حسن ثاني
Hassan II - Hassan II
الحسن الثاني
(1929-1999)
الحسن الثاني، ملك المملكة المغربية (1961-1999)، نشأ في كنف والده السلطان محمد بن يوسف، وقد تمّ تعليمه والإشراف عليه في إعداد خاص ليكون ولياً للعهد وملك المستقبل، وكان متميزاً بذكائه وحماسه وقدرته على الاستيعاب.
حاز الإجازة في الحقوق ودبلوم الدراسات العليا في الحقوق المدنية من جامعة «بوردو». كان يتكلم الفرنسية بطلاقة، ويتمتع بثقافة عالية. وقد شارك، وهو في سن الرابعة عشر، في الشؤون السياسية، فقد حضر مقابلتين برفقة والده مع الرئيس الأمريكي روزفلت، وتبع والده إلى المنفى في مدغشقر، الذي استمر من (1953-1955)، وشارك في كل المحادثات التي جرت مع فرنسا وإسبانيا في إطار استقلال المغرب. لم يكن في شبابه طموحاً للسلطة، وكان يفضّل العمل في ظل والده الذي كان يكّن له الكثير من المحبة .
عاد السلطان إلى المغرب عام 1955 ليتولى العرش باسم الملك محمد الخامس، حيث استقبل استقبالاً شعبياً حافلاً من قبل كل فئات المجتمع.
وقد وُضِعَ الحسن، حسب تقاليد الأسرة، على رأس القوة المسلحة الملكية، تحت إشراف مدربه الجنرال أو فقير.
أجرى عدة دورات تأهيلية على رئاسة الأركان في قمم جبال الريف، وشارك في قمع المقاومة عام 1957 في الجنوب. كانت تربطه بالمهدي بن بركة علاقة خاصة، حيث قام بتدريسه في الأربعينيات في كلية القصر السلطاني وكان الحسن يعترف بفضله، ومع ذلك فإن هذه العلاقة تطورت إلى ما يشبه العلاقة التصادمية، فابن بركة زعيم حزب الاستقلال وكان ذا ثقافة واسعة وميول اشتراكية، وكانت تصفه المخابرات الأمريكية بأنه خطر جداً وعمل الموساد ما بوسعه لإسقاطه.
كانت قوات الأمن موضوعة أيضاً تحت قيادة الأمير، ومع ذلك فقد أُعلن عام 1960، عن مؤامرة لاغتيال وليّ العهد الأمير الحسن اتُهم فيها الفقيه البصري «جيش التحرير»، واتّهم ابن بركة بأنه المدبرّ للمؤامرة.
تُوفي الملك محمد الخامس إثر عملية جراحية بسيطة عام 1961، وانتقلت السلطة إلى الأمير الحسن الذي أصبح الملك «الحسن الثاني». وكان الدستور هو القضية الكبرى التي تهيأ الحسن للإنعام بها على شعبه، إذ أصبحت الملكية دستورية، مع الحفاظ على الصبغة الدينية للأسرة المالكة التي تنتمي إلى آل البيت، لذا تمتع بدعم العلماء ورجال الدين، ومن هنا اتخذ لقب «أمير المؤمنين».
وقد شهد المغرب بعض الأحداث والفتن، فهناك مؤامرة ضد النظام عام 1963، ومظاهرات عام 1965، ومع إصدار الحكم بالإعدام على بعض الشخصيات فقد صدر العفو الملكي عام 1965 للإفساح في المجال للمفاوضات السياسية، وفي 8 حزيران من العام نفسه أعلن الملك حالة الطوارئ التي دامت حتى عام 1971.
تعرّض الملك لمحاولتي انقلاب، الأولى عام 1971 قام بها طلاب ضباط بقيادة العقيد «أبابو» بالتنسيق مع الجنرال محمد المذبوح المقرب من الملك، إذ نفذت مذبحة في منطقة الصخيرات في أثناء احتفال حضره الملك وعدد من الدبلوماسيين الأجانب.
والمحاولة الثانية كانت من قبل وزير الدفاع الجنرال «أوفقير» عام 1972، عندما أعطى الأمر للمقاتلات الحربية بإسقاط طائرة الملك حين عودته من زيارة إلى فرنسا، ولم تنجح المحاولة وبعد إخفاق المحاولة أنهى الجنرال أوفقير حياته بإطلاق الرصاص على نفسه.
كان لهذه الأحداث أثرها في سياسة الملك الداخلية التي اتصفت فيما بعد بالحذر وقلة ثقته بالآخرين، ومراقبة كل من يعمل تحت إمرته ولو كان من أكثر المقربين.
هذه السياسة الحذرة والمتشددة جعلت الأمور تستقر على الصعيد الداخلي، مع وجود الكثير من الانتقادات لها، وخاصة موقف النظام من المعارضة الداخلية وأساليب القمع التي اتبعت في قمعها.
وُصف الملك الحسن بأنه واقعي، واكتسب مكانة مرموقة على الصعيد الدولي، مما جعل الكثير من الشخصيات السياسية يغضّون النظر عن سياسته الداخلية، كان يبتعد دائماً عن تصعيد أي موقف سياسي ما أمكنه ذلك، فقد استطاع أن ينهي في عام 1989، في أثناء لقائه بالقذافي عشرين عاماً من الخلاف، وذهب إلى أبعد من ذلك فقد توصّل إلى توقيع اتفاق اتحاد بين ليبيا والمغرب. وحتى في علاقاته المضطربة مع الجزائر ومصر لم يقطع الصلة بهما وكان دائماً يدعو إلى التسوية والتفاهم بين القادة العرب على الرغم من ميوله وتحالفاته مع الأنظمة العربية غير التقدمية.
شارك في مؤتمرات القمة العربية المتكررة، وكان يؤدي دور الوسيط أكثر الأحيان في تقريب وجهات النظر على صعيد الأنظمة، حتى على الصعيد الشخصي بين الرؤساء والملوك العرب. وهذا لا يعني موافقته أو تبنّيه مواقف الكثير من السياسات العربية المطروحة التي لا تتفق ووجهة نظره أو تتعارض مع مصالحه، وخاصة المواقف العربية من الصحراء المغربية وبعد حريق المسجد الأقصى، اتفق على تأليف لجنة أطلق عليها اسم «لجنة القدس»، وتمّ اختيار الملك الحسن الثاني رئيساً لها، وضمن نشاطات هذه اللجنة التقى البابا «يوحنا بولس الثاني» لشرح أوضاع القدس، والتشاور حول ما يمكن أن يتمّ فعله لتحرير المدينة المقدسة والمحافظة عليها.
أما على الصعيد الخارجي، فكانت له علاقات دولية واسعة، وكانت تربطه دائماً صداقة كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى صداقات شخصية مع الكثير من السياسيين الأمريكيين.
وكان من الأوائل الذين أدركوا أو اقتنعوا بأنه ليس أمام الفلسطينيين والإسرائيليين إلاّ أن يقبل أحدهما الآخر. ومع أنه شارك في حرب 1973م، بإرسال بعض قواته إلى الجبهتين المصرية والسورية، فإنه أول رئيس عربي اجتمع مع رئيس المؤتمر اليهودي «ناحوم غولدمان». ولم يتوقف الأمر عنده، فقد أجرى اتصالات مع عددٍ من القادة الإسرائيليين واستقبل في المغرب الجنرال موشي دايان وشمعون بيريز، على الرغم من معارضة الشارع العربي لهذه السياسة، ويمكن القول إنه أدى دوراً فاعلاً في سياسة التطبيع التي أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية بين العرب من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، كان صديقاً للشاه، ولم يؤيد النهج الإيراني بعد الثورة، وكان من الموافقين على زيارة السادات إلى القدس، مع عدم معرفته المسبقة بها كما صرّح بذلك، وعدّها جرأة كبيرة، بقي على نهجه السياسي بخطوطه العريضة حتى آخر أيامه، حين وافته المنيّة في 24/7، وانتقلت السلطة في المغرب إلى ولي العهد الأمير محمد بن الحسن الذي أصبح الملك «محمد السادس».
عبد الكريم العلي
Hassan II - Hassan II
الحسن الثاني
(1929-1999)
حاز الإجازة في الحقوق ودبلوم الدراسات العليا في الحقوق المدنية من جامعة «بوردو». كان يتكلم الفرنسية بطلاقة، ويتمتع بثقافة عالية. وقد شارك، وهو في سن الرابعة عشر، في الشؤون السياسية، فقد حضر مقابلتين برفقة والده مع الرئيس الأمريكي روزفلت، وتبع والده إلى المنفى في مدغشقر، الذي استمر من (1953-1955)، وشارك في كل المحادثات التي جرت مع فرنسا وإسبانيا في إطار استقلال المغرب. لم يكن في شبابه طموحاً للسلطة، وكان يفضّل العمل في ظل والده الذي كان يكّن له الكثير من المحبة .
عاد السلطان إلى المغرب عام 1955 ليتولى العرش باسم الملك محمد الخامس، حيث استقبل استقبالاً شعبياً حافلاً من قبل كل فئات المجتمع.
وقد وُضِعَ الحسن، حسب تقاليد الأسرة، على رأس القوة المسلحة الملكية، تحت إشراف مدربه الجنرال أو فقير.
أجرى عدة دورات تأهيلية على رئاسة الأركان في قمم جبال الريف، وشارك في قمع المقاومة عام 1957 في الجنوب. كانت تربطه بالمهدي بن بركة علاقة خاصة، حيث قام بتدريسه في الأربعينيات في كلية القصر السلطاني وكان الحسن يعترف بفضله، ومع ذلك فإن هذه العلاقة تطورت إلى ما يشبه العلاقة التصادمية، فابن بركة زعيم حزب الاستقلال وكان ذا ثقافة واسعة وميول اشتراكية، وكانت تصفه المخابرات الأمريكية بأنه خطر جداً وعمل الموساد ما بوسعه لإسقاطه.
كانت قوات الأمن موضوعة أيضاً تحت قيادة الأمير، ومع ذلك فقد أُعلن عام 1960، عن مؤامرة لاغتيال وليّ العهد الأمير الحسن اتُهم فيها الفقيه البصري «جيش التحرير»، واتّهم ابن بركة بأنه المدبرّ للمؤامرة.
تُوفي الملك محمد الخامس إثر عملية جراحية بسيطة عام 1961، وانتقلت السلطة إلى الأمير الحسن الذي أصبح الملك «الحسن الثاني». وكان الدستور هو القضية الكبرى التي تهيأ الحسن للإنعام بها على شعبه، إذ أصبحت الملكية دستورية، مع الحفاظ على الصبغة الدينية للأسرة المالكة التي تنتمي إلى آل البيت، لذا تمتع بدعم العلماء ورجال الدين، ومن هنا اتخذ لقب «أمير المؤمنين».
وقد شهد المغرب بعض الأحداث والفتن، فهناك مؤامرة ضد النظام عام 1963، ومظاهرات عام 1965، ومع إصدار الحكم بالإعدام على بعض الشخصيات فقد صدر العفو الملكي عام 1965 للإفساح في المجال للمفاوضات السياسية، وفي 8 حزيران من العام نفسه أعلن الملك حالة الطوارئ التي دامت حتى عام 1971.
تعرّض الملك لمحاولتي انقلاب، الأولى عام 1971 قام بها طلاب ضباط بقيادة العقيد «أبابو» بالتنسيق مع الجنرال محمد المذبوح المقرب من الملك، إذ نفذت مذبحة في منطقة الصخيرات في أثناء احتفال حضره الملك وعدد من الدبلوماسيين الأجانب.
والمحاولة الثانية كانت من قبل وزير الدفاع الجنرال «أوفقير» عام 1972، عندما أعطى الأمر للمقاتلات الحربية بإسقاط طائرة الملك حين عودته من زيارة إلى فرنسا، ولم تنجح المحاولة وبعد إخفاق المحاولة أنهى الجنرال أوفقير حياته بإطلاق الرصاص على نفسه.
كان لهذه الأحداث أثرها في سياسة الملك الداخلية التي اتصفت فيما بعد بالحذر وقلة ثقته بالآخرين، ومراقبة كل من يعمل تحت إمرته ولو كان من أكثر المقربين.
هذه السياسة الحذرة والمتشددة جعلت الأمور تستقر على الصعيد الداخلي، مع وجود الكثير من الانتقادات لها، وخاصة موقف النظام من المعارضة الداخلية وأساليب القمع التي اتبعت في قمعها.
وُصف الملك الحسن بأنه واقعي، واكتسب مكانة مرموقة على الصعيد الدولي، مما جعل الكثير من الشخصيات السياسية يغضّون النظر عن سياسته الداخلية، كان يبتعد دائماً عن تصعيد أي موقف سياسي ما أمكنه ذلك، فقد استطاع أن ينهي في عام 1989، في أثناء لقائه بالقذافي عشرين عاماً من الخلاف، وذهب إلى أبعد من ذلك فقد توصّل إلى توقيع اتفاق اتحاد بين ليبيا والمغرب. وحتى في علاقاته المضطربة مع الجزائر ومصر لم يقطع الصلة بهما وكان دائماً يدعو إلى التسوية والتفاهم بين القادة العرب على الرغم من ميوله وتحالفاته مع الأنظمة العربية غير التقدمية.
شارك في مؤتمرات القمة العربية المتكررة، وكان يؤدي دور الوسيط أكثر الأحيان في تقريب وجهات النظر على صعيد الأنظمة، حتى على الصعيد الشخصي بين الرؤساء والملوك العرب. وهذا لا يعني موافقته أو تبنّيه مواقف الكثير من السياسات العربية المطروحة التي لا تتفق ووجهة نظره أو تتعارض مع مصالحه، وخاصة المواقف العربية من الصحراء المغربية وبعد حريق المسجد الأقصى، اتفق على تأليف لجنة أطلق عليها اسم «لجنة القدس»، وتمّ اختيار الملك الحسن الثاني رئيساً لها، وضمن نشاطات هذه اللجنة التقى البابا «يوحنا بولس الثاني» لشرح أوضاع القدس، والتشاور حول ما يمكن أن يتمّ فعله لتحرير المدينة المقدسة والمحافظة عليها.
أما على الصعيد الخارجي، فكانت له علاقات دولية واسعة، وكانت تربطه دائماً صداقة كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى صداقات شخصية مع الكثير من السياسيين الأمريكيين.
وكان من الأوائل الذين أدركوا أو اقتنعوا بأنه ليس أمام الفلسطينيين والإسرائيليين إلاّ أن يقبل أحدهما الآخر. ومع أنه شارك في حرب 1973م، بإرسال بعض قواته إلى الجبهتين المصرية والسورية، فإنه أول رئيس عربي اجتمع مع رئيس المؤتمر اليهودي «ناحوم غولدمان». ولم يتوقف الأمر عنده، فقد أجرى اتصالات مع عددٍ من القادة الإسرائيليين واستقبل في المغرب الجنرال موشي دايان وشمعون بيريز، على الرغم من معارضة الشارع العربي لهذه السياسة، ويمكن القول إنه أدى دوراً فاعلاً في سياسة التطبيع التي أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية بين العرب من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، كان صديقاً للشاه، ولم يؤيد النهج الإيراني بعد الثورة، وكان من الموافقين على زيارة السادات إلى القدس، مع عدم معرفته المسبقة بها كما صرّح بذلك، وعدّها جرأة كبيرة، بقي على نهجه السياسي بخطوطه العريضة حتى آخر أيامه، حين وافته المنيّة في 24/7، وانتقلت السلطة في المغرب إلى ولي العهد الأمير محمد بن الحسن الذي أصبح الملك «محمد السادس».
عبد الكريم العلي