"حوش خوسي أوتشو".. رواية عجائبية تشهد على سقوط الأندلس
الرواية تقودنا عبر مسارات حكاياتها المتداخلة لا لأجل الحكاية فحسب بل لإلقاء نظرة على التاريخ وفهم مآلاته.
الثلاثاء 2023/04/04
امرأة تستعيد التاريخ (لوحة للفنان زياد الأصرم)
الجزائر - تحكي رواية “حوش خوسي أوتشو” للروائية الجزائرية ليلى عيون قصة كاتب مغمور يدعى “خوسي فرنانديز القاضي”، وهو شاب ينحدر من عائلة “موريسكية” قدمت إلى الجزائر من جزيرة منورقة، وهي واحدة من جزر البليار الإسبانية الواقعة في البحر المتوسط.
وفي التفاصيل، تصور الروائية حرقة هذه العائلة التي كانت تنتظر، منذ قرون، ولادة روائي من بين أفراد العائلة، حتى تسلمه المخطوط اللغز وعقد ملكية بيت بمدينة وهران (غرب الجزائر)، توارثتهما العائلة أبا عن جد.
ويكبر خوسي، وتكبر آمال والده في أن ينتقل إلى وهران حيث يجد تتمة المخطوط، ويكشف الحقيقة التي تنتظرها العائلة منذ أجيال سحيقة، وكان كل ما يشغله أن ينتقل إلى “أميركا الجنوبية” بغية إطلاق باكورة أعماله الأدبية.
حين يجتاح فرانكو إسبانيا، أواخر الثلاثينات (1939)، يفر خوسي نحو أليكانت، بعد أن يدفن والده – محملا بالمخطوط – بغية اللحاق بآخر سفينة “ستانبروك” تقله إلى أي نقطة خارج إسبانيا.
بنية العجائبي في الرواية ترتبط بالذات والتاريخ واللا شعور
وخلال الرحلة يتفاجأ خوسي بحقيقة أن كابتن الرحلة المدعو ديكسون، قرر الرسو بمدينة وهران، هذه المدينة الخرافة التي تلح عليه ويأتيها مكرها.
غير أن السلطات الاستعمارية بالجزائر ترفض رسو سفينة “ستانبروك” بميناء وهران، وتبقى السفينة عالقة ما يربو عن الشهر، وعندما ينتشر وباء “التيفوس” القاتل بين الركاب، وتتساقط الأرواح الآدمية، يضطر المستعمر إلى إنزال اللاجئين. ويعامل وسي كأسير حرب، فيشهر ملكية البيت القديم بوهران، ويقصد الحوش مرغما حتى لا يحول إلى مراكز الاحتجاز التي أعدها الاستعمار للاجئين الإسبان.
وتقول الروائية ليلى عيون في تعليقها على الانتقال العجيب والتداخل الذي يحدث في عملها الروائي “حين تقبع ‘الحاجة غفورة’ في سريرها بعد سقوطها من عل، تقرر رحمة – كنتها – قطع الشجرة، وإذاك تنتقم التينة منها وتحولها إلى امرأة خرساء. يستنجد بالشيخ البوجيدي فيأتي بأدواته ليبرئ رحمة، ويشترط عليها أن يكون شعرها الكالح السواد مهماز الخرس. توافق رحمة على مضض، غير أنها تنصرم من عين المرآة لتجد نفسها في القرن الثالث عشر”.
وتضيف الروائية “قرن فظيع من حيث الأحداث التاريخية، فيه سقطت الدولة الموحدية في معركة العقاب سنة 1212 ميلاديا، وإذاك تهاوت إمارات الأندلس تباعا مما عزز ميلاد فكرة الاستشراق على يد رامون لول، وعليه لا بد – حسبه – استرجاع هذه الأراضي”.
ووضحت “هذا القرن أيضا عرف وفاة قطب الأقطاب محي الدين بن عربي، وميلاد جلال الدين الرومي واصطف رجال الدين على ضفتي المتوسط، كل ينهي تراتيله بكلمة آمين، ومذاك انتظم الغزل على مغزل الدين والسلطان”، مشيرة إلى أن هذا القرن هو أيضا القرن الذي سبق النهضة الأوروبية.
القرن الثالث عشر قرن فظيع من حيث الأحداث التاريخية، فيه سقطت الدولة الموحدية في معركة العقاب سنة 1212 ميلاديا
وتنقلنا رحمة في جسد آخر، وفي زمن آخر، وباسم آخر ثريا إلى منورقة سنة 1287، حيث قاوم الحكم بن السعيد ألفونسو الثالث واستمات في الدفاع عن أرض المسلمين، لكن منورقة سقطت في يد الصليبيين، وإذاك تكون آخر معاقل المسلمين قبل أن تسقط بعدها بأكثر من قرن غرناطة.
تلتقي ثريا بخوسي أوتشو، الذي سمي باسمه الحوش الذي كانت تقطن به في وهران، وبالشيخ البوجيدي أيضا، وتستطيع أن تداوي تينته فتنبت خصلات شعرها من جديد.
وتنقل لنا ثريا الحياة الاجتماعية بالأندلس، وتشهد مرحلة سقوطها، وينفى الحكم بن السعيد إلى شمال أفريقيا، غير أن ثريا تستنكف الرحيل لتبحث عن حبيبها هارون، وخلال رحلة التهجير
تغرق السفينة وعلى متنها الحكم بن السعيد ولا ينجو سوى خوسي أوتشو الذي يزرع غصن تينة بوهران بعدما قذفته مياه البحر بها. وهناك تنبت شجرة تين في وهران، لتتواصل حبكة الرواية في عوالم عجائبية يتزاوج فيها الواقع بالخيال.
تشغيل العجائبي في الرواية يختلف من حيث التناول، وإن كان يهدف إلى صياغة رؤية رمزية للزمن العربي في لحظات ماضية، إذ إن بنية العجائبي في هذه الرواية ترتبط بالذات والتاريخ واللا شعور، فتقودنا الكاتبة عبر مسارات حكاياتها المتداخلة لا لأجل الحكاية فحسب، بل أيضا لإلقاء نظرة على التاريخ وفهم مآلاته، متحركة من خلال رمزية تبثها في كامل عناصر وشخصيات الرواية وأحداثها.
يشار إلى أن ليلى عيون روائية وباحثة وكاتبة مقالات من وهران (غرب الجزائر)، تشتغل حاليا أستاذة متخصصة في إدارة المعلومات والعلوم الوثائقية بالمعهد الوطني للتكوين والتعليم. وصدرت لها رواية “شطحات أنثى” عن دار الفارابي في 2016. وقد صدرت روايتها “حوش خوسي أوتشو” مؤخرا عن دار ميم للنشر بالجزائر.