لنتعرّف معاً على شبوه Shabwah عاصمة حضرموت القديمة،و أهم المكتشفات الأثرية فيها .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لنتعرّف معاً على شبوه Shabwah عاصمة حضرموت القديمة،و أهم المكتشفات الأثرية فيها .

    شـبوة
    شبوة عاصمة حضرموت القديمة، جاءت تسميتها من اسم موقع المدينة، لا من اسم قبيلة، مثل معين، وقد عثر على خمسة نقوش على الأقل في المدينة ذكر فيها (هجر شبوت) أي مدينة شبوة، ويدل هذا المصطلح على المدينة والمنطقة المجاورة لها، أما قبيلة حضرموت فقد سكنت في منطقة شبوة وفي وادي حضرموت.
    تقع شبوة مقابل رملة السبعتين في الطرف الغربي لوادي حضرموت الذي كان قديماً يسمى وادي «سرعن»، والذي يبعد عن بحر العرب نحو165كم، ويسير في خط موازٍ له. وتحظى شبوة بموقع جغرافي مميز في منطقة «الغرين»، في نهاية مجرى وادي عطف، الذي يتكون من التقاء عدة أودية (وادي عرمه ووادي أنجال) وقد جعل هذا الموقع منها نقطة اتصال مهمة.
    ازدهرت شبوة بفضل عاملين رئيسين هما: تحكمها بوسائل الري، أي بمساقط المياه من الأودية واستفادتها من الموقع الاستراتيجي المهم، على طريق القوافل الواصلة إليها من ميناء قنا، باتجاه مدخل وادي حضرموت، ثم تتصل مباشرة بـ«تمنع»، وترتبط بمأرب ونجران وغيرها من المحطات التجارية الممتدة على طريق القوافل المتجه نحو الشمال إلى غزة، على البحر المتوسط، ولذلك أصبحت شبوة إحدى كبريات المدن الواقعة على أطراف مفازة صيهد، من حيث مساحتها وكثافة مبانيها، وتعد المدينة الأكثر شهرة من بين مدن اليمن.
    تظهر أهمية شبوة عاصمة لحضرموت من خلال إسهاب المصادر الكلاسيكية في الحديث عن ثرائها ومعابدها، وأنها كانت مركزاً مهماً لتجارة البخور (اللبان). يذكر بليني في كتابه «التاريخ الطبيعي»: «يجمع اللبان ويحمل على ظهور الجمال إلى ساباتاSabata (شبوة) فيفتح له باب خاص، وأي تهريب أو الدخول من باب آخر يعتبر جريمة يعاقب عليها الملوك بالموت، وكان الكهنة يأخذون العشر للإله سين، كيلاً لا وزناً، ولا يسمح بالبيع أو الشراء قبل أن يدفع هذا....». وذكرت شبوة في كتاب الطواف حول البحر الأريتيري (الذي كتب في القرن الأول الميلادي) فقد وصف ساباتا بأنها عاصمة بلاد اللبان، ومكان إقامة الملك، الذي تساق إليه البضائع المستوردة، كالذهب والفضة والخيول.
    يعد البحاثة «فلبي» أول من اكتشف العاصمة الحضرمية «شبوة» عام 1936م، حينما وجد آثار المدينة وعثر على عدد من النقوش فيها، كما تمكن من كشف موقع أثري يسمى العقلة، على مقربة من شبوة ذاتها، حيث يقع حصن «آنودم»، الذي اتخذ مكاناً لتتويج ملوك حضرموت.
    لدى زيارة هاملتون شبوة عام 1938م، لاحظ أن الخرائب غطت القسم الأعظم من الموقع ذاته، ولكن لم يبدأ التنقيب إلا منذ عام 1975م، عندما بدأت البعثة الفرنسية أعمال التنقيب في المنطقة، وبعد عدة مواسم تمكنت من كشف أبرز الآثار بالمدينة.
    أهم المكتشفات الأثرية
    ـ السور: أهم مكتشفات بعثة التنقيب في شبوة هو: سور المدينة المحصن باستحكامات منتظمة بارزة، له بابان من الجهة الشرقية سجلت عليهما نقوش تذكر اسم مدينة شبوة، وتحكي شيئاً عن ماضيها.
    ـ القصر الملكي: عثر المنقبون في المنطقة على آثار القصر الملكي: «شقر، وذلك على مقربة من باب المدينة الغربي، وتوثق النقوش اسم هذا القصر على نحو (ش ق ر)، ومما يلفت الانتباه أنه عثر على الاسم عينه مسجلاً على قطع النقد الحضرمية، وكان ذلك تقليداً رسمياً متبعاً في كل الممالك اليمنية القديمة، وعلى الوجه الآخر للعملة الحضرمية صورة الطائر النسر، وهويرمز إلى الإله القمر (إله حضرموت الشهير) وهو المعروف لديهم بالإله (س ي ن).
    وكان القصر «شقر» مركزاً رئيساً للسلطة الحضرمية ومكاناً لإقامة العائلة المالكة وكبار وجهاء الدولة، وتوثق النقوش أيضاً بعضاً من الأحداث الأليمة والجسيمة التي لحقت بالقصر من جراء الحروب. ففي أواسط القرن الثالث الميلادي تعرضت المدينة والقصر لهجوم عنيف شنه آنذاك الملك السبئي «شعر أوتر» على الملك الحضرمي «أل عزيلط»، فأسره الأخير وقتل أولاده ووزراءه، وهدِّمت العاصمة في تلك الحرب ودُمِّر قصرها الملكي تدميراً كاملاً. وبعد انتهاء تلك الحوادث أعاد ملوك حضرموت، الذين جاؤوا بعد «أل عزيلط»، بناء القصر وتخطيط المدينة مجدداً بعد أن أحرقها الحميريون عن بكرة أبيها.
    ـ المعبد: عثر على أنقاض معبد الإله «سين ذي اليم» في شرقي المدينة، وسط الطريق الرئيسية، وكانت البعثة المنقبة عن الآثار قد كشفت عن المخطط الهندسي لهذا المعبد المتميز بفن معماري رائع وفريد في بنائه وتصميمه.
    ـ القبور: كُشف عن مجموعة من القبور في شبوة، واقعة على التل الكائن في الشمال الشرقي من المدينة، ومما يميز هذه القبور أنها ذات مداخل هندسية بديعة الشكل، وكشفت الحفريات أنها تتألف من الداخل من غرفة مستطيلة الشكل مقسمة جزأين متساويين، عثر داخلها على لقى جنائزية.
    أجري السبر الطبقي (الاستراتيغرافي) في شبوة مع بدء الحفريات فيها عام 1976، وذلك لمعرفة تاريخ الاستيطان في هذه المدينة، وتبين أنه يعود إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد، وأظهرت الطبقات التالية استمرار الاستيطان حتى القرون الميلادية الأولى.
    القيمة التاريخية والحضارية للموقع
    أظهرت الحفريات الأثرية في بعض المباني وفي القصر الملكي والمقابر، المكانة المتميزة لشبوة في التبادل التجاري، حيث عثر على بعض الفخار الروماني ومصابيح وجرار وزجاج مستورد، تعود إلى القرن الأول الميلادي، ويلاحظ التقليد لما هو مستورد في المراحل اللاحقة، ويدل ظهور التأثيرات الأجنبية في الزخرفة على اختلاط الفنون المحلية بالفنون اليونانية الرومانية، ويبدو التقارب الفني واضحاً في شبوة كغيرها من المدن اليمنية القديمة.
    وتدل جميع هذه المعطيات الأثرية على ما وصلت إليه شبوة من غنى وازدهار في القرون الثلاثة الأولى للميلاد، إذ يعود إلى هذه الحقبة بناء عدد من المنشآت الضخمة ومشروعات الري.
    محمود فرعون

يعمل...
X