السوري وضاح السيد يكشف عن أسرار نصه البصري
فنان يحول أشهر الأعمال الموسيقية إلى أغان تشكيلية.
الاثنين 2023/02/20
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فضاءات وانفعالات جديدة
تحرر الفنان السوري وضاح السيد من القوالب الفنية الجاهزة ومن الضوابط الأكاديمية، معتمدا التجريب أسلوبا فنيا يميزه عن غيره من مجايليه ويمنحه حرية الخوض في الفن وفق رؤيته الخاصة التي تجعل من أعماله “أغنية تشكيلية” تمزج بين التشكيل ومختلف الفنون الأخرى.
ما إن تخرج وضاح السيد (1969) من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1990 حتى كان التجريب همه، والبحث عن المختلف واللامألوف شغله الشاغل، يرسم اللانهايات، وقبل بدء اللوحة هناك ما يؤرقه، فالفن بالنسبة إليه مسؤولية أولا وصياغات جديدة لم تعتد العين على رؤيتها ثانيا. لهذا تدهش حين تلمس النظرة العمل الفني من أول وهلة، فلا تحديد ثابتا للوحة، لا لحالاتها ولا لتكويناتها، فهو يعيد إنتاج القصيدة باللون حينا حتى أنه قدم معرضا كاملا تحت عنوان “بعيون نزار” استلهمه السيد من قصائد نزار قباني كحالة توأمة بين الرسم والخط، بين اللون والقصيدة، وحينا يستوحي أعماله من أغان باتت كنزا لذاكرة لا يمكن أن تموت.
وكانت للفنان لوحات عنوانها “هذه ليلتي” و”وحدن” و”يا لور” مستوحاة من أغان لأم كلثوم ولفيروز تحمل الأسماء ذاتها، وحينا آخر يشتغل على خامة اللباد بدلا من قماش الكانفال ليعيش سباقا تشكيليا ينوع خلاله في خامات لوحاته، ورغم مغامرته هذه ورضاه عن تجربته هذه إلا أنها لم تلق الاستحسان المطلوب لا من النقاد والمهتمين ولا من المتلقين، وهذا لم يهد من تفاعله المبدع مع طموحه في كسر النهايات وعدم ربطها تماما بالبدايات. والفنان السوري يتماهى باستمرار مع ما يؤكد انبعاث كل ما هو غير مألوف في تجربته، ورغم أنها تشكل حافزا مؤثرا يتفق مع مبادئ التفاعل والتكامل لديه، وأنه يتقن نسج أنموذجه وإظهاره بالشكل الذي يريده هو، فعمله يفعِّل المؤثرات البصرية منها والنفسية، ويضعها في مواجهة النظام التقليدي للعمل الفني ويستخدمها في مواجهة الروتين فيه.
والنتيجة هي أن الفنان وضاح يشم رائحة كل ما هو غير مألوف في الأشياء فيخرجها بنور بصيرته، وبزخم تدرجات لونه يلغي المنظور علّ ذلك يقوده إلى البحث في إضاءة اللون ذاته أو في الطاقة المشعة منها فهو هنا يكتسب هوية جديدة بعيدا عن السقوط الفني الكبير في أكثر شتات الأرض، بتقنيات عالية، وبعنفوان وحيوية، وبتعبيرية جديدة يرمي الزمن بعيدا ليجد طريقه في متون الأسئلة الملتفة على عنقه، أو في الأجوبة المستعصية والتائهة منها وما تبقى منهما، فهاجسه البحث في اللابدايات التي تفضي إلى صيرورة اللانهايات، والإبحار في رؤية الآخر علها تبقى مختلفة.
هنا تكمن تجليات قدرة وضاح السيد على الانتقال من المراجعة إلى الاقتراب من دوافعه الكامنة في تهميش طقسه وتلك الأسباب التي ستنتج مقولته وأبعادها مع رغبته في توسيع محطاتها وتحويلها إلى أسئلة جديدة.
وفي سياق الإجابة عليها والبحث فيها، يغوص السيد في إنتاج المعرفة البصرية في إطار ثقافي يتغير تبعا للمعايير والوقائع، وتبعا للتآلف أو للتناقض، أو للتقارب أو التباعد بين عوامل تصوراته وصياغاته حتى يكشف عن أسرار نصه البصري في مناخ مفتوح وحرية في البحث وفي منتهى الأهمية، وبعمق يلامس قدراته وقدرات المتلقي معا.
هنا يعقد السيد موازنات ثلاثية الأضلاع، موازنات بأبجدية لا تترجم بل يحقق نوعا من التناغم بين رؤيته الذاتية وما يذهب إليه وبين اللوحة وما تسرده من حقول وأسفار، وبين المتلقي وما ينتظره أو ما سيذهب إليه من حركات وملامح وحكايات، فهو يرغب في خلق حوار مفتوح بين الأضلاع الثلاثة لتمارس معا طقوس الحياة واليباس، طقوس قد تدفعه إلى وضع ريشته تماما على ما هو مطلوب للاقتراب من اللانهاية ضمن البحث الدؤوب عن الفعل التشكيلي الذي سيترك التوازن قائما في هذا العالم الصعب.
أشكال وألوان باحثة عن تحرر مطلق
وضاح السيد فنان متفهم لمدى قدراته وامتلاكها لوسائل تعبير غير تقليدية قد تلبي احتياجاته الإبداعية، وهو مطلع وواع لأكثر التجارب المطروحة في العالم التشكيلي، ولهذا فهو لا يقف أمام العمل الفني كنتاج قد يقوده إلى حلم ما، بل يسافر فيه ومعه إلى أبعد من ضوء وسماء، فتتهافت عليه الدروب والهواجس المبدعة، ليطرحها بصورة واعية على شكل تجربة تلامس بحميمية وعمق هدف العمل المبدع ووهجه.
تجربة الفنان فيها الكثير من كسر القوالب والجدران الباردة التي كانت تحتضن ذلك العمل، فتحت بند تحرير اللوحة من الجدار حسب قوله، يكسر تلك الجدران ويطلق سراح اللوحة، يدعها تدخل في حالة تزاوج مع فنون أخرى كالموسيقى والشعر والغناء فكانت تجربته الأخيرة بفصولها الكثيرة، تجربته في إطلاق ما سماه هو “الأغنية التشكيلية”، محلقا بذلك في فضاءات جديدة بانفعالات جديدة، بحركات جديدة قد تفتح له أبوابا أخرى لتجارب جديدة.
هواجس مبدعة
الفنان وضاح السيد خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1990 اختير كممثل للفن التشكيلي السوري للشباب في الولايات المتحدة عام 1996، ليؤسس بعد ذلك دار السيد للفنون عام 1998، وهو متفرغ لتدريس الفن وأعماله موزعة في المتحف الوطني بدمشق، لبنان، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، كندا، فرنسا، سويسرا، الدنمارك، إسبانيا. كما ألف كتاب “التقنيات الروحية لتعليم الرسم” عام 2007.
ويمكن اختزال الأسلوب التشكيلي للفنان السوري بأنه لا يزال يرسم على سطوح لوحاته رؤية عقلانية لكيفية اطلاع الجمهور على تجربته الواسعة التي حملت منذ عام 1991 الكثير من المتغيرات والتجارب، وحاولت في السنوات الأخيرة أن تميل نحو الاختزال والتقشف في اللون، اللون الذي اعتمده كحل أو طريق سريع لتنظيم الفوضى التي تحاكي المحيط بتجلياته، وصخب ألوانه التي تبدو من خلال خطوط اللوحات أن الفنان يعاني عشوائيتها في العالم المعاصر.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
غريب ملا زلال
كاتب سوري
فنان يحول أشهر الأعمال الموسيقية إلى أغان تشكيلية.
الاثنين 2023/02/20
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فضاءات وانفعالات جديدة
تحرر الفنان السوري وضاح السيد من القوالب الفنية الجاهزة ومن الضوابط الأكاديمية، معتمدا التجريب أسلوبا فنيا يميزه عن غيره من مجايليه ويمنحه حرية الخوض في الفن وفق رؤيته الخاصة التي تجعل من أعماله “أغنية تشكيلية” تمزج بين التشكيل ومختلف الفنون الأخرى.
ما إن تخرج وضاح السيد (1969) من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1990 حتى كان التجريب همه، والبحث عن المختلف واللامألوف شغله الشاغل، يرسم اللانهايات، وقبل بدء اللوحة هناك ما يؤرقه، فالفن بالنسبة إليه مسؤولية أولا وصياغات جديدة لم تعتد العين على رؤيتها ثانيا. لهذا تدهش حين تلمس النظرة العمل الفني من أول وهلة، فلا تحديد ثابتا للوحة، لا لحالاتها ولا لتكويناتها، فهو يعيد إنتاج القصيدة باللون حينا حتى أنه قدم معرضا كاملا تحت عنوان “بعيون نزار” استلهمه السيد من قصائد نزار قباني كحالة توأمة بين الرسم والخط، بين اللون والقصيدة، وحينا يستوحي أعماله من أغان باتت كنزا لذاكرة لا يمكن أن تموت.
وكانت للفنان لوحات عنوانها “هذه ليلتي” و”وحدن” و”يا لور” مستوحاة من أغان لأم كلثوم ولفيروز تحمل الأسماء ذاتها، وحينا آخر يشتغل على خامة اللباد بدلا من قماش الكانفال ليعيش سباقا تشكيليا ينوع خلاله في خامات لوحاته، ورغم مغامرته هذه ورضاه عن تجربته هذه إلا أنها لم تلق الاستحسان المطلوب لا من النقاد والمهتمين ولا من المتلقين، وهذا لم يهد من تفاعله المبدع مع طموحه في كسر النهايات وعدم ربطها تماما بالبدايات. والفنان السوري يتماهى باستمرار مع ما يؤكد انبعاث كل ما هو غير مألوف في تجربته، ورغم أنها تشكل حافزا مؤثرا يتفق مع مبادئ التفاعل والتكامل لديه، وأنه يتقن نسج أنموذجه وإظهاره بالشكل الذي يريده هو، فعمله يفعِّل المؤثرات البصرية منها والنفسية، ويضعها في مواجهة النظام التقليدي للعمل الفني ويستخدمها في مواجهة الروتين فيه.
والنتيجة هي أن الفنان وضاح يشم رائحة كل ما هو غير مألوف في الأشياء فيخرجها بنور بصيرته، وبزخم تدرجات لونه يلغي المنظور علّ ذلك يقوده إلى البحث في إضاءة اللون ذاته أو في الطاقة المشعة منها فهو هنا يكتسب هوية جديدة بعيدا عن السقوط الفني الكبير في أكثر شتات الأرض، بتقنيات عالية، وبعنفوان وحيوية، وبتعبيرية جديدة يرمي الزمن بعيدا ليجد طريقه في متون الأسئلة الملتفة على عنقه، أو في الأجوبة المستعصية والتائهة منها وما تبقى منهما، فهاجسه البحث في اللابدايات التي تفضي إلى صيرورة اللانهايات، والإبحار في رؤية الآخر علها تبقى مختلفة.
هنا تكمن تجليات قدرة وضاح السيد على الانتقال من المراجعة إلى الاقتراب من دوافعه الكامنة في تهميش طقسه وتلك الأسباب التي ستنتج مقولته وأبعادها مع رغبته في توسيع محطاتها وتحويلها إلى أسئلة جديدة.
وفي سياق الإجابة عليها والبحث فيها، يغوص السيد في إنتاج المعرفة البصرية في إطار ثقافي يتغير تبعا للمعايير والوقائع، وتبعا للتآلف أو للتناقض، أو للتقارب أو التباعد بين عوامل تصوراته وصياغاته حتى يكشف عن أسرار نصه البصري في مناخ مفتوح وحرية في البحث وفي منتهى الأهمية، وبعمق يلامس قدراته وقدرات المتلقي معا.
هنا يعقد السيد موازنات ثلاثية الأضلاع، موازنات بأبجدية لا تترجم بل يحقق نوعا من التناغم بين رؤيته الذاتية وما يذهب إليه وبين اللوحة وما تسرده من حقول وأسفار، وبين المتلقي وما ينتظره أو ما سيذهب إليه من حركات وملامح وحكايات، فهو يرغب في خلق حوار مفتوح بين الأضلاع الثلاثة لتمارس معا طقوس الحياة واليباس، طقوس قد تدفعه إلى وضع ريشته تماما على ما هو مطلوب للاقتراب من اللانهاية ضمن البحث الدؤوب عن الفعل التشكيلي الذي سيترك التوازن قائما في هذا العالم الصعب.
أشكال وألوان باحثة عن تحرر مطلق
وضاح السيد فنان متفهم لمدى قدراته وامتلاكها لوسائل تعبير غير تقليدية قد تلبي احتياجاته الإبداعية، وهو مطلع وواع لأكثر التجارب المطروحة في العالم التشكيلي، ولهذا فهو لا يقف أمام العمل الفني كنتاج قد يقوده إلى حلم ما، بل يسافر فيه ومعه إلى أبعد من ضوء وسماء، فتتهافت عليه الدروب والهواجس المبدعة، ليطرحها بصورة واعية على شكل تجربة تلامس بحميمية وعمق هدف العمل المبدع ووهجه.
تجربة الفنان فيها الكثير من كسر القوالب والجدران الباردة التي كانت تحتضن ذلك العمل، فتحت بند تحرير اللوحة من الجدار حسب قوله، يكسر تلك الجدران ويطلق سراح اللوحة، يدعها تدخل في حالة تزاوج مع فنون أخرى كالموسيقى والشعر والغناء فكانت تجربته الأخيرة بفصولها الكثيرة، تجربته في إطلاق ما سماه هو “الأغنية التشكيلية”، محلقا بذلك في فضاءات جديدة بانفعالات جديدة، بحركات جديدة قد تفتح له أبوابا أخرى لتجارب جديدة.
هواجس مبدعة
الفنان وضاح السيد خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1990 اختير كممثل للفن التشكيلي السوري للشباب في الولايات المتحدة عام 1996، ليؤسس بعد ذلك دار السيد للفنون عام 1998، وهو متفرغ لتدريس الفن وأعماله موزعة في المتحف الوطني بدمشق، لبنان، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، كندا، فرنسا، سويسرا، الدنمارك، إسبانيا. كما ألف كتاب “التقنيات الروحية لتعليم الرسم” عام 2007.
ويمكن اختزال الأسلوب التشكيلي للفنان السوري بأنه لا يزال يرسم على سطوح لوحاته رؤية عقلانية لكيفية اطلاع الجمهور على تجربته الواسعة التي حملت منذ عام 1991 الكثير من المتغيرات والتجارب، وحاولت في السنوات الأخيرة أن تميل نحو الاختزال والتقشف في اللون، اللون الذي اعتمده كحل أو طريق سريع لتنظيم الفوضى التي تحاكي المحيط بتجلياته، وصخب ألوانه التي تبدو من خلال خطوط اللوحات أن الفنان يعاني عشوائيتها في العالم المعاصر.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
غريب ملا زلال
كاتب سوري