"فؤاد نعيم" نحات يحاكي التاريخ بالبازلت
رهان حبيب
السويداء
على البازلت الكتيم نحت "فؤاد نعيم" قصص أبطاله وحكاياتهم، وبحث عنها منقباً عن كنز دفين في روايات عن قامات آثرت تاريخ جبل العرب.
من منحوتة للفنان "فهد بلان" إلى منحوتة ضخمة للمجاهد "حسين مرشد" إلى أحد أبطال الثورة السورية الكبرى الملقب "القميزي" تنقل "فؤاد نعيم" بهاجس فني اجتماعي للتعريف بتاريخ مضى.
"مدونة وطن - eSyria" التقت الفنان "فؤاد نعيم" وكان معه الحوار التالي:
فؤاد نعيم أثناء العمل
** إن بعض الشخصيات تثير بمسيرة حياتها وبشخصيتها التي تجعل أي باحث يتوقف عندها لأنها ملمح وخط ظاهر في حراكها الحياتي ومنتجها على كل الصعد وفي تأثيرها في المجتمع والمحيط، فتثير عند الفنان دافعاً لتجسيدها كشخصية محلية قدمت وعملت بصمت وكان لها بصمات واضحة في معركة سورية ضد الاحتلال الفرنسي وهذه مهمة الفنان، وأن تكون هذه الشخصية أو تلك مشروعاً فنياً فإن لذلك دلالات كبيرة أولها أن جيلاً من الزمن طوى جزءاً من حكايات شخصيات لمع نجمها وبطولاتهم، تلك الشخصيات التي قاتلت بروح المجاهد والمحرر لترسم مستقبل الوطن وقد لا يعرف عنها الشباب وأبناء المجتمع إلا بعض الملامح، لذا فإن مهمة الفنان تسليط الضوء عليها من خلال أعماله لتكون دافعاً ومحرضاً للبحث عنها واستذكار ماضيها وقصصها التي هي بحالة أو بأخرى جزء من قصة المجتمع.
منحوتة القميزي ..للفنان فؤاد
** إن الشخصيات المحلية شخصيات منسية مع العلم بأهميتها الوطنية والتاريخية وهي تشكل فاصلة هامة في تاريخنا الوطني، ولربما ظلم الكثير من الشخصيات ولم تجد من يتحدث عنها وعن بطولاتها وتاريخها بالقدر الذي ينسجم مع أهمية الدور الذي أدته على ساحة المجتمع في آنها وزمانها، ومن وجهة نظري فإن هذه الأهمية تنبع من المحلية فهنا حكايتها ومواقفها، هنا سردت عنها القصص ونقلها الأجداد للأحفاد، وبالتالي فإن طرحنا لشخصية محلية بالعمق الذي ينسجم مع أهميتها يأخذ مسارات عالمية ومن خلاله نتمكن من الوصول للعالمية، لأننا دون جذور قد نظهر لكن لغاية الاستمرار والتعريف بالقيمة الحقيقة لشخصيات محلية فإننا نقدر التاريخ والقيمة الأخلاقية تلك التي عبر عنها هؤلاء الأبطال أو الفنانون الذين تركوا بصماتهم على صفحة المجتمع، وهم بحد ذاتهم قيمة حرصت على تجسيد تفاصيلها من خلال المنحوتات.
الفنان طلال العبدالله
ولي مثل على ذلك لأنني وفي شخصية كشخصية المجاهد "حسين مرشد" حرصت على تبيان حالة قد يجتمع عليها معظم أبناء الجبل وهي حالة "الفزعة" تلك التي تتضح بالإقدام والهجوم لنصرة الأهل والوطن لتجده فلاحاً حمل السيف تاركاً حقله ليؤدي واجبه الحقيقي اتجاه الوطن والذود عنه.
** شخصية المجاهد "حسين مرشد" شخصية مثيرة في عطائها وتأثيرها فهي تنتمي لهذا المجتمع البسيط وتتمتع بشخصية لافتة تشعر بأنها شخصية درامية بكل مكوناتها، ولا أشك في أنها تثير في كل باحث وفنان حس البحث والعمل للوقوف عندها والتعريف بها، وهي تستحق إنجاز منحوتة بارتفاع ثلاثة أمتار، وقد كانت حصيلة بحث وعمل حاولت من خلاله العودة لتلك السنوات التي كان فيها في متوسط العمر حمل السيف بهمة الشباب مرتدياً زي المنطقة زي الفلاحين، وقد استعنت بالصور وبلقاء عدد من أحفاده لأجد الأقرب لتكوينه الجسدي بالوجه والتكوين العام، لأننا رأينا صور هذا المجاهد قوي البنية في خاتمة العمر، وشعرت به رجلاً قوياً شديد البأس ذا مواصفات غير عادية.
لذا حاولت تجسيده من تصوير حالة قتالية واضحاً فيها التأهب راكضاً لنجدة إخوانه في ساحة القتال، يلبس لباساً شعبياً، وكما قلنا زي الفلاح وهي "البالوش" (الحذاء البدائي المصنوع من الجلد أو بقايا إطارات السيارات) والشروال المحلي، و"القنشية" (لباس بين المعطف الطويل والجاكيت) التي تطيرها الريح نتيجة سرعته، كما يرتدي على رأسه الحطة والعصبة، وللعصبة دلالاتها الأكثر عمقاً في الحياة العملية، فهؤلاء المقاتلون لا تخدمهم العمامة أو العقال فالعصبة أكثر ثباتاً، وتناسب محارب صلب قاتل بالسيف في ساحة المعركة».
** في المركز الثقافي في مدينة "شهبا" حرصت على تجسيد المرأة العربية كحاضنة للثقافة ولآلهة الشمس قصة تحكيها منحوتة كبيرة في وسط المدينة وأتمنى أن يحظى عمل "حسين مرشد" بالمكان المناسب ليكون لدى الراغبين التمعن به، وبشكل عام فإن لكل عمل قصة قد يجيد الفنان في إيصالها وقد لا يتمكن من ذلك، لكن ومن خلال تجربتي أعرف أن الفنان يعيش حالة بحث وحراك نفسي وجسدي حتى يجد الحالة المتوازنة التي يريدها ليبدأ مشروعه، بعد متاهات وقلق طويل.
لكن عملية إخراج العمل بالصورة النهائية التي تتناسب مع مارسمه في مخيلته قد يحقق نوعاً من الرضا، وهي مرحلة قد لا تدوم طويلاً لأن الفنان تختزن ذاكرته مشاريع كثيرة توقضها مواقف وأحداث ليكون في كل يوم مشروع وفكرة جديدة تثبت على البازلت القاسي بالتكوين القادر على استيعاب أفكاري.
الفنان "طلال العبد الله" ناقش فكرة الأعمال المحلية وركز على قدرة الفنان "فؤاد" في التعامل مع البازلت، مشيراً بالقول: الفنان "فؤاد" نحات مجتهد واثق من إمكاناته، مشاركاته وأعماله مهمة وجميلة وهذا ما نلمسه من خلال معارضه المتميزة في "دمشق" التي لاقت صدى كبيراً، حيث اشتغل على مادة البازلت المميزة والمحلية ذات الخصوصية لكونه يعمل على مادة من البيئة ومع التطور أصبحت ميسرة للعمل واستطاع السيطرة عليها بشكل ممتاز على الرغم من أن الأسلوب الذي يتبعه أسلوب واقعي، فالبازلت مادة صعبة، وكان وفياً لموضوعاته وتناول شخصيات من المحيط وهذا نوع من الوفاء للمحلية ومن ناحية فنية أعماله مميزة بشكل واضح وفيها شيء جديد إذ يحاول طرح أفكار فيها ملامح الحادثة ضمن العمل الواقعي من ناحية الحركة ومن ناحية التكوين والتوازن، ومن وجهة نظري فإن الفنان عندما يتناول مثل هذه الشخصية يكون في مجال طرح الشخصية أكثر من الابتكار لكونه يضع نفسه في موقع صعب محكوم بشخصية معينة بثقافتها وتكوينها وتشريحها واستحضارها وقد يصبح محكوماً بمحيط الشخصية أكثر من الابتكار وهذا فيه ظلم لنفسه لكونه يضع إطاراً ويعمل داخله لكن ملمح الابتكار محسوس لديه، وكم نتمنى أن يقدم عمله الخيّر بالمكان المناسب الذي يستحق ما بذله من جهود كبيرة امتدت لسنوات.
الجدير بالذكر أن الفنان "فؤاد" مواليد 1955 خريج كلية الفنون الجميلة عام 1981 أقام ثلاث معارض فردية بالبازلت في "دمشق" وآخرها كان في "السويداء"، وهو مؤسس لفرقة مسرحية بالمحافظة، وقدم أعمال الديكور لأكثر من 30 عملاً مسرحياً، ومؤسس لفرقة الموسيقا العربية ومشارك دائم بمعارض وزارة الثقافة، ومدرس لمادة النحت بمركز الفنون التشكيلية ومعهد الفنون.
رهان حبيب
السويداء
على البازلت الكتيم نحت "فؤاد نعيم" قصص أبطاله وحكاياتهم، وبحث عنها منقباً عن كنز دفين في روايات عن قامات آثرت تاريخ جبل العرب.
من منحوتة للفنان "فهد بلان" إلى منحوتة ضخمة للمجاهد "حسين مرشد" إلى أحد أبطال الثورة السورية الكبرى الملقب "القميزي" تنقل "فؤاد نعيم" بهاجس فني اجتماعي للتعريف بتاريخ مضى.
"مدونة وطن - eSyria" التقت الفنان "فؤاد نعيم" وكان معه الحوار التالي:
فؤاد نعيم أثناء العمل
- أنجزت منحوتات لشخصيات ارتبطت بالمحافظة بشكل أو بآخر، هل توضح لنا رؤيتك حول تجسيد هذه الشخصيات؟
** إن بعض الشخصيات تثير بمسيرة حياتها وبشخصيتها التي تجعل أي باحث يتوقف عندها لأنها ملمح وخط ظاهر في حراكها الحياتي ومنتجها على كل الصعد وفي تأثيرها في المجتمع والمحيط، فتثير عند الفنان دافعاً لتجسيدها كشخصية محلية قدمت وعملت بصمت وكان لها بصمات واضحة في معركة سورية ضد الاحتلال الفرنسي وهذه مهمة الفنان، وأن تكون هذه الشخصية أو تلك مشروعاً فنياً فإن لذلك دلالات كبيرة أولها أن جيلاً من الزمن طوى جزءاً من حكايات شخصيات لمع نجمها وبطولاتهم، تلك الشخصيات التي قاتلت بروح المجاهد والمحرر لترسم مستقبل الوطن وقد لا يعرف عنها الشباب وأبناء المجتمع إلا بعض الملامح، لذا فإن مهمة الفنان تسليط الضوء عليها من خلال أعماله لتكون دافعاً ومحرضاً للبحث عنها واستذكار ماضيها وقصصها التي هي بحالة أو بأخرى جزء من قصة المجتمع.
منحوتة القميزي ..للفنان فؤاد
- يصر "فؤاد نعيم" على تجسيد شخصيات محلية في الوقت الذي يتسابق به نحاتو العالم إلى تجسيد شخصيات عالمية مشهورة لكسر حاجز المكانية، لماذا؟
** إن الشخصيات المحلية شخصيات منسية مع العلم بأهميتها الوطنية والتاريخية وهي تشكل فاصلة هامة في تاريخنا الوطني، ولربما ظلم الكثير من الشخصيات ولم تجد من يتحدث عنها وعن بطولاتها وتاريخها بالقدر الذي ينسجم مع أهمية الدور الذي أدته على ساحة المجتمع في آنها وزمانها، ومن وجهة نظري فإن هذه الأهمية تنبع من المحلية فهنا حكايتها ومواقفها، هنا سردت عنها القصص ونقلها الأجداد للأحفاد، وبالتالي فإن طرحنا لشخصية محلية بالعمق الذي ينسجم مع أهميتها يأخذ مسارات عالمية ومن خلاله نتمكن من الوصول للعالمية، لأننا دون جذور قد نظهر لكن لغاية الاستمرار والتعريف بالقيمة الحقيقة لشخصيات محلية فإننا نقدر التاريخ والقيمة الأخلاقية تلك التي عبر عنها هؤلاء الأبطال أو الفنانون الذين تركوا بصماتهم على صفحة المجتمع، وهم بحد ذاتهم قيمة حرصت على تجسيد تفاصيلها من خلال المنحوتات.
الفنان طلال العبدالله
ولي مثل على ذلك لأنني وفي شخصية كشخصية المجاهد "حسين مرشد" حرصت على تبيان حالة قد يجتمع عليها معظم أبناء الجبل وهي حالة "الفزعة" تلك التي تتضح بالإقدام والهجوم لنصرة الأهل والوطن لتجده فلاحاً حمل السيف تاركاً حقله ليؤدي واجبه الحقيقي اتجاه الوطن والذود عنه.
- منحوتة المجاهد "حسين مرشد" منحوتة كبيرة الحجم فيها من الرمز ما يثير الاستفهام، هل تحدثنا عن هذه المنحوتة؟
** شخصية المجاهد "حسين مرشد" شخصية مثيرة في عطائها وتأثيرها فهي تنتمي لهذا المجتمع البسيط وتتمتع بشخصية لافتة تشعر بأنها شخصية درامية بكل مكوناتها، ولا أشك في أنها تثير في كل باحث وفنان حس البحث والعمل للوقوف عندها والتعريف بها، وهي تستحق إنجاز منحوتة بارتفاع ثلاثة أمتار، وقد كانت حصيلة بحث وعمل حاولت من خلاله العودة لتلك السنوات التي كان فيها في متوسط العمر حمل السيف بهمة الشباب مرتدياً زي المنطقة زي الفلاحين، وقد استعنت بالصور وبلقاء عدد من أحفاده لأجد الأقرب لتكوينه الجسدي بالوجه والتكوين العام، لأننا رأينا صور هذا المجاهد قوي البنية في خاتمة العمر، وشعرت به رجلاً قوياً شديد البأس ذا مواصفات غير عادية.
لذا حاولت تجسيده من تصوير حالة قتالية واضحاً فيها التأهب راكضاً لنجدة إخوانه في ساحة القتال، يلبس لباساً شعبياً، وكما قلنا زي الفلاح وهي "البالوش" (الحذاء البدائي المصنوع من الجلد أو بقايا إطارات السيارات) والشروال المحلي، و"القنشية" (لباس بين المعطف الطويل والجاكيت) التي تطيرها الريح نتيجة سرعته، كما يرتدي على رأسه الحطة والعصبة، وللعصبة دلالاتها الأكثر عمقاً في الحياة العملية، فهؤلاء المقاتلون لا تخدمهم العمامة أو العقال فالعصبة أكثر ثباتاً، وتناسب محارب صلب قاتل بالسيف في ساحة المعركة».
- تزين منحوتاتك أماكن متعددة في المحافظة، هل تحدثنا عنها وعن مشروعك الفني القادم؟
** في المركز الثقافي في مدينة "شهبا" حرصت على تجسيد المرأة العربية كحاضنة للثقافة ولآلهة الشمس قصة تحكيها منحوتة كبيرة في وسط المدينة وأتمنى أن يحظى عمل "حسين مرشد" بالمكان المناسب ليكون لدى الراغبين التمعن به، وبشكل عام فإن لكل عمل قصة قد يجيد الفنان في إيصالها وقد لا يتمكن من ذلك، لكن ومن خلال تجربتي أعرف أن الفنان يعيش حالة بحث وحراك نفسي وجسدي حتى يجد الحالة المتوازنة التي يريدها ليبدأ مشروعه، بعد متاهات وقلق طويل.
لكن عملية إخراج العمل بالصورة النهائية التي تتناسب مع مارسمه في مخيلته قد يحقق نوعاً من الرضا، وهي مرحلة قد لا تدوم طويلاً لأن الفنان تختزن ذاكرته مشاريع كثيرة توقضها مواقف وأحداث ليكون في كل يوم مشروع وفكرة جديدة تثبت على البازلت القاسي بالتكوين القادر على استيعاب أفكاري.
الفنان "طلال العبد الله" ناقش فكرة الأعمال المحلية وركز على قدرة الفنان "فؤاد" في التعامل مع البازلت، مشيراً بالقول: الفنان "فؤاد" نحات مجتهد واثق من إمكاناته، مشاركاته وأعماله مهمة وجميلة وهذا ما نلمسه من خلال معارضه المتميزة في "دمشق" التي لاقت صدى كبيراً، حيث اشتغل على مادة البازلت المميزة والمحلية ذات الخصوصية لكونه يعمل على مادة من البيئة ومع التطور أصبحت ميسرة للعمل واستطاع السيطرة عليها بشكل ممتاز على الرغم من أن الأسلوب الذي يتبعه أسلوب واقعي، فالبازلت مادة صعبة، وكان وفياً لموضوعاته وتناول شخصيات من المحيط وهذا نوع من الوفاء للمحلية ومن ناحية فنية أعماله مميزة بشكل واضح وفيها شيء جديد إذ يحاول طرح أفكار فيها ملامح الحادثة ضمن العمل الواقعي من ناحية الحركة ومن ناحية التكوين والتوازن، ومن وجهة نظري فإن الفنان عندما يتناول مثل هذه الشخصية يكون في مجال طرح الشخصية أكثر من الابتكار لكونه يضع نفسه في موقع صعب محكوم بشخصية معينة بثقافتها وتكوينها وتشريحها واستحضارها وقد يصبح محكوماً بمحيط الشخصية أكثر من الابتكار وهذا فيه ظلم لنفسه لكونه يضع إطاراً ويعمل داخله لكن ملمح الابتكار محسوس لديه، وكم نتمنى أن يقدم عمله الخيّر بالمكان المناسب الذي يستحق ما بذله من جهود كبيرة امتدت لسنوات.
الجدير بالذكر أن الفنان "فؤاد" مواليد 1955 خريج كلية الفنون الجميلة عام 1981 أقام ثلاث معارض فردية بالبازلت في "دمشق" وآخرها كان في "السويداء"، وهو مؤسس لفرقة مسرحية بالمحافظة، وقدم أعمال الديكور لأكثر من 30 عملاً مسرحياً، ومؤسس لفرقة الموسيقا العربية ومشارك دائم بمعارض وزارة الثقافة، ومدرس لمادة النحت بمركز الفنون التشكيلية ومعهد الفنون.