رايز نفسي
Psychological test - Test psychologique
الرائز النفسي
الرائز النفسي psychological test اختبار يسمح بأن نقيس، بطرائق علمية، مختلف أوجه العملية الذهنية والانفعالية، ولاسيما تلك المتعلقة بسمات الشخصية والسلوك والذكاء. والرائز test في مجال دراسة السلوك الإنساني يشير إلى طريقة منظمة وموضوعية في إعداد وتطوير مجموعة من البنود أو الأسئلة واستخدامها في الكشف عن جانب محدد من جوانب الشخصية، وتسمح بالوقت ذاته بمقارنة الأفراد فيما بينهم في هذا الجانب حصراً. فثمة رائز للذكاء ورائز للقدرات وآخر للتحصيل ورابع للشخصية... وهكذا.. فالرائز هو: مقياس موضوعي يتألف من مجموعة من البنود التي تكشف سلوكاً ما.
والرائز النفسي، هو تقرير موضوعي لسلوك الشخص المفحوص بعيداً عن تدخل العوامل الذاتية للفاحص أو لمصحح الرائز، وعليه فإنه لابد من تصحيح الرائز وضبط شروطه في كل مرة يستخدم فيها، سواء استخدم على المفحوص نفسه أم على مفحوصين آخرين.
يبدو أن في استخدام مصطلح الرائز دقة لا تتوافر في استخدام مصطلحات أخرى تبدو مرادفة له كالمقياس، والاستبانة، والقائمة، والاستخبار، لأنه يرتبط بضرورة توافر الخصائص القياسية الضرورية والمعروفة بالصدق والثبات والتعيير والتقنين، وهي خصائص لا ضرورة لتوافرها جميعاً في المصطلحات الأخرى ولاسيما في التعيير والتقنين.
ويشير الروز إلى تلك العملية المنظمة التي يلجأ إليها الاختصاصي مستخدماً رائزاً ما للكشف عن سلوك ما لدى الفرد، والتي تنتهي إلى إعطاء تقدير كمي لهذا السلوك.
التطور التاريخي للروز النفسي
ولد الرائز مع انفصال علم النفس التجريبي عن علم النفس الأكاديمي، وذلك في أثناء السعي إلى تحديد الملكات الرئيسية للفرد، فضلاً عن تحديد الفروق الصغيرة بين الأفراد.
بدأ القياس النفسي بالظهور خارج علم النفس، وذلك من خلال الدراسات الخاصة بالكشف عن الفروق بين الأفراد في سرعة استجابتهم لمثير أو لمنبه ما، ولاسيما في ميدان الفلك، فقد دارت هذه الدراسات حول معرفة الفروق وقياسها في تقديرات الفلكيين ورصدهم للكواكب، والتي انتهت إلى أن الزمن اللازم لحدوث الاستجابة نحو منبهٍ ما يختلف من فرد إلى آخر. وبالمقابل فقد برزت الحاجة للتمييز بين الأفراد في قدراتهم العقلية، وتمييز المتخلفين عقلياً من العاديين، إضافة إلى تمييز بعض المتخلفين من بعضهم الآخر، وتصنيفهم في مستويات حسب شدة التخلف العقلي، أو مقدار ما يمتلكون من القدرة العقلية العامة.. وتعدُّ هذه المرحلة من دراسة الفروق الفردية في القدرات العقلية بداية ظهور القياس النفسي في إطار علم النفس والتربية. ويُعد العالم الفرنسي بينيه Binet المؤسس الحقيقي لقياس ذكاء الأفراد بصورته الحالية، وهو الذي وضع أيضاً مع زميله سيمون Simon أول «سلم قياسي للذكاء» عام 1905، الذي استُخدم لعزل الأطفال المتخلفين عقلياً من البرامج التعليمية المدرسية العادية.
وكان للحرب العالمية الأولى دورها في دفع حركة روز الذكاء، ففي أثنائها ظهرت الحاجة إلى استخدام مقاييس عقلية جمعية تطبق على أعداد غفيرة من الجنود في وقت واحد، ووُضِع اختبارا ألفا للجيش، وبيتا للأميين وغير الناطقين بالإنكليزية، لاستخدامهما في فرز المجندين وانتقاء القادة ورجال المهمات الخاصة، وفي استبعاد المتخلفين عقلياً وتحويل منخفضي الذكاء إلى أعمال مناسبة لهم. وظهرت إبان الحرب العالمية الأولى أيضاً حركة روز الشخصية لتنتشر بصورة واسعة بعد الحرب العالمية الثانية جراء الحاجة إلى الكشف عن سمات الشخصية والتمييز بين الأفراد الأسوياء وغير الأسوياء.
شهد القرن الماضي الألوف المؤلفة من الروائز في مجال الذكاء والشخصية والميول والاتجاهات والأسرة والزواج.. إلى حد بات من الصعب على الأشخاص العاديين والمتخصصين حصر هذه الروائز والإلمام بها، مما حدا ببعض الجهات إلى القيام بمهمة مساعدة المتخصصين في اختيار الراوئز الملائمة لحاجتهم وعملهم من خلال إصدار كتب متخصصة بالروائز تذكر فيها معلومات جيدة عنها، وتعرف هذه الكتب بـ «الكتاب السنوي للروائز النفسية».
أنواع الراوئز
تضم الكتب النفسية السنوية المستعملة في مجالات التربية وعلم النفس أعداداً كبيرة تقدر بالمئات، مع أن هناك اختبارات تقدر بالآلاف لم تضمها هذه الكتب، فالكتاب السنوي يضم فقط الروائز الأكثر شيوعاً واستخداماً في مجالات البحث والعلاج النفسي.
تصنف الروائز بحسب ما وضعت هذه الروائز للكشف عنه، أو وفق طريقة إجرائها وتطبيقها، أو بما يتوافر في بنودها من درجة الغموض والوضوح، ولكن يبدو أن الصنف الأكثر اعتماداً هو ذلك المرتبط بطبيعة المجال، أو الجانب الذي يكشفه الرائز، وفي هذا الصنف توجد روائز الذكاء، والشخصية والسمات، والمواقف والاتجاهات، والميول، والتكيف، والاضطراب النفسي، والقدرات الخاصة والاستعدادات، والمواهب، والتحصيل، والأهلية، والمهارات وغيرها.
أغراض الروائز النفسية
تؤدي الروائز النفسية أغراضاً جمة تمثل المجالات التي تستخدم فيها هذه الروائز وهي:
1- التشخيص النفسي والتربوي: يساعد استخدام الروائز النفسية على تقديم معرفة وصفية وديناميكية عن المعالَج أو المفحوص، وتشمل هذه المعرفة أساليب تفكير المعالَج ومحاكمته ومحتوى أفكاره، وسياقها، وإدراكه، وذاكرته. كما تشمل انفعالاته، وصراعاته، وخبراته الشعورية واللاشعورية، واضطرابه، واستواءه. فالروائز هي الوسيلة المناسبة بين يدي المعالج لمعرفة واقع المعالَج أو المفحوص وحاضره وماضيه وتطلعاته المستقبلية. إنها وسيلته أيضاً لتشخيص نقاط القوة والضعف في شخصيته، والتي تستند إليها في وضع البرنامج العلاجي الملائم.
وتستخدم الروائز في التشخيص التربوي لمعرفة صعوبات التعلم التي يواجهها بعض الأفراد وتحديد مجالات التأخر الدراسي لدى بعضهم الآخر، في سبيل وضع البرنامج التعليمي العلاجي المناسب الذي يستند إلى معرفة القدرات الفعلية للأفراد ونقاط الضعف والقوة في تحصيلهم.
2- التوجيه والإرشاد التربوي والمهني: يساعد استخدام الروائز النفسية، وروائز الميول والقدرات خاصة، على توجيه الطلاب والأفراد نحو نوع الدراسة التي تلائمهم، سواء في المرحلة الإعدادية والثانوية، أم في المرحلة الجامعية، باختيار الكلية التي تتفق مع قدراتهم وإمكاناتهم، أو نحو المهنة التي تلائمهم خصوصاً إذا لم يكونوا أساساً في المؤسسات التعليمية.
ويتطلب التوجيه التربوي والمدرسي معرفة موضوعية شاملة لقدرات الفرد واتجاهاته وميوله وجوانب شخصيته المختلفة، وتكوين صورة متكافئة وصادقة عنه حتى تكون عملية التوجيه صحيحة، وفعّالة.
3- الانتقاء والتصنيف والاختيار: تحتاج الإدارة التعليمية إلى الروائز في اتخاذ قرارات تتعلق بانتقاء الدارسين واختيارهم وتصنيفهم في فئات بحسب قدراتهم. وتشير عملية الانتقاء إلى قبول بعض الدارسين لدراسة معينة أو تخصص معين، ورفض بعضهم الآخر ممن يرغبون في هذه الدراسة أو التخصص. أما التصنيف فهو خطوة لاحقة للانتقاء، إذ تشير إلى فرز الدارسين في مستويات تراتبية.. ويتم عادة الاعتماد في كلا الأمرين على الروائز والاختبارات العامة والمتخصصة في مجال الدراسة أو التخصص المطلوب.. وعادة ما تشير الدراسات إلى فاعلية هذه الروائز إذا بنيت بشكل علمي في ميداني الانتقاء والتصنيف. ويقع في هذا الميدان المجال المهني إذ يتم اختيار عدد من المتقدمين لشغل وظيفة أو مهنة ما في مؤسسة ما استناداً أيضاً إلى الروائز والاختبارات.
4- الإرشاد والعلاج: إن في جملة ما يهدف إليه الإرشاد والعلاج إحداث تغيير في السلوك ينطوي على تغيير في البناء المعرفي أو الإدراكي أو الانفعالي للفرد. ولكي يتحقق المرشد والمعالج من أن الخطة الإرشادية أو العلاجية حققت أهدافها فإنه يستخدم الروائز النفسية ليقارن أداء المُعالَج عليها قبل الإرشاد والعلاج وبعدهما. وتعد عملية المقارنة هذه الوسيلة المناسبة للكشف عن مدى التقدم الذي أحرزه المعالَج بتأثير من الإرشاد أو العلاج. ومن ناحية أخرى فإن مجرد تطبيق الروائز على المعالَج لـه دوره في العلاج إذ إنه يزيد من استبصار المعالَج بنفسه وينبهه إلى بعض القضايا المتعلقة به والتي لم يكن يعيها.
5- البحث العلمي: تُستخدم الروائز كأدوات لجمع المعلومات للتحقق من فرضيات علمية يضعها باحث ما حول خصائص ظاهرة نفسية ما وانتشارها في المجتمع. كما تُعتمد في الوصول إلى نتائج أبحاث علمية وتجريبية تكون الأساس في اتخاذ العديد من القرارات التربوية أو القرارات التي تمس العملية التربوية أو التنشئة الاجتماعية أو أي مجال مجتمعي آخر في سبيل تطوير أفراد المجتمع وتقدمهم.
خصائص الروائز
يتمتع الرائز بمجموعة من الخصائص تعرف بالشروط القياسية أو الخصائص القياسية التي تجعله أداة موضوعية قادرة على كشف السلوك المراد الكشف عنه دون تمييز أو تطرف. وهذه الخصائص هي: الصدق، والثبات، والتقنين.
1- الصدق: ويشير هذا المصطلح إلى ما إذا كان الرائز يقيس فعلاً ما وضع لقياسه. إنه يشير إلى دقة قياس بنود الرائز وما وضعت لقياسه. فإذا كان الرائز مصمماً لقياس الذكاء فلابد أن تكون بنوده قادرة على الكشف عن هذا الذكاء وليس عن أي شيء آخر. فإذا ضم رائز الذكاء بنوداً تكشف عن الأخطاء الإملائية مثلاً فإنه لا يمكن عد هذا الرائز رائزاً صادقاً، وكذلك الأمر إذا كان هناك رائز تحصيلي في الرياضيات وضم بنوداً في الفيزياء فإنه رائز غير صادق.
وتعد صفة الصدق الشرط الأهم اللازم توافرها في الرائز، وتزداد أهمية هذه الصفة كلما كانت الظاهرة النفسية أو السلوك المراد الكشف عنهما أكثر تعقيداً، إذ يتطلب الأمر في هذه الحالة توخي الدقة في تحديد الجوانب التي ينطوي عليها السلوك، ووضع بنود تكشف عن كل جانب منه. ولتحقيق صفة الصدق هذه إجراءات عدة، بعضها يعتمد التحليل المنطقي للرائز ولمجال السلوك المراد قياسه، وبعضها يعتمد التحليل الكمي والإحصائي الذي يستند إلى تجريب بنود الرائز وتطبيقها على أفراد لهم خصائص محددة. والإجراءات المعتمدة في التحقق من الصدق يمكن اعتمادها في تحديد أشكال الصدق والتي يكون من ضمنها صدق المحتوى، والصدق التلازمي، والصدق التنبؤي، والصدق البنيوي.
2- الثبات: ويشير الثبات إلى ثبات نتائج تطبيق الرائز لدى تكرار استعماله على المفحوص نفسه سواء من قبل فاحص واحد أو أكثر، فإذا تم تطبيق رائز في الرياضيات لقياس تحصيل مجموعة من التلاميذ وحصلنا على علاماتهم جراء ذلك، ثم كررنا تطبيق الرائز عليهم مرة أخرى بعد فترة زمنية قصيرة، فإن مقدار التطابق بين علامات التطبيقين يمثل ما يسمى ثبات الرائز، والأمر ذاته فيما لو قام عدد من الفاحصين بتطبيق المقياس أو الرائز على المجموعة ذاتها من التلاميذ وحساب نتائجهم، فإن مقدار التطابق بين علامات الفاحصين تمثل أيضاً ما يسمى بثبات الرائز، وعادة يتم تحديد مقدار التطابق هذا من بيان معامل الارتباط الذي يعد الأساس في حساب معامل الثبات.
يتضح مما سبق أن الثبات يرتبط بالعلامات أو النتائج، في حين أن الصدق يرتبط بالرائز نفسه وبنوده ومحتوياته. لذا فإن الاختبار الصادق هو ثابت بالضرورة ولكن الاختبار الثابت ليس صادقاً بالضرورة.
ولابد من الإشارة إلى وجود طرائق عدة للتحقق من ثبات الرائز تمثل أيضاً أشكال الثبات وهي: الثبات بالتجزئة، الثبات بالشكل المعادل أو المكافئ، والثبات بالإعادة.
3- التقنين: يشير التقنين إلى وحدة شروط تطبيق الرائز وحساب نتائجه وتفسيره، ويعدُّ هذا شرطاً لازماً في الروائز المعيَّرة والمقننة، وشرط التقنين يحقق صفة الموضوعية والبعد عن التأثر بالعوامل الذاتية للفاحصين والمصححين. فلابد أن يخضع جميع المفحوصين للشروط ذاتها في التطبيق من حيث الشروط المادية كزمن التطبيق وتوقيته وقاعة التطبيق، والحرارة والضجيج... إلخ ومن حيث خصائص الفاحصين وخبراتهم، كما لابد من إخضاعهم جميعاً للطريقة ذاتها في حساب النتائج وتفسيرها، معتمدين في ذلك على مجموعة من المعايير التي يمكن استخراجها من تطبيق الرائز على عينة واسعة من الأفراد، والتي تمكِّن من تحديد الوضع النسبي لمفحوص ما بين أفراد هذه العينة الذين يتشابهون في خصائصهم مع خصائصه من حيث العمر والجنس والمستوى التعليمي وغير ذلك.
وشرط التقنين يرتبط بخاصية التعيير فلا يكون الرائز موضوعياً ومقنناً إن لم يكن هناك معايير، والعلاقة بين التقنين والتعيير هي علاقة الكل بالجزء فالتقنين أشمل وأعم من التعيير ولابد من الإشارة إلى أن المعايير نسبية وليست مطلقة، وأنه لابد من أن يعاد بناؤها في مدد زمنية محددة، وذلك لأن خصائص الظاهرة النفسية أو السلوك النفسي الذي جرى قياسه قد يتغير مع الزمن من حيث نسبة انتشاره أو طبيعته في المجتمع.
إيمان عز
Psychological test - Test psychologique
الرائز النفسي
الرائز النفسي psychological test اختبار يسمح بأن نقيس، بطرائق علمية، مختلف أوجه العملية الذهنية والانفعالية، ولاسيما تلك المتعلقة بسمات الشخصية والسلوك والذكاء. والرائز test في مجال دراسة السلوك الإنساني يشير إلى طريقة منظمة وموضوعية في إعداد وتطوير مجموعة من البنود أو الأسئلة واستخدامها في الكشف عن جانب محدد من جوانب الشخصية، وتسمح بالوقت ذاته بمقارنة الأفراد فيما بينهم في هذا الجانب حصراً. فثمة رائز للذكاء ورائز للقدرات وآخر للتحصيل ورابع للشخصية... وهكذا.. فالرائز هو: مقياس موضوعي يتألف من مجموعة من البنود التي تكشف سلوكاً ما.
والرائز النفسي، هو تقرير موضوعي لسلوك الشخص المفحوص بعيداً عن تدخل العوامل الذاتية للفاحص أو لمصحح الرائز، وعليه فإنه لابد من تصحيح الرائز وضبط شروطه في كل مرة يستخدم فيها، سواء استخدم على المفحوص نفسه أم على مفحوصين آخرين.
يبدو أن في استخدام مصطلح الرائز دقة لا تتوافر في استخدام مصطلحات أخرى تبدو مرادفة له كالمقياس، والاستبانة، والقائمة، والاستخبار، لأنه يرتبط بضرورة توافر الخصائص القياسية الضرورية والمعروفة بالصدق والثبات والتعيير والتقنين، وهي خصائص لا ضرورة لتوافرها جميعاً في المصطلحات الأخرى ولاسيما في التعيير والتقنين.
ويشير الروز إلى تلك العملية المنظمة التي يلجأ إليها الاختصاصي مستخدماً رائزاً ما للكشف عن سلوك ما لدى الفرد، والتي تنتهي إلى إعطاء تقدير كمي لهذا السلوك.
التطور التاريخي للروز النفسي
ولد الرائز مع انفصال علم النفس التجريبي عن علم النفس الأكاديمي، وذلك في أثناء السعي إلى تحديد الملكات الرئيسية للفرد، فضلاً عن تحديد الفروق الصغيرة بين الأفراد.
بدأ القياس النفسي بالظهور خارج علم النفس، وذلك من خلال الدراسات الخاصة بالكشف عن الفروق بين الأفراد في سرعة استجابتهم لمثير أو لمنبه ما، ولاسيما في ميدان الفلك، فقد دارت هذه الدراسات حول معرفة الفروق وقياسها في تقديرات الفلكيين ورصدهم للكواكب، والتي انتهت إلى أن الزمن اللازم لحدوث الاستجابة نحو منبهٍ ما يختلف من فرد إلى آخر. وبالمقابل فقد برزت الحاجة للتمييز بين الأفراد في قدراتهم العقلية، وتمييز المتخلفين عقلياً من العاديين، إضافة إلى تمييز بعض المتخلفين من بعضهم الآخر، وتصنيفهم في مستويات حسب شدة التخلف العقلي، أو مقدار ما يمتلكون من القدرة العقلية العامة.. وتعدُّ هذه المرحلة من دراسة الفروق الفردية في القدرات العقلية بداية ظهور القياس النفسي في إطار علم النفس والتربية. ويُعد العالم الفرنسي بينيه Binet المؤسس الحقيقي لقياس ذكاء الأفراد بصورته الحالية، وهو الذي وضع أيضاً مع زميله سيمون Simon أول «سلم قياسي للذكاء» عام 1905، الذي استُخدم لعزل الأطفال المتخلفين عقلياً من البرامج التعليمية المدرسية العادية.
وكان للحرب العالمية الأولى دورها في دفع حركة روز الذكاء، ففي أثنائها ظهرت الحاجة إلى استخدام مقاييس عقلية جمعية تطبق على أعداد غفيرة من الجنود في وقت واحد، ووُضِع اختبارا ألفا للجيش، وبيتا للأميين وغير الناطقين بالإنكليزية، لاستخدامهما في فرز المجندين وانتقاء القادة ورجال المهمات الخاصة، وفي استبعاد المتخلفين عقلياً وتحويل منخفضي الذكاء إلى أعمال مناسبة لهم. وظهرت إبان الحرب العالمية الأولى أيضاً حركة روز الشخصية لتنتشر بصورة واسعة بعد الحرب العالمية الثانية جراء الحاجة إلى الكشف عن سمات الشخصية والتمييز بين الأفراد الأسوياء وغير الأسوياء.
شهد القرن الماضي الألوف المؤلفة من الروائز في مجال الذكاء والشخصية والميول والاتجاهات والأسرة والزواج.. إلى حد بات من الصعب على الأشخاص العاديين والمتخصصين حصر هذه الروائز والإلمام بها، مما حدا ببعض الجهات إلى القيام بمهمة مساعدة المتخصصين في اختيار الراوئز الملائمة لحاجتهم وعملهم من خلال إصدار كتب متخصصة بالروائز تذكر فيها معلومات جيدة عنها، وتعرف هذه الكتب بـ «الكتاب السنوي للروائز النفسية».
أنواع الراوئز
تضم الكتب النفسية السنوية المستعملة في مجالات التربية وعلم النفس أعداداً كبيرة تقدر بالمئات، مع أن هناك اختبارات تقدر بالآلاف لم تضمها هذه الكتب، فالكتاب السنوي يضم فقط الروائز الأكثر شيوعاً واستخداماً في مجالات البحث والعلاج النفسي.
تصنف الروائز بحسب ما وضعت هذه الروائز للكشف عنه، أو وفق طريقة إجرائها وتطبيقها، أو بما يتوافر في بنودها من درجة الغموض والوضوح، ولكن يبدو أن الصنف الأكثر اعتماداً هو ذلك المرتبط بطبيعة المجال، أو الجانب الذي يكشفه الرائز، وفي هذا الصنف توجد روائز الذكاء، والشخصية والسمات، والمواقف والاتجاهات، والميول، والتكيف، والاضطراب النفسي، والقدرات الخاصة والاستعدادات، والمواهب، والتحصيل، والأهلية، والمهارات وغيرها.
أغراض الروائز النفسية
تؤدي الروائز النفسية أغراضاً جمة تمثل المجالات التي تستخدم فيها هذه الروائز وهي:
1- التشخيص النفسي والتربوي: يساعد استخدام الروائز النفسية على تقديم معرفة وصفية وديناميكية عن المعالَج أو المفحوص، وتشمل هذه المعرفة أساليب تفكير المعالَج ومحاكمته ومحتوى أفكاره، وسياقها، وإدراكه، وذاكرته. كما تشمل انفعالاته، وصراعاته، وخبراته الشعورية واللاشعورية، واضطرابه، واستواءه. فالروائز هي الوسيلة المناسبة بين يدي المعالج لمعرفة واقع المعالَج أو المفحوص وحاضره وماضيه وتطلعاته المستقبلية. إنها وسيلته أيضاً لتشخيص نقاط القوة والضعف في شخصيته، والتي تستند إليها في وضع البرنامج العلاجي الملائم.
وتستخدم الروائز في التشخيص التربوي لمعرفة صعوبات التعلم التي يواجهها بعض الأفراد وتحديد مجالات التأخر الدراسي لدى بعضهم الآخر، في سبيل وضع البرنامج التعليمي العلاجي المناسب الذي يستند إلى معرفة القدرات الفعلية للأفراد ونقاط الضعف والقوة في تحصيلهم.
2- التوجيه والإرشاد التربوي والمهني: يساعد استخدام الروائز النفسية، وروائز الميول والقدرات خاصة، على توجيه الطلاب والأفراد نحو نوع الدراسة التي تلائمهم، سواء في المرحلة الإعدادية والثانوية، أم في المرحلة الجامعية، باختيار الكلية التي تتفق مع قدراتهم وإمكاناتهم، أو نحو المهنة التي تلائمهم خصوصاً إذا لم يكونوا أساساً في المؤسسات التعليمية.
ويتطلب التوجيه التربوي والمدرسي معرفة موضوعية شاملة لقدرات الفرد واتجاهاته وميوله وجوانب شخصيته المختلفة، وتكوين صورة متكافئة وصادقة عنه حتى تكون عملية التوجيه صحيحة، وفعّالة.
3- الانتقاء والتصنيف والاختيار: تحتاج الإدارة التعليمية إلى الروائز في اتخاذ قرارات تتعلق بانتقاء الدارسين واختيارهم وتصنيفهم في فئات بحسب قدراتهم. وتشير عملية الانتقاء إلى قبول بعض الدارسين لدراسة معينة أو تخصص معين، ورفض بعضهم الآخر ممن يرغبون في هذه الدراسة أو التخصص. أما التصنيف فهو خطوة لاحقة للانتقاء، إذ تشير إلى فرز الدارسين في مستويات تراتبية.. ويتم عادة الاعتماد في كلا الأمرين على الروائز والاختبارات العامة والمتخصصة في مجال الدراسة أو التخصص المطلوب.. وعادة ما تشير الدراسات إلى فاعلية هذه الروائز إذا بنيت بشكل علمي في ميداني الانتقاء والتصنيف. ويقع في هذا الميدان المجال المهني إذ يتم اختيار عدد من المتقدمين لشغل وظيفة أو مهنة ما في مؤسسة ما استناداً أيضاً إلى الروائز والاختبارات.
4- الإرشاد والعلاج: إن في جملة ما يهدف إليه الإرشاد والعلاج إحداث تغيير في السلوك ينطوي على تغيير في البناء المعرفي أو الإدراكي أو الانفعالي للفرد. ولكي يتحقق المرشد والمعالج من أن الخطة الإرشادية أو العلاجية حققت أهدافها فإنه يستخدم الروائز النفسية ليقارن أداء المُعالَج عليها قبل الإرشاد والعلاج وبعدهما. وتعد عملية المقارنة هذه الوسيلة المناسبة للكشف عن مدى التقدم الذي أحرزه المعالَج بتأثير من الإرشاد أو العلاج. ومن ناحية أخرى فإن مجرد تطبيق الروائز على المعالَج لـه دوره في العلاج إذ إنه يزيد من استبصار المعالَج بنفسه وينبهه إلى بعض القضايا المتعلقة به والتي لم يكن يعيها.
5- البحث العلمي: تُستخدم الروائز كأدوات لجمع المعلومات للتحقق من فرضيات علمية يضعها باحث ما حول خصائص ظاهرة نفسية ما وانتشارها في المجتمع. كما تُعتمد في الوصول إلى نتائج أبحاث علمية وتجريبية تكون الأساس في اتخاذ العديد من القرارات التربوية أو القرارات التي تمس العملية التربوية أو التنشئة الاجتماعية أو أي مجال مجتمعي آخر في سبيل تطوير أفراد المجتمع وتقدمهم.
خصائص الروائز
يتمتع الرائز بمجموعة من الخصائص تعرف بالشروط القياسية أو الخصائص القياسية التي تجعله أداة موضوعية قادرة على كشف السلوك المراد الكشف عنه دون تمييز أو تطرف. وهذه الخصائص هي: الصدق، والثبات، والتقنين.
1- الصدق: ويشير هذا المصطلح إلى ما إذا كان الرائز يقيس فعلاً ما وضع لقياسه. إنه يشير إلى دقة قياس بنود الرائز وما وضعت لقياسه. فإذا كان الرائز مصمماً لقياس الذكاء فلابد أن تكون بنوده قادرة على الكشف عن هذا الذكاء وليس عن أي شيء آخر. فإذا ضم رائز الذكاء بنوداً تكشف عن الأخطاء الإملائية مثلاً فإنه لا يمكن عد هذا الرائز رائزاً صادقاً، وكذلك الأمر إذا كان هناك رائز تحصيلي في الرياضيات وضم بنوداً في الفيزياء فإنه رائز غير صادق.
وتعد صفة الصدق الشرط الأهم اللازم توافرها في الرائز، وتزداد أهمية هذه الصفة كلما كانت الظاهرة النفسية أو السلوك المراد الكشف عنهما أكثر تعقيداً، إذ يتطلب الأمر في هذه الحالة توخي الدقة في تحديد الجوانب التي ينطوي عليها السلوك، ووضع بنود تكشف عن كل جانب منه. ولتحقيق صفة الصدق هذه إجراءات عدة، بعضها يعتمد التحليل المنطقي للرائز ولمجال السلوك المراد قياسه، وبعضها يعتمد التحليل الكمي والإحصائي الذي يستند إلى تجريب بنود الرائز وتطبيقها على أفراد لهم خصائص محددة. والإجراءات المعتمدة في التحقق من الصدق يمكن اعتمادها في تحديد أشكال الصدق والتي يكون من ضمنها صدق المحتوى، والصدق التلازمي، والصدق التنبؤي، والصدق البنيوي.
2- الثبات: ويشير الثبات إلى ثبات نتائج تطبيق الرائز لدى تكرار استعماله على المفحوص نفسه سواء من قبل فاحص واحد أو أكثر، فإذا تم تطبيق رائز في الرياضيات لقياس تحصيل مجموعة من التلاميذ وحصلنا على علاماتهم جراء ذلك، ثم كررنا تطبيق الرائز عليهم مرة أخرى بعد فترة زمنية قصيرة، فإن مقدار التطابق بين علامات التطبيقين يمثل ما يسمى ثبات الرائز، والأمر ذاته فيما لو قام عدد من الفاحصين بتطبيق المقياس أو الرائز على المجموعة ذاتها من التلاميذ وحساب نتائجهم، فإن مقدار التطابق بين علامات الفاحصين تمثل أيضاً ما يسمى بثبات الرائز، وعادة يتم تحديد مقدار التطابق هذا من بيان معامل الارتباط الذي يعد الأساس في حساب معامل الثبات.
يتضح مما سبق أن الثبات يرتبط بالعلامات أو النتائج، في حين أن الصدق يرتبط بالرائز نفسه وبنوده ومحتوياته. لذا فإن الاختبار الصادق هو ثابت بالضرورة ولكن الاختبار الثابت ليس صادقاً بالضرورة.
ولابد من الإشارة إلى وجود طرائق عدة للتحقق من ثبات الرائز تمثل أيضاً أشكال الثبات وهي: الثبات بالتجزئة، الثبات بالشكل المعادل أو المكافئ، والثبات بالإعادة.
3- التقنين: يشير التقنين إلى وحدة شروط تطبيق الرائز وحساب نتائجه وتفسيره، ويعدُّ هذا شرطاً لازماً في الروائز المعيَّرة والمقننة، وشرط التقنين يحقق صفة الموضوعية والبعد عن التأثر بالعوامل الذاتية للفاحصين والمصححين. فلابد أن يخضع جميع المفحوصين للشروط ذاتها في التطبيق من حيث الشروط المادية كزمن التطبيق وتوقيته وقاعة التطبيق، والحرارة والضجيج... إلخ ومن حيث خصائص الفاحصين وخبراتهم، كما لابد من إخضاعهم جميعاً للطريقة ذاتها في حساب النتائج وتفسيرها، معتمدين في ذلك على مجموعة من المعايير التي يمكن استخراجها من تطبيق الرائز على عينة واسعة من الأفراد، والتي تمكِّن من تحديد الوضع النسبي لمفحوص ما بين أفراد هذه العينة الذين يتشابهون في خصائصهم مع خصائصه من حيث العمر والجنس والمستوى التعليمي وغير ذلك.
وشرط التقنين يرتبط بخاصية التعيير فلا يكون الرائز موضوعياً ومقنناً إن لم يكن هناك معايير، والعلاقة بين التقنين والتعيير هي علاقة الكل بالجزء فالتقنين أشمل وأعم من التعيير ولابد من الإشارة إلى أن المعايير نسبية وليست مطلقة، وأنه لابد من أن يعاد بناؤها في مدد زمنية محددة، وذلك لأن خصائص الظاهرة النفسية أو السلوك النفسي الذي جرى قياسه قد يتغير مع الزمن من حيث نسبة انتشاره أو طبيعته في المجتمع.
إيمان عز