ماء الزهر هدية الربيع للتونسيين في نابل
تونسيون يسارعون في قطف حبات "شجرة الخير" للحصول على مائها الثمين.
الثلاثاء 2023/04/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
زهرة الخير
يستقبل التونسيون القاطنون في محافظة نابل موسم الربيع بفرح ونشاط لأنه يهديهم زهر النارنج الذي يقطرونه فيتحول إلى ماء وزيت يستفيدون منه في التداوي والتجميل وطبخ الحلويات، كما يبيعونه لمصانع العطور في العالم.
نابل (تونس) - يتزامن دخول فصل الربيع كل سنة مع بدء موسم تقطير الزهر في محافظة نابل، فما إن تمر بأنهج المدينة صباحا حتى ترى النساء والرجال والأطفال يعتلون سلالم ركزت تحت شجرة النارنج، شجرة كثيفة الأوراق ناصعة الخضرة وقد ازدانت بحبّات بيضاء كعناقيد ثلج تعبق برائحة فوّاحة وتحتها شباك ومفارش عريضة تحضن حبات الزهر بعد أن قطفت بلطف فتساقطت في هدوء لتشكل أكداسا صغيرة مترامية حصيلة لساعات من العمل.
يقول أحمد بوحنك عضو هيئة صيانة مدينة نابل “إن زهر النارنج حساس ولا يتحمل النقل لمسافات بعيدة، كما تقتضي عملية التقطير أن يتم في نفس يوم جمع الزهرات، حتى لا تفقد الزهرة روحها”.
ويطلق أهالي محافظة نابل على شجرة النارنج اسم “شجرة الخير”، هي من عائلة الحمضيات وينسب دخولها الوطن القبلي إلى الأندلسيين.
وما إن تبْيضّ الحبات ويكبر حجمها حتى يسارع أهالي المنطقة إلى قطفها قبل إزهارها من أجل تحصيل منتوج رفيع من ماء الزهر.
مبتكرو عطور "شانيل" و"غيرلان" يفضلون المشاركة في عملية استخراج الزيوت الروحية في محافظة نابل
وأضحى انطلاق موسم تقطير الزهر موعدا سنويا للفرحة والبهجة يحيي فيه أهالي نابل تقليد تقطير الزهر، وهو تقليد راسخ جعل من الجهة عاصمة “الزهر” بعد أن تطور التقطير التقليدي إلى تقطير صناعي منذ أواخر القرن التاسع عشر تاريخ تركيز أول وحدة تقطير للزهر لاستخراج ماء الزهر، وخاصة زيت “النيرولي” الذي يصدر إلى الخارج بأثمان باهظة ليستعمل في تركيبات أغلى العطور العالمية.
ويوفّر موسم الزهر سنويا عائدات هامة لنحو ثلاثة آلاف أسرة. ويكاد نشاط التقطير يكون اختصاصا نسويا، فمن النساء من تجمع المحصول وتبيعه للمجمّعين ومنهن من اختصت في التقطير بمقابل مستعملةً “القطّار العربي المصنوع من النحاس أو من الفخار” ومنهن من اختصت في ترويج ماء الزهر في قوارير تعرف بـ”الفاشكة” لسكان المدينة وزوارها من مختلف جهات الجمهورية.
تقول رانية وهي ربة بيت “أناس كثيرون يعرفونني ويقبلون على منتوجي، الشيء الجميل في القطار هو أننا كنا نقطر بالحطب أنا وحماتي، الآن نقطر بالغاز”.
وعن كيفية التقطير تقول “يتم وضع كمية من الماء والزهر في الإناء السفلي ويملأ الغطاء الفخاري الذي يوضع فوقه بالماء البارد الذي يجب مراقبته وتغييره فور ارتفاع درجة حرارته، وعند انتهاء التقطير يحفظ ماء الزهر في قوارير”.
وفي نابل يدخل تقطير الزهر في باب العادات والتقاليد الراسخة، وموسم التقطير موعد سنوي لإعداد “العولة” من ماء الزهر الذي يستعمل للتداوي من ضربة الشمس أو الآلام المعوية أو لتشكيل أقنعة للتجميل وتطييب البشرة، وكذلك يستخدم في صنع الحلويات أو يضاف منكّها للقهوة.
نكهة أصلية
ويكتسي قطاع الزهر في محافظة نابل أهمية اقتصادية بالغة، فهو من أبرز المواسم الزراعية رغم صغر المساحات المزروعة من أشجار النارنج التي لا تمتد إلا على مساحة 475 هكتارا، ورغم قصر الموسم الذي لا يتجاوز الشهر الواحد من منتصف شهر مارس إلى منتصف شهر أبريل.
ويدخل موسم الزهر حركية كبيرة على الجهة بعد أن تنتصب أسواق بيع الزهر بنابل وبني خيار وبوعرقوب الحمامات ودار شعبان الفهري للبيع بحساب “الوزنة” (4 كلغ) أو لتجميع المحاصيل لدى مجمعين موسميين يقتنون المحاصيل ويوجهونها إلى وحدات التحويل التسع التي تفتح أبوابها للعمل دون انقطاع على امتداد شهر كامل بطاقة تصل إلى 100 طن في اليوم.
وتعتبر محافظة نابل من أهم منتجي زيت النيرولي ومصدريه في العالم، ليستعمل في صناعة الماركات العالمية لمواد التجميل والعطور.
ويوفّر الطن الواحد من الزهر المحول بالطريقة الصناعية نحو 600 لتر من ماء الزهر ونحو 1 كلغ من زيت النيرولي المعدّ للتصدير خاصة إلى سوق الورود في “غراس” الفرنسية، فمبتكرو عطور “شانيل” و”غيرلان” يفضلون المشاركة في عملية استخراج الزيوت الروحية، لأنهم يريدونها أن تتم بشكل دقيق حتى تحفظ الجودة الرفيعة للمادة.
وتقوم مصانع العطور في إيطاليا بإدخال عدد من المواد الكيميائية لتفصل الماء عن الزيت، وتتحصل إثر ذلك على عطور أقل جودة.
وموسم تقطير الزهر في محافظة نابل ضيف خفيف الظل يحط الرحال لبضعة أسابيع، وسرعان ما تغيب الحبات البيضاء إما لتترك مذاقا عذبا من ماء الزهر أو تسارع إلى النمو فتصبح حبات نارنج عالية الحموضة فتزيد من خيراتها وتحول بدورها إما إلى معجون أو إلى منتجات جديدة من قشرة الحبة أو من أوراق شجرة الخير شجرة النارنج.
تونسيون يسارعون في قطف حبات "شجرة الخير" للحصول على مائها الثمين.
الثلاثاء 2023/04/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
زهرة الخير
يستقبل التونسيون القاطنون في محافظة نابل موسم الربيع بفرح ونشاط لأنه يهديهم زهر النارنج الذي يقطرونه فيتحول إلى ماء وزيت يستفيدون منه في التداوي والتجميل وطبخ الحلويات، كما يبيعونه لمصانع العطور في العالم.
نابل (تونس) - يتزامن دخول فصل الربيع كل سنة مع بدء موسم تقطير الزهر في محافظة نابل، فما إن تمر بأنهج المدينة صباحا حتى ترى النساء والرجال والأطفال يعتلون سلالم ركزت تحت شجرة النارنج، شجرة كثيفة الأوراق ناصعة الخضرة وقد ازدانت بحبّات بيضاء كعناقيد ثلج تعبق برائحة فوّاحة وتحتها شباك ومفارش عريضة تحضن حبات الزهر بعد أن قطفت بلطف فتساقطت في هدوء لتشكل أكداسا صغيرة مترامية حصيلة لساعات من العمل.
يقول أحمد بوحنك عضو هيئة صيانة مدينة نابل “إن زهر النارنج حساس ولا يتحمل النقل لمسافات بعيدة، كما تقتضي عملية التقطير أن يتم في نفس يوم جمع الزهرات، حتى لا تفقد الزهرة روحها”.
ويطلق أهالي محافظة نابل على شجرة النارنج اسم “شجرة الخير”، هي من عائلة الحمضيات وينسب دخولها الوطن القبلي إلى الأندلسيين.
وما إن تبْيضّ الحبات ويكبر حجمها حتى يسارع أهالي المنطقة إلى قطفها قبل إزهارها من أجل تحصيل منتوج رفيع من ماء الزهر.
مبتكرو عطور "شانيل" و"غيرلان" يفضلون المشاركة في عملية استخراج الزيوت الروحية في محافظة نابل
وأضحى انطلاق موسم تقطير الزهر موعدا سنويا للفرحة والبهجة يحيي فيه أهالي نابل تقليد تقطير الزهر، وهو تقليد راسخ جعل من الجهة عاصمة “الزهر” بعد أن تطور التقطير التقليدي إلى تقطير صناعي منذ أواخر القرن التاسع عشر تاريخ تركيز أول وحدة تقطير للزهر لاستخراج ماء الزهر، وخاصة زيت “النيرولي” الذي يصدر إلى الخارج بأثمان باهظة ليستعمل في تركيبات أغلى العطور العالمية.
ويوفّر موسم الزهر سنويا عائدات هامة لنحو ثلاثة آلاف أسرة. ويكاد نشاط التقطير يكون اختصاصا نسويا، فمن النساء من تجمع المحصول وتبيعه للمجمّعين ومنهن من اختصت في التقطير بمقابل مستعملةً “القطّار العربي المصنوع من النحاس أو من الفخار” ومنهن من اختصت في ترويج ماء الزهر في قوارير تعرف بـ”الفاشكة” لسكان المدينة وزوارها من مختلف جهات الجمهورية.
تقول رانية وهي ربة بيت “أناس كثيرون يعرفونني ويقبلون على منتوجي، الشيء الجميل في القطار هو أننا كنا نقطر بالحطب أنا وحماتي، الآن نقطر بالغاز”.
وعن كيفية التقطير تقول “يتم وضع كمية من الماء والزهر في الإناء السفلي ويملأ الغطاء الفخاري الذي يوضع فوقه بالماء البارد الذي يجب مراقبته وتغييره فور ارتفاع درجة حرارته، وعند انتهاء التقطير يحفظ ماء الزهر في قوارير”.
وفي نابل يدخل تقطير الزهر في باب العادات والتقاليد الراسخة، وموسم التقطير موعد سنوي لإعداد “العولة” من ماء الزهر الذي يستعمل للتداوي من ضربة الشمس أو الآلام المعوية أو لتشكيل أقنعة للتجميل وتطييب البشرة، وكذلك يستخدم في صنع الحلويات أو يضاف منكّها للقهوة.
نكهة أصلية
ويكتسي قطاع الزهر في محافظة نابل أهمية اقتصادية بالغة، فهو من أبرز المواسم الزراعية رغم صغر المساحات المزروعة من أشجار النارنج التي لا تمتد إلا على مساحة 475 هكتارا، ورغم قصر الموسم الذي لا يتجاوز الشهر الواحد من منتصف شهر مارس إلى منتصف شهر أبريل.
ويدخل موسم الزهر حركية كبيرة على الجهة بعد أن تنتصب أسواق بيع الزهر بنابل وبني خيار وبوعرقوب الحمامات ودار شعبان الفهري للبيع بحساب “الوزنة” (4 كلغ) أو لتجميع المحاصيل لدى مجمعين موسميين يقتنون المحاصيل ويوجهونها إلى وحدات التحويل التسع التي تفتح أبوابها للعمل دون انقطاع على امتداد شهر كامل بطاقة تصل إلى 100 طن في اليوم.
وتعتبر محافظة نابل من أهم منتجي زيت النيرولي ومصدريه في العالم، ليستعمل في صناعة الماركات العالمية لمواد التجميل والعطور.
ويوفّر الطن الواحد من الزهر المحول بالطريقة الصناعية نحو 600 لتر من ماء الزهر ونحو 1 كلغ من زيت النيرولي المعدّ للتصدير خاصة إلى سوق الورود في “غراس” الفرنسية، فمبتكرو عطور “شانيل” و”غيرلان” يفضلون المشاركة في عملية استخراج الزيوت الروحية، لأنهم يريدونها أن تتم بشكل دقيق حتى تحفظ الجودة الرفيعة للمادة.
وتقوم مصانع العطور في إيطاليا بإدخال عدد من المواد الكيميائية لتفصل الماء عن الزيت، وتتحصل إثر ذلك على عطور أقل جودة.
وموسم تقطير الزهر في محافظة نابل ضيف خفيف الظل يحط الرحال لبضعة أسابيع، وسرعان ما تغيب الحبات البيضاء إما لتترك مذاقا عذبا من ماء الزهر أو تسارع إلى النمو فتصبح حبات نارنج عالية الحموضة فتزيد من خيراتها وتحول بدورها إما إلى معجون أو إلى منتجات جديدة من قشرة الحبة أو من أوراق شجرة الخير شجرة النارنج.