ابن أبي شنب
(1286 ـ 1347هـ/ 1869 ـ 1929م)
محمد بن العربي بن محمد أبي شنب الجزائري الأديب الباحث، أحد أعلام المغرب العربي النابهين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأحد رواد النهضة العربية الحديثة.
ولد في قرية المدية جنوب مدينة الجزائر، ونشأ في ظل الاحتلال الفرنسي، فقرأ شيئاً من القرآن الكريم قبل أن يلتحق بمدرسة المدية الثانوية، ليتعلم اللغة الفرنسية والعلوم الغربية وفق المنهج المفروض من قبل سلطات الاحتلال، ثم انتسب إلى دار المعلمين ببلدة أبي زريعة قرب العاصمة، وتخرج منها بعد عام حاصلاً على إجازة تعليم اللغة والعلوم الفرنسية في المدارس الابتدائية الوطنية. وأمضى عشر سنوات في هذه المدارس، شُغِل فيها بالتعليم وتحصيل علوم اللغة العربية واستدراك ما فاته منها، فقرأ النحو والصرف والعروض، وشيئاً من علوم الدين، وتقدم بما حصله إلى مدرسة الآداب العليا، ونال إجازتها، فتولى تدريس آداب العربية في مدرسة آداب مدينة قسنطينة، وبعد أن أمضى في عمله الجديد أربع عشرة سنة، ارتقى إلى القسم الأعلى من هذه المدرسة، فأقرأ فيها النحو والأدب والبلاغة والمنطق. وفي أواخر عام «1922م» تقدم إلى كلية الآداب الجزائرية ببحثين للحصول على درجة الدكتوراة، هما: «حياة أبي دلامة وشعره» و«الألفاظ التركية والفارسية الباقية في اللهجة الجزائرية»، فمنح درجة الدكتوراة وكلف بالتدريس في الكلية، وظل يدرس ويبحث إلى أن وافته المنية.
جمع ابن أبي شنب بين الثقافتين العربية والأوربية، وأتقن اللغتين العربية والفرنسية، وأَلَمّ باللغات الإيطالية والألمانية والإسبانية والفارسية، وكان له معرفة يسيرة باللغتين التركية واللاتينية. أخذ عن المستعمرين الفرنسيين علومهم وطرائقهم في الدرس ومناهجهم في البحث، وتعمق في علوم العربية وأحاط بالأدب العربي، وقد مكنه هذا الجمع بين ثقافتين وامتلاك عدة البحث العلمي من خدمة التراث العربي على خير وجه، فعمل مع أهل الثقافة العربية ومع المشتغلين بها من المستشرقين، وقد رزق قدرة على الدرس والتحصيل، وصبراً على البحث ورغبة في الإفادة، مع ذكاء وحافظة جعلاه يستوعب علوماً كثيرة من الثقافتين، ويتدرج في مراتب العلم إلى أن حل أعلاها ، بجهد ذاتي دؤوب وثقة كبيرة بالنفس.
كان ابن أبي شنب يجمع صفات العالم إلى صفات الصلاح والطيب، وعرف بكرم النفس ورجاحة العقل والعفة والاستقامة ولطف المعشر والمسارعة إلى مساعدة الآخرين، فكان صورة للأديب العربي المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأوروبية في العمل من غير أن يفقد شيئاًمن مقومات هويته ومكونات شخصيته، فحافظ على التقاليد العربية، وحرص على ارتداء اللباس الوطني، والظهور به في المحافل العربية والأوربية.
اكتسب ابن أبي شنب احترام المثقفين العرب والأوربيين وتقديرهم، فانتخب في عام «1920م»، عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، وحاز على عضوية أكاديمية العلوم الاستعمارية بباريس. وفي سنة «1922م» قلدته حكومة فرنسا وسام فارس جوقة الشرف تقديراً لجهوده في التقريب بين الثقافة العربية والثقافة الفرنسية. وكانت له مكانة كبيرة عند المستشرقين، يرجعون إليه فيما يشكل عليهم، ويطلقون عليه «ابن شنب» وينادونه «شيخنا».
أمضى ابن أبي شنب حياته في العمل العلمي، فكان ينشر البحوث القيمة في الدوريات العربية والأجنبية، ويضع المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية، ويخرج كنوز التراث العربي من خباياها، فحقق عدداً كبيراًمن كتب التراث في اللغة والنحو والأدب والتاريخ والتراجم، فضلاً عن البحوث الميدانية في التراث الشعبي الجزائري واللهجة الجزائرية، وشارك في صنع فهارس المكتبات التي تحوي مخطوطات عربية، ولم يخرج في كل بحوثه عن المنهج العلمي الرصين، فأسدى للثقافة العربية خدمة جليلة بإخراج تراثها من ناحية، وبتصويب رأي المستشرقين فيها من ناحية ثانية.
وقد ترك ابن أبي شنب بحوثاً كثيرة منشورة في الدوريات العلمية الرصينة، الشرقية والغربية، وعدداً كبيراً من المصنفات المختلفة والمفيدة في الدراسة الأدبية والتحقيق والفهرسة والبحث الميداني باللغتين العربية والفرنسية. من مصنفاته المطبوعة كتاب «تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب»، وكتاب «أبو دلامة وشعره»، وكتاب «ما أخذه دانتي من أصول إسلامية» مطبوع بالفرنسية، وكتاب «الأمثال العامية الدارجة في المغرب»، ثلاثة أجزاء، وكتاب «الألفاظ التركية والفارسية الباقية في اللهجة الجزائرية»، وكتاب «طبقات علماء إفريقية». وأخرج شرحاً لنظم مثلثات قطرب، وشرحاً لكتاب «جمل الزجاجي»، وكتاب «عنوان الدراية في علماء بجاية» للغبريني، وكتاب «نزهة الأنظار» للورثيلاني، وكتاب «البستان في علماء تلمسان».
وكان يميل في أسلوبه إلى التقليد والسجع، مثل قوله في مقدمة الرحلة الورثيلانية: «أما بعد فالرحلة الورثيلانية الموسومة بنزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار للإمام العلامة والأستاذ الفهامة، الشريف النوراني، الشيخ الحسين ابن محمد الورثيلاني ... أنفس تصنيف رصعت جواهره في وطن الجزائر، وأعلق تأليف اشتهر بين البوادي والحواضر، لاشتماله على عوارف المعارف وظرائف اللطائف، وأوابد العوائد وفرائد الفوائد، ونسق الأوصاف الكاملة وحل المشاكل الشاكلة... فاصلاً جمانه بمرجان الحكايات الأنيقة، ومرصعّاً وشاحه بياقوت الأشعار الرقيقة، وغير ذلك مما هنالك).
محمود سالم محمد
(1286 ـ 1347هـ/ 1869 ـ 1929م)
محمد بن العربي بن محمد أبي شنب الجزائري الأديب الباحث، أحد أعلام المغرب العربي النابهين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأحد رواد النهضة العربية الحديثة.
ولد في قرية المدية جنوب مدينة الجزائر، ونشأ في ظل الاحتلال الفرنسي، فقرأ شيئاً من القرآن الكريم قبل أن يلتحق بمدرسة المدية الثانوية، ليتعلم اللغة الفرنسية والعلوم الغربية وفق المنهج المفروض من قبل سلطات الاحتلال، ثم انتسب إلى دار المعلمين ببلدة أبي زريعة قرب العاصمة، وتخرج منها بعد عام حاصلاً على إجازة تعليم اللغة والعلوم الفرنسية في المدارس الابتدائية الوطنية. وأمضى عشر سنوات في هذه المدارس، شُغِل فيها بالتعليم وتحصيل علوم اللغة العربية واستدراك ما فاته منها، فقرأ النحو والصرف والعروض، وشيئاً من علوم الدين، وتقدم بما حصله إلى مدرسة الآداب العليا، ونال إجازتها، فتولى تدريس آداب العربية في مدرسة آداب مدينة قسنطينة، وبعد أن أمضى في عمله الجديد أربع عشرة سنة، ارتقى إلى القسم الأعلى من هذه المدرسة، فأقرأ فيها النحو والأدب والبلاغة والمنطق. وفي أواخر عام «1922م» تقدم إلى كلية الآداب الجزائرية ببحثين للحصول على درجة الدكتوراة، هما: «حياة أبي دلامة وشعره» و«الألفاظ التركية والفارسية الباقية في اللهجة الجزائرية»، فمنح درجة الدكتوراة وكلف بالتدريس في الكلية، وظل يدرس ويبحث إلى أن وافته المنية.
جمع ابن أبي شنب بين الثقافتين العربية والأوربية، وأتقن اللغتين العربية والفرنسية، وأَلَمّ باللغات الإيطالية والألمانية والإسبانية والفارسية، وكان له معرفة يسيرة باللغتين التركية واللاتينية. أخذ عن المستعمرين الفرنسيين علومهم وطرائقهم في الدرس ومناهجهم في البحث، وتعمق في علوم العربية وأحاط بالأدب العربي، وقد مكنه هذا الجمع بين ثقافتين وامتلاك عدة البحث العلمي من خدمة التراث العربي على خير وجه، فعمل مع أهل الثقافة العربية ومع المشتغلين بها من المستشرقين، وقد رزق قدرة على الدرس والتحصيل، وصبراً على البحث ورغبة في الإفادة، مع ذكاء وحافظة جعلاه يستوعب علوماً كثيرة من الثقافتين، ويتدرج في مراتب العلم إلى أن حل أعلاها ، بجهد ذاتي دؤوب وثقة كبيرة بالنفس.
كان ابن أبي شنب يجمع صفات العالم إلى صفات الصلاح والطيب، وعرف بكرم النفس ورجاحة العقل والعفة والاستقامة ولطف المعشر والمسارعة إلى مساعدة الآخرين، فكان صورة للأديب العربي المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأوروبية في العمل من غير أن يفقد شيئاًمن مقومات هويته ومكونات شخصيته، فحافظ على التقاليد العربية، وحرص على ارتداء اللباس الوطني، والظهور به في المحافل العربية والأوربية.
اكتسب ابن أبي شنب احترام المثقفين العرب والأوربيين وتقديرهم، فانتخب في عام «1920م»، عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، وحاز على عضوية أكاديمية العلوم الاستعمارية بباريس. وفي سنة «1922م» قلدته حكومة فرنسا وسام فارس جوقة الشرف تقديراً لجهوده في التقريب بين الثقافة العربية والثقافة الفرنسية. وكانت له مكانة كبيرة عند المستشرقين، يرجعون إليه فيما يشكل عليهم، ويطلقون عليه «ابن شنب» وينادونه «شيخنا».
أمضى ابن أبي شنب حياته في العمل العلمي، فكان ينشر البحوث القيمة في الدوريات العربية والأجنبية، ويضع المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية، ويخرج كنوز التراث العربي من خباياها، فحقق عدداً كبيراًمن كتب التراث في اللغة والنحو والأدب والتاريخ والتراجم، فضلاً عن البحوث الميدانية في التراث الشعبي الجزائري واللهجة الجزائرية، وشارك في صنع فهارس المكتبات التي تحوي مخطوطات عربية، ولم يخرج في كل بحوثه عن المنهج العلمي الرصين، فأسدى للثقافة العربية خدمة جليلة بإخراج تراثها من ناحية، وبتصويب رأي المستشرقين فيها من ناحية ثانية.
وقد ترك ابن أبي شنب بحوثاً كثيرة منشورة في الدوريات العلمية الرصينة، الشرقية والغربية، وعدداً كبيراً من المصنفات المختلفة والمفيدة في الدراسة الأدبية والتحقيق والفهرسة والبحث الميداني باللغتين العربية والفرنسية. من مصنفاته المطبوعة كتاب «تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب»، وكتاب «أبو دلامة وشعره»، وكتاب «ما أخذه دانتي من أصول إسلامية» مطبوع بالفرنسية، وكتاب «الأمثال العامية الدارجة في المغرب»، ثلاثة أجزاء، وكتاب «الألفاظ التركية والفارسية الباقية في اللهجة الجزائرية»، وكتاب «طبقات علماء إفريقية». وأخرج شرحاً لنظم مثلثات قطرب، وشرحاً لكتاب «جمل الزجاجي»، وكتاب «عنوان الدراية في علماء بجاية» للغبريني، وكتاب «نزهة الأنظار» للورثيلاني، وكتاب «البستان في علماء تلمسان».
وكان يميل في أسلوبه إلى التقليد والسجع، مثل قوله في مقدمة الرحلة الورثيلانية: «أما بعد فالرحلة الورثيلانية الموسومة بنزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار للإمام العلامة والأستاذ الفهامة، الشريف النوراني، الشيخ الحسين ابن محمد الورثيلاني ... أنفس تصنيف رصعت جواهره في وطن الجزائر، وأعلق تأليف اشتهر بين البوادي والحواضر، لاشتماله على عوارف المعارف وظرائف اللطائف، وأوابد العوائد وفرائد الفوائد، ونسق الأوصاف الكاملة وحل المشاكل الشاكلة... فاصلاً جمانه بمرجان الحكايات الأنيقة، ومرصعّاً وشاحه بياقوت الأشعار الرقيقة، وغير ذلك مما هنالك).
محمود سالم محمد