كتب عنه .. ياسر علي ديب « معلق في قناة أوربيت الرياضية »
ما كتبته لا يرتقي إلى ما يستحقه أستاذي
⏹كنت في التاسعة عندما توفي والدي حسن علي ديب « يرحمه الله » ، بكيت على فراقه كثيراً ، حتى إن قلبي الصغير لم يحتمل فكرة غيابه الأبدي ، لذلك آمنت بعودته في سري ، وبقيت أنتظره كل يوم أمام المنزل على أمل أن يطل بطربوشه الأحمر من رأس حارتنا في كفرسوسة فأكون أول مستقبليه .
طال انتظاري كثيراً ، ومضت ثلاثة أشهر قاسية حتى تعلمت أن من يذهب إلى ذلك المقام لا يعود إلى أحبائه أبدأ .
ورغم كثرة المحبين من الأهل ، لم يؤثر في شخصيتي العنيدة خلال السنوات القليلة التي تلت وفاة والدي أي أحد .
قضيت مراهقتي محاولاً أن أكون رجلاً ذا شأن . كنت متحمساً ، مندفعاً كثير الأفكار ، تتقاذفني طموحات وأهواء تودي بمن لا سند له ولا موجه له إلى وجهات قد لا تكون سارة .
في تلك الفترة العصبية منحني الله أخاً كبيراً ، كنت في الثامنة عشرة عندما التقيت أستاذي المرحوم أبا لؤي الذي تبوأ في حياتي منزلة الأب والأخ والصديق والمعلم .
مهنياً ...
بدأ بتدريبي من كتابة الخبر وإعادة صياغته ، وكنت وقتها « شاطراً » في مادة التعبير ، أحب الإطالات وكثرة المفردات ، ولن أنسى الدرس الأول من اليوم الأول في مدرسة عدنان بوظو يرحمه الله ، فقد سحب قلمه بهدوء وراح يشطب من كل سطر كتبته نصفه ، وفوق ذلك من كل أربعة أسطر سطراً بالكامل .
لقد انفطر قلبي على كلماتي التي صغتها طوال ليلتي الماضية وهي تطمس وتدهس تحت حبر قلمه القاسي .
وعندما لمح ضيقي ابتسم بهدوء وطلب مني أن أقرأ ما بقي من كلمات ، وبعدها سألني : هل نقص الخبر من أي معلومة مهمة كعدد الأهداف المسجلة أو أسماء الهدافين أو مكان المباراة ؟
قلت لا ، ولكن .. وقبل أن أكمل قال لي : الإعلام هو نقل صادق يتضمن معلومات مهمة ومفيدة وأساسية بأقل عدد من الكلمات وعبر أقصر الطرق في التعبير .
ومنذ ذلك اليوم الأول وعلى مدار ثمانية عشر عاماً عملت فيها مع الأستاذ لم ينقطع أبو لؤي عن تعليمي وإرشادي ، سواء أكان ذلك في فنون إعداد وتقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية أو في الصحافة المكتوبة التي كان أيضاً فارسها وأستاذها الذي لا يعوض ، أو في فن التعليق الرياضي الذي أخرجه أبو لؤي من كابوس الصراخ وصف الكلام وارتقى به إلى التميز بالحماسة المطلوبة والقراءة الخبيرة مستخدماً مصطلحات وعبارات ابتكرها بعبقرية ولازالت تتردد في معظم تعليقات المعلقين الرياضيين العرب في كل القنوات إلى يومنا هذا .
وللحق أقول ... إن كل نجاحاتي التي حققتها على الصعيد المحلي أو في مرحلة احترافي بشبكة أوربت العملاقة ، وما حصلت عليه من تقدير واحترام يعود الفضل به إلى الله عز وجل ثم إلى أستاذي أبي لؤي الذي لم يضن في تعليمنا أية معلومة أو تجربة ، ولم يجاملنا أو يتركنا نتخبط في أخطائنا دون إضاءة صادقة من خبرته ، ونية طيبة خالصة من قلبه الكبير الذي والله ما عرف إلا حب الخير للناس أجمعين .
وفي الوقت الذي شهدت فيه نجاحاً ولله الحمد وكنت أسمع عبارات الإطراء والمديح ومجاملات تصل إلى أبعد من ذلك ، كنت دائماً وبقرارة نفسي مؤمناً أنني مازلت تلميذاً للأستاذ ، ومازلت أفتخر بذلك إلى هذه اللحظة .
إنسانياً ...
وكما كان أبو لؤي « يرحمه الله » صادقاً ومخلصاً في علاقتنا المهنية ، حيث فتح جعبة خبرته وأسرار تفوقه لننهل منها مع توجيهات صادقة منه .
فتح يرحمه الله قلبه الكبير وبيته الدافئ ليكون بيت كل الأصدقاء ، ولا أنسى أبدأ زيارتي الأولى في أيامي الأولى إلى بيته ، حيث دعاني إلى الغداء على أن ننطلق معاً إلى ملعب العباسيين لمتابعة إحدى المباريات .
استقبلتنا على الباب السيدة أم لؤي ، وهي سيدة فاضلة تتمتع بذكاء وطيبة لا توصف وعندما جلسنا إلى المائدة قال لي يرحمه الله : ياسر أنا أعتبرك واحداً من العائلة وها هم أولادي : لمى ورنا ولؤي أخوتك .
وبعد هذه الزيارة لم يكن ليمر أسبوع إلا وكان لي غداء أو عشاء في منزل عائلتي الجديدة .
وطوال كل هذه السنوات لم يفارقني إحساس الأخوة بهم رغم تقصيري الشديد تجاههم في السنوات الأخيرة التي عملت فيها خارج سورية مع الأوربت في كل من روما والرياض .
ومن خلال هذه العلاقة المتميزة ساهم أبو لؤي يرحمه الله في تكوين شخصيتي ، فكان كأخ كبير يوجه الكثير من تصرفاتي ، فمثلاً كان يطالبني دائماً بألا أقترب من الدخان بالرغم من أنه كان من المدخنين .
وللآن لم أقترب من الدخان والحمد لله .
والأهم في شخصية أبي لؤي يرحمه الله أنه كان وفياً محباً لا يتأثر بموقف طائش أو تصرف أرعن ، فبعد سنوات من العمل كان يبرز بين حين وآخر تباين في وجهات النظر ، لكنه لم يكن ليقف عنده أو يتخذ موقفاً عدائياً منه ، لقد كان يفهمني أكثر مما أفهم نفسي ، وكان يحبني أكثر مما أحب نفسي ، فلم يرد على أي خطأ إلا بمزيد من الحب والإحسان ، وهو الرجل الصلب الشجاع الذي لا يخاف لومة لائم في حق ، ولا يهاب مخلوقاً في الدفاع عما يراه صواباً . كان يبتسم بود ويقول لي : هذه حماسة الشباب .
واعذروني لأنني لا أرى مساحة مهما اتسعت تكفي لإعطاء أبي لؤي حقه وترد جزءاً من دينه .
وما كتبته لا يرتقي ما يستحق أستاذي أن يكتب عنه ، لقد كان بالنسبة لي الأب والأخ والصديق والمعلم .
وعندما توفي والدي انتظرت ثلاثة أشهر قاسية لأقتنع أن الذين يموتون لا يعودون إلينا أبدأ ، ولكن عندما توفي أستاذي وأخي الكبير أبو لؤي عرفت أن الذين ملؤوا حياتنا حباً وعطاء لا يغادرون قلوبنا أبدأ .
رحمك الله يا أبا لؤي وجمعنا معاً في جنات الخلد .
ما كتبته لا يرتقي إلى ما يستحقه أستاذي
⏹كنت في التاسعة عندما توفي والدي حسن علي ديب « يرحمه الله » ، بكيت على فراقه كثيراً ، حتى إن قلبي الصغير لم يحتمل فكرة غيابه الأبدي ، لذلك آمنت بعودته في سري ، وبقيت أنتظره كل يوم أمام المنزل على أمل أن يطل بطربوشه الأحمر من رأس حارتنا في كفرسوسة فأكون أول مستقبليه .
طال انتظاري كثيراً ، ومضت ثلاثة أشهر قاسية حتى تعلمت أن من يذهب إلى ذلك المقام لا يعود إلى أحبائه أبدأ .
ورغم كثرة المحبين من الأهل ، لم يؤثر في شخصيتي العنيدة خلال السنوات القليلة التي تلت وفاة والدي أي أحد .
قضيت مراهقتي محاولاً أن أكون رجلاً ذا شأن . كنت متحمساً ، مندفعاً كثير الأفكار ، تتقاذفني طموحات وأهواء تودي بمن لا سند له ولا موجه له إلى وجهات قد لا تكون سارة .
في تلك الفترة العصبية منحني الله أخاً كبيراً ، كنت في الثامنة عشرة عندما التقيت أستاذي المرحوم أبا لؤي الذي تبوأ في حياتي منزلة الأب والأخ والصديق والمعلم .
مهنياً ...
بدأ بتدريبي من كتابة الخبر وإعادة صياغته ، وكنت وقتها « شاطراً » في مادة التعبير ، أحب الإطالات وكثرة المفردات ، ولن أنسى الدرس الأول من اليوم الأول في مدرسة عدنان بوظو يرحمه الله ، فقد سحب قلمه بهدوء وراح يشطب من كل سطر كتبته نصفه ، وفوق ذلك من كل أربعة أسطر سطراً بالكامل .
لقد انفطر قلبي على كلماتي التي صغتها طوال ليلتي الماضية وهي تطمس وتدهس تحت حبر قلمه القاسي .
وعندما لمح ضيقي ابتسم بهدوء وطلب مني أن أقرأ ما بقي من كلمات ، وبعدها سألني : هل نقص الخبر من أي معلومة مهمة كعدد الأهداف المسجلة أو أسماء الهدافين أو مكان المباراة ؟
قلت لا ، ولكن .. وقبل أن أكمل قال لي : الإعلام هو نقل صادق يتضمن معلومات مهمة ومفيدة وأساسية بأقل عدد من الكلمات وعبر أقصر الطرق في التعبير .
ومنذ ذلك اليوم الأول وعلى مدار ثمانية عشر عاماً عملت فيها مع الأستاذ لم ينقطع أبو لؤي عن تعليمي وإرشادي ، سواء أكان ذلك في فنون إعداد وتقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية أو في الصحافة المكتوبة التي كان أيضاً فارسها وأستاذها الذي لا يعوض ، أو في فن التعليق الرياضي الذي أخرجه أبو لؤي من كابوس الصراخ وصف الكلام وارتقى به إلى التميز بالحماسة المطلوبة والقراءة الخبيرة مستخدماً مصطلحات وعبارات ابتكرها بعبقرية ولازالت تتردد في معظم تعليقات المعلقين الرياضيين العرب في كل القنوات إلى يومنا هذا .
وللحق أقول ... إن كل نجاحاتي التي حققتها على الصعيد المحلي أو في مرحلة احترافي بشبكة أوربت العملاقة ، وما حصلت عليه من تقدير واحترام يعود الفضل به إلى الله عز وجل ثم إلى أستاذي أبي لؤي الذي لم يضن في تعليمنا أية معلومة أو تجربة ، ولم يجاملنا أو يتركنا نتخبط في أخطائنا دون إضاءة صادقة من خبرته ، ونية طيبة خالصة من قلبه الكبير الذي والله ما عرف إلا حب الخير للناس أجمعين .
وفي الوقت الذي شهدت فيه نجاحاً ولله الحمد وكنت أسمع عبارات الإطراء والمديح ومجاملات تصل إلى أبعد من ذلك ، كنت دائماً وبقرارة نفسي مؤمناً أنني مازلت تلميذاً للأستاذ ، ومازلت أفتخر بذلك إلى هذه اللحظة .
إنسانياً ...
وكما كان أبو لؤي « يرحمه الله » صادقاً ومخلصاً في علاقتنا المهنية ، حيث فتح جعبة خبرته وأسرار تفوقه لننهل منها مع توجيهات صادقة منه .
فتح يرحمه الله قلبه الكبير وبيته الدافئ ليكون بيت كل الأصدقاء ، ولا أنسى أبدأ زيارتي الأولى في أيامي الأولى إلى بيته ، حيث دعاني إلى الغداء على أن ننطلق معاً إلى ملعب العباسيين لمتابعة إحدى المباريات .
استقبلتنا على الباب السيدة أم لؤي ، وهي سيدة فاضلة تتمتع بذكاء وطيبة لا توصف وعندما جلسنا إلى المائدة قال لي يرحمه الله : ياسر أنا أعتبرك واحداً من العائلة وها هم أولادي : لمى ورنا ولؤي أخوتك .
وبعد هذه الزيارة لم يكن ليمر أسبوع إلا وكان لي غداء أو عشاء في منزل عائلتي الجديدة .
وطوال كل هذه السنوات لم يفارقني إحساس الأخوة بهم رغم تقصيري الشديد تجاههم في السنوات الأخيرة التي عملت فيها خارج سورية مع الأوربت في كل من روما والرياض .
ومن خلال هذه العلاقة المتميزة ساهم أبو لؤي يرحمه الله في تكوين شخصيتي ، فكان كأخ كبير يوجه الكثير من تصرفاتي ، فمثلاً كان يطالبني دائماً بألا أقترب من الدخان بالرغم من أنه كان من المدخنين .
وللآن لم أقترب من الدخان والحمد لله .
والأهم في شخصية أبي لؤي يرحمه الله أنه كان وفياً محباً لا يتأثر بموقف طائش أو تصرف أرعن ، فبعد سنوات من العمل كان يبرز بين حين وآخر تباين في وجهات النظر ، لكنه لم يكن ليقف عنده أو يتخذ موقفاً عدائياً منه ، لقد كان يفهمني أكثر مما أفهم نفسي ، وكان يحبني أكثر مما أحب نفسي ، فلم يرد على أي خطأ إلا بمزيد من الحب والإحسان ، وهو الرجل الصلب الشجاع الذي لا يخاف لومة لائم في حق ، ولا يهاب مخلوقاً في الدفاع عما يراه صواباً . كان يبتسم بود ويقول لي : هذه حماسة الشباب .
واعذروني لأنني لا أرى مساحة مهما اتسعت تكفي لإعطاء أبي لؤي حقه وترد جزءاً من دينه .
وما كتبته لا يرتقي ما يستحق أستاذي أن يكتب عنه ، لقد كان بالنسبة لي الأب والأخ والصديق والمعلم .
وعندما توفي والدي انتظرت ثلاثة أشهر قاسية لأقتنع أن الذين يموتون لا يعودون إلينا أبدأ ، ولكن عندما توفي أستاذي وأخي الكبير أبو لؤي عرفت أن الذين ملؤوا حياتنا حباً وعطاء لا يغادرون قلوبنا أبدأ .
رحمك الله يا أبا لؤي وجمعنا معاً في جنات الخلد .
تعليق