حكم شرعي
Al-Hukm al-shari’ - Al-Hukm al-chari’
الحكم الشرعي
الحكم في اللغة القضاء، وجمعه: أحكام وقد حكم عليه بالأمر حكماً وحكومة وحكم بينهم. والحاكم: منفذ الحكم. وفي الاصطلاح الشرعي: خطاب الله المتعلق بأفعال العباد بالطلب أو التخيير أو الوضع، والخطاب الإلهي يعني ما ورد في القرآن الكريم ويشمل ما ورد في السنة المطهرة والإجماع والقياس وسائر الأدلة الشرعية المعتبرة. والطلب يشمل طلب الفعل وطلب الترك. والتخيير يعني الإباحة في الفعل والترك. والوضع يعني جَعْل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو فاسداً أو صحيحا، فهو خال عن الطلب أو التخيير، كجعل الطهارة شرطاً في صحة الصلاة، وجعل القتل مانعاً من الميراث، وأمثال ذلك من الأحكام الوضعية. غير التكليفية.
أركان الحكم: ويشمل:
1- الحاكم: هو الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ﴿إن الحُكْمُ إلاّ للّهِ أَمَر أَلاّ تَعبُدُوا إلاّ إيّاهُ﴾ (يوسف 40). والحكم من النبيr إنما يعد حكماً من الله، لأن الله أمرنا بطاعته فقال: ﴿يا أَيُها الذينَ أَمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَسُولَ﴾ (النساء 95). وعد طاعة الرسولr طاعة له سبحانه فقال: ﴿مَنْ يُطِعْ الرَسُولَ فَقدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ (النساء80). لأن طاعة الرسولr ليست لذاته، بل لأن الله أمر بطاعته، فهي في الحقيقة طاعة الله.
وكذلك الأمر في الإجماع الذي أمر الشارع بالتزامه، فعده بمثابة النص. والقياس توسع في فهم النص الشرعي، فهو من النص وإجراء لمقتضاه.
2- المحكوم عليه: وهو المكلف المتمتع بأهلية التكليف من بلوغ وعقل واختيار. ويرفع أهلية التكليف ما يمكن أن يسلب المرء سلامة فهمه للخطاب، أو قدرته على تنفيذ مقتضاه، والدليل على سلب أهليته حديث النبيr : «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل».
فالمجنون مسلوب أهلية التكليف، لعدم تحقق شرطه وهو العقل، ويلتحق به كل من كان غير قادر على فهم الخطاب وإدراكه. فلا يصح تكليف الغافل الذي لا يعي الخطاب، لأن شرط التكليف أن يكون المأمور عاقلاً يعي الخطاب أو يتمكن من فهمه، وتكليفه ما يطيق. والمراد بالغافل هنا: الساهي والنائم والمجنون والسكران. إلا أنهم بحثوا في السكران المتعدي بسكره فحملوه ما ارتكبه نتيجة سكره، أو في أثناء سكره من إساءات أو أخطاء، كمن طلق زوجته وهو في حالة سكرٍ مُتَعمد. كما بحثوا فيما أتلفه المرء في حال غفلته من دون وعي منه ولا تعد، كمن انقلب في أثناء نومه على حي فمات، أو على شيء فأتلفه، فإنه يضمن ولا يأثم. وهذا من قبيل حكم الوضع، لا من قبيل الاقتضاء. كما بحثوا هل غير المسلم مخاطب بفروع الأحكام الشرعية؟ مع كونه متمتعاً بأهلية التكليف. والصحيح أننا لا نخاطب الكافر بفروع الشريعة، لأن الكافر غير مقر بأصل الدين الذي تفرعت عنه تلك الأحكام والفروع، بل ندعوه إلى الإسلام أولاً، ثم بعد إسلامه نلزمه بتطبيق فروع الشريعة. ولكنه في الآخرة مخاطب بالمسؤولية عن هذه الفروع، ومحاسب عليها. بدليل قوله تعالى: ﴿قَالوا ما سَلكَكُم في سَقَرَ قالوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ ولمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ وَكنّا نَكْذِبُ بِيَومِ الدِينِ﴾ (المدثر 54-64) فقد بين أن من أسباب دخولهم النار ترك الصلاة وترك الزكاة مع أنهم كانوا يكذبون بيوم الدين وهو كفر.
3- المحكوم فيه: وهو فعل العبد سواء أكان هذا الفعل امتثالاً أم اجتناباً، وسواء أكان فعل الجوارح أم فعل القلوب، ليذعن المرء بالعبودية لله تعالى إجمالاً بإيمانه وإعلانه الإسلام، وتفصيلاً بأن يطبق الأحكام الفرعية التي أمرنا الشارع بالتزامها، وأمثلة المأمورات أركان الإيمان وهي من أعمال القلوب، والصلاة والزكاة والحج وهي من أعمال الجوارح. وأمثلة المنهيات، اعتقاد الحدوث والفناء ووجود الشريك لله تعالى وهي من أعمال القلوب والزنى وشرب الخمر والسرقة وهي من أعمال الجوارح.
أقسام الحكم الشرعي: هما قسمان:
1- الحكم الشرعي التكليفي: وهو خطاب الله بفعل المكلف على وجه الطلب أو التخيير، ويشمل الأحكام الخمسة: الوجوب، الندب، الكراهة، التحريم، الإباحة.
2- الحكم الشرعي الوضعي: وهو خطاب الله المتعلق بجعل الشيء سبباً، أو شرطاً، أو مانعاً، أو صحيحاً، أو فاسداً.
أنواع الحكم الشرعي التكليفي باعتبار ذاته:
أ ـ الوجوب: وهو طلب الشارع من المكلف فعلاً على وجه الحتم والإلزام، بحيث يذم تاركه ويلام شرعاً بوجه ما. ويسمى الأمر المطلوب فعله واجباً أو فرضاً، ولا فرق بين الفرض والواجب عند أكثر العلماء. وذهب الحنفية إلى التفريق بينهما فعدوا ما ثبت منه بدليل قاطع فرضاً، وما ثبت بدليل ظني واجباً، ويترتب على ذلك عندهم أن الفرض يجب الاعتقاد بحقيقته قطعاً ويقيناً لكونه ثابتاً بدليل مقطوع به، أما الواجب فيلزم العمل به، ولا يجب الاعتقاد به يقيناً، ثم إن الواجب ينقسم بالنظر إلى المطالب بفعله على واجب عيني وواجب كفائي، فالواجب العيني:هو ما طلب الشارع فعله من كل فرد من أفراد المكلفين، كالصلوات الخمس وصوم رمضان، وحكمه أنه يلزم كل مكلف فعله ولا يسقط طلبه بفعل بعضهم دون بعض، اكتفاء بفعل من فعله.والواجب الكفائي: هو ما طلب الشارع حصوله بغض النظر عمن يتحقق فيه ذلك من المكلفين، كصلاة الجنائز ورد السلام وتعلم الصنائع المختلفة والقضاء، مما طلب الشارع تحقيق المصلحة المتوخاة بوجوده وحصوله. ولا يتوقف ذلك على قيام كل مكلف به، وهو من حيث الأصل مطلوب من كل المكلفين، فإذا فعله من يتحقق بفعلهم حصوله سقط الطلب عن الباقين. وإذا أُهمل أثموا جميعاً.
وينقسم الواجب من حيث تعيين المطلوب به إلى واجب معين وواجب مخير. فالواجب المعين هو ما تحدد المطلوب فعله به، كأداء الصلوات الخمس وصيام رمضان ونحوها من الفرائض المطلوبة بحد ذاتها تعييناً. والواجب المخير هو ما توجه الطلب فيه إلى واحد من أمور على وجه التخيير، كخصلة من خصال كفارة اليمين الثلاث: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فالواجب فعل واحد من هذه الخصال الثلاث على وجه التخيير.
وينقسم الواجب بالنظر إلى وقت أدائه إلى واجب مضيق وواجب موسع. فالواجب الموسع هو الذي يكون الوقت المتاح لأدائه أوسع من الوقت اللازم له، كأوقات الصلوات الخمس. والواجب المضيق هو الذي لا يتسع وقته لغيره من جنسه، حتى إنه لا يجد سعة لتأخير بعضه عن أول الوقت، وذلك كاليوم من شهر رمضان بالنسبة للصوم، فاليوم بالنظر للصوم ظرف مضيق لا يتسع لغيره من جنسه، بينما وقت الصلاة ظرف موسع لأنه يتسع لغيره من جنسه.
ب ـ الندب: وهو أن يطلب الشارع من المكلف فعل شيء طلباً غير حتم، وهو ما يثاب فاعله ولا يذم تاركه. أو هو الذي يكون فعله راجحاً على تركه في نظر الشرع، ويكون تركه جائزاً. ويسمى المأمور به على هذا الوجه مندوباً أو مستحباً أو مسنوناً أو مرغوباً فيه أو نفلاً أو نحو ذلك.
ج ـ التحريم: وهو طلب الشارع من المكلف الكف عن أمر ما على وجه الحتم والإلزام بحيث يثاب تاركه ويلام فاعله بوجه ما، أو هو الذي يذم فاعله شرعاً. ويسمى المنهي به على هذا الوجه محظوراً ومحرماً ومعصية ونحو ذلك.
وقد عد الحنفية المنهي عنه على وجه الحتم والإلزام نوعين، كما هو في الواجب، فما ورد النهي عنه بدليل ثابت بوجه قطعي، ودليل يقيني فهو حرام، وما ثبت النهي عنه بدليل ظني فهو مكروه تحريماً.
د ـ الكراهة: وهو طلب الشارع من المكلف ترك فعل ما، لا على وجه الحتم والإلزام، وهو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، أو هو الذي أُشعر فاعله بأن تركه خير من فعله، وإن لم يكن على فعله عقاب، ويسمى الفعل الذي يتعلق به هذا الوصف مكروهاً تنزيهاً. وقد يعبر بعضهم عن الحرام بصيغة المكروه، فيقول أكره أن يفعل كذا، وإنما يريد بذلك المنى اللغوي، الذي هو أوسع من الكراهة وحدها أو التحريم وحده.
الحكم الشرعي الوضعي
هو خطاب الله تعالى المتعلق بجعل الشيء سبباً، أو شرطاً، أو مانعاً، أو صحيحاً، أو فاسداً. والمراد من تسمية هذا الحكم حكماً وضعياً الإشارة إلى أن الله تعالى جعله علامة على الأحكام التكليفية المتعلقة بفعل المكلف، فقد جعل زوال الشمس علامة على دخول وقت صلاة الظهر ووجوب أدائها. وجعل الوضوء شرطاً لصحة الصلاة. وبيان ذلك تفصيلاً:
1- السبب: وهو اصطلاحاً: الوصف الظاهر المنضبط الذي دل الدليل السمعي على كونه معرفاً للحكم الشرعي، أو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.
وقد قسموه إلى ما يستلزم حكمة باعثة، أو مناسبة ظاهرة للحكم، كسببية الشدة المطلوبة لتحريم الخمر. وما لا يستلزم حكمة باعثة على الحكم، أو لا توجد مناسبة ظاهرة بين السبب وبين الحكم، كسببية زوال الشمس لوجوب صلاة الظهر.
كما قسموه إلى سبب ليس فعلاً للمكلف، كسببية غروب الشمس لإباحة الفطر. وسبب للمكلف أثر في وجوده، كسببية الزنا لإقامة الحد، وسببية السفر لجواز الإفطار.
2- الشرط: وهو اصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. وهو خارج عن ماهية المشروط. أو هو ما يستلزم من عدمه عدم الحكم أو عدم السبب. ومثاله في كونه يستلزم عدمه عدم الحكم: الوضوء للصلاة يتوقف على عدمه عدم صحة الصلاة، ولا يلزم كون الشخص متوضئاً أنه في صلاة، أو ليس في صلاة. وقولهم لذاته: أي لا لأمر خارج عنه، فقد يلزم من عدمه عدم ولكن لمانع أو لمقارنته السبب. فالحول شرط لوجوب الزكاة، ولكن مع وجود السبب، وهو ملك النصاب.
وكونه خارجاً عن ماهية المشروط كالوضوء من الصلاة فهو ليس داخلاً في ماهية الصلاة، بينما الركن داخل في ماهيتها.ثم إنهم قسموا الشرط إلى قسمين: شرط شرعي: كاشتراط الحول لوجوب الزكاة. وشرط جعلي: وهو الشرط الذي يشترطه المكلف: كتعليقه طلاق زوجته على شرط ما، كقوله: إن خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق.
3- المانع: المانع اصطلاحاً: كل وصف وجودي ظاهر منضبط نقيض الحكم عند وجود سببه. أو هو ما يلزم من وجوده عدم الحكم ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا وجوده. والمراد بالوصف الوجودي: قيد لا يكون به المانع إلا أمراً وجودياً، فالقتل مانع من الميراث. والظاهر: البين الواضح. والمنضبط: المطرد الذي لا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان. ونقيض الحكم هنا: عدم ترتب الحكم مع وجود سببه، فحد السرقة مع وجود سببه الذي يقتضيه لا يقام في حال سرقة الشريك من شريكه أو الزوجة من زوجها لوجود مانع هو شبهة التملك.
4- الصحة: وهي اصطلاحاً: موافقة أمر الشارع، سواء وجب القضاء أو لا. وذلك بأن يقع الفعل مستوفياً للشروط المطلوبة فيه. أو هي: عبارة عن سقوط القضاء، وعندئذ تترتب الآثار الشرعية عليه، كالبيع إذا استوفى شروطه وأركانه يكون صحيحاً وتترتب آثاره عليه، فيملك المشتري المبيع ويغدو قادراً على التصرف به، وكذلك البائع.
5- البطلان أو الفساد: وهما مترادفان عند جمهور الفقهاء، ومعناهما نقيض الصحة لمخالفة الفعل حكم الشرع فيه، سواء أكان ذلك في العبادة أم في المعاملة. أما الحنفية فقد فرقوا بينهما فقالوا: الباطل: ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه، أو هو ما اختل فيه شرط من شروط الانعقاد عندهم. والفاسد: ما كان مشروعاً بأصله ولكن امتنع لوصف عارض. أو هو ما اختل فيه أحد شروط الصحة.
توفيق البوطي
Al-Hukm al-shari’ - Al-Hukm al-chari’
الحكم الشرعي
الحكم في اللغة القضاء، وجمعه: أحكام وقد حكم عليه بالأمر حكماً وحكومة وحكم بينهم. والحاكم: منفذ الحكم. وفي الاصطلاح الشرعي: خطاب الله المتعلق بأفعال العباد بالطلب أو التخيير أو الوضع، والخطاب الإلهي يعني ما ورد في القرآن الكريم ويشمل ما ورد في السنة المطهرة والإجماع والقياس وسائر الأدلة الشرعية المعتبرة. والطلب يشمل طلب الفعل وطلب الترك. والتخيير يعني الإباحة في الفعل والترك. والوضع يعني جَعْل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو فاسداً أو صحيحا، فهو خال عن الطلب أو التخيير، كجعل الطهارة شرطاً في صحة الصلاة، وجعل القتل مانعاً من الميراث، وأمثال ذلك من الأحكام الوضعية. غير التكليفية.
أركان الحكم: ويشمل:
1- الحاكم: هو الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ﴿إن الحُكْمُ إلاّ للّهِ أَمَر أَلاّ تَعبُدُوا إلاّ إيّاهُ﴾ (يوسف 40). والحكم من النبيr إنما يعد حكماً من الله، لأن الله أمرنا بطاعته فقال: ﴿يا أَيُها الذينَ أَمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَسُولَ﴾ (النساء 95). وعد طاعة الرسولr طاعة له سبحانه فقال: ﴿مَنْ يُطِعْ الرَسُولَ فَقدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ (النساء80). لأن طاعة الرسولr ليست لذاته، بل لأن الله أمر بطاعته، فهي في الحقيقة طاعة الله.
وكذلك الأمر في الإجماع الذي أمر الشارع بالتزامه، فعده بمثابة النص. والقياس توسع في فهم النص الشرعي، فهو من النص وإجراء لمقتضاه.
2- المحكوم عليه: وهو المكلف المتمتع بأهلية التكليف من بلوغ وعقل واختيار. ويرفع أهلية التكليف ما يمكن أن يسلب المرء سلامة فهمه للخطاب، أو قدرته على تنفيذ مقتضاه، والدليل على سلب أهليته حديث النبيr : «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل».
فالمجنون مسلوب أهلية التكليف، لعدم تحقق شرطه وهو العقل، ويلتحق به كل من كان غير قادر على فهم الخطاب وإدراكه. فلا يصح تكليف الغافل الذي لا يعي الخطاب، لأن شرط التكليف أن يكون المأمور عاقلاً يعي الخطاب أو يتمكن من فهمه، وتكليفه ما يطيق. والمراد بالغافل هنا: الساهي والنائم والمجنون والسكران. إلا أنهم بحثوا في السكران المتعدي بسكره فحملوه ما ارتكبه نتيجة سكره، أو في أثناء سكره من إساءات أو أخطاء، كمن طلق زوجته وهو في حالة سكرٍ مُتَعمد. كما بحثوا فيما أتلفه المرء في حال غفلته من دون وعي منه ولا تعد، كمن انقلب في أثناء نومه على حي فمات، أو على شيء فأتلفه، فإنه يضمن ولا يأثم. وهذا من قبيل حكم الوضع، لا من قبيل الاقتضاء. كما بحثوا هل غير المسلم مخاطب بفروع الأحكام الشرعية؟ مع كونه متمتعاً بأهلية التكليف. والصحيح أننا لا نخاطب الكافر بفروع الشريعة، لأن الكافر غير مقر بأصل الدين الذي تفرعت عنه تلك الأحكام والفروع، بل ندعوه إلى الإسلام أولاً، ثم بعد إسلامه نلزمه بتطبيق فروع الشريعة. ولكنه في الآخرة مخاطب بالمسؤولية عن هذه الفروع، ومحاسب عليها. بدليل قوله تعالى: ﴿قَالوا ما سَلكَكُم في سَقَرَ قالوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ ولمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ وَكنّا نَكْذِبُ بِيَومِ الدِينِ﴾ (المدثر 54-64) فقد بين أن من أسباب دخولهم النار ترك الصلاة وترك الزكاة مع أنهم كانوا يكذبون بيوم الدين وهو كفر.
3- المحكوم فيه: وهو فعل العبد سواء أكان هذا الفعل امتثالاً أم اجتناباً، وسواء أكان فعل الجوارح أم فعل القلوب، ليذعن المرء بالعبودية لله تعالى إجمالاً بإيمانه وإعلانه الإسلام، وتفصيلاً بأن يطبق الأحكام الفرعية التي أمرنا الشارع بالتزامها، وأمثلة المأمورات أركان الإيمان وهي من أعمال القلوب، والصلاة والزكاة والحج وهي من أعمال الجوارح. وأمثلة المنهيات، اعتقاد الحدوث والفناء ووجود الشريك لله تعالى وهي من أعمال القلوب والزنى وشرب الخمر والسرقة وهي من أعمال الجوارح.
أقسام الحكم الشرعي: هما قسمان:
1- الحكم الشرعي التكليفي: وهو خطاب الله بفعل المكلف على وجه الطلب أو التخيير، ويشمل الأحكام الخمسة: الوجوب، الندب، الكراهة، التحريم، الإباحة.
2- الحكم الشرعي الوضعي: وهو خطاب الله المتعلق بجعل الشيء سبباً، أو شرطاً، أو مانعاً، أو صحيحاً، أو فاسداً.
أنواع الحكم الشرعي التكليفي باعتبار ذاته:
أ ـ الوجوب: وهو طلب الشارع من المكلف فعلاً على وجه الحتم والإلزام، بحيث يذم تاركه ويلام شرعاً بوجه ما. ويسمى الأمر المطلوب فعله واجباً أو فرضاً، ولا فرق بين الفرض والواجب عند أكثر العلماء. وذهب الحنفية إلى التفريق بينهما فعدوا ما ثبت منه بدليل قاطع فرضاً، وما ثبت بدليل ظني واجباً، ويترتب على ذلك عندهم أن الفرض يجب الاعتقاد بحقيقته قطعاً ويقيناً لكونه ثابتاً بدليل مقطوع به، أما الواجب فيلزم العمل به، ولا يجب الاعتقاد به يقيناً، ثم إن الواجب ينقسم بالنظر إلى المطالب بفعله على واجب عيني وواجب كفائي، فالواجب العيني:هو ما طلب الشارع فعله من كل فرد من أفراد المكلفين، كالصلوات الخمس وصوم رمضان، وحكمه أنه يلزم كل مكلف فعله ولا يسقط طلبه بفعل بعضهم دون بعض، اكتفاء بفعل من فعله.والواجب الكفائي: هو ما طلب الشارع حصوله بغض النظر عمن يتحقق فيه ذلك من المكلفين، كصلاة الجنائز ورد السلام وتعلم الصنائع المختلفة والقضاء، مما طلب الشارع تحقيق المصلحة المتوخاة بوجوده وحصوله. ولا يتوقف ذلك على قيام كل مكلف به، وهو من حيث الأصل مطلوب من كل المكلفين، فإذا فعله من يتحقق بفعلهم حصوله سقط الطلب عن الباقين. وإذا أُهمل أثموا جميعاً.
وينقسم الواجب من حيث تعيين المطلوب به إلى واجب معين وواجب مخير. فالواجب المعين هو ما تحدد المطلوب فعله به، كأداء الصلوات الخمس وصيام رمضان ونحوها من الفرائض المطلوبة بحد ذاتها تعييناً. والواجب المخير هو ما توجه الطلب فيه إلى واحد من أمور على وجه التخيير، كخصلة من خصال كفارة اليمين الثلاث: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فالواجب فعل واحد من هذه الخصال الثلاث على وجه التخيير.
وينقسم الواجب بالنظر إلى وقت أدائه إلى واجب مضيق وواجب موسع. فالواجب الموسع هو الذي يكون الوقت المتاح لأدائه أوسع من الوقت اللازم له، كأوقات الصلوات الخمس. والواجب المضيق هو الذي لا يتسع وقته لغيره من جنسه، حتى إنه لا يجد سعة لتأخير بعضه عن أول الوقت، وذلك كاليوم من شهر رمضان بالنسبة للصوم، فاليوم بالنظر للصوم ظرف مضيق لا يتسع لغيره من جنسه، بينما وقت الصلاة ظرف موسع لأنه يتسع لغيره من جنسه.
ب ـ الندب: وهو أن يطلب الشارع من المكلف فعل شيء طلباً غير حتم، وهو ما يثاب فاعله ولا يذم تاركه. أو هو الذي يكون فعله راجحاً على تركه في نظر الشرع، ويكون تركه جائزاً. ويسمى المأمور به على هذا الوجه مندوباً أو مستحباً أو مسنوناً أو مرغوباً فيه أو نفلاً أو نحو ذلك.
ج ـ التحريم: وهو طلب الشارع من المكلف الكف عن أمر ما على وجه الحتم والإلزام بحيث يثاب تاركه ويلام فاعله بوجه ما، أو هو الذي يذم فاعله شرعاً. ويسمى المنهي به على هذا الوجه محظوراً ومحرماً ومعصية ونحو ذلك.
وقد عد الحنفية المنهي عنه على وجه الحتم والإلزام نوعين، كما هو في الواجب، فما ورد النهي عنه بدليل ثابت بوجه قطعي، ودليل يقيني فهو حرام، وما ثبت النهي عنه بدليل ظني فهو مكروه تحريماً.
د ـ الكراهة: وهو طلب الشارع من المكلف ترك فعل ما، لا على وجه الحتم والإلزام، وهو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، أو هو الذي أُشعر فاعله بأن تركه خير من فعله، وإن لم يكن على فعله عقاب، ويسمى الفعل الذي يتعلق به هذا الوصف مكروهاً تنزيهاً. وقد يعبر بعضهم عن الحرام بصيغة المكروه، فيقول أكره أن يفعل كذا، وإنما يريد بذلك المنى اللغوي، الذي هو أوسع من الكراهة وحدها أو التحريم وحده.
الحكم الشرعي الوضعي
هو خطاب الله تعالى المتعلق بجعل الشيء سبباً، أو شرطاً، أو مانعاً، أو صحيحاً، أو فاسداً. والمراد من تسمية هذا الحكم حكماً وضعياً الإشارة إلى أن الله تعالى جعله علامة على الأحكام التكليفية المتعلقة بفعل المكلف، فقد جعل زوال الشمس علامة على دخول وقت صلاة الظهر ووجوب أدائها. وجعل الوضوء شرطاً لصحة الصلاة. وبيان ذلك تفصيلاً:
1- السبب: وهو اصطلاحاً: الوصف الظاهر المنضبط الذي دل الدليل السمعي على كونه معرفاً للحكم الشرعي، أو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.
وقد قسموه إلى ما يستلزم حكمة باعثة، أو مناسبة ظاهرة للحكم، كسببية الشدة المطلوبة لتحريم الخمر. وما لا يستلزم حكمة باعثة على الحكم، أو لا توجد مناسبة ظاهرة بين السبب وبين الحكم، كسببية زوال الشمس لوجوب صلاة الظهر.
كما قسموه إلى سبب ليس فعلاً للمكلف، كسببية غروب الشمس لإباحة الفطر. وسبب للمكلف أثر في وجوده، كسببية الزنا لإقامة الحد، وسببية السفر لجواز الإفطار.
2- الشرط: وهو اصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. وهو خارج عن ماهية المشروط. أو هو ما يستلزم من عدمه عدم الحكم أو عدم السبب. ومثاله في كونه يستلزم عدمه عدم الحكم: الوضوء للصلاة يتوقف على عدمه عدم صحة الصلاة، ولا يلزم كون الشخص متوضئاً أنه في صلاة، أو ليس في صلاة. وقولهم لذاته: أي لا لأمر خارج عنه، فقد يلزم من عدمه عدم ولكن لمانع أو لمقارنته السبب. فالحول شرط لوجوب الزكاة، ولكن مع وجود السبب، وهو ملك النصاب.
وكونه خارجاً عن ماهية المشروط كالوضوء من الصلاة فهو ليس داخلاً في ماهية الصلاة، بينما الركن داخل في ماهيتها.ثم إنهم قسموا الشرط إلى قسمين: شرط شرعي: كاشتراط الحول لوجوب الزكاة. وشرط جعلي: وهو الشرط الذي يشترطه المكلف: كتعليقه طلاق زوجته على شرط ما، كقوله: إن خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق.
3- المانع: المانع اصطلاحاً: كل وصف وجودي ظاهر منضبط نقيض الحكم عند وجود سببه. أو هو ما يلزم من وجوده عدم الحكم ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا وجوده. والمراد بالوصف الوجودي: قيد لا يكون به المانع إلا أمراً وجودياً، فالقتل مانع من الميراث. والظاهر: البين الواضح. والمنضبط: المطرد الذي لا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان. ونقيض الحكم هنا: عدم ترتب الحكم مع وجود سببه، فحد السرقة مع وجود سببه الذي يقتضيه لا يقام في حال سرقة الشريك من شريكه أو الزوجة من زوجها لوجود مانع هو شبهة التملك.
4- الصحة: وهي اصطلاحاً: موافقة أمر الشارع، سواء وجب القضاء أو لا. وذلك بأن يقع الفعل مستوفياً للشروط المطلوبة فيه. أو هي: عبارة عن سقوط القضاء، وعندئذ تترتب الآثار الشرعية عليه، كالبيع إذا استوفى شروطه وأركانه يكون صحيحاً وتترتب آثاره عليه، فيملك المشتري المبيع ويغدو قادراً على التصرف به، وكذلك البائع.
5- البطلان أو الفساد: وهما مترادفان عند جمهور الفقهاء، ومعناهما نقيض الصحة لمخالفة الفعل حكم الشرع فيه، سواء أكان ذلك في العبادة أم في المعاملة. أما الحنفية فقد فرقوا بينهما فقالوا: الباطل: ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه، أو هو ما اختل فيه شرط من شروط الانعقاد عندهم. والفاسد: ما كان مشروعاً بأصله ولكن امتنع لوصف عارض. أو هو ما اختل فيه أحد شروط الصحة.
توفيق البوطي