خمس سنوات من السينما العربية.. تنبئ بحراك غير مسبوق
كتاب يؤرخ لتجارب سينمائية عربية من المحيط إلى الخليج.
الثلاثاء 2023/04/04
أفلام مختلفة ومغايرة
رغم المصاعب الإنتاجية الكثيرة التي لا تنتهي، فإن السينما العربية تعرف في السنوات الأخيرة تطورا كبيرا يخرج بها إلى فضاء التجريب، وخاصة مع الأجيال الشابة، وأيضا مع دخول دول عربية جديدة دائرة الإنتاج السينمائي، وهو ما حقق حركية تحتاج إلى رصدها بدقة والتأريخ لها.
عمّان - يتضمن كتاب “أطياف وأحلام” للناقد السينمائي ناجح حسن دراسات ترصد تاريخ السينما العربية وتعاين راهنها، مع التركيز على ما شهدته خلال السنوات الخمس الأخيرة من حراك نشط على صعيد الكم الإنتاجي، والاستثمار في مجالات التوزيع وتشييد صالات العرض الحديثة، التي بدأت في الانتشار على أنقاض دور السينما الشعبية في العديد من الدول بما يتلاءم مع شروط تقنيات العرض السائدة في العالم.
خارطة سينمائية
يؤشر المؤلف في كتابه، الصادر منذ أيام عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمان، على الأسباب التي قادت إلى تسارع التحولات السينمائية العربية، وأبرزها تنامي القوة التكنولوجية لوظيفة كاميرا الفيديو الرقمية، وشروع مجموعة من الشباب في اختيار صناعة الأفلام باعتبارها فرصة عمل لهم، بحيث نجح بعضهم في صوغ الكثير من الأفكار والرؤى، وعرض قصصهم وحكاياتهم المستمدة من موروثهم وواقعهم في أعمال لافتة، بعد نجاحهم في الحصول على إمكانات تمويلية.
يرى حسن أن ثمة الكثير من التشابه في حالات الإنتاج السينمائي العربي، التي جربت فيها بلدان ظلت مغيبة لسنوات طويلة عن المشهد السينمائي، لكنها غدت اليوم تتصدر المشهد بإنجازات وطموحات كبيرة، وأوجدت لهذه الغاية الكثير من المشروعات لنشر كيفية إنتاج الأفلام، فضلا عن التثقيف والتنشيط بالمعرفة السينمائية من جهة تنظيم مهرجانات ذات صبغة إقليمية ودولية، كما في بلدان الخليج (سلطنة عمان ودولة الإمارات ودولة قطر)، أو من جهة بروز أسماء شابة قدمت أفلاما جالت في مهرجانات عالمية كحال السينما الأردنية وهي تعكس وقائع إنسانية تغوص في بيئة مغايرة لأنماط السينما السائدة، من مثل ما قدمه محي الدين قندور في فيلم “الشراكسة”، وأمين مطالقة في “كابتن أبو رائد”.
الكتاب دراسات ترصد تاريخ السينما العربية وتعاين راهنها، مع التركيز على ما شهدته في الآونة الأخيرة من حراك
ويوضح المؤلف أن هذا التحول في صناعة الفيلم عربيا يتجسد في لائحة من الأفلام قدمتها أسماء راسخة وشابة من بلدان عربية عدة، وإن تباطأ بعضها في هذا المجال (مثل السودان والكويت واليمن).
وبحسب حسن، عاينت الكاميرا السينمائية في سوريا ولبنان جوانب عديدة في العلاقة الملتبسة بين الأفراد والجماعات، جمعتهم سنوات الحروب العربية – الإسرائيلية أو الحرب الأهلية في لبنان، من دون أن تغفل الشأن الذاتي في غمار الدوران اليومي للفرد داخل بيئته المحلية.
ويرى أن هذا الانتعاش قدم في الأفلام السورية الثلاثة: “مطر أيلول” لعبداللطيف عبدالحميد، و”آخر مرة” لجود سعيد، و”دمشق مع حبي” لمحمد عبدالعزيز، وفي الفيلمين اللبنانيين: “شتي يا دني” لبهيج حجيج، و”طلقة طايشة” لجورج هاشم.
وفي ما يخص السينما المصرية، يرى المؤلف أن النموذج الذي كانت تقدمه منذ عقود لا يزال يهيمن على عروض الصالات المحلية، مبينا أن هناك أفلاما مصرية مغايرة تدور في دائرة مغلقة من التهميش والنسيان، وتواجه الصد من رواد السينما والقائمين على المؤسسات الإنتاجية التي تتبع القطاع الخاص.
ورغم اعتبار البعض أن السينما المصرية تمر بأزمة غير مسبوقة، أبرز ملامحها تراجع التسويق الخارجي للأفلام وضعف منافستها على جوائز المهرجانات السينمائية، فإن هناك أعمالا مجددة مازالت تحاول شق طريقها رغم ما يشبه حالة الحصار التي يفرضها المنتجون.
وفي جانب آخر من خارطة المشهد السينمائي العربي، يشير حسن إلى عودة قوية للسينما الجزائرية وفرتها أعمال مخرجين يعملون في إطار الفيلم الجزائري المحلي والعالمي، على غرار مرزاق علواش في فيلم “حراقة”، وعبدالكريم بهلول في فيلم “رحلة إلى الجزائر”، وأحمد راشدي في فيلم “مصطفى بولعيد”.
وقد مرت السينما الجزائرية بعد الاستقلال بمرحلتين مهمتين من حيث التطور الأيديولوجي لأصحابها، فقد كانت المرحلة الأولى تأسيسية لهذا النوع من الفنون، وكان السينمائيون يتخبطون في إشكالية تحديد هويتهم بالنسبة للآخر الذي يمثله الغرب.
وفي المرحلة الثانية وبالتحديد خلال ثمانينات القرن العشرين، ذهب السينمائيون أكثر إلى قضايا الهامش مبتعدين عن الهاجس القومي وسينما الثورة التي مازالت تشغل حيزا كبيرا من السينما الجزائرية، ورغم أهميتها في المكاشفة التاريخية فإنها تحجب الكثير من الأعمال الهامة.
أما في تونس، فيرى المؤلف أن هناك مخرجين من أصحاب الشهرة غزت أسماؤهم الآفاق العالمية لا تزال أعمالهم الجديدة متعثرة الإنجاز، كما في حالة رضا الباهي صاحب “شمس الضباع” و”صندوق عجب”، وعبداللطيف بن عمار صاحب “سجنان” و”حكاية بسيطة كهذه”، والذي تمكن أخيرا من إنجاز فيلمه “النخيل الجريح” بعد طول انتظار عبر بوابة الإنتاج المشترك مع السينما الجزائرية.
عقبات ومنجزات
التركيز أكثر على الهامش
يوضح حسن أن عقبات التمويل في هذا المجال يتم تجاوزها من خلال أساليب إنتاجية ضمن إمكانات متاحة من المنح والتمويل المشترك مع مؤسسات وقنوات تلفزيونية ومراكز ثقافية أوروبية، شجعت أسماء في السينما التونسية على تقديم أعمال لافتة.
وفي ما يتصل بالسينما المغربية، يؤكد ناجح حسن أنها حافظت على مستوى من الإنجاز الكمي والنضج الإبداعي المبشر، بحيث عادت أسماء الرواد إلى ساحات العمل السينمائي في أفلام طافت في ملتقيات سينمائية وحازت على ثناء النقاد، كما في أعمال أحمد المعنوني وجيلالي فرحاتي ومحمد إسماعيل.
أما الأفلام الفلسطينية الطويلة العائدة للمخرجين والمخرجات، أمثال إيليا سليمان “الزمن المتبقي”، وميشيل خليفي “الزنديق”، ونجوى نجار “المر والرمان”، وآن ماري جاسر “ملح هذا البحر”، فجاءت بحسب قراءة الناقد ناجح حسن مسلحة بدوافع إنسانية تجاه التمسك بالحق الفلسطيني الذي كفلته الشرائع الدولية، في التفاتة إلى هموم وتطلعات فردية إلى التصالح مع الذات داخل واقع قاس بأطواق من التقاليد السائدة وممارسات الاحتلال.
عقبات التمويل في السينما يتم تجاوزها من خلال أساليب إنتاجية مختلفة كالمنح والتمويل المشترك وغيرهما
وهناك، بحسب الباحث، محاولات خجولة لصنع أفلام عمانية، مثل “البوم” لخالد الزدجالي، وأفلام يمنية مثل “يوم جديد في صنعاء القديمة” لبدر الحرسي، وموريتانية مثل “بانتظار السعادة” لعبدالرحمن سيساكو، وإماراتية مثل “حنة” لصالح كرامة، و”المريد” لنجوم الغانم، و”دار الحي” لعلي مصطفى، وقد عملت هذه الأفلام في غالبيتها على رفع شأن البيئة المحلية وخصوصية هويتها الثقافية والجمالية.
ولا يمكن إنكار أن السينما العربية تعاني منذ سنوات أزمة اقتصادية حادة، أثرت بشكل كبير على الإنتاج كمّا ونوعا، ليس هذا فحسب بل إن التوزيع الذي يعوّل عليه لإعادة عجلة الإنتاج، تعرض هو الآخر لأزمة اقتصادية، ولكن هذا لا يخفي الحركية التي بات يشهدها هذا القطاع الذي صار يستقطب الكثير من المواهب الشابة التي تنبئ بمشهد مغاير في المستقبل.