شبيب (شفيق ـ)
(1897 ـ 1982)
شفيق شبيب موسيقي سوري ولد وتوفي في دمشق، مال إلى الموسيقى وتعلمها منذ طفولته، وكان يقف أمام مخزن «عبيد» في سوق الحميدية ساعات طوالاً ليستمع إلى الأغاني التي كانت تذاع من حاكي (فونوغراف) المخزن بهدف بيعها. تعلم شبيب العزف على العود دون معلم. وشجعه المربي الأستاذ سعيد مراد، مدير مدرسة الملك الظاهر الابتدائية، على تأليف فرقة موسيقية من طلاب المدرسة وأسند إليه رئاستها منذ عام 1911. اكتشف شبيب أن معلم الموسيقى كان يدربهم خطأً على التدوينات الموسيقية التي جلبها معه من اصطنبول، وصححها له، الأمر الذي جعله يترك تدريب الفرقة لشفيق شبيب.
بدأت الفرقة نشاطها الموسيقي بإحياء حفلات الموالد والأفراح، فكانت تعزف القطع الموسيقية من بشارف وسماعيات ولونغا[ر. الصيغ الموسيقية]، وتؤدي الموشحات وفق إرشادات شفيق شبيب. دفعه النجاح المتواصل للفرقة إلى تأسيس أول ناد للموسيقى في سورية باسم «نادي الموسيقى الشرقي» عام 1914، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى ببضعة أشهر، واتخذ مقراً له في زقاق «المغسلة» في حي سوق ساروجة.
في عام 1916، ألف شبيب أول قطعة موسيقية له بعنوان «سماعي مقام نهاوند» واشتراها منه تاجر تركي يبيع الأسطوانات في سوق الخجا القديم، وطبعها على نفقته ليصبح هذا السماعي من القطع الشهيرة في دمشق وحلب وبيروت واصطنبول.
انضم فخري البارودي[ر] (الأديب والمناضل والموسيقي الهاوي) إلى النادي عند إعجابه بهذا السماعي، وأعلن فيه عن جائزة كبيرة لمن يؤلف سماعياً ما يضاهي مؤلفات الموسيقي التركي طمبوري جميل، فتنطع شبيب لهذا التحدي ووضع في عام 1919، مؤلفه الرائع «سماعي بوسليك» الذي جعل البارودي يصيح إعجاباً بعد أن استمع إليه ثلاث مرات: «أشهد بالله أنك تفوقت على طمبوري جميل..» وغدا شفيق شبيب، بعد مؤلفته هذه، محط الأنظار، وصار البارودي المدافع والداعي له وللنادي وأعضائه في الأوساط الموسيقية.
لم يعمر النادي طويلاً إذ ما لبث أن أغلق أبوابه بعد أن قامت الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، لكنه وبعد عام واحد على هدوء الثورة السورية أعاد شبيب تأسيس النادي من جديد بمساعدة من فخري البارودي، والموسيقي توفيق الصباغ[ر] وعاد إلى مزاولة نشاطه الفني.
في عام 1932 دعيت سورية للمشاركة في مؤتمر القاهرة للموسيقى العربية، وآُلفت لجنة من شفيق شبيب، والشيخ علي الدرويش[ر]، وأحمد الأوبري من أجل الإعداد لحضور موسيقي لائق بمكانة سورية. وتقرر في الاجتماع الذي عقدته هذه اللجنة أن يتولى الدرويش والأوبري المناقشات التي ستطرح بالمؤتمر حول الموسيقتين الشرقية والغربية، وأنيط بشفيق شبيب تكوين الفرقة الموسيقية التي ستشارك في العروض الفنية التي ستقدمها سورية أسوة بالفرق الموسيقية العربية الأخرى المشاركة. ويقول شفيق شبيب عن هذا المؤتمر ما يأتي:
«.... عقد المؤتمر في السادس من شهر آذار عام 1932 في القناطر الخيرية في القاهرة، وكان القصد كما تبين لي من كل هذه التظاهرة الفنية هو الدعاية للملك فؤاد الأول».
قدَّم شفيق شبيب مع الفرقة السورية التي قادها ووضع برنامجها، قطعاً موسيقية ذات طابع شامي أصيل. وكان أبرز ما قدمته الفرقة: «القدود الحلبية»[ر. الأغنية] القديمة، والفنون الشامية، المأخوذة عن الفنان الكبير أحمد أبي خليل القباني، مثل الموشحات والقصائد والأغاني الخفيفة. وقام المغني صالح المحبك بأداء أعمال القباني فانتزع الإعجاب، حتى إن الشاعر أحمد شوقي[ر] الذي حضر الحفلة السورية مع صديقه العلاّمة السوري محمد كرد علي[ر] لم يتمكن من كبت إعجابه، فقام بمدح الفرقة وشفيق شبيب وصالح المحبك أمام الملك، بحضور محمد كرد علي بقوله: «أهنئكم على هذا المغني المبدع، وعلى هذا الأداء الخارق للفرقة، وعلى هذه الألحان الجميلة التي لم أسمع بها قبلاً».
شارك شفيق شبيب في النقاش الطويل حول السلالم والمقامات الشرقية والغربية، وحول أجزاء الصوت وأنصافه وأرباعه وحساب «الكوما»[ر. الموسيقى العربية] دون أن يتوصل مع زميليه الأوبري والدرويش إلى اتفاق مع العلماء الألمان الذين أثاروا هذه المشكلات الفنية. وفي عام 1947 تولى شبيب رئاسة الدائرة الموسيقية في إذاعة دمشق، واختار بنفسه، دون محاباة أو وساطة، العازفين الذين سيؤلفون الفرقة الموسيقية، وكانوا جميعاً من أقدر العازفين فناً ومكانةً وأخلاقاً. وفي عام 1949 استقال من منصبه بعد الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم، موضحاً في كتاب الاستقالة بأنه لا يستطيع العمل تحت ظروف الضغط وخرق القوانين التي تمارس على نطاق واسع. ثم دعي عام 1951 ليترأس الدائرة الموسيقية من جديد، بعد أن زالت الأسباب التي أدت إلى استقالته، لكنه عاد عام 1954 إلى الاستقالة نهائياً من الإذاعة، وهجر العمل الفني كلياً. يقول شفيق شبيب: «إن الرؤيا التي شاهدتها والتي آثرت بسببها التوقف عن العزف، كان لها تأثير كبير في قرار الاستقالة إذ عاودتني أكثر من مرة، وبسببها قال الناس عني: إني تصوفت ..».
عمل شفيق شبيب في رئاسته للدائرة الموسيقية على المحافظة على قوالب التأليف الموسيقي، وقوالب الغناء العربي مع إغنائه، وقد استدعى من أجل ذلك الموسيقي عبد العال الجرشة لتسجيل عدد كبير من الأعمال التراثية من أدوار وموشحات، وخاصة الموشحات التي تمتاز بالمقامات والأنغام التي لم يعد أحد من الملحنين يستخدمها،إضافة إلى أعمال أبي خليل القباني، وهي محفوظة في مكتبة الإذاعة لتكون مرجعاً موسيقياً عاماً.
مؤلفات شفيق شبيب، إضافة إلى ما ذكر سابقاً:
«أوبريت الصباح» (1931) و«حلقة الذكر» (عام 1948) و«الحادي» (1951) و«ليلة العرس» (1952) و«أغنية ريفية». كذلك سجَّل في عام 1923 بعض أعماله على أسطوانات شركة بيضافون، منها: تقاسيم على آلة النشأة كار (العود الصغير)، و«سماعي من مقام الحسيني» وأغنية من تلحينه غناها بالاشتراك مع الموسيقي اللبناني «متري المر»، والأغنية من نظم الشيخ عبد الرحمن سلام وهي تحية للشريف حسين قائد الثورة العربية الكبرى. ومطلع الأغنية:
على أم القرى منا سلام
على من في ضواحيها أقاموا
على من ضم جمعهم خيام
على من شب منهم وشابوا
يميل شفيق شبيب، بصفته مؤلفاً موسيقياً، إلى الفخامة في مؤلفاته، كما أن البناء الموسيقي عنده قوي ومتماسك. وقد منحه المجمع العربي للموسيقى في السابع من آذار عام 2000 شهادة تقدير مهداة إلى روحه، موقعة من رئيس المجمع رتيبة الحفني، وأمين المجمع كفاح فاخوري.
صميم الشريف
(1897 ـ 1982)
شفيق شبيب موسيقي سوري ولد وتوفي في دمشق، مال إلى الموسيقى وتعلمها منذ طفولته، وكان يقف أمام مخزن «عبيد» في سوق الحميدية ساعات طوالاً ليستمع إلى الأغاني التي كانت تذاع من حاكي (فونوغراف) المخزن بهدف بيعها. تعلم شبيب العزف على العود دون معلم. وشجعه المربي الأستاذ سعيد مراد، مدير مدرسة الملك الظاهر الابتدائية، على تأليف فرقة موسيقية من طلاب المدرسة وأسند إليه رئاستها منذ عام 1911. اكتشف شبيب أن معلم الموسيقى كان يدربهم خطأً على التدوينات الموسيقية التي جلبها معه من اصطنبول، وصححها له، الأمر الذي جعله يترك تدريب الفرقة لشفيق شبيب.
بدأت الفرقة نشاطها الموسيقي بإحياء حفلات الموالد والأفراح، فكانت تعزف القطع الموسيقية من بشارف وسماعيات ولونغا[ر. الصيغ الموسيقية]، وتؤدي الموشحات وفق إرشادات شفيق شبيب. دفعه النجاح المتواصل للفرقة إلى تأسيس أول ناد للموسيقى في سورية باسم «نادي الموسيقى الشرقي» عام 1914، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى ببضعة أشهر، واتخذ مقراً له في زقاق «المغسلة» في حي سوق ساروجة.
في عام 1916، ألف شبيب أول قطعة موسيقية له بعنوان «سماعي مقام نهاوند» واشتراها منه تاجر تركي يبيع الأسطوانات في سوق الخجا القديم، وطبعها على نفقته ليصبح هذا السماعي من القطع الشهيرة في دمشق وحلب وبيروت واصطنبول.
انضم فخري البارودي[ر] (الأديب والمناضل والموسيقي الهاوي) إلى النادي عند إعجابه بهذا السماعي، وأعلن فيه عن جائزة كبيرة لمن يؤلف سماعياً ما يضاهي مؤلفات الموسيقي التركي طمبوري جميل، فتنطع شبيب لهذا التحدي ووضع في عام 1919، مؤلفه الرائع «سماعي بوسليك» الذي جعل البارودي يصيح إعجاباً بعد أن استمع إليه ثلاث مرات: «أشهد بالله أنك تفوقت على طمبوري جميل..» وغدا شفيق شبيب، بعد مؤلفته هذه، محط الأنظار، وصار البارودي المدافع والداعي له وللنادي وأعضائه في الأوساط الموسيقية.
لم يعمر النادي طويلاً إذ ما لبث أن أغلق أبوابه بعد أن قامت الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، لكنه وبعد عام واحد على هدوء الثورة السورية أعاد شبيب تأسيس النادي من جديد بمساعدة من فخري البارودي، والموسيقي توفيق الصباغ[ر] وعاد إلى مزاولة نشاطه الفني.
في عام 1932 دعيت سورية للمشاركة في مؤتمر القاهرة للموسيقى العربية، وآُلفت لجنة من شفيق شبيب، والشيخ علي الدرويش[ر]، وأحمد الأوبري من أجل الإعداد لحضور موسيقي لائق بمكانة سورية. وتقرر في الاجتماع الذي عقدته هذه اللجنة أن يتولى الدرويش والأوبري المناقشات التي ستطرح بالمؤتمر حول الموسيقتين الشرقية والغربية، وأنيط بشفيق شبيب تكوين الفرقة الموسيقية التي ستشارك في العروض الفنية التي ستقدمها سورية أسوة بالفرق الموسيقية العربية الأخرى المشاركة. ويقول شفيق شبيب عن هذا المؤتمر ما يأتي:
«.... عقد المؤتمر في السادس من شهر آذار عام 1932 في القناطر الخيرية في القاهرة، وكان القصد كما تبين لي من كل هذه التظاهرة الفنية هو الدعاية للملك فؤاد الأول».
قدَّم شفيق شبيب مع الفرقة السورية التي قادها ووضع برنامجها، قطعاً موسيقية ذات طابع شامي أصيل. وكان أبرز ما قدمته الفرقة: «القدود الحلبية»[ر. الأغنية] القديمة، والفنون الشامية، المأخوذة عن الفنان الكبير أحمد أبي خليل القباني، مثل الموشحات والقصائد والأغاني الخفيفة. وقام المغني صالح المحبك بأداء أعمال القباني فانتزع الإعجاب، حتى إن الشاعر أحمد شوقي[ر] الذي حضر الحفلة السورية مع صديقه العلاّمة السوري محمد كرد علي[ر] لم يتمكن من كبت إعجابه، فقام بمدح الفرقة وشفيق شبيب وصالح المحبك أمام الملك، بحضور محمد كرد علي بقوله: «أهنئكم على هذا المغني المبدع، وعلى هذا الأداء الخارق للفرقة، وعلى هذه الألحان الجميلة التي لم أسمع بها قبلاً».
شارك شفيق شبيب في النقاش الطويل حول السلالم والمقامات الشرقية والغربية، وحول أجزاء الصوت وأنصافه وأرباعه وحساب «الكوما»[ر. الموسيقى العربية] دون أن يتوصل مع زميليه الأوبري والدرويش إلى اتفاق مع العلماء الألمان الذين أثاروا هذه المشكلات الفنية. وفي عام 1947 تولى شبيب رئاسة الدائرة الموسيقية في إذاعة دمشق، واختار بنفسه، دون محاباة أو وساطة، العازفين الذين سيؤلفون الفرقة الموسيقية، وكانوا جميعاً من أقدر العازفين فناً ومكانةً وأخلاقاً. وفي عام 1949 استقال من منصبه بعد الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم، موضحاً في كتاب الاستقالة بأنه لا يستطيع العمل تحت ظروف الضغط وخرق القوانين التي تمارس على نطاق واسع. ثم دعي عام 1951 ليترأس الدائرة الموسيقية من جديد، بعد أن زالت الأسباب التي أدت إلى استقالته، لكنه عاد عام 1954 إلى الاستقالة نهائياً من الإذاعة، وهجر العمل الفني كلياً. يقول شفيق شبيب: «إن الرؤيا التي شاهدتها والتي آثرت بسببها التوقف عن العزف، كان لها تأثير كبير في قرار الاستقالة إذ عاودتني أكثر من مرة، وبسببها قال الناس عني: إني تصوفت ..».
عمل شفيق شبيب في رئاسته للدائرة الموسيقية على المحافظة على قوالب التأليف الموسيقي، وقوالب الغناء العربي مع إغنائه، وقد استدعى من أجل ذلك الموسيقي عبد العال الجرشة لتسجيل عدد كبير من الأعمال التراثية من أدوار وموشحات، وخاصة الموشحات التي تمتاز بالمقامات والأنغام التي لم يعد أحد من الملحنين يستخدمها،إضافة إلى أعمال أبي خليل القباني، وهي محفوظة في مكتبة الإذاعة لتكون مرجعاً موسيقياً عاماً.
مؤلفات شفيق شبيب، إضافة إلى ما ذكر سابقاً:
«أوبريت الصباح» (1931) و«حلقة الذكر» (عام 1948) و«الحادي» (1951) و«ليلة العرس» (1952) و«أغنية ريفية». كذلك سجَّل في عام 1923 بعض أعماله على أسطوانات شركة بيضافون، منها: تقاسيم على آلة النشأة كار (العود الصغير)، و«سماعي من مقام الحسيني» وأغنية من تلحينه غناها بالاشتراك مع الموسيقي اللبناني «متري المر»، والأغنية من نظم الشيخ عبد الرحمن سلام وهي تحية للشريف حسين قائد الثورة العربية الكبرى. ومطلع الأغنية:
على أم القرى منا سلام
على من في ضواحيها أقاموا
على من ضم جمعهم خيام
على من شب منهم وشابوا
يميل شفيق شبيب، بصفته مؤلفاً موسيقياً، إلى الفخامة في مؤلفاته، كما أن البناء الموسيقي عنده قوي ومتماسك. وقد منحه المجمع العربي للموسيقى في السابع من آذار عام 2000 شهادة تقدير مهداة إلى روحه، موقعة من رئيس المجمع رتيبة الحفني، وأمين المجمع كفاح فاخوري.
صميم الشريف