كتب عنه .. يوسف برجاوي « رئيس القسم الرياضي في صحيفة السفير اللبنانية »
أحييك يا رفيق العمر
⏹في أواخر العام ١٩٦٨ ، تعرفت للمرة الأولى على عدنان بوظو كحكم كرة قدم ، خلال قيادته لمباراة النجمة والراسينغ في المدينة الرياضية ، وكم كنت سعيدا بهذه المعرفة ، وخصوصاً أن سمعته كمعلق رياضي في التلفزيون والإذاعة السوريين وصحافي قدير كانت أكبر بكثير من كونه حكماً .
يومها ، وأنا في السنة الرابعة من عمري المهني ، قلت له : « أستاذ عدنان ، أنا أحلم بأن أكون تلميذك ، وأطمح بالتعلم منك واكتساب الخبرة » .
ربت على كتفي وقال لي وهو يبتسم : بس بدك أنا حاضر ، وحينما تزور دمشق اتصل بي .
مرت حوالي السنة ، وزرته في دمشق في منزله القريب من الاتحاد السوري لكرة القدم ، وتعرفت على زوجته القديرة مها ، ومن ثم توالت لقاءاتي به وبتنا أصدقاء ، إلى أن ازدادت اللقاءات في دمشق وحلب وبيروت ، ومن ثم امتدت لتشمل الدول العربية والأوروبية في مناسبات مختلفة ومعظمها تتعلق بكرة القدم .
تعلمت الكثير من أبي لؤي مهنياً ، ولكنني تعلمت منه أكثر إنسانياً .
لقد تعلمت منه ، حب الحياة ..
تعلمت منه الكرم .
تعلمت منه الوفاء والإخلاص والاحترام .
تعلمت منه كيفية استقطاب أكبر عدد من الأصدقاء والمحبين ..
تعلمت منه خفة الدم والمسامحة .
وعندما اشتد عودي وصرت أكثر نضوجاً ، ازدادت جرأتي ، وكنت أقوم بكثير من المقالب أمامه ، فكان يضحك كثيراً .
وفي كل مرة كنت أتحدث معه هاتفياً ، كنت أبادره القول : « أحييك يا أبا لؤي » ، وعندما كنت أزوره في دمشق ، كان يعرفني على من في مكتبه ويقول : انتبهوا من مقالبه .
من منتصف الثمانينيات وحتى يوم رحيله ، أصبحنا أنا وهو ثنائياً مميزاً ، وعند تغيبنا عن أية مناسبة رياضية عربية أو دولية ، كان الأصدقاء يفتقدوننا ويشعرون بفراغ وملل .
« يا وابور قللي رايح على فين » ، كانت الأغنية المحببة لديه ، وعندما يكون متضايقاً من شيء ما ، كنت أغنيها له وما أن يسمع أول كلمة منها ، حتى ينسى كل شيء ويبدأ بغنائها ، ومن ثم تعود الابتسامة إلى وجهه .
بعد زواج صديقي ورفيق عمري سعيد غبريس من شقيقة زوجة عدنان كان يقول لي أبو لؤي عندما ألتقيه : شو أخبار عديلي الخشخيشة ، بعدو عم بيوزع صبابيط في إشارة إلى جائزة الحذاء الذهبي التي أطلقها غبريس عندما تسلم رئاسة تحرير الوطن الرياضي » .
قبل رحيله بقليل ، التقيته في الدوحة خلال كأس العالم للشباب في العام ١٩٩٥ ، وكان المرض قد اشتد به ، لازمته كظله ، ولم أكن أعرف أن هذا اللقاء سيكون الأخير بيننا . في منتصف الليل ، وبعد تركي له بدقائق معدودة ، جاءني زميل سوري لم أعد أذكر اسمه ، إلى غرفتي وقال لي : أستاذ عدنان يريدك فوراً .
ذهبت إليه ، وللمرة الأولى في حياتي رأيته يبكي ، وقال لي : أريد العودة إلى دمشق في أقرب وقت ، فقلت له : « طمن بالك سأقوم بما يلزم » .
أجريت اتصالاتي ، وقمت بحجز مكانين له ولي على الطائرة المتوجهة إلى دمشق صباحاً ، واتصلت بالأخ العميد فاروق وشرحت له الوضع الصعب الذي يعاني منه شقيقه .
ذهبنا إلى المطار ، وقمت بإجراء معاملات السفر ، وعندما توجهنا سوية نحو الجوازات قال لي : بدي ودعك وبشوفك بالشام إن شاء الله ، فأجبته : أنا ذاهب معك ولا يمكن أن أدعك تسافر وحدك .
كانت المفاجأة ، أن أبا لؤي رفض رفضاً قاطعاً مرافقتي له ، وقال لي : كمل شغلك هون وبنتلاقى في الشام .
رضخت لإرادته مكرها ، وعاودت الاتصال بالعميد فاروق ، وشرحت له ما حصل ، وقال لي : ولا يهمك أنا ناطرو على باب الطيارة .
مرت أيام قليلة ، عدت إلى بيروت ، ومن ثم زرت أبا لؤي مرات عديدة في المستشفى ، إلى أن جاءني الخبر المفجع الذي نزل علي كالصاعقة :
« أبو لؤي عطاك عمرو » .
صدقوني ، أصبت بنوع من الشلل ، ذرفت دموعاً لم أذرف مثيلا لها في حياتي ، حتى على والدي .
كانت الساعة حوالي الثامنة مساء ، وأنا مرتبط بالسفر مع منتخب لبنان لكوني مديره الإداري » إلى معسكر إعدادي في سلوفاكيا فجر اليوم التالي ، لم أعرف ماذا أفعل ، إذا لم أسافر مع المنتخب فستترتب أمور صعبة جدا قد تؤدي إلى إلغاء سفر المنتخب بكامله ، وفي المقابل ، لا يمكن إلا أن أكون في الصف الأول لتقبل العزاء .
اتصلت بالمدرب عدنان الشرقي وشرحت له الوضع ، فقال لي سأذهب معك فورا إلى دمشق لنقوم بواجب العزاء ، ومن ثم نعود إلى مطار بيروت مباشرة .
وصلنا إلى منزل أبي لؤي ، لم أستطع الدخول وبقيت أكثر من ١٠ دقائق أبكي خارجاً ، وقلت لنفسي : كيف لي أن أدخل منزل أبي لؤي وهو مسجى ، من سيقول لي : « كيفك يا يوسف ، شو أخبار عديلي الخشخيشة » .
وأخيراً ، دخلت ، والتقيت مها ولؤي والعميد فاروق ، وتشاركنا بالبكاء والنحيب .
وبعد السنوات الطويلة لرحيلك يا أعز وأوفى الأشقاء والأصدقاء ، أقول لك : ما زلت وستبقى في عقل وقلب يوسف البرجاوي ، ولا يمر يوم إلا وأذكرك فيه .
أحييك يا رفيق العمر
⏹في أواخر العام ١٩٦٨ ، تعرفت للمرة الأولى على عدنان بوظو كحكم كرة قدم ، خلال قيادته لمباراة النجمة والراسينغ في المدينة الرياضية ، وكم كنت سعيدا بهذه المعرفة ، وخصوصاً أن سمعته كمعلق رياضي في التلفزيون والإذاعة السوريين وصحافي قدير كانت أكبر بكثير من كونه حكماً .
يومها ، وأنا في السنة الرابعة من عمري المهني ، قلت له : « أستاذ عدنان ، أنا أحلم بأن أكون تلميذك ، وأطمح بالتعلم منك واكتساب الخبرة » .
ربت على كتفي وقال لي وهو يبتسم : بس بدك أنا حاضر ، وحينما تزور دمشق اتصل بي .
مرت حوالي السنة ، وزرته في دمشق في منزله القريب من الاتحاد السوري لكرة القدم ، وتعرفت على زوجته القديرة مها ، ومن ثم توالت لقاءاتي به وبتنا أصدقاء ، إلى أن ازدادت اللقاءات في دمشق وحلب وبيروت ، ومن ثم امتدت لتشمل الدول العربية والأوروبية في مناسبات مختلفة ومعظمها تتعلق بكرة القدم .
تعلمت الكثير من أبي لؤي مهنياً ، ولكنني تعلمت منه أكثر إنسانياً .
لقد تعلمت منه ، حب الحياة ..
تعلمت منه الكرم .
تعلمت منه الوفاء والإخلاص والاحترام .
تعلمت منه كيفية استقطاب أكبر عدد من الأصدقاء والمحبين ..
تعلمت منه خفة الدم والمسامحة .
وعندما اشتد عودي وصرت أكثر نضوجاً ، ازدادت جرأتي ، وكنت أقوم بكثير من المقالب أمامه ، فكان يضحك كثيراً .
وفي كل مرة كنت أتحدث معه هاتفياً ، كنت أبادره القول : « أحييك يا أبا لؤي » ، وعندما كنت أزوره في دمشق ، كان يعرفني على من في مكتبه ويقول : انتبهوا من مقالبه .
من منتصف الثمانينيات وحتى يوم رحيله ، أصبحنا أنا وهو ثنائياً مميزاً ، وعند تغيبنا عن أية مناسبة رياضية عربية أو دولية ، كان الأصدقاء يفتقدوننا ويشعرون بفراغ وملل .
« يا وابور قللي رايح على فين » ، كانت الأغنية المحببة لديه ، وعندما يكون متضايقاً من شيء ما ، كنت أغنيها له وما أن يسمع أول كلمة منها ، حتى ينسى كل شيء ويبدأ بغنائها ، ومن ثم تعود الابتسامة إلى وجهه .
بعد زواج صديقي ورفيق عمري سعيد غبريس من شقيقة زوجة عدنان كان يقول لي أبو لؤي عندما ألتقيه : شو أخبار عديلي الخشخيشة ، بعدو عم بيوزع صبابيط في إشارة إلى جائزة الحذاء الذهبي التي أطلقها غبريس عندما تسلم رئاسة تحرير الوطن الرياضي » .
قبل رحيله بقليل ، التقيته في الدوحة خلال كأس العالم للشباب في العام ١٩٩٥ ، وكان المرض قد اشتد به ، لازمته كظله ، ولم أكن أعرف أن هذا اللقاء سيكون الأخير بيننا . في منتصف الليل ، وبعد تركي له بدقائق معدودة ، جاءني زميل سوري لم أعد أذكر اسمه ، إلى غرفتي وقال لي : أستاذ عدنان يريدك فوراً .
ذهبت إليه ، وللمرة الأولى في حياتي رأيته يبكي ، وقال لي : أريد العودة إلى دمشق في أقرب وقت ، فقلت له : « طمن بالك سأقوم بما يلزم » .
أجريت اتصالاتي ، وقمت بحجز مكانين له ولي على الطائرة المتوجهة إلى دمشق صباحاً ، واتصلت بالأخ العميد فاروق وشرحت له الوضع الصعب الذي يعاني منه شقيقه .
ذهبنا إلى المطار ، وقمت بإجراء معاملات السفر ، وعندما توجهنا سوية نحو الجوازات قال لي : بدي ودعك وبشوفك بالشام إن شاء الله ، فأجبته : أنا ذاهب معك ولا يمكن أن أدعك تسافر وحدك .
كانت المفاجأة ، أن أبا لؤي رفض رفضاً قاطعاً مرافقتي له ، وقال لي : كمل شغلك هون وبنتلاقى في الشام .
رضخت لإرادته مكرها ، وعاودت الاتصال بالعميد فاروق ، وشرحت له ما حصل ، وقال لي : ولا يهمك أنا ناطرو على باب الطيارة .
مرت أيام قليلة ، عدت إلى بيروت ، ومن ثم زرت أبا لؤي مرات عديدة في المستشفى ، إلى أن جاءني الخبر المفجع الذي نزل علي كالصاعقة :
« أبو لؤي عطاك عمرو » .
صدقوني ، أصبت بنوع من الشلل ، ذرفت دموعاً لم أذرف مثيلا لها في حياتي ، حتى على والدي .
كانت الساعة حوالي الثامنة مساء ، وأنا مرتبط بالسفر مع منتخب لبنان لكوني مديره الإداري » إلى معسكر إعدادي في سلوفاكيا فجر اليوم التالي ، لم أعرف ماذا أفعل ، إذا لم أسافر مع المنتخب فستترتب أمور صعبة جدا قد تؤدي إلى إلغاء سفر المنتخب بكامله ، وفي المقابل ، لا يمكن إلا أن أكون في الصف الأول لتقبل العزاء .
اتصلت بالمدرب عدنان الشرقي وشرحت له الوضع ، فقال لي سأذهب معك فورا إلى دمشق لنقوم بواجب العزاء ، ومن ثم نعود إلى مطار بيروت مباشرة .
وصلنا إلى منزل أبي لؤي ، لم أستطع الدخول وبقيت أكثر من ١٠ دقائق أبكي خارجاً ، وقلت لنفسي : كيف لي أن أدخل منزل أبي لؤي وهو مسجى ، من سيقول لي : « كيفك يا يوسف ، شو أخبار عديلي الخشخيشة » .
وأخيراً ، دخلت ، والتقيت مها ولؤي والعميد فاروق ، وتشاركنا بالبكاء والنحيب .
وبعد السنوات الطويلة لرحيلك يا أعز وأوفى الأشقاء والأصدقاء ، أقول لك : ما زلت وستبقى في عقل وقلب يوسف البرجاوي ، ولا يمر يوم إلا وأذكرك فيه .
تعليق