الشمّاخ بن ضِرَار
(…ـ 24هـ/… ـ 644م)
مَعقِل بن ضرار بن سنان بن أمامة الذبياني الغطفاني، وكنيته أبو سعيد. وهو أحد عوران قيس الخمسة من فحول الشعر وهم: تميم بن أُبيّ بن مقبل (ت نحو:25هـ)، والراعي النميري (ت:90هـ)، وحُمَيد بن ثور (ت نحو:30هـ)، وابن أحمر الباهلي (ت نحو:65هـ)، والشّماخ. وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. وله صحبة. كان يعيش بين قومٍ أسلموا آخر الناس وارتدوا أول الناس بعد وفاة النبيr، ثم عادوا إلى الإسلام بعد حروب الردّة. وعُرف عنه أنه غزا في فتوح عمر بن الخطاب، وشهد القادسية، ثم غزا أذربيجان مع سعيد بن العاص، فاستشهد في غزوة «مُوقان» في خلافة عثمان بن عفانt.
وأمُّ الشمّاخ من ولد الخُرْشُب، واسمها مُعاذة بنت خلف، وتكنى أمَّ أوس. وكان للشماخ أخوان: مزرِّد وجَزْء، وهو أفحل إخوته. وقد روى البغدادي في خزانته قصته مع امرأته السُلميّة، وطلاقه لها. ومات الشماخ وجَزْء متهاجِرَين بسبب امرأة أحبها الشماخ ثم سافر، فتزوجها «جَزْء» فآلى ألاّ يكلّمه وهجاه.
وهو ـ بإجماع ـ شاعر فحل، جعله ابن سلام في الطبقة الثالثة من فحول الجاهلية، وقرنه بالنابغة الجعدي، وأبي ذؤيب الهذلي، ولبيد بن ربيعة العامري. وقال عنه «فأما الشماخ فكان شديد متون الشعر [يريد عباراته وألفاظه وصياغته]، أشد أَسْر كلامٍ من لبيد [يريد بناء الكلام وتركيبه، يعني أنه غير مشرخٍ ولا ضعيف متخالف]، وفيه كزازة [يريد أنه قليل الماء غير ليّن ولا سهل، بل فيه يُبس وتقبّض]، ولبيد أسهل منه منطقاً». وبسبب من غرابة ألفاظه الممعنة في البداوة قلّ الاستشهاد بشعره في كتب الأدب، ولكن علماء اللغة وجدوا في هذا الشعر فيضاً من الغريب فاهتّموا به. وذكر أصحاب كتب التراجم أن الحطيئة قال في وصيته: أبلغوا الشماخ أنه أشعر غطفان. وفي أغاني أبي الفرج قال الحطيئة: من الذي يقول: إذا أنبض الرامون... البيت. قالوا: الشماخ. قال أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب. وعدّه ابن قتيبة «أرجز الناس على بديهة» وساق أمثلة على ذلك. ولقد رثى عمر بن الخطاب فأحسن وأجاد- وكان أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قد طعن عمر، وطعن معه اثني عشر رجلاً من المسلمين في صلاة الفجر، فمات منهم ستة وعمر سابعهم، قال:
جـزى الله خيراً من أميروباركت
يدُ الله في ذاك الأديم الممزّق
فمن يسعَ أو يركبْ جناحي نعامة
ليدرك ما حاولت بالأمس يُسبَق
قضـيت أموراً ثم غـادرت بعدها
بوائق في أكمامهـا لمتَفَتَّق
وصدق الشماخ» فقد غادر عمر بعده أكماماً تفتقّت عن أشد الدّواهي» بعبارة الشيخ محمود محمد شاكر. واشتهر مديحه في «عرابة بن أوس القيظي»:
رأيت عَرابة الأَوسيّ يَسمو
إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجـدٍ
تلقاها عرابة باليمين
ووقف البغدادي في خزانته على قوله يخاطب ناقته التي تحمله إلى ممدوحه:
إذا بَلَّغْتِني وحملتِ رحلي
عرابة فاشرقي بدم الوتين
ثم طفق يستعرض مواقف القدماء شعراء وغير شعراء من هذا القول. قال: «وأول من عاب على الشمّاخ عَرابة ممدوحه فإنه قال له: بئسما كافأتها به. وكذا عاب عليه أحيحة بن الجلاح» ثم ذكر موقف «المبرّد» منه، ونقل قوله »وقد أحسن كلّ الإحسان في قوله: إذا بلغتني وحملت...البيت»، ومضى يعرض مواقف العلماء والشعراء من هذا البيت في حديث طويل.
وقد وهم صاحب الخزانة فقال: «وكان الشماخ يهجو قومه وضيوفه ويمنّ عليهم بقِراه». فما هذه صفاته بل صفات أخيه «مزرّد» كما هو معروف. وقد صححّ محقق «الشعر والشعراء» هذا الوهم، ونصّ عليه في أحد هوامشه.
واشتهر الشماخ بوصف «القوس». قال ابن قتيبة «وهو أوصف الشعراء للقوس». وتعدّ قصيدته الزائيّة التي وصف فيها القوس والقوّاس، وقصّ ما كان من أمرهما درّة شعره. وهي قصيدة فريدة في بابها، وقد استوحاها الشيخ محمود شاكر فأنشأ من وحيها قصيدته الخالدة «القوس العذراء».
وكان ـ على عوره ـ وصّافاً، أجاد ـ بشهادة القدماء والمحدثين ـ نعت الحُمُر الوحشية. قال ابن قتيبة «وهو من أوصف الشعراء للقوس والحمر» ثم قال «والشماخ أوصف الشعراء للحمير».
وشهد له البغدادي في خزانته بذلك فقال: «وهو أوصف الناس للحمير»، ثم روى أن الوليد بن عبد الملك أُنشد شيئاً من شعره في وصف الحمير فقال: ما أوصفه لها! إني لأحسب أن أحد أبويه كان حمّاراً! وما ذلك إلا لأنه كان يتدسّس في ضمائرها فينطقها بما تكتم، ويتغلغل في نفسياتها. ولم يؤثِّر الإسلام في شعره تأثيراً ملحوظاً، فظل يصدر عن ذوق لا يفارق الذوق الجاهلي سوى مفارقة طفيفة، وعن نظرة سلفية أو كالسلفية إلى العالم، وبذا كان شعره امتداداً للتيار الفني الجاهلي في صدر الإسلام. وهو استمرار طبيعي يقرّه الفكر ويفسّره، ويعرف صوراً كثيرة منه في تاريخ المجتمعات البشرية، وفي تاريخ الفن على حد سواء.
وهب رومية
(…ـ 24هـ/… ـ 644م)
مَعقِل بن ضرار بن سنان بن أمامة الذبياني الغطفاني، وكنيته أبو سعيد. وهو أحد عوران قيس الخمسة من فحول الشعر وهم: تميم بن أُبيّ بن مقبل (ت نحو:25هـ)، والراعي النميري (ت:90هـ)، وحُمَيد بن ثور (ت نحو:30هـ)، وابن أحمر الباهلي (ت نحو:65هـ)، والشّماخ. وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. وله صحبة. كان يعيش بين قومٍ أسلموا آخر الناس وارتدوا أول الناس بعد وفاة النبيr، ثم عادوا إلى الإسلام بعد حروب الردّة. وعُرف عنه أنه غزا في فتوح عمر بن الخطاب، وشهد القادسية، ثم غزا أذربيجان مع سعيد بن العاص، فاستشهد في غزوة «مُوقان» في خلافة عثمان بن عفانt.
وأمُّ الشمّاخ من ولد الخُرْشُب، واسمها مُعاذة بنت خلف، وتكنى أمَّ أوس. وكان للشماخ أخوان: مزرِّد وجَزْء، وهو أفحل إخوته. وقد روى البغدادي في خزانته قصته مع امرأته السُلميّة، وطلاقه لها. ومات الشماخ وجَزْء متهاجِرَين بسبب امرأة أحبها الشماخ ثم سافر، فتزوجها «جَزْء» فآلى ألاّ يكلّمه وهجاه.
وهو ـ بإجماع ـ شاعر فحل، جعله ابن سلام في الطبقة الثالثة من فحول الجاهلية، وقرنه بالنابغة الجعدي، وأبي ذؤيب الهذلي، ولبيد بن ربيعة العامري. وقال عنه «فأما الشماخ فكان شديد متون الشعر [يريد عباراته وألفاظه وصياغته]، أشد أَسْر كلامٍ من لبيد [يريد بناء الكلام وتركيبه، يعني أنه غير مشرخٍ ولا ضعيف متخالف]، وفيه كزازة [يريد أنه قليل الماء غير ليّن ولا سهل، بل فيه يُبس وتقبّض]، ولبيد أسهل منه منطقاً». وبسبب من غرابة ألفاظه الممعنة في البداوة قلّ الاستشهاد بشعره في كتب الأدب، ولكن علماء اللغة وجدوا في هذا الشعر فيضاً من الغريب فاهتّموا به. وذكر أصحاب كتب التراجم أن الحطيئة قال في وصيته: أبلغوا الشماخ أنه أشعر غطفان. وفي أغاني أبي الفرج قال الحطيئة: من الذي يقول: إذا أنبض الرامون... البيت. قالوا: الشماخ. قال أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب. وعدّه ابن قتيبة «أرجز الناس على بديهة» وساق أمثلة على ذلك. ولقد رثى عمر بن الخطاب فأحسن وأجاد- وكان أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قد طعن عمر، وطعن معه اثني عشر رجلاً من المسلمين في صلاة الفجر، فمات منهم ستة وعمر سابعهم، قال:
جـزى الله خيراً من أميروباركت
يدُ الله في ذاك الأديم الممزّق
فمن يسعَ أو يركبْ جناحي نعامة
ليدرك ما حاولت بالأمس يُسبَق
قضـيت أموراً ثم غـادرت بعدها
بوائق في أكمامهـا لمتَفَتَّق
وصدق الشماخ» فقد غادر عمر بعده أكماماً تفتقّت عن أشد الدّواهي» بعبارة الشيخ محمود محمد شاكر. واشتهر مديحه في «عرابة بن أوس القيظي»:
رأيت عَرابة الأَوسيّ يَسمو
إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجـدٍ
تلقاها عرابة باليمين
ووقف البغدادي في خزانته على قوله يخاطب ناقته التي تحمله إلى ممدوحه:
إذا بَلَّغْتِني وحملتِ رحلي
عرابة فاشرقي بدم الوتين
ثم طفق يستعرض مواقف القدماء شعراء وغير شعراء من هذا القول. قال: «وأول من عاب على الشمّاخ عَرابة ممدوحه فإنه قال له: بئسما كافأتها به. وكذا عاب عليه أحيحة بن الجلاح» ثم ذكر موقف «المبرّد» منه، ونقل قوله »وقد أحسن كلّ الإحسان في قوله: إذا بلغتني وحملت...البيت»، ومضى يعرض مواقف العلماء والشعراء من هذا البيت في حديث طويل.
وقد وهم صاحب الخزانة فقال: «وكان الشماخ يهجو قومه وضيوفه ويمنّ عليهم بقِراه». فما هذه صفاته بل صفات أخيه «مزرّد» كما هو معروف. وقد صححّ محقق «الشعر والشعراء» هذا الوهم، ونصّ عليه في أحد هوامشه.
واشتهر الشماخ بوصف «القوس». قال ابن قتيبة «وهو أوصف الشعراء للقوس». وتعدّ قصيدته الزائيّة التي وصف فيها القوس والقوّاس، وقصّ ما كان من أمرهما درّة شعره. وهي قصيدة فريدة في بابها، وقد استوحاها الشيخ محمود شاكر فأنشأ من وحيها قصيدته الخالدة «القوس العذراء».
وكان ـ على عوره ـ وصّافاً، أجاد ـ بشهادة القدماء والمحدثين ـ نعت الحُمُر الوحشية. قال ابن قتيبة «وهو من أوصف الشعراء للقوس والحمر» ثم قال «والشماخ أوصف الشعراء للحمير».
وشهد له البغدادي في خزانته بذلك فقال: «وهو أوصف الناس للحمير»، ثم روى أن الوليد بن عبد الملك أُنشد شيئاً من شعره في وصف الحمير فقال: ما أوصفه لها! إني لأحسب أن أحد أبويه كان حمّاراً! وما ذلك إلا لأنه كان يتدسّس في ضمائرها فينطقها بما تكتم، ويتغلغل في نفسياتها. ولم يؤثِّر الإسلام في شعره تأثيراً ملحوظاً، فظل يصدر عن ذوق لا يفارق الذوق الجاهلي سوى مفارقة طفيفة، وعن نظرة سلفية أو كالسلفية إلى العالم، وبذا كان شعره امتداداً للتيار الفني الجاهلي في صدر الإسلام. وهو استمرار طبيعي يقرّه الفكر ويفسّره، ويعرف صوراً كثيرة منه في تاريخ المجتمعات البشرية، وفي تاريخ الفن على حد سواء.
وهب رومية