التطور الرقمي يعوض الحفلات ويغازل الفنانين
الرموز غير القابلة للاستبدال تمكن المبدعين من بيع أغانيهم وكلماتها وحقوقهم الفنية للزبائن دون وسيط.
الثلاثاء 2023/04/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عالم رقمي يعوض الواقع
آن ماري أوتز
برلين- شهدت صناعة الموسيقى والغناء تحولات واسعة النطاق خلال العقود الأخيرة، فتطورت من الأسطوانات إلى أشرطة الكاسيت، ثم إلى الأقراص المدمجة وأجهزة التسجيل الرقمية، وبعدها منصات إذاعة الموسيقى والأغاني على الإنترنت مباشرة، غير أن هناك تقنية جديدة آخذة في الانطلاق لتعيد تشكيل هذه الصناعة بطريقة لم تحدث من قبل، ويطلق على التقنية اسم “رموز غير قابلة للاستبدال”، والتي تعني أنها لا يمكن استبدالها بأي شيء، بسبب خواصها الفريدة.
وهذه التقنية أصبحت الآن تساعد الجمهور على حضور الحفلات الموسيقية وهم جالسون على الأرائك عن طريق شراء تذاكر من هذه الرموز، ومن هنا فإن الموسيقى في حد ذاتها يمكن أن تمثل استثمارا، كما يمكن للمعجبين أن يتحدثوا عبر منصات رقمية مع نجومهم المحببين إلى قلوبهم، ولكن كيف يتحقق ذلك، وما هي هذه الرموز غير القابلة للاستبدال على أيّ حال؟
ومثلما توجد أصول على أرض الواقع، هناك أصول رقمية أيضا، فالرموز غير القابلة للاستبدال تعطي شهادة رقمية على أصالة عمل فني رقمي أو قطعة موسيقية مّا، ممّا يجعل الأصل قابلا للتمييز عن النسخ المأخوذة منه، وتحصل السلع الرقمية مثل الأغاني أو كلمات الأغاني أو الأعمال الفنية الرقمية على شهادة ملكية غير قابلة للاستبدال، ويتم تداولها بعد ذلك بدلا من القطعة الفنية الأصلية.
هناك تساؤل يقول: هل هذا التطور يعني انتهاء حفلات الراقصين المبتهجين الذين يتفصدون عرقا وهم يتمايلون وسط الزحام على مسارح الاحتفالات الحقيقية؟
وبعكس القطعة الموسيقية لا يمكن للرمز أن يعاد إنتاجه، ولا يمكن أيضا التلاعب فيه، حيث أن الرموز غير القابلة للاستبدال يتم تخزينها في قاعدة بيانات رقمية، باستخدام تقنية “بلوك تشين” (سلاسل الكتل).
ويقول جان دينكه رئيس شركة “12 في 12” الناشئة ومقرها برلين، والتي تقوم بتطوير استخدام الرموز غير القابلة للاستبدال، في صناعة الموسيقى، إنه “بمساعدة بلوك تشين يمكننا التحقق رقميا من التعاملات بين الأفراد وتوثيقها، دون الحاجة إلى الاستعانة بالمؤسسات المركزية”.
ويضيف دينكه “إذا استطعت فجأة تبادل الممتلكات في فضاء رقمي، بقيم رقمية بحتة، وربما عبر أشخاص رقميين في الفضاء الافتراضي، سيكون لذلك تأثير على الصناعات الإبداعية بأكملها”، وفي مجال الموسيقى سيتطور هذا المفهوم من خلال التسجيلات الرقمية.
ويوضح دينكه أنه “باستخدام الفنان التسجيلات الرقمية فإن كل ما يفعله هو مجرد إتاحة محتوى خاص في السوق بإصدار محدود”، ولكن باستخدام الرموز غير القابلة للاستبدال يمكن للمبدعين بيع أغانيهم وكلمات الأغاني وحقوقهم الفنية للزبائن مباشرة دون وساطة طرف ثالث، الأمر الذي يفتح الباب أمام إمكانات الحصول على موارد جديدة للدخل”.
ويقول دينكه “قبل ذلك لم يكن الفنان يشارك في عملية زيادة قيمة عمله الفني، لأنه لم يكن أمامه سبيل لفعل ذلك، ومن الممكن أن يكون الوسطاء قد باعوا تسجيلا غنائيا بمبلغ 20 دولارا، ثم أعيد بيعه في وقت لاحق بمبلغ أعلى بكثير، أما الآن فيستفيد الفنان من كل عملية إعادة بيع لرمز غير قابل للاستبدال، بالحصول على نسبة من المبيعات التي ترتفع قيمتها”.
بينما يقول ديفيد شتامر مدير إدارة الابتكار الرقمي بأكاديمية ولاية بادن فيرتمبرج لأغاني البوب إن الرمز غير القابل للاستبدال لديه أيضا قيمة عاطفية بالنسبة إلى المعجبين بالفنانين، “في حالة رغبتهم في دعم فنان مّا، ويمكنهم إظهار الدعم ووضعهم كمعجبين في الفضاء الرقمي”.
غير أن شتامر يحذّر من أن شراء الرموز غير القابلة للاستبدال يحمل بعض المخاطر، حيث أن السوق حافلة بالتقلبات، ويقول “بعد مرحلة من ارتفاع الأسعار عام 2021، انخفضت أرقام المبيعات بحدة في 2022، وحدثت خسائر في قيمتها”، وهناك أيضا مسائل قانونية في هذا المجال لم تحل بعد.
هذا النوع من المهرجانات يسمح للناس بأن يتبادلوا الأفكار عبر الحدود، بغض النظر عن مواقعهم، كما يجعل تجربة الاحتفال متاحة حتى بالنسبة إلى الأشخاص ذوي القدرات المالية المحدودة
ويضيف شتامر إن “التجارة في الأعمال الموسيقية وترخيصها مسألة معقدة بمقتضى قانون حقوق النشر، وبالتالي يجب دراسة نماذج الأعمال الفنية الجديدة التي تستند على قانون النشر بعناية”، وثمة مصدر آخر للقلق، وهو أن الرموز غير القابلة للاستبدال يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على البيئة، “على الرغم من أن الكثير من المشروعات الموسيقية التي تستخدم هذه الرموز تؤكد أنها تعمل بتقنية بلوك تشين الصديقة للبيئة”.
وأخذ هذا الابتكار ينتشر تدريجيا على مستوى العالم، ومن بين الشركات الناشئة الأخرى في مجال إصدار تذاكر الرموز غير القابلة للاستبدال شركتا “أوفيت” ومقرها تكساس، و”جوتس” ومقرها أمستردام، والتي تتعهد باستخدام تقنية بلوك تشين، لمقاومة الممارسات “غير المتعقلة وغير العادلة” لصناعة إصدار هذه النوعية من التذاكر.
وحصلت شركة “12 في 12” على الحقوق الحصرية لإقامة فعاليات تستخدم فيها الرموز غير القابلة للاستبدال، داخل تطبيق الميتافيرس على مستوى جديد في مارس الماضي عن طريق إطلاق مهرجان ألماني لموسيقى وأغاني الراب، وهذا المهرجان أخذ شكل مكان بداخله غرف افتراضية للحفلات الموسيقية، ومساحة للتفاعل بل وحتى ممارسة الرقص، وكل هذه الفعاليات يمكن الدخول إليها من المنازل.
وهذا النوع من المهرجانات المقامة على الإنترنت يسمح للناس بأن يتبادلوا الأفكار عبر الحدود، بغض النظر عن مواقعهم، كما يجعل تجربة الاحتفال متاحة حتى بالنسبة إلى الأشخاص ذوي القدرات المالية المحدودة، أو الذين يعانون من عدم القدرة على الحركة والانتقال.
وهناك تساؤل يقول: هل هذا التطور يعني انتهاء حفلات الراقصين المبتهجين الذين يتفصدون عرقا وهم يتمايلون وسط الزحام على مسارح الاحتفالات الحقيقية؟
ويرد دينكه على هذا التساؤل بقوله “لا تزال الاحتفالات الحقيقية تحتفظ بأسباب وجودها، ولن يحل محلها عالم رقمي، غير أن الميتافيرس والعوالم الرقمية المماثلة، ستتيح إمكانات إضافية للمعجبين لمعايشة الفنانين، وفي المستقبل سينمو كلا العالمين معا، بدرجة أكبر ومستمرة مع تطور التحول الرقمي”.
الرموز غير القابلة للاستبدال تمكن المبدعين من بيع أغانيهم وكلماتها وحقوقهم الفنية للزبائن دون وسيط.
الثلاثاء 2023/04/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عالم رقمي يعوض الواقع
آن ماري أوتز
برلين- شهدت صناعة الموسيقى والغناء تحولات واسعة النطاق خلال العقود الأخيرة، فتطورت من الأسطوانات إلى أشرطة الكاسيت، ثم إلى الأقراص المدمجة وأجهزة التسجيل الرقمية، وبعدها منصات إذاعة الموسيقى والأغاني على الإنترنت مباشرة، غير أن هناك تقنية جديدة آخذة في الانطلاق لتعيد تشكيل هذه الصناعة بطريقة لم تحدث من قبل، ويطلق على التقنية اسم “رموز غير قابلة للاستبدال”، والتي تعني أنها لا يمكن استبدالها بأي شيء، بسبب خواصها الفريدة.
وهذه التقنية أصبحت الآن تساعد الجمهور على حضور الحفلات الموسيقية وهم جالسون على الأرائك عن طريق شراء تذاكر من هذه الرموز، ومن هنا فإن الموسيقى في حد ذاتها يمكن أن تمثل استثمارا، كما يمكن للمعجبين أن يتحدثوا عبر منصات رقمية مع نجومهم المحببين إلى قلوبهم، ولكن كيف يتحقق ذلك، وما هي هذه الرموز غير القابلة للاستبدال على أيّ حال؟
ومثلما توجد أصول على أرض الواقع، هناك أصول رقمية أيضا، فالرموز غير القابلة للاستبدال تعطي شهادة رقمية على أصالة عمل فني رقمي أو قطعة موسيقية مّا، ممّا يجعل الأصل قابلا للتمييز عن النسخ المأخوذة منه، وتحصل السلع الرقمية مثل الأغاني أو كلمات الأغاني أو الأعمال الفنية الرقمية على شهادة ملكية غير قابلة للاستبدال، ويتم تداولها بعد ذلك بدلا من القطعة الفنية الأصلية.
هناك تساؤل يقول: هل هذا التطور يعني انتهاء حفلات الراقصين المبتهجين الذين يتفصدون عرقا وهم يتمايلون وسط الزحام على مسارح الاحتفالات الحقيقية؟
وبعكس القطعة الموسيقية لا يمكن للرمز أن يعاد إنتاجه، ولا يمكن أيضا التلاعب فيه، حيث أن الرموز غير القابلة للاستبدال يتم تخزينها في قاعدة بيانات رقمية، باستخدام تقنية “بلوك تشين” (سلاسل الكتل).
ويقول جان دينكه رئيس شركة “12 في 12” الناشئة ومقرها برلين، والتي تقوم بتطوير استخدام الرموز غير القابلة للاستبدال، في صناعة الموسيقى، إنه “بمساعدة بلوك تشين يمكننا التحقق رقميا من التعاملات بين الأفراد وتوثيقها، دون الحاجة إلى الاستعانة بالمؤسسات المركزية”.
ويضيف دينكه “إذا استطعت فجأة تبادل الممتلكات في فضاء رقمي، بقيم رقمية بحتة، وربما عبر أشخاص رقميين في الفضاء الافتراضي، سيكون لذلك تأثير على الصناعات الإبداعية بأكملها”، وفي مجال الموسيقى سيتطور هذا المفهوم من خلال التسجيلات الرقمية.
ويوضح دينكه أنه “باستخدام الفنان التسجيلات الرقمية فإن كل ما يفعله هو مجرد إتاحة محتوى خاص في السوق بإصدار محدود”، ولكن باستخدام الرموز غير القابلة للاستبدال يمكن للمبدعين بيع أغانيهم وكلمات الأغاني وحقوقهم الفنية للزبائن مباشرة دون وساطة طرف ثالث، الأمر الذي يفتح الباب أمام إمكانات الحصول على موارد جديدة للدخل”.
ويقول دينكه “قبل ذلك لم يكن الفنان يشارك في عملية زيادة قيمة عمله الفني، لأنه لم يكن أمامه سبيل لفعل ذلك، ومن الممكن أن يكون الوسطاء قد باعوا تسجيلا غنائيا بمبلغ 20 دولارا، ثم أعيد بيعه في وقت لاحق بمبلغ أعلى بكثير، أما الآن فيستفيد الفنان من كل عملية إعادة بيع لرمز غير قابل للاستبدال، بالحصول على نسبة من المبيعات التي ترتفع قيمتها”.
بينما يقول ديفيد شتامر مدير إدارة الابتكار الرقمي بأكاديمية ولاية بادن فيرتمبرج لأغاني البوب إن الرمز غير القابل للاستبدال لديه أيضا قيمة عاطفية بالنسبة إلى المعجبين بالفنانين، “في حالة رغبتهم في دعم فنان مّا، ويمكنهم إظهار الدعم ووضعهم كمعجبين في الفضاء الرقمي”.
غير أن شتامر يحذّر من أن شراء الرموز غير القابلة للاستبدال يحمل بعض المخاطر، حيث أن السوق حافلة بالتقلبات، ويقول “بعد مرحلة من ارتفاع الأسعار عام 2021، انخفضت أرقام المبيعات بحدة في 2022، وحدثت خسائر في قيمتها”، وهناك أيضا مسائل قانونية في هذا المجال لم تحل بعد.
هذا النوع من المهرجانات يسمح للناس بأن يتبادلوا الأفكار عبر الحدود، بغض النظر عن مواقعهم، كما يجعل تجربة الاحتفال متاحة حتى بالنسبة إلى الأشخاص ذوي القدرات المالية المحدودة
ويضيف شتامر إن “التجارة في الأعمال الموسيقية وترخيصها مسألة معقدة بمقتضى قانون حقوق النشر، وبالتالي يجب دراسة نماذج الأعمال الفنية الجديدة التي تستند على قانون النشر بعناية”، وثمة مصدر آخر للقلق، وهو أن الرموز غير القابلة للاستبدال يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على البيئة، “على الرغم من أن الكثير من المشروعات الموسيقية التي تستخدم هذه الرموز تؤكد أنها تعمل بتقنية بلوك تشين الصديقة للبيئة”.
وأخذ هذا الابتكار ينتشر تدريجيا على مستوى العالم، ومن بين الشركات الناشئة الأخرى في مجال إصدار تذاكر الرموز غير القابلة للاستبدال شركتا “أوفيت” ومقرها تكساس، و”جوتس” ومقرها أمستردام، والتي تتعهد باستخدام تقنية بلوك تشين، لمقاومة الممارسات “غير المتعقلة وغير العادلة” لصناعة إصدار هذه النوعية من التذاكر.
وحصلت شركة “12 في 12” على الحقوق الحصرية لإقامة فعاليات تستخدم فيها الرموز غير القابلة للاستبدال، داخل تطبيق الميتافيرس على مستوى جديد في مارس الماضي عن طريق إطلاق مهرجان ألماني لموسيقى وأغاني الراب، وهذا المهرجان أخذ شكل مكان بداخله غرف افتراضية للحفلات الموسيقية، ومساحة للتفاعل بل وحتى ممارسة الرقص، وكل هذه الفعاليات يمكن الدخول إليها من المنازل.
وهذا النوع من المهرجانات المقامة على الإنترنت يسمح للناس بأن يتبادلوا الأفكار عبر الحدود، بغض النظر عن مواقعهم، كما يجعل تجربة الاحتفال متاحة حتى بالنسبة إلى الأشخاص ذوي القدرات المالية المحدودة، أو الذين يعانون من عدم القدرة على الحركة والانتقال.
وهناك تساؤل يقول: هل هذا التطور يعني انتهاء حفلات الراقصين المبتهجين الذين يتفصدون عرقا وهم يتمايلون وسط الزحام على مسارح الاحتفالات الحقيقية؟
ويرد دينكه على هذا التساؤل بقوله “لا تزال الاحتفالات الحقيقية تحتفظ بأسباب وجودها، ولن يحل محلها عالم رقمي، غير أن الميتافيرس والعوالم الرقمية المماثلة، ستتيح إمكانات إضافية للمعجبين لمعايشة الفنانين، وفي المستقبل سينمو كلا العالمين معا، بدرجة أكبر ومستمرة مع تطور التحول الرقمي”.