الشام فأعتمد عليه في الحجوزات وأتي قبل يوم من السفر وكان يوصلني بسيارته إلى المطار . صدقوا أو لا تصدقوا هذه القصة : كانت جهة السفر المغرب ، عبر السورية ، سهر تلك الليلة كالعادة وبقيت معه إلى حد معقول ، أما هو فأتى ... كالعادة ... متأخراً جداً ... كنت مطمئناً إلى المنبه الاعتيادي عنده : نشرة أخبار إذاعة لندن الساعة السادسة صباحاً ... اطمأنيت قليلاً حين سمعت صوت الراديو . ولكن هاتوا من يصحيه في الوقت المحدد .. وحين عجزت أم لؤي قمت بالمهمة أنا وفلحت ...
الوقت يمر بسرعة .. ولكن البروتوكول اليومي لا يخترق لأي سبب كان .. كسر السفرة لا يأخذ سوى دقائق قليلة .. الحلاق أمر يومي مفروغ منه .. ولكن هل مسح الحذاء أصبح في ذاك اليوم أمرا ضرورياً لا ماشي .. ولكن ماذا يريد من المصبغة ؟ ربما أخذ الثياب المغسولة والمكوية ... أنا أنتظر في السيارة وما دفعني للنزول صوت المكوجي : هلق انحشكت على كوي البنطلون . ما إشبو شي البنطلون . شو البنطلون راح يطلع عالشاشة .
يا للمشهد المثير : عدنان يقف بلا البنطلون خلف القاطع الخشبي ولا يظهر إلا نصفه الأعلى .. ويصر على « تمليسة من هون بيمشي الحال » !! . المشهد التالي أنا وهو في السيارة نتجادل : « ما عاد تلحق الطيارة ... » .. « عديل خشخيشة الطيارة ما بتطير قبل أن تصل أنت ... خذها مني أنا عدنان بوظوعم قلك .. عديل خشخيشة .. محلولة شوكيميا هي ....
... یا عدنان خلص ما عاد نلحق .. خذني إلى كاراج بيروت ... » « عديل خشخيشة أنا مع مين كنت سهران مبارح ؟ مش مع الكابتن علي فضة .. أنا فهمتو بإنو لا يطير بالطيارة قبل أن أوصلك » ... أوقف السيارة أمام مكاتب شركة الطيران السورية في السبـع بـحـرات .. نـزل واعتقدت أنه سيجري اتصالات من أجلي ..
ويا لطيف شو كان اعتقادي بعيدا ... مضت دقائق .. نزلت من السيارة وجدته يرتب موعدا لسفرة له أجلها بعيد جدا ..
تابع طريقه إلى المطار ، وصلنا وبدقائق قليلة جدأ أنجز كل شيء ، تفتيش شكلي سيارة صغيرة مع حقيبتي الكبيرة أوصلتني إلى سلم الطائرة ، صعدت بالحقيبة الكبيرة لأجد على باب الطائرة الكابتن علي فضة : « ......... لقد فض فوه بأقذع الشتائم لي ولعديلي .
قصة أخرى : كنا في المغرب في بطولة عربية ، ووجدت حجزاً بصعوبة بالغة على الطائرة السورية التي ستقل البعثة السورية إلى دمشق على أن أسافر منها إلى بيروت عن طريق البر .
كنت وعدنان والبعثة السورية في فندق واحد وحين تحرك الباص ، لم يتحرك عدنان : عديل بكير خليك منروح سوا بالتاكسي ... لم أرد وصعدت مع الصاعدين وصلنا لمطار الدار البيضاء وأنجزنا المعاملات وبدأت النداءات الأولى لرحلتنا .. وكلنا نضحك على عدنان وعدم مبالاته .. لأنه بات من المؤكد أنه ستفوته الطائرة فحضرته لم يكن قد وصل بعد . فجأة يعلموننا بأن موعد الإقلاع تأخر ساعتين لاكتشاف خلل فني .
جاء حضرته مختالاً ضاحكاً وشامتاً بي أكثر من الجميع : ما قلتلك إنو الطيارة ما بتطير بدوني ... وتعالوا أقنعوه بأن تأخر الإقلاع كان بسبب عطل فني وليس انتظاراً لوصول سيادته .
كلكم تعرفون مستديرة السبع بحرات في الشام ، وكل من يقود سيارة يعرف أن الوقوف بجانب الأرصفة المقابلة ممنوع بل وخطر .. ما عدا حضرة عدنان بوظو : أوقف السيارة في مكان ولا أخطر ، قلت له ممنوع الوقوف .. أدار كالعادة أسطوانة : عديل خشخيشة شو بفهمك انزل شرف ..
وإذ بشرطي السير يصرخ كالمجنون ، يدق بقبضته على زجاج شباك السيارة لجهة السائق الخبير بشؤون السير : ممنوع الوقوف هون ... مو شايف اللوحة .. ينزل عدنان الزجاج قليلا لينطق بكلمة : عدنان بوظو .. ثم يقفل الزجاج ...
هنا جن جنون الشرطي : لساتو بيقللي عدنان بوظو .. فهام عربي ممنوع الوقوف هون ...
يعلق عدنان : العمى بيظهر إنو بعمرو مش شايف تلفزيون ...
قصص مثل هذه وأطرف بكثير لا تعد ولا تحصى مدونة في مذكرات أم لؤي المدعمة برسومات كاريكاتورية من ابتكاراتها وتنفيذها ، ولكن لا يطلع عليها إلا المقربون جدا .. تختصر أم لؤي عذاباتها من بوهيمية أبي لؤي وتقول إنها تعتقد أن الله عز وجل حين يقف الخلق صفا صفا أمام ربهم يوم الحشر ... وحين يقع الدور عليها يقول لها ربنا سبحانه وتعالى : أنت زوجة عدنان بوظو ... عالجنة مباشرة .
أم لؤي هذه الزوجة الجليلة الصابرة ، خصها عدنان وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بعبارة : أنت بنت أصل .
هذا الإنسان الذي تعلق بالحياة ، إنما تعلق وأحبها وعاشها ولم يفوت دقيقة واحدة إلا واستمتع بها .. كأنه كان يعرف أن عمره قصير ، هذا الذي رحل على عجل كان شجاعاً في مواجهة المرض الخبيث ، هذه الشجاعة المتناقضة مع جبنه الموصوف في مواجهة أي حدث يعرضه للخطر . كانت سلاحه في محنته الصحية ، عدا عن تفاؤله وتعلقه الشديدين بالحياة ...
كان يبدو قلقاً علينا نحن الذين كنا قلقين عليه : عديل ما تعذب نفسك بالمجيء من لبنان .. ما في شي شوية التهابات عم نعالجها . كان يحمل همي : مها حضري كل شيء لصهرك ! كان يرجوني وهو في السرير الأبيض بالمستشفى أن أذهب إلى البيت وأرتاح .
تعافى بعض الشيء خلال إحدى فترات العلاج في الخارج ، فأخذ يطمئنني ويعدني بأنه سيقلع عن حياته السابقة ... وبدأ بالتنفيذ الفوري ، عشاء في مطعم متواضع ثم المكوث في البيت .
ولكن من يحب الحياة « بدرجة عدنان بوظو » يصل إلى القناعة بأنه شفي من مرض عضال ، إذا لا مانع من السفر وممارسة الحياة المهنية العادية في الداخل والخارج ..
غير أن القدر عاجله ... فانصاع ورحل على عجل ...
لم أبك حين أبلغت بالنبأ ، لأننا كنا نبكيه كل يوم .. حتى انطفأ البكاء .
ولـكـن جـذوة الـبـكـاء اشتعلت لحظة وضع الجثمان في النعش وارتفعت أصـوات المشيعين « لا إله إلا الله وأبو لؤي - حبيب الله » ... في تلك اللحظة أدركت لماذا كان عدنان بوظو يحب بلده وأبناء بلده .
إنه رد الجميل العفوي ، إنه الحب الصادق . ليعذرني الجميع ، مـهـا ولؤي ولمى ورنا ، والـعـمـيـد فاروق ، والأحباء الكثر الكثر والأصدقاء والمخلصون والأوفياء ، ليعذروني لأني لم أعد أتي كثيراً إلى الشام التي أحب ...
فماذا أتي أفعل بعد عدنان ؟ ...
الوقت يمر بسرعة .. ولكن البروتوكول اليومي لا يخترق لأي سبب كان .. كسر السفرة لا يأخذ سوى دقائق قليلة .. الحلاق أمر يومي مفروغ منه .. ولكن هل مسح الحذاء أصبح في ذاك اليوم أمرا ضرورياً لا ماشي .. ولكن ماذا يريد من المصبغة ؟ ربما أخذ الثياب المغسولة والمكوية ... أنا أنتظر في السيارة وما دفعني للنزول صوت المكوجي : هلق انحشكت على كوي البنطلون . ما إشبو شي البنطلون . شو البنطلون راح يطلع عالشاشة .
يا للمشهد المثير : عدنان يقف بلا البنطلون خلف القاطع الخشبي ولا يظهر إلا نصفه الأعلى .. ويصر على « تمليسة من هون بيمشي الحال » !! . المشهد التالي أنا وهو في السيارة نتجادل : « ما عاد تلحق الطيارة ... » .. « عديل خشخيشة الطيارة ما بتطير قبل أن تصل أنت ... خذها مني أنا عدنان بوظوعم قلك .. عديل خشخيشة .. محلولة شوكيميا هي ....
... یا عدنان خلص ما عاد نلحق .. خذني إلى كاراج بيروت ... » « عديل خشخيشة أنا مع مين كنت سهران مبارح ؟ مش مع الكابتن علي فضة .. أنا فهمتو بإنو لا يطير بالطيارة قبل أن أوصلك » ... أوقف السيارة أمام مكاتب شركة الطيران السورية في السبـع بـحـرات .. نـزل واعتقدت أنه سيجري اتصالات من أجلي ..
ويا لطيف شو كان اعتقادي بعيدا ... مضت دقائق .. نزلت من السيارة وجدته يرتب موعدا لسفرة له أجلها بعيد جدا ..
تابع طريقه إلى المطار ، وصلنا وبدقائق قليلة جدأ أنجز كل شيء ، تفتيش شكلي سيارة صغيرة مع حقيبتي الكبيرة أوصلتني إلى سلم الطائرة ، صعدت بالحقيبة الكبيرة لأجد على باب الطائرة الكابتن علي فضة : « ......... لقد فض فوه بأقذع الشتائم لي ولعديلي .
قصة أخرى : كنا في المغرب في بطولة عربية ، ووجدت حجزاً بصعوبة بالغة على الطائرة السورية التي ستقل البعثة السورية إلى دمشق على أن أسافر منها إلى بيروت عن طريق البر .
كنت وعدنان والبعثة السورية في فندق واحد وحين تحرك الباص ، لم يتحرك عدنان : عديل بكير خليك منروح سوا بالتاكسي ... لم أرد وصعدت مع الصاعدين وصلنا لمطار الدار البيضاء وأنجزنا المعاملات وبدأت النداءات الأولى لرحلتنا .. وكلنا نضحك على عدنان وعدم مبالاته .. لأنه بات من المؤكد أنه ستفوته الطائرة فحضرته لم يكن قد وصل بعد . فجأة يعلموننا بأن موعد الإقلاع تأخر ساعتين لاكتشاف خلل فني .
جاء حضرته مختالاً ضاحكاً وشامتاً بي أكثر من الجميع : ما قلتلك إنو الطيارة ما بتطير بدوني ... وتعالوا أقنعوه بأن تأخر الإقلاع كان بسبب عطل فني وليس انتظاراً لوصول سيادته .
كلكم تعرفون مستديرة السبع بحرات في الشام ، وكل من يقود سيارة يعرف أن الوقوف بجانب الأرصفة المقابلة ممنوع بل وخطر .. ما عدا حضرة عدنان بوظو : أوقف السيارة في مكان ولا أخطر ، قلت له ممنوع الوقوف .. أدار كالعادة أسطوانة : عديل خشخيشة شو بفهمك انزل شرف ..
وإذ بشرطي السير يصرخ كالمجنون ، يدق بقبضته على زجاج شباك السيارة لجهة السائق الخبير بشؤون السير : ممنوع الوقوف هون ... مو شايف اللوحة .. ينزل عدنان الزجاج قليلا لينطق بكلمة : عدنان بوظو .. ثم يقفل الزجاج ...
هنا جن جنون الشرطي : لساتو بيقللي عدنان بوظو .. فهام عربي ممنوع الوقوف هون ...
يعلق عدنان : العمى بيظهر إنو بعمرو مش شايف تلفزيون ...
قصص مثل هذه وأطرف بكثير لا تعد ولا تحصى مدونة في مذكرات أم لؤي المدعمة برسومات كاريكاتورية من ابتكاراتها وتنفيذها ، ولكن لا يطلع عليها إلا المقربون جدا .. تختصر أم لؤي عذاباتها من بوهيمية أبي لؤي وتقول إنها تعتقد أن الله عز وجل حين يقف الخلق صفا صفا أمام ربهم يوم الحشر ... وحين يقع الدور عليها يقول لها ربنا سبحانه وتعالى : أنت زوجة عدنان بوظو ... عالجنة مباشرة .
أم لؤي هذه الزوجة الجليلة الصابرة ، خصها عدنان وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بعبارة : أنت بنت أصل .
هذا الإنسان الذي تعلق بالحياة ، إنما تعلق وأحبها وعاشها ولم يفوت دقيقة واحدة إلا واستمتع بها .. كأنه كان يعرف أن عمره قصير ، هذا الذي رحل على عجل كان شجاعاً في مواجهة المرض الخبيث ، هذه الشجاعة المتناقضة مع جبنه الموصوف في مواجهة أي حدث يعرضه للخطر . كانت سلاحه في محنته الصحية ، عدا عن تفاؤله وتعلقه الشديدين بالحياة ...
كان يبدو قلقاً علينا نحن الذين كنا قلقين عليه : عديل ما تعذب نفسك بالمجيء من لبنان .. ما في شي شوية التهابات عم نعالجها . كان يحمل همي : مها حضري كل شيء لصهرك ! كان يرجوني وهو في السرير الأبيض بالمستشفى أن أذهب إلى البيت وأرتاح .
تعافى بعض الشيء خلال إحدى فترات العلاج في الخارج ، فأخذ يطمئنني ويعدني بأنه سيقلع عن حياته السابقة ... وبدأ بالتنفيذ الفوري ، عشاء في مطعم متواضع ثم المكوث في البيت .
ولكن من يحب الحياة « بدرجة عدنان بوظو » يصل إلى القناعة بأنه شفي من مرض عضال ، إذا لا مانع من السفر وممارسة الحياة المهنية العادية في الداخل والخارج ..
غير أن القدر عاجله ... فانصاع ورحل على عجل ...
لم أبك حين أبلغت بالنبأ ، لأننا كنا نبكيه كل يوم .. حتى انطفأ البكاء .
ولـكـن جـذوة الـبـكـاء اشتعلت لحظة وضع الجثمان في النعش وارتفعت أصـوات المشيعين « لا إله إلا الله وأبو لؤي - حبيب الله » ... في تلك اللحظة أدركت لماذا كان عدنان بوظو يحب بلده وأبناء بلده .
إنه رد الجميل العفوي ، إنه الحب الصادق . ليعذرني الجميع ، مـهـا ولؤي ولمى ورنا ، والـعـمـيـد فاروق ، والأحباء الكثر الكثر والأصدقاء والمخلصون والأوفياء ، ليعذروني لأني لم أعد أتي كثيراً إلى الشام التي أحب ...
فماذا أتي أفعل بعد عدنان ؟ ...
تعليق