صناعة "الخناجر".. مهنة تراثية تنطق بالجمال والإبداع!
حمص
هي حرفة تراثية بامتياز رافقت حاجة الإنسان إلى سلاح يدافع به عن نفسه في زمن لم تكن فيه الأسلحة المعروفة اليوم قد ظهرت، وهي حرفة متوارثة أباً عن جد.
"صناعة الخناجر" صناعة عريقة عُرفت بها مدينة "حمص" في الماضي، وظلت هذه المدينة تفاخر لوقت طويل مثل "دمشق" بما يُصنع فيها من السيوف والخناجر والرماح المحلاَّة البراقة والمزخرفة التي تكتب عليها آيات وأشعار بماء الذهب. لكن أهم أعمال طرق الحديد التي عرفتها هذه المدينة تلك التي كانت تنتج الأسلحة التقليدية القديمة ومنها السيوف والخناجر والشبريّات، وكانت صناعة الخناجر في الماضي سلعة رائجة في هذه المدينة لكونها قطعة أساسية يحملها الرجل للزينة أو للاحتراز من اللصوص وقطاع الطرق وخاصة بالنسبة للمسافرين، ثم تراجعت فترة من الزمن لعدم توافر المواد الأولية ولانحسار الطلب عليها من جهة ولظروف صناع هذه الحرفة التي يستغل معظم أربابها من التجار والسماسرة أرباحها من جهة أخرى، إلا أن صناعة الخناجر عادت إلى دائرة الاهتمام حالياً نتيجة الإقبال على شرائها من قبل أبناء البلاد والعرب والأجانب ليس بغرض استخدامها كسلاح بالطبع ولكن للاحتفاظ بها كقطع تقليدية جميلة وتراث قديم تزيّن به جدران البيوت وفاترينات التحف.
"أحمد الشيخة" فنان حمصي شاب يعمل منذ سنوات في مجال تصنيع الأسلحة التراثية القديمة وإحياء صناعتها ومنها صناعة الخناجر التراثية التي تحولت بين يديه إلى قطع فنية تنطق بالجمال والإبداع حول عمله في هذا المجال يقول: «من المعروف أن العرب قد زخرفوا السيوف والخناجر منذ الجاهلية، ونقشوا على نصالها بعض الرموز والطلاسم كرسم الأفاعي التي جاءت على شكل (ذي الحيات) وصورة السمكة التي وردت على شكل (ذي النون) – الحوت، وفي العصر الإسلامي زُخرفت السيوف، والخناجر بالآيات القرآنية والعبارات المختلفة وأبيات الشعر الحماسية، وأسماء الخلفاء والسلاطين وأسماء الصَّناع الذين نفذوها، وبعض الطلاسم وغيرها، ومن هذا التراث استفدت وأثريت تجربتي، حيث اعتمدت على طرق عدة في صناعة السيف كـ (التزميك) و(التكفيت ) و(التنزيل) وقمت بزخرفة شفرات الخناجر بآيات قرآنية من مثل (نصر من الله وفتح قريب) (وبشر المؤمنين) و(إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) كما نقشت عبارات (الدنيا ساعة فأجعلها طاعة) و(العز في الطاعة والغنى في القناعة)».
وعن المراحل التي يمر بها تصنيع الخنجر يقول "الشيخة": «أول عملية في صنع الخنجر طرق الحديد ومعالجته ليصبح من الفولاذ أو (الجوهر) نسبة إلى القائد "جوهر الصقلي"، ثم نقوم بتصنيع نصل الخنجر ونأخذ قطعة من الجلد وقطعتين من الخشب ونجمعهما على شكل خنجر. ثم نحضر لوحاً من الكرتون، ونقطع منه شكل الخنجر المراد تنفيذه، ثم نلصق الجلد على خنجر الكرتون ونتركه يجف في الشمس لفترة ثلاثين دقيقة – ثم نرسم شكلاً بالقلم الرصاص ونطرز الشكل الذي رسمناه بخيوط الفضة أو غيرها من المواد، ثم نثقب ثقبين على الشكل الخشبي بمثقاب يدوي – ونُدخل في الفتحتين مسامير خشبية. وهي عملية أشبه بالـ "التبشيم" في صناعة الأبواب الدمشقية القديمة.
وبعد ذلك نقوم بتنعيم السطح الخشبي بالمبرد حتى يصبح أملس، وتصبح قطعتا الخشب متقنتين تماماً– نفصلهما ثم نجوف كلاً منهما تجويفاً على شكل شفرة الخنجر مستخدمين في ذلك المطرقة والأجنحة، ثم نلصقهما معاً مرة أخرى. وبالنسبة للجزء الأمامي نستخدم قطعة الجلد المطرزة بالفضة وتسمى (الزمة). ونقوم بتثبيت حلقتين متصلتين بأحزمة من الجلد عليها خيوط فضية على الجانبين، ثم نربط الحزام حول الخنجر. وبعد ذلك نقوم بملء بعض الوحدات الزخرفية أو النباتية أو أشكال الحيوانات على المقبض سواء أكان من مادة البلاستيك أم القرن بالفضة بواسطة القلــم (المسمار المفلطح الرأس) والمطرقة والمادة اللاصقة.
ونقوم بعدها بإدخال طرف الشفرة في الفتحة المعدة لها في المقبض ثم نثبتها بالمسامير المعدنية كي لا تتحرك، ويكون غمد الخنجر جاهزاً وهو يُسمى (قراب الخنجر) ثم نقوم بلحم القراب من الجانبين بالقصدير، وعندما يتم تنكيله يختفي أثر اللحام ويصبح شكل الخنجر انسيابياً لا نتوء فيه وبذلك يكتمل شكل الخنجر».
"فؤاد جمران" رئيس اتحاد الجمعيات الحرفية في "حمص"* أكد أنه يجب أن تكون للجمعيات الحرفية المتبقية سوقاً تراثياً يعبر عن هوية المدينة وما تشتهر به من أجل إعادة إحياء المهن التقليدية والمحافظة عليها وتقديم الدعم للحرفيين وتقديم التسهيلات التي تضمن استمرار عملهم وإعفاء منتجات هذه المهن وأصحابها من الضرائب والرسوم ويمكننا القول إن هذه الصناعات تسهم وبشكل كبير في تطوير وتفعيل السياحة فهي مهن فنية وإبداعية من خلال احتوائها على الألوان والزخرفات والتصميمات التي تحمل الطابع الراقي والبسيط والجميل في آن واحد وتعبر عن الحضارة والعراقة فلا بد من حمايتها ودعمها كي تبقى محافظة على دورها خوفا من ضياعها بشكل كامل.
- خالد عواد الأحمد
حمص
هي حرفة تراثية بامتياز رافقت حاجة الإنسان إلى سلاح يدافع به عن نفسه في زمن لم تكن فيه الأسلحة المعروفة اليوم قد ظهرت، وهي حرفة متوارثة أباً عن جد.
"صناعة الخناجر" صناعة عريقة عُرفت بها مدينة "حمص" في الماضي، وظلت هذه المدينة تفاخر لوقت طويل مثل "دمشق" بما يُصنع فيها من السيوف والخناجر والرماح المحلاَّة البراقة والمزخرفة التي تكتب عليها آيات وأشعار بماء الذهب. لكن أهم أعمال طرق الحديد التي عرفتها هذه المدينة تلك التي كانت تنتج الأسلحة التقليدية القديمة ومنها السيوف والخناجر والشبريّات، وكانت صناعة الخناجر في الماضي سلعة رائجة في هذه المدينة لكونها قطعة أساسية يحملها الرجل للزينة أو للاحتراز من اللصوص وقطاع الطرق وخاصة بالنسبة للمسافرين، ثم تراجعت فترة من الزمن لعدم توافر المواد الأولية ولانحسار الطلب عليها من جهة ولظروف صناع هذه الحرفة التي يستغل معظم أربابها من التجار والسماسرة أرباحها من جهة أخرى، إلا أن صناعة الخناجر عادت إلى دائرة الاهتمام حالياً نتيجة الإقبال على شرائها من قبل أبناء البلاد والعرب والأجانب ليس بغرض استخدامها كسلاح بالطبع ولكن للاحتفاظ بها كقطع تقليدية جميلة وتراث قديم تزيّن به جدران البيوت وفاترينات التحف.
من المعروف أن العرب قد زخرفوا السيوف والخناجر منذ الجاهلية، ونقشوا على نصالها بعض الرموز والطلاسم كرسم الأفاعي التي جاءت على شكل (ذي الحيات) وصورة السمكة التي وردت على شكل (ذي النون) – الحوت، وفي العصر الإسلامي زُخرفت السيوف، والخناجر بالآيات القرآنية والعبارات المختلفة وأبيات الشعر الحماسية، وأسماء الخلفاء والسلاطين وأسماء الصَّناع الذين نفذوها، وبعض الطلاسم وغيرها، ومن هذا التراث استفدت وأثريت تجربتي، حيث اعتمدت على طرق عدة في صناعة السيف كـ (التزميك) و(التكفيت ) و(التنزيل) وقمت بزخرفة شفرات الخناجر بآيات قرآنية من مثل (نصر من الله وفتح قريب) (وبشر المؤمنين) و(إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) كما نقشت عبارات (الدنيا ساعة فأجعلها طاعة) و(العز في الطاعة والغنى في القناعة)
"أحمد الشيخة" فنان حمصي شاب يعمل منذ سنوات في مجال تصنيع الأسلحة التراثية القديمة وإحياء صناعتها ومنها صناعة الخناجر التراثية التي تحولت بين يديه إلى قطع فنية تنطق بالجمال والإبداع حول عمله في هذا المجال يقول: «من المعروف أن العرب قد زخرفوا السيوف والخناجر منذ الجاهلية، ونقشوا على نصالها بعض الرموز والطلاسم كرسم الأفاعي التي جاءت على شكل (ذي الحيات) وصورة السمكة التي وردت على شكل (ذي النون) – الحوت، وفي العصر الإسلامي زُخرفت السيوف، والخناجر بالآيات القرآنية والعبارات المختلفة وأبيات الشعر الحماسية، وأسماء الخلفاء والسلاطين وأسماء الصَّناع الذين نفذوها، وبعض الطلاسم وغيرها، ومن هذا التراث استفدت وأثريت تجربتي، حيث اعتمدت على طرق عدة في صناعة السيف كـ (التزميك) و(التكفيت ) و(التنزيل) وقمت بزخرفة شفرات الخناجر بآيات قرآنية من مثل (نصر من الله وفتح قريب) (وبشر المؤمنين) و(إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) كما نقشت عبارات (الدنيا ساعة فأجعلها طاعة) و(العز في الطاعة والغنى في القناعة)».
وعن المراحل التي يمر بها تصنيع الخنجر يقول "الشيخة": «أول عملية في صنع الخنجر طرق الحديد ومعالجته ليصبح من الفولاذ أو (الجوهر) نسبة إلى القائد "جوهر الصقلي"، ثم نقوم بتصنيع نصل الخنجر ونأخذ قطعة من الجلد وقطعتين من الخشب ونجمعهما على شكل خنجر. ثم نحضر لوحاً من الكرتون، ونقطع منه شكل الخنجر المراد تنفيذه، ثم نلصق الجلد على خنجر الكرتون ونتركه يجف في الشمس لفترة ثلاثين دقيقة – ثم نرسم شكلاً بالقلم الرصاص ونطرز الشكل الذي رسمناه بخيوط الفضة أو غيرها من المواد، ثم نثقب ثقبين على الشكل الخشبي بمثقاب يدوي – ونُدخل في الفتحتين مسامير خشبية. وهي عملية أشبه بالـ "التبشيم" في صناعة الأبواب الدمشقية القديمة.
وبعد ذلك نقوم بتنعيم السطح الخشبي بالمبرد حتى يصبح أملس، وتصبح قطعتا الخشب متقنتين تماماً– نفصلهما ثم نجوف كلاً منهما تجويفاً على شكل شفرة الخنجر مستخدمين في ذلك المطرقة والأجنحة، ثم نلصقهما معاً مرة أخرى. وبالنسبة للجزء الأمامي نستخدم قطعة الجلد المطرزة بالفضة وتسمى (الزمة). ونقوم بتثبيت حلقتين متصلتين بأحزمة من الجلد عليها خيوط فضية على الجانبين، ثم نربط الحزام حول الخنجر. وبعد ذلك نقوم بملء بعض الوحدات الزخرفية أو النباتية أو أشكال الحيوانات على المقبض سواء أكان من مادة البلاستيك أم القرن بالفضة بواسطة القلــم (المسمار المفلطح الرأس) والمطرقة والمادة اللاصقة.
ونقوم بعدها بإدخال طرف الشفرة في الفتحة المعدة لها في المقبض ثم نثبتها بالمسامير المعدنية كي لا تتحرك، ويكون غمد الخنجر جاهزاً وهو يُسمى (قراب الخنجر) ثم نقوم بلحم القراب من الجانبين بالقصدير، وعندما يتم تنكيله يختفي أثر اللحام ويصبح شكل الخنجر انسيابياً لا نتوء فيه وبذلك يكتمل شكل الخنجر».
"فؤاد جمران" رئيس اتحاد الجمعيات الحرفية في "حمص"* أكد أنه يجب أن تكون للجمعيات الحرفية المتبقية سوقاً تراثياً يعبر عن هوية المدينة وما تشتهر به من أجل إعادة إحياء المهن التقليدية والمحافظة عليها وتقديم الدعم للحرفيين وتقديم التسهيلات التي تضمن استمرار عملهم وإعفاء منتجات هذه المهن وأصحابها من الضرائب والرسوم ويمكننا القول إن هذه الصناعات تسهم وبشكل كبير في تطوير وتفعيل السياحة فهي مهن فنية وإبداعية من خلال احتوائها على الألوان والزخرفات والتصميمات التي تحمل الطابع الراقي والبسيط والجميل في آن واحد وتعبر عن الحضارة والعراقة فلا بد من حمايتها ودعمها كي تبقى محافظة على دورها خوفا من ضياعها بشكل كامل.