تويت
الرسم الهندسي
الرسم الهندسي، وسيلة للتعبير عن أفكارٍ تصميمية بالرسم والخط والتخطيط الهندسي، وهو اللغة والوسيلة التي تبناها المصمم والمهندس قديماً وحديثاً للتعبير عن الأفكار والتصاميم المقترحة لعمارة الأبنية أو لصنع قطع هندسية وميكانيكية وكهربائية يراد إنتاجها.
يُعد الرسم الهندسي أساسياً في تطوير الصناعات، لدوره الفعّال في ظهور تصاميم الأبنية وأدوات القياس الدقيقة واستخدام الآلات ذات الدقة العالية في الإنتاج.
لمحة تاريخية
كان الرسم مع بداية الحياة أداة التفاهم بين الناس، وأداة تعبير عما يجول في الخاطر قبل الكتابة. وتعد سفينة نوح عليه السلام من أشهر التصاميم في الأزمان الغابرة.
وقد عُثر على بعض الرسوم والمخططات لبعض الأدوات التي كان يستخدمها الإنسان، ووجدت رسوم خاصة بالقلاع والأبراج والمعابد التي بُنيت ومازالت آثارها قائمة. ومن أهم هذه الآثار ما اتفق على تسميته عجائب الدنيا السبع، ومنها أهرام مصر، وبرج بابل في العراق وغيرها.
ولا يمكن إشادة كل هذه الأبنية بتفاصيلها الدقيقة قبل أن يفكر مهندسوها بتصميمها وتحضير رسومها، الأمر الذي يؤكد أهمية الرسم في حياة الشعوب والإفادة منه في التصميم.
ومع تطور الشعوب والحضارات، أخذت الأدوات والعدد تدخل حياة الأمم، وقد لجأ أرخميدس عام 212ق.م إلى الرسم لإعداد الآلات والمعدات الحديثة وإنتاجها، لتنظيم الدفاع عن مدينة سرقسطة أمام جيوش الرومان، وكانت رسومه على شكل منظور تقريبي لآلاته ومعداته التي فكر فيها، (كانت آخر كلماته للجندي الروماني الذي قتله: «لا تمس رسومي»). وممن استخدم فكرة الرسم الهندسي، لتصميم آلة، رجل روماني في عام 30ق.م واسمه فتروفيوس كان يعمل في مجال الميكانيك، فصمم مضخة من البرونز لعمال المناجم.
وقد كان للحضارة العربية والإسلامية الأثر الكبير في تطور تقانات التصنيع، وتذخر كتب التراث برسوم الآلات الميكانيكية والهدروليكية المعقدة التي تركها المهندسون العرب، وأنجبت الحضارة العربية والإسلامية عدداً من المخترعين والمهندسين الذين وضعوا أسس التطور الصناعي الذي شهدته أوربا في عصر النهضة، وتركوا تراثاً لا يحصى من المراجع العلمية والمخطوطات.
ومن أشهر الكتب العربية العلمية التطبيقية التي عُنيت بالتصميم والهندسة الميكانيكية والهدروليكية، ومازالت أفكارها ورسوماتها تستوحى في تصاميم الآلات الحديثة ثلاثة كتب هي:
ـ كتاب «الحيل»، من وضع أبناء موسى بن شاكر (في القرن 3هـ/9م).
ـ «الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل»، لبديع الزمان أبو العز بن إسماعيل الجزري (ق 6هـ/ 12م).
ـ كتاب «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، لتقي الدين بن معروف بن راصد الدمشقي (ق 10هـ/16م).
وهذه الكتب الثلاثة لا تعدو كونها حلقات في سلسلة التقاليد والمراجع العربية الإسلامية الهندسية الميكانيكية التي أسهمت في الثورة الصناعية في الغرب في القرن السادس عشر الميلادي.
وحسبنا على سبيل المثال وليس الحصر الإشارة إلى شهادة دونالد هيل أحد الباحثين الأوربيين، حول أعمال وإنجازات العرب التكنولوجية في تعليقه على كتاب الجزري قائلاً: «لم تكن بين أيدينا حتى العصور الحديثة أي وثيقة، من حضارة أخرى في العالم تضاهي ما في كتاب الجزري من غنى التصاميم والشروحات الهندسية المتعلقة بطرائق الصنع والتجميع للآلات». وقد انفرد العلماء العرب في الرسم والتصميم عمن سبقوهم برسوم متعلقة بالتحكم الآلي واستخدام الصمامات التي تعمل تلقائياً، كأمثال بني موسى في كتابهم «الحِيَل» (الشكل -1).
وفي عصر النهضة يأتي اسم ليوناردو دافنشي في مقدمة من أسهم في تطوير الرسم الصناعي والهندسي برسومه وتصميماته التي تركها، ويعزى فضل تطويـر الرسم الهندسي واستخدام الخطوط الهندسـية في ترتيب المناظـر (المساقط) للمهندسين الإيطاليين عامـة، ومن أشهرهم ليون باتيستا ألبرتي L.B.Alberti ت(1404- 1472).
أما البداية الحقيقية للرسم الهندسي الحديث فتأتي في القرن الثامن عشر، وتحديداً في عام 1727، حين اتُفِق على قواعد ومصطلحات وشروط دولية عامة لتوحيد أعمال الرسم الهندسي وممارسته في إخراج التصاميم الفنية، واعتمد وضع الأطوال على المناظر (الأبعاد على المساقط) بعد أن كانت تُتْرك للرسام يتصرف بها بحسب خبرته ومرانه لإخراج التصاميم والرسوم وتنفيذها.
منذ ذلك الحين أخذت الدقة في الإنتاج طريقها، وبدأ الإنتاج الكمي واستخدام الآلات الدقيقة، وظهرت فكرة إنتاج قطع التبديل، وبدأت الأبنية الشاهقة وتصاميمها تأخذ طريقها إلى التنفيذ.
غير أن فكرة رسم المساقط وترتيبها بقيت من دون تطور إلى القرن العشرين، إلى أن أوضح العالم الفرنسي الرياضي «كاسبار مونج» طريقة تمثيل الأجسام في مستويين متعامدين، أعطت للرسم تكامله وفتحت له آفاقاً واسعة، ومازالت تُسـتَخدم وتُدرس إلى اليوم، وصار بالإمكان استنتاج المسقط الغائب (المسقط الثالث) بهذه الطريقة، كما أمكن إظهار الأجسام وتمثيلها بالتفاصيل الجزئية الكاملة. ومنذ ذلك الحين، دخل التخصص مجال الرسم الهندسي والصناعي، وصار وجود مكتب الرسم الهندسي ضرورة ملحة في جميع المنشآت الصناعية، ويتبع له حُكماً أقسام أخرى مثل قسم الطباعة وقسم التخطيط وقسم الرسامين.
أسس الرسم الهندسي
يعتمد الرسم الهندسي على الإلمام التام بالطرق الصحيحة والمعرفة الجيدة في إنشاء الأشكال الهندسية المستوية والفراغية. أما الأشكال الهندسية نفسها فهي مجموعة من النقاط والخطوط والسطوح تعتمد في بنائها على عناصر هندسية أساسية هي:
ـ النقطة: كل أثر مجرد ليس له أبعاد ويحدد بتقاطع خطين مستقيمين.
ـ المستقيم: الأثر الناتج عن تحرك النقطة، وله بعد واحد هو الطول.
ـ السطح: الأثر الناتج عن حركة خط محدد، ويكون مستوياً أو منحنياً، وله طول وعرض، وهو الحد الفاصل للجسم عما يحيط به من الفراغ.
أما المنهاج الأساسي لتعلم وتعليم الرسم فيبدأ من الأسس والمواضيع الرئيسية الآتية:
خطوط الرسم، طرائق الرسم، الإسقاط بنوعيه المركزي والمتوازي، استنتاج المسقط الغائب (الثالث)، رسم المنظور وطرائقه، مفهوم القطاعات وأنواعها للأجسام الهندسية والقطع الميكانيكية، درجات الدقة والتفاوتات للأسطح المشغولة، الرسم التجميعي.
خطوط الرسم وكتاباته
إذا كان الرسم الهندسي لغة، فخطوط الرسم هي حروفه الناطقة الصامتة وهي العنصر الأساسي للتفاهم والقراءة ونقل المعلومات إضافة إلى الكتابات.
تقسم خطوط الرسم إلى مجموعات تختلف بنوعها وسماكتها، ولكل خط دلالته واستعماله، ويوضح الشكل (2) هذه الأنواع.
مع العلم أن الخط الحقيقي المعتمد والشائع يكون ما بين 0.7 و0.9 و1.2مم وبناءً عليه تكون الخطوط الأخرى.
أما الكتابة في الرسم فقد اعتمدت فيها الحروف اللاتينية القوطية، وبسماكة واحدة وتكتب بشكل قائم أو بزاوية ميل 75 ْ تبعاً لحجم الرسم وبيناته (الشكل -3).
كذلك عُدَّ الخـط الكـوفي أساساً للكتابـة في الرسوم الهندسية، باعتبار أن الحرف الكوفي هو الأقرب إلى الناحية الهندسـية من دون غيره من الحروف (الشكل -4).
أدوات الرسم
أدوات الرسم الأساسية المستعملة هي:
المسطرة حرف T، المثلثات، علبة الفرجار، قلم الرصاص والممحاة، المنقلة ومساطر المنحنيات، لوحة الرسم وورق الرسم، أدوات رسم إضافية خاصة.
رافق تطور الرسم تطور آخر في أدواته، فتحول البشر تدريجياً من الرسم على الصخور وبالطبشور والحجر إلى استخدام أقلام الرصاص بأنواعها والمثلثات البلاستيكية وعلبة أدوات الهندسة وأدوات التحبير وأوراق الرسم الخاصة. ومن ثم أظهر عصر المعلوماتية اليوم أداة جديدة ساعدت كثيراً في أعمال الرسم، هي الحاسوب وبرامج الرسم والتصميم بمساعدة الحاسوب[ر. التصميم بمعونة الحاسوب] CAD. وصار بالإمكان للرسام المتمكن والخبير أن يقوم بأعمال الرسم والتصميم جميعها على الحاسوب مستغنياً عن جميع أدوات الرسم التقليدية.
وباستخدام برامج الرسم الحاسوبية، يمكن إنتاج التصميم وربط الحاسوب بآلات الإنتاج وتنفيذ ما يراد إنتاجه، لا بل ظهرت الآلات المبرمجة التي تحمل في طياتها برامج الرسم والتشغيل كآلات CNC وغيرها، ودخل عصر الإنتاج إلى مفهوم CAD-CAM، أي التصميم والإنتاج باستخدام الحاسوب[ر . التصنيع بمعونة الحاسوب].
وكما أن في اللغات قواعد، ولكل حرف وكلمة معنى، فللرسم الهندسي قواعده، وشروطه، ولكل خطٍ من خطوطه معنى. فالرسم الهندسي تعبير واضح ومفصل للتصميم المراد إنتاجه، وأساس ضروري للقائمين بعملية الإنتاج أو لإنشاء بناء سكني وتنفيذه. ومن دون الرسوم الهندسية يستحيل تنظيم العمل تنظيماً صحيحاً في المعامل والورشات، فالأجهزة والآلات والأبنية والإنشاءات تبنى وفقاً للرسوم الهندسية والصناعية.
أنواع الرسم الهندسي
هناك ثلاثة أنواع رئيسة للرسم الهندسي وهي:
1- الرسم التنفيذي: وهو النوع الأهم والرئيسي من الأنواع الثلاثة، وتسمى لوحاته بالرسوم التشغيلية، وتستخدم في جميع أقسام التنفيذ والإنتاج والتصميم، وفي شتى الأعمال الصناعية والإنشائية والمدنية، إذ تُعطى جميع المعلومات والبيانات اللازمة لتنفيذ التصميم الواحد على ورقة الرسم مباشرة، بدءاً من الشكل ونوع المعدن وحتى التسامحات وغير ذلك من المواصفات وانتهاءً بعلامات التشغيل، كما في الشكل (5 - أ).
أما في الرسوم المعمارية والمدنية الإنشائية فتكون بحسب الشكل (5 - ب) الذي يحدد توزع الغرف والقاعات والمنافع وأماكن الخدمات وما يفترض وجوده من لوازم في كل مسكن أو موقع، مع الأبعاد وتوزع المحاور وغيرها.
2- الرسم الإنشائي (التجميعي): يُساعد هذا النوع من الرسم على بيان مكان توضُّع القطع بالنسبة إلى غيرها في الجهاز أو الآلة بعد إنتاجها وفي أثناء الاستخدام، كما يساعد على أعمال التركيب والفك والصيانة. وتُلحق بالرسوم عادة جداول خاصة يُبيِّن عليها اسم القطعة ونوع معدنها والعدد المطلوب منها وكل قطعة بحسب رقمها، كما توضع الملاحظات اللازمة إن وجدت.
أما في الرسم الهندسي المعماري أو المدني فتوزع الغرف والصالونات والمنافع وأمكنة الأبواب والنوافذ والمحاور في الأبنية. وربما وُجدِت بعض القطاعات أو المقاطع الأخرى في الرسم، ويوضح فيها أبعاد الغرف ومساحاتها وتوزعها والجدران الفاصلة والنوافذ والأبواب وأماكن الصرف الصحي، وتُرَمَّز القطع أو الغرف بحسب أهميتها وطريقة توضُّعها. أما محاور الجدران والبناء، فيعبَّر عنها بالأحرف والرموز.
3- الرسم الإجمالي: يُستخدم هذا النوع من الرسم لإيضاح الشكل الكلي أو المنظر الكلي للآلة أو الجهاز أو البناء عامة. ويرفق بهذا الرسم جدول يتضمن التسمية وأجزاءها المرقمة والبيانات الخاصة بكل قطعة (الشكل -6). والمنظر العام للبناء (الشكل -7).
وهناك أيضاً ما يسمى الرسم الكروكي أو المختصر ويستخدم عادة لرسم منظور أو مجسم لقطعة ما، أو لفكرة تصميمية وردت، فتطرح الأفكار على الورق العادي أولاً ومن ثم تحضر فنياً بالأدوات الهندسية اللازمة كما في الرسم التنفيذي. (الشكل 8 - أ، ب).
محمد بسام شفيق الخباز
الرسم الهندسي، وسيلة للتعبير عن أفكارٍ تصميمية بالرسم والخط والتخطيط الهندسي، وهو اللغة والوسيلة التي تبناها المصمم والمهندس قديماً وحديثاً للتعبير عن الأفكار والتصاميم المقترحة لعمارة الأبنية أو لصنع قطع هندسية وميكانيكية وكهربائية يراد إنتاجها.
يُعد الرسم الهندسي أساسياً في تطوير الصناعات، لدوره الفعّال في ظهور تصاميم الأبنية وأدوات القياس الدقيقة واستخدام الآلات ذات الدقة العالية في الإنتاج.
لمحة تاريخية
كان الرسم مع بداية الحياة أداة التفاهم بين الناس، وأداة تعبير عما يجول في الخاطر قبل الكتابة. وتعد سفينة نوح عليه السلام من أشهر التصاميم في الأزمان الغابرة.
وقد عُثر على بعض الرسوم والمخططات لبعض الأدوات التي كان يستخدمها الإنسان، ووجدت رسوم خاصة بالقلاع والأبراج والمعابد التي بُنيت ومازالت آثارها قائمة. ومن أهم هذه الآثار ما اتفق على تسميته عجائب الدنيا السبع، ومنها أهرام مصر، وبرج بابل في العراق وغيرها.
ولا يمكن إشادة كل هذه الأبنية بتفاصيلها الدقيقة قبل أن يفكر مهندسوها بتصميمها وتحضير رسومها، الأمر الذي يؤكد أهمية الرسم في حياة الشعوب والإفادة منه في التصميم.
ومع تطور الشعوب والحضارات، أخذت الأدوات والعدد تدخل حياة الأمم، وقد لجأ أرخميدس عام 212ق.م إلى الرسم لإعداد الآلات والمعدات الحديثة وإنتاجها، لتنظيم الدفاع عن مدينة سرقسطة أمام جيوش الرومان، وكانت رسومه على شكل منظور تقريبي لآلاته ومعداته التي فكر فيها، (كانت آخر كلماته للجندي الروماني الذي قتله: «لا تمس رسومي»). وممن استخدم فكرة الرسم الهندسي، لتصميم آلة، رجل روماني في عام 30ق.م واسمه فتروفيوس كان يعمل في مجال الميكانيك، فصمم مضخة من البرونز لعمال المناجم.
وقد كان للحضارة العربية والإسلامية الأثر الكبير في تطور تقانات التصنيع، وتذخر كتب التراث برسوم الآلات الميكانيكية والهدروليكية المعقدة التي تركها المهندسون العرب، وأنجبت الحضارة العربية والإسلامية عدداً من المخترعين والمهندسين الذين وضعوا أسس التطور الصناعي الذي شهدته أوربا في عصر النهضة، وتركوا تراثاً لا يحصى من المراجع العلمية والمخطوطات.
ومن أشهر الكتب العربية العلمية التطبيقية التي عُنيت بالتصميم والهندسة الميكانيكية والهدروليكية، ومازالت أفكارها ورسوماتها تستوحى في تصاميم الآلات الحديثة ثلاثة كتب هي:
ـ كتاب «الحيل»، من وضع أبناء موسى بن شاكر (في القرن 3هـ/9م).
ـ «الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل»، لبديع الزمان أبو العز بن إسماعيل الجزري (ق 6هـ/ 12م).
ـ كتاب «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، لتقي الدين بن معروف بن راصد الدمشقي (ق 10هـ/16م).
وهذه الكتب الثلاثة لا تعدو كونها حلقات في سلسلة التقاليد والمراجع العربية الإسلامية الهندسية الميكانيكية التي أسهمت في الثورة الصناعية في الغرب في القرن السادس عشر الميلادي.
وحسبنا على سبيل المثال وليس الحصر الإشارة إلى شهادة دونالد هيل أحد الباحثين الأوربيين، حول أعمال وإنجازات العرب التكنولوجية في تعليقه على كتاب الجزري قائلاً: «لم تكن بين أيدينا حتى العصور الحديثة أي وثيقة، من حضارة أخرى في العالم تضاهي ما في كتاب الجزري من غنى التصاميم والشروحات الهندسية المتعلقة بطرائق الصنع والتجميع للآلات». وقد انفرد العلماء العرب في الرسم والتصميم عمن سبقوهم برسوم متعلقة بالتحكم الآلي واستخدام الصمامات التي تعمل تلقائياً، كأمثال بني موسى في كتابهم «الحِيَل» (الشكل -1).
 |
| الشكل (1) آلة لرفع الماء نحو عشرين ذراعاً بدولاب من ماء جار |
أما البداية الحقيقية للرسم الهندسي الحديث فتأتي في القرن الثامن عشر، وتحديداً في عام 1727، حين اتُفِق على قواعد ومصطلحات وشروط دولية عامة لتوحيد أعمال الرسم الهندسي وممارسته في إخراج التصاميم الفنية، واعتمد وضع الأطوال على المناظر (الأبعاد على المساقط) بعد أن كانت تُتْرك للرسام يتصرف بها بحسب خبرته ومرانه لإخراج التصاميم والرسوم وتنفيذها.
منذ ذلك الحين أخذت الدقة في الإنتاج طريقها، وبدأ الإنتاج الكمي واستخدام الآلات الدقيقة، وظهرت فكرة إنتاج قطع التبديل، وبدأت الأبنية الشاهقة وتصاميمها تأخذ طريقها إلى التنفيذ.
غير أن فكرة رسم المساقط وترتيبها بقيت من دون تطور إلى القرن العشرين، إلى أن أوضح العالم الفرنسي الرياضي «كاسبار مونج» طريقة تمثيل الأجسام في مستويين متعامدين، أعطت للرسم تكامله وفتحت له آفاقاً واسعة، ومازالت تُسـتَخدم وتُدرس إلى اليوم، وصار بالإمكان استنتاج المسقط الغائب (المسقط الثالث) بهذه الطريقة، كما أمكن إظهار الأجسام وتمثيلها بالتفاصيل الجزئية الكاملة. ومنذ ذلك الحين، دخل التخصص مجال الرسم الهندسي والصناعي، وصار وجود مكتب الرسم الهندسي ضرورة ملحة في جميع المنشآت الصناعية، ويتبع له حُكماً أقسام أخرى مثل قسم الطباعة وقسم التخطيط وقسم الرسامين.
أسس الرسم الهندسي
يعتمد الرسم الهندسي على الإلمام التام بالطرق الصحيحة والمعرفة الجيدة في إنشاء الأشكال الهندسية المستوية والفراغية. أما الأشكال الهندسية نفسها فهي مجموعة من النقاط والخطوط والسطوح تعتمد في بنائها على عناصر هندسية أساسية هي:
ـ النقطة: كل أثر مجرد ليس له أبعاد ويحدد بتقاطع خطين مستقيمين.
ـ المستقيم: الأثر الناتج عن تحرك النقطة، وله بعد واحد هو الطول.
ـ السطح: الأثر الناتج عن حركة خط محدد، ويكون مستوياً أو منحنياً، وله طول وعرض، وهو الحد الفاصل للجسم عما يحيط به من الفراغ.
أما المنهاج الأساسي لتعلم وتعليم الرسم فيبدأ من الأسس والمواضيع الرئيسية الآتية:
خطوط الرسم، طرائق الرسم، الإسقاط بنوعيه المركزي والمتوازي، استنتاج المسقط الغائب (الثالث)، رسم المنظور وطرائقه، مفهوم القطاعات وأنواعها للأجسام الهندسية والقطع الميكانيكية، درجات الدقة والتفاوتات للأسطح المشغولة، الرسم التجميعي.
خطوط الرسم وكتاباته
إذا كان الرسم الهندسي لغة، فخطوط الرسم هي حروفه الناطقة الصامتة وهي العنصر الأساسي للتفاهم والقراءة ونقل المعلومات إضافة إلى الكتابات.
تقسم خطوط الرسم إلى مجموعات تختلف بنوعها وسماكتها، ولكل خط دلالته واستعماله، ويوضح الشكل (2) هذه الأنواع.
 |
| الشكل (2) أنواع خطوط الرسم |
أما الكتابة في الرسم فقد اعتمدت فيها الحروف اللاتينية القوطية، وبسماكة واحدة وتكتب بشكل قائم أو بزاوية ميل 75 ْ تبعاً لحجم الرسم وبيناته (الشكل -3).
كذلك عُدَّ الخـط الكـوفي أساساً للكتابـة في الرسوم الهندسية، باعتبار أن الحرف الكوفي هو الأقرب إلى الناحية الهندسـية من دون غيره من الحروف (الشكل -4).
 |
| الشكل (3) الحروف اللاتينية المستخدمة في الرسم5 |
| الشكل (4) الخط الكوفي المستخدم للكتابة في الرسوم الهندسية6 |
 |
أدوات الرسم الأساسية المستعملة هي:
المسطرة حرف T، المثلثات، علبة الفرجار، قلم الرصاص والممحاة، المنقلة ومساطر المنحنيات، لوحة الرسم وورق الرسم، أدوات رسم إضافية خاصة.
رافق تطور الرسم تطور آخر في أدواته، فتحول البشر تدريجياً من الرسم على الصخور وبالطبشور والحجر إلى استخدام أقلام الرصاص بأنواعها والمثلثات البلاستيكية وعلبة أدوات الهندسة وأدوات التحبير وأوراق الرسم الخاصة. ومن ثم أظهر عصر المعلوماتية اليوم أداة جديدة ساعدت كثيراً في أعمال الرسم، هي الحاسوب وبرامج الرسم والتصميم بمساعدة الحاسوب[ر. التصميم بمعونة الحاسوب] CAD. وصار بالإمكان للرسام المتمكن والخبير أن يقوم بأعمال الرسم والتصميم جميعها على الحاسوب مستغنياً عن جميع أدوات الرسم التقليدية.
وباستخدام برامج الرسم الحاسوبية، يمكن إنتاج التصميم وربط الحاسوب بآلات الإنتاج وتنفيذ ما يراد إنتاجه، لا بل ظهرت الآلات المبرمجة التي تحمل في طياتها برامج الرسم والتشغيل كآلات CNC وغيرها، ودخل عصر الإنتاج إلى مفهوم CAD-CAM، أي التصميم والإنتاج باستخدام الحاسوب[ر . التصنيع بمعونة الحاسوب].
وكما أن في اللغات قواعد، ولكل حرف وكلمة معنى، فللرسم الهندسي قواعده، وشروطه، ولكل خطٍ من خطوطه معنى. فالرسم الهندسي تعبير واضح ومفصل للتصميم المراد إنتاجه، وأساس ضروري للقائمين بعملية الإنتاج أو لإنشاء بناء سكني وتنفيذه. ومن دون الرسوم الهندسية يستحيل تنظيم العمل تنظيماً صحيحاً في المعامل والورشات، فالأجهزة والآلات والأبنية والإنشاءات تبنى وفقاً للرسوم الهندسية والصناعية.
أنواع الرسم الهندسي
هناك ثلاثة أنواع رئيسة للرسم الهندسي وهي:
1- الرسم التنفيذي: وهو النوع الأهم والرئيسي من الأنواع الثلاثة، وتسمى لوحاته بالرسوم التشغيلية، وتستخدم في جميع أقسام التنفيذ والإنتاج والتصميم، وفي شتى الأعمال الصناعية والإنشائية والمدنية، إذ تُعطى جميع المعلومات والبيانات اللازمة لتنفيذ التصميم الواحد على ورقة الرسم مباشرة، بدءاً من الشكل ونوع المعدن وحتى التسامحات وغير ذلك من المواصفات وانتهاءً بعلامات التشغيل، كما في الشكل (5 - أ).
أما في الرسوم المعمارية والمدنية الإنشائية فتكون بحسب الشكل (5 - ب) الذي يحدد توزع الغرف والقاعات والمنافع وأماكن الخدمات وما يفترض وجوده من لوازم في كل مسكن أو موقع، مع الأبعاد وتوزع المحاور وغيرها.
 |
| الشكل (5-أ) الرسم التنفيذي5 الشكل (5-ب) رسم تنفيذي يحدد توزع الغرف والقاعات وغيرها6 |
 |
أما في الرسم الهندسي المعماري أو المدني فتوزع الغرف والصالونات والمنافع وأمكنة الأبواب والنوافذ والمحاور في الأبنية. وربما وُجدِت بعض القطاعات أو المقاطع الأخرى في الرسم، ويوضح فيها أبعاد الغرف ومساحاتها وتوزعها والجدران الفاصلة والنوافذ والأبواب وأماكن الصرف الصحي، وتُرَمَّز القطع أو الغرف بحسب أهميتها وطريقة توضُّعها. أما محاور الجدران والبناء، فيعبَّر عنها بالأحرف والرموز.
3- الرسم الإجمالي: يُستخدم هذا النوع من الرسم لإيضاح الشكل الكلي أو المنظر الكلي للآلة أو الجهاز أو البناء عامة. ويرفق بهذا الرسم جدول يتضمن التسمية وأجزاءها المرقمة والبيانات الخاصة بكل قطعة (الشكل -6). والمنظر العام للبناء (الشكل -7).
 |
| الشكل (6) رسم تخطيطي يبين النظام الميكانيكي لمكنة خياطة منزلية5 |
| الشكل (7) المنظر العام للبناء6 |
 |
 |
| الشكل (8-أ) رسم كروكي أو مختصر5 |
| الشكل (8-ب) رسم مجسم6 |
 |