ستالين وستالينيه Stalin and stalinism - Staline et stalinisme 

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ستالين وستالينيه Stalin and stalinism - Staline et stalinisme 

    ستالين والستالينية
    (1879 ـ 1953)

    جوزيف فيساريونوفيتش دجوغاشفيلي، وستالين Stalin لقب أطلقه عليه لينين[ر]، ومعناه بالروسية الرجل الحديدي، وهو أحد قادة ثورة أكتوبر الاشتراكية التي أطاحت بالقيصرية الروسية عام 1917، والقائد الثاني للاتحاد السوفييتي السابق بعد لينين.
    وُلد ستالين في قرية غوري Goriالجورجية لإسكافي مدمن، كان قد تحرر من القنانة للتو، يدعى فيساريون إيفانوفيتش دجوغاشفيلي، عرف بالإقدام والفضول وتوقد الذهن، وهي صفات ورثها عنه ابنه ستالين، وأم فلاحة تدعى «إيكاترينا» غادرت قريتها، وعملت خادمة لدى عائلات روسية وأرمنية من الطبقة الوسطى، لتعيل زوجها وابنها الوحيد الذي تبقى لها من أولادها الأربعة. ولا يعرف الكثير عن طفولته سوى أنها طفولة بائسة مترعة بألوان الشقاء والحرمان، وأنه أصيب بالجدري وهو في السادسة أو السابعة، وترك المرض آثاره في وجهه، ثم عاوده مرض ترك أثراً في ذراعه اليسرى التي صار يصعب عليه ثنيها.
    حين بلغ ستالين التاسعة، أرسلته أمه إلى مدرسة دينية في غوري تقبل أولاد الفقراء، أمضى فيها خمس سنوات (1888ـ1893) كان في أثنائها من أكثر التلاميذ نباهة وقوة ذاكرة ونزوعاً إلى توكيد الذات وشغفاً بالتفوق على أترابه من أبناء الأغنياء. وفي هذه المدرسة التي تعلم باللغة الروسية، سوى بضعة دروس باللغة الجورجية في الأسبوع، واجه ستالين مشكلة الأقليات القومية التي ستكون من أهم شواغله في المستقبل. ومع أنه أتقن الروسية فقد ظل يتكلم الجورجية خارج الدروس أسوة بزملائه الذين يتكلمون الأرمنية والتركية وبعض اللهجات القفقاسية. وقد تأثر ببعض الشعراء القوميين، وبأبطال القصص الشعبية، فكتب عام 1895 عدداً من القصائد ونشرها في مجلة جورجية واسعة الانتشار. وفي عام 1894 انتقل إلى الكلية الكهنوتية في العاصمة الجورجية تبليسي وأمضى فيها أربع سنوات أخرى، كانت حاسمة في تطوره الفكري، وكانت العلاقات الجورجية الروسية ونتائج إلغاء الرق في القفقاس (1864ـ1869)، بعد إلغائه في روسيا عام 1861 من أهم القضايا التي شغلت المجتمع الجورجي آنذاك. غير أن ستالين لم ينه دراسته الدينية، إذ طرد من الكلية لاعتناقه أفكاراً طبيعية واشتراكية وماركسية وارتداده عن الدين وانضمامه إلى حلقة نقاش سرية داخل الكلية وإلى منظمة اشتراكية تدعى «ميسامي داسي» في آب 1898، فغادر الكلية الكهنوتية في أيار 1899 مفعماً بالوطنية الجورجية الرومنطيقية، وبالتمرد والاحتجاج على الظلم الاجتماعي. وقد كتب فيما بعد عن هذه السنوات قائلاً: «صرت ماركسياً بسبب وضعي الاجتماعي وكان أبي عاملاً في مصنع أحذية وكانت أمي شغيلة مثله ولكن أيضاً بسبب الاضطهاد القاسي والانضباط اليسوعي اللذين كانا يسحقانني بلا رحمة في الكلية الكهنوتية، وكان الجو الذي ترعرعت فيه يسوده الحقد على الاضطهاد القيصري». ويبدو أن تصورات ستالين وأفكاره الاشتراكية والماركسية اللينينية كانت المعادل النظري للانضباط اليسوعي والحقد على الاضطهاد القيصري؛ كما أن النزعة اليعقوبية التي أخذها عن لينين كانت رد فعل منطقي على وضعه الاجتماعي.
    في آذار 1898 اجتمع عدد قليل من الاشتراكيين في مدينة مينسك وأعلنوا تأسيس «حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي» الذي سيصير ستالين واحداً من أصلب أعضائه، ثم من أبرز قادته، حتى ذلك الحين لم يكن في روسيا حزب اشتراكي روسي، بل مجموعات اشتراكية مختلفة المشارب والمنازع. وفي خضم السجالات الفكرية والسياسية بين هذه المجموعات نضجت أفكار ستالين واتضح تأثره بأفكار لينين خاصة من خلال جريدة «إيسكرا»، أي الشرارة، التي كانت تصدر في الخارج (صدر أول أعدادها في مدينة شتوتغارت (ألمانيا)، أواخر عام 1900) وكان لها أكبر الأثر في تنظيم الحزب السري في روسيا، إذ عين مجلس تحريرها عدداً من المندوبين والوكلاء يتجولون سراً في أنحاء البلاد وينظمون الاتصال بين المجموعات المحلية، ويوثقون صلتها بمجلس تحرير الجريدة في الخارج، وكان ستالين واحداً من هؤلاء المندوبين في القفقاس، ومنذ ذلك الحين صار ستالين داعية ومحرضاً ومنظماً حيثما حلّ، وتعرض جراء ذلك للاعتقال والنفي مراراً حتى حررته ثورة 1917 من منفاه في سيبيريا.
    تألفت أول حكومة ثورية في أواخر تشرين الأول 1917 (مجلس مفوضي الشعب)، وشغل ستالين فيها منصب رئيس مفوضية القوميات، وكان أول ظهور علني له بهذه الصفة في مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الفنلندي بهلسنكي الذي أعلن فيه استقلال فنلندا عن روسيا، بعد ثلاثة أسابيع من قيام الثورة البلشفية. وقد أكد ستالين في هذا المؤتمر موقفه من مسألة القوميات، وفق المبادئ التي أقرها مجلس مفوضي الشعب (مساواة شعوب روسيا وسيادتها. وحقها في تقرير المصير إلى درجة الانفصال وإقامة دول مستقلة. وإلغاء جميع الامتيازات أو التحريمات ذات الطابع القومي أو الديني). إلا أن فنلندا كانت الوحيدة التي حظيت بهذا الحق، من بين الدول الأخرى التي قامت فيها حكومات جديدة معادية للبلاشفة تطالب بالاستقلال الكامل عن روسيا، فقد تراجع مجلس مفوضي الشعب عن هذه المبادئ في المؤتمر الثالث للسوفييت (كانون الثاني 1918)، متعللاً بأن حق تقرير المصير للأمم الصغيرة لا ينبغي أن يفهم على أنه حق البرجوازية في تقرير المصير، بل على أنه حق ممنوح للجماهير الكادحة في الأمة المعنية، وأن مبدأ حق تقرير المصير ينبغي استخدامه وسيلة للنضال من أجل الاشتراكية، وينبغي إخضاعه للمبادئ الاشتراكية، وبدلاً من حق تقرير المصير طرح ستالين مبدأ الفيدرالية، بعد أن عارضه في دراسته عن القوميات.
    تسلم ستالين، بعد قيام الثورة، ثلاثة مناصب مهمة مكنته من إحكام سيطرته على قطاعات واسعة في الحزب والدولة والمجتمع، فقد كان مفوضاً للقوميات ومفوضاً لمفتشية العمال والفلاحين وعضواً في المكتب السياسي، فضلاً عن كونه أميناً للجنة المركزية. وقد أتاحت له مفتشية العمال والفلاحين خاصة فرصة التحكم في جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها، وما أن توفي لينين (1924)، حتى انفرد بالسلطة وراح يصفي خصومه ومنافسيه ويجهز على جميع أشكال المعارضة المنظمة وغير المنظمة. فقد قام بحملات تطهير واسعة راح ضحيتها ملايين من خصومه ومعارضيه ومن أتباعه، ومن الحزبيين والموظفين والعمال والجنود. وأظهر، في الوقت نفسه، تمسكاً شديداً باللينينية وتقديراً مبالغاً فيه لشخصية لينين، وعمل على شرح أسس اللينينية وتبسيطها، وأعاد كتابة تاريخ الحزب الشيوعي على نحو يبرز دوره إلى جانب لينين، وجعل من اللينينية التي صارت ستالينية ديناً للحزب والشعب، وصارت أقواله وأفعاله معياراً للحقيقة والوطنية والوفاء للاشتراكية العلمية.
    وإذا نقد لينين اشتراكية الحرب ووضع سياسة اقتصادية واجتماعية جديدة (النيب) لاتحاد الجمهوريات السوفييتية، وحاول إدخال شيء من الليبرالية إلى الحياة السياسية، فإن ستالين نقض هذه السياسة بعد أربع سنوات على وفاة لينين واستبدل بها سياسة التجميع الزراعي والتصنيع الكثيف والتخطيط المركزي، وفق رؤيته لإمكانية «انتصار الاشتراكية في بلد واحد»، بقيادة حزب واحد يمثل تحالف العمال والفلاحين الفقراء، ونجح في إطلاق نهضة زراعية وصناعية وعلمية جعلت من الاتحاد السوفييتي دولة عظمى وقطباً دولياً ذا شأن في مواجهة الدول الرأسمالية المتقدمة، ولكن التكلفة البشرية والاجتماعية والثقافية كانت باهظة جداً. وحين نشبت الحرب العالمية الثانية شارك فيها الاتحاد السوفييتي حليفاً قوياً إلى جانب الحلفاء، فأسهم في هزيمة النازية والفاشية، ومد نفوذه إلى دول أوربا الشرقية، فانقسم العالم إلى مركزين وأطراف، وبدأت حرب باردة بين المعسكرين: الاشتراكي والرأسمالي، اتسمت بتوازن الرعب النووي وسباق التسلح وغزو الفضاء ونهوض حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي ساندها الاتحاد السوفييتي عسكرياً واقتصادياً وفنياً وسياسياً، فاستنزفت جزءاً مهماً من موارده.
    وفي ضوء ذلك، صارت الستالينية ظاهرة مركبة ومتناقضة، قوامها التزمت والإدعاء بالإيمان المطلق بامتلاك الحقيقة وصنمية الحزب وعبادة الفرد وشمولية الدولة، التي لايردعها أي وازع قانوني أو أخلاقي. صحيح أن ستالين عمل على انتشال روسيا من وهدة التخلف، ونجح إلى حد بعيد، ولكنه فعل ذلك بوسائل وأساليب قسرية أرهقت المجتمع، وأعادت إنتاج الاستبداد القيصري في صيغة الدولة الشمولية (التوتاليتارية) القائمة على الاحتكار الفعال للسلطة والثروة وعوامل الإنتاج وقوة التنظيم، والسيطرة التامة على جميع مجالات الحياة الاجتماعية؛ ففي مقابل الاندفاع الاقتصادي والعلمي والتقاني الذي أيقظته الثورة وشحذه الانتصار في الحرب العالمية الثانية خيم على المجتمع ركود سياسي وثقافي وأخلاقي عززته عزلة الاتحاد السوفييتي عن العالم، جراء «الستار الحديدي» الذي ضربه ستالين حوله؛ فصار من الصعب نزع آثار الستالينية، وعلى نحو ما حاول خروتشوف[ر] من دون تغيير بنية الدولة الشمولية، لذلك ظلت الستالينية حية في بنية الدولة وفي الممارسة الفكرية والسياسية حتى انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكيكه وزواله عام 1991.
    ويمكن القول إن ستالين، على ما يكتنف شخصيته من غموض وتناقض، ينتمي إلى تلك الفئة من المستبدين الثوريين، أمثال كرومويل ونابليون وبسمارك، وإن كان ثمة أوجه شبه بينه وبين هتلر؛ فالنازية والستالينية تتقاطعان في الدولة التوتاليتارية وإخضاع الشعب وجمع الرأي والسيف في يد واحدة.
    توفى ستالين على فراشه، وهو في قمة المجد والجبروت يوم 5آذار 1953م، وقيل إن عدة أطباء من اليهود كانوا متورطين في أسباب وفاته.
    جاد الكريم الجباعي
يعمل...
X