاب في وسط الأردن، وإدوم في جنوب البحر الميت. وكانت عاصمة الإدوميين تعرف باسم بصيرة، بُصرى القديمة، وقد امتدت أرض الإدوميين حتى البتراء والعقبة الحاليتين (كما تكشف الحفريات التي جرت في هذا الموقع). ولا بد من القول إن ما هو معروف عن المرحلة الفارسية (539 - 332ق.م) قليل ويكتنفه الغموض. ويبدو أن دول عمّون ومؤاب وإدوم زالت وفقدت سيادتها في القرن السادس قبل الميلاد في أثناء الاجتياح البابلي بين سنتي 587 - 582ق.م.
وفي المرحلة الهلنستية (333 - 63ق.م) حاول الأنباط في جنوبي الأردن أن يتجنبوا الصدام مع الجيوش اليونانية وظلوا محتفظين باستقلالهم. وفي الأردن مواقع كثيرة تعود إلى المرحلة الهلنستية منها حسبان وجرش وأم قيس وسواها. ولعل أجمل الشواهد المعمارية التي تعود لهذه المرحلة هي القصر الكبير في عراق الأمير، فضلاً عن اللقى الزجاجية والفخارية وسواها.
وقع الأردن، كما وقع سواه من مناطق المشرق العربي، تحت السيادة الرومانية (63ق.م - 324م) وقد حاول الأنباط الاحتفاظ باستقلالهم ونجحوا في ذلك حتى عام 106م حين ضمهم الامبراطور الروماني تراجان إلى حكمه، وبذلك غدا الأردن بكامله جزءاً من المقاطعة العربية التابعة لرومة. والشواهد الأثرية على ذلك كثيرة جداً. وقد غلب عليه التأثير الفني والمعماري والحضاري الروماني، إلا في بعض مناطق الجنوب إذ استطاع الأنباط أن يضفوا خصائص حضارتهم في حاضرتهم البتراء، إلى جانب مواقع أخرى منها مأدبا وذيبان وخربة التنور وسوى ذلك.
وحين آل الأمر إلى الامبراطورية الرومانية الشرقية أو ما يعرف باسم الامبراطورية البيزنطية 324 - 640م) وما رافقه من انتصار المسيحية على الوثنية وإعلانها ديناً رسمياً للدولة، وقع الأردن تحت تأثير هذا التغير وتحول كثير من معابده الوثنية إلى كنائس، كما عدت أرضه جزءاً من الأرض المتنازع عليها بين فارس وبيزنطة وجرت عليها عدة معارك بين الطرفين. واستمر ازدهار مدنه الرئيسة جرش وأم قيس وفيلادلفية (عمّان) وأم الجمال وسواها في ظل الإمارات العربية في بلاد الشام وأهمها إمارة الغساسنة، وأقيمت عليها المنشآت الحضارية الكثيرة التي ما تزال شواهدها ماثلة حتى اليوم.
وحين انطلقت جيوش الفتح العربية ترفع راية الإسلام عالية لتنشرها على بقاع الأرض، كانت أرض الأردن أول أرض على تخوم الجزيرة تصل إليها جيوش الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه، ولعل حديث مؤتة وشهدائها وبعث (غزوة) أسامة بن زيد ليس بالغريب على أحد.
Jordan - Jordanie
الأردن تاريخياً
تظهر جغرافية الأردن تنوعاً كبيراً في المظاهر الطبيعية التي تراوح بين البحر الميت الذي يقع على عمق 394م تحت سطح البحر مروراً بوادي عربة وخليج العقبة، وبين المرتفعات الشرقية التي يراوح ارتفاعها بين 600-1500م فوق سطح البحر مؤلفة حد الهضبة الأردنية. إن الأردن بوصفه تكويناً جغرافياً متنوعاً فيه السهل والجبل والوادي والنهر ومسايل المياه وسوى ذلك من مظاهر، كان منذ العصور القديمة مستقراً للإنسان ومعبراً لما قبله وما يليه من مستوطنات بشرية أقامها الإنسان القديم. ففي الجنوب، عبر وادي رم، وفي الشرق حيث وادي السرحان وجد المسافر طريقه إلى الجزيرة العربية، وفي الشمال ساعد الانخفاض بين جبل العرب من جهة وجبل الشيخ، وسلسلة جبال لبنان الغربية من جهة ثانية، على تسهيل المرور إلى سورية، فجعل كل ذلك من الأردن نقطة وصل مهمة بين أقاليم المنطقة.
الأردن حتى القرن السادس عشر
منذ العصر الحجري الممتد بين الأعوام 500 ألف إلى14 ألف قبل الميلاد سكن الإنسان الأردن، ووجد المنقبون مخلفات تعود إلى الحقبة المتأخرة من هذا العصر في مواقع الحرّانة والصحراء الشرقية وسواها.والعلماء متفقون أن الطقس في الأردن في هذا العصر كان مطيراً وأكثر رطوبة بوجه عام. وأن الإنسان كان يعيش على الصيد وجمع النباتات البرية وأنه كشف النار ورسم على الصخور صوراً للحيوانات ومنها الغزال، وما تزال هناك مواقع كثيرة تعود لهذا العصر لم تمتد إليها يد المنقبين بعد.
وفي الأردن عدد من المواقع التي تعود إلى العصر الحجري الحديث (8000 - 4500ق.م) وهذه المواقع تمتد من جنوبه إلى شماله. وقد حدثت في هذا العصر تغيرات مناخية مهمة منها ارتفاع الحرارة ونقص الأمطار عما كانت عليه في السابق ولاسيما في نهاية الألف السادس قبل الميلاد، الأمر الذي أدى إلى هجرة الناس من الصحراء الشرقية وتوجههم جنوباً وغرباً. وأهم آثار هذا العصر موجودة في تلال البيضا في الجنوب وفي عين الغزال في مدينة عمان الحالية، فقد وجدت آثار قرية كانت مأهولة وفيها أنواع من الحيوانات المؤهلة (الأغنام والماعز والكلاب وغيرها) والمزروعات (القمح والشعير وغيرها).
واستمر الإنسان يعيش في الأردن، يبني ويعمر ويزرع ويترك آثاره للعصور التالية: العصر الكالكوليتي (4500 - 3300 ق.م) والعصر البرونزي (3300 - 1200 ق.م) والعصر الحديدي (1200 - 332 ق.م) وما يسمى بالعصر الحديدي الثاني - العصر الفارسي (918 - 332 ق م) وأهم المراكز الحضرية في هذه الحقبة كانت عمّون (العاصمة عمّان الحالية وكانت تعرف باسم ربة عمّون وأهم الكشوف العائدة لهذه الحقبة وجدت فيما يعرف اليوم باسم قلعة عمّان)، ومؤاب في وسط الأردن، وإدوم في جنوب البحر الميت. وكانت عاصمة الإدوميين تعرف باسم بصيرة، بُصرى القديمة، وقد امتدت أرض الإدوميين حتى البتراء والعقبة الحاليتين (كما تكشف الحفريات التي جرت في هذا الموقع). ولا بد من القول إن ما هو معروف عن المرحلة الفارسية (539 - 332ق.م) قليل ويكتنفه الغموض. ويبدو أن دول عمّون ومؤاب وإدوم زالت وفقدت سيادتها في القرن السادس قبل الميلاد في أثناء الاجتياح البابلي بين سنتي 587 - 582ق.م.
وفي المرحلة الهلنستية (333 - 63ق.م) حاول الأنباط في جنوبي الأردن أن يتجنبوا الصدام مع الجيوش اليونانية وظلوا محتفظين باستقلالهم. وفي الأردن مواقع كثيرة تعود إلى المرحلة الهلنستية منها حسبان وجرش وأم قيس وسواها. ولعل أجمل الشواهد المعمارية التي تعود لهذه المرحلة هي القصر الكبير في عراق الأمير، فضلاً عن اللقى الزجاجية والفخارية وسواها.
وقع الأردن، كما وقع سواه من مناطق المشرق العربي، تحت السيادة الرومانية (63ق.م - 324م) وقد حاول الأنباط الاحتفاظ باستقلالهم ونجحوا في ذلك حتى عام 106م حين ضمهم الامبراطور الروماني تراجان إلى حكمه، وبذلك غدا الأردن بكامله جزءاً من المقاطعة العربية التابعة لرومة. والشواهد الأثرية على ذلك كثيرة جداً. وقد غلب عليه التأثير الفني والمعماري والحضاري الروماني، إلا في بعض مناطق الجنوب إذ استطاع الأنباط أن يضفوا خصائص حضارتهم في حاضرتهم البتراء، إلى جانب مواقع أخرى منها مأدبا وذيبان وخربة التنور وسوى ذلك.
وحين آل الأمر إلى الامبراطورية الرومانية الشرقية أو ما يعرف باسم الامبراطورية البيزنطية 324 - 640م) وما رافقه من انتصار المسيحية على الوثنية وإعلانها ديناً رسمياً للدولة، وقع الأردن تحت تأثير هذا التغير وتحول كثير من معابده الوثنية إلى كنائس، كما عدت أرضه جزءاً من الأرض المتنازع عليها بين فارس وبيزنطة وجرت عليها عدة معارك بين الطرفين. واستمر ازدهار مدنه الرئيسة جرش وأم قيس وفيلادلفية (عمّان) وأم الجمال وسواها في ظل الإمارات العربية في بلاد الشام وأهمها إمارة الغساسنة، وأقيمت عليها المنشآت الحضارية الكثيرة التي ما تزال شواهدها ماثلة حتى اليوم.
وحين انطلقت جيوش الفتح العربية ترفع راية الإسلام عالية لتنشرها على بقاع الأرض، كانت أرض الأردن أول أرض على تخوم الجزيرة تصل إليها جيوش الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه، ولعل حديث مؤتة وشهدائها وبعث (غزوة) أسامة بن زيد ليس بالغريب على أحد.