كلمة علي عبد الكريم « سفير سورية في الكويت »
بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته
كم خسارتنا كبيرة بغيابك ..
بسم الله الرحمن الرحيم
حين وقفت أمام أوراقي محاولاً الكتابة عن رحيل عدنان .. حاصرتني وما تزال .. صور لعدنان ، تضج بالحياة .. وكأنها تقول لي : عدنان لم يمت ، صوته ما يزال يملأ ردهات الإذاعة والتلفزيون .. وضحكته تنبئ عنه .. وهي التي لازمته كحماسته لعمله وكحبه لوطنه وأصدقائه ورفاقه .. ها هو يطل هابطأ الدرج إلى الأستوديو بحيوية تفوق حيوية اللاعبين الذين سيعلق عليهم في المباراة التي يزمع الحديث عنها ، وعلى باب الأستوديو يمازح فني الصوت أو المخرج وتصيب نكتة لاذعة سريعة محببة أحد الزملاء الخارجين أو الداخلين أو الذين تستحضرهم ذاكرته الوقادة وبديهته الحاضرة . .
وبعد ..
هل مضت أربعون ليلة ومعها مثيلها من النهارات على رحيل عدنان بوظو ؟! صدقوني أنني كثيراً ما أجفلت وأنا في مكتبي أو في أي من مواقع العمل في الإذاعة والتلفزيون لتوقعي أن عدنان يحدثني .. أو يدعوني إلى سهرة .. أو يسألني بلغته الساخرة الطافحة بالذكاء والود عن زميل أو صديق تربطنا معاً علاقات فيها الحميمية والظرف وهموم العمل .. ولا غرابة أن أحس بحضور عدنان الدائم ومثلي كثيرون .. فعدنان يسكن منذ أربعين عاماً وجدان زملائه ومستمعيه ومشاهديه وقارئيه فضلاً عن أصدقائه وأهليه .. وستمر أربعون عاماً أخرى وأكثر وعدنان يثير بحضوره الآسر مختلف أنواع المشاعر .. مشاعر الود حيناً والحماسة حيناً والغيرة لدى بعضهم حيناً آخر .. والإعجاب بالروح الملأي بأفانين الفرح والغيرة والعطاء كل الأحيان .. ذلك هو عدنان .. طفولة تقفز من عينيه لملاقاة أصدقائه وكأنه حين يقابل هذا الصديق أو ذاك قد حصل على هدية العيد وهو في العاشرة من العمر .. شارف على الستين وكلما التقينا أنظر
إليه متسائلا : صارحني يا عدنان أحقاً أنك وصلت إلى السنة كذا .. ويضحك قائلاً أنا لا أفكر بهذا .. أنا شاب وسأبقى ، هذا ما أعرفه وما أحس به وما أظنني أشيخ يوماً .. ولم يشخ .
في زهو الشباب طار إلى آفاقه العليا ، لم يودع رفاقه ، ولم يعلن رغم سنتين من المرض العضال عن اقتراب موعد الوداع .. كانت تستفزه نظرات فيها ملامح إشفاق من أي من رفاقه أو محبيه ، صارع جيوش المرض التي داهمته بعشق للحياة لم وما أحسبني سأرى مثيلا له .
لم تنفع معه نصائح الأطباء أو الأصدقاء باختصار العمل أو النشاطات الاجتماعية ، فهو لم يعترف بالمرض أصلاً .. بل كان يتحدث عنه باستخفاف وتبسيط إن دلا على شيء فإنما يدلان على رغبة جامحة لا تقبل إلا الحياة عنواناً ومحتوى وغاية .
فأثناء صراعه مع المرض كنا نسأله : كيف أنت يا أبا لؤي ؟
فيجيب ضاحكاً : حديد ، ومتى تحب أن نلتقي ؟ فيبادر قائلاً دون تردد : اليوم وفي سهرة عامرة ، لا تؤجلوا فرح اليوم إلى الغد ، لقد كان نسيجاً خاصاً وفريداً في علاقته بالحياة ، لا يشكو مهما تزاحمت أعباء العمل وطلبات الأسرة ، تشترك وعيناه ولسانه وعقله وكل حواسه في إنجاز وإنجاح عمله ، لا يعرف القنوط واليأس والتردد إلى شخصه سبيلا .
يـحـيـل أي مـعـوق لـلـعـمـل مـهـمـا كـانت مـرتـبـتـه إلى أضحوكة أمام زملائه ومرؤوسيه ببراعة أسلوبية نادرة المثال ، سنده في ذلك خفة دمه وحب العاملين له وثقة كل المخلصين بوفائه وعشقه الصافي لعمله ولوطنه ولطموحه النبيل إلى النجاح والتميز .. لا يتهيب إذا اقتنع .. يقول الحقيقة ولو على نفسه ، لا يرحم بنقده المقصرين ولا يمالئ أحداً لا يجد فيه مقومات الكفاءة والاحترام ولو كان له عنده مصالح ستتهدد جراء ذلك .
فكم خسارتنا كبيرة بغياب عدنان ؟ !
كان زميلاً وأخاً وصديقاً يملأ دارة عملنا ليس الرياضي منه فحسب بل مد ظلال حضوره وأريحيته إلى كل قطاعات العمل الإعلامي .. أحبه الأديب والباحث الاقتصادي والمعـلـق السياسي والمهندس والـرسـام والمخرج والمصـور وعـمـال المقاسـم والحراس والبوابون وكل العاملين ..
باختصار : كان قاسماً مشتركاً لاحترام ومحبة الجميع .
لذلك وجد الجميع في رعاية السيد الرئيس حافظ الأسد لعدنان تكريماً للقيمة والأنموذج وتكريماً للإعلام بوجهه المضيء ، وهو ما يعنيه كبير الأمة ورمز كرامتها ، حين يحضن عدنان وأمثاله لأنه بذلك يضيف إلى مجد الموقف ومجد الكبرياء ومجد البناء مجد الإيثار والحب والقلب الكبير .
أيها السيدات والسادة :
سأحتفظ من عدنان بصورته الضاحكة لأنها الأقوى لديه والأبقى منه ، ولن أندم لأنني لم أزره في الشهر الأخير من صراعه مع المرض لكي لا أرى صورة أخرى .
أيها العاشق الطموح أتيت
نقبس الجمر والهوى من صباحك
جلل أن يصيدك القدر الأعمى
و يمشي مقصه في جناحك
ذهب الموت بالرفاة ولكن
قد ملأنا قلوبنا من صداحك
بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته
كم خسارتنا كبيرة بغيابك ..
بسم الله الرحمن الرحيم
حين وقفت أمام أوراقي محاولاً الكتابة عن رحيل عدنان .. حاصرتني وما تزال .. صور لعدنان ، تضج بالحياة .. وكأنها تقول لي : عدنان لم يمت ، صوته ما يزال يملأ ردهات الإذاعة والتلفزيون .. وضحكته تنبئ عنه .. وهي التي لازمته كحماسته لعمله وكحبه لوطنه وأصدقائه ورفاقه .. ها هو يطل هابطأ الدرج إلى الأستوديو بحيوية تفوق حيوية اللاعبين الذين سيعلق عليهم في المباراة التي يزمع الحديث عنها ، وعلى باب الأستوديو يمازح فني الصوت أو المخرج وتصيب نكتة لاذعة سريعة محببة أحد الزملاء الخارجين أو الداخلين أو الذين تستحضرهم ذاكرته الوقادة وبديهته الحاضرة . .
وبعد ..
هل مضت أربعون ليلة ومعها مثيلها من النهارات على رحيل عدنان بوظو ؟! صدقوني أنني كثيراً ما أجفلت وأنا في مكتبي أو في أي من مواقع العمل في الإذاعة والتلفزيون لتوقعي أن عدنان يحدثني .. أو يدعوني إلى سهرة .. أو يسألني بلغته الساخرة الطافحة بالذكاء والود عن زميل أو صديق تربطنا معاً علاقات فيها الحميمية والظرف وهموم العمل .. ولا غرابة أن أحس بحضور عدنان الدائم ومثلي كثيرون .. فعدنان يسكن منذ أربعين عاماً وجدان زملائه ومستمعيه ومشاهديه وقارئيه فضلاً عن أصدقائه وأهليه .. وستمر أربعون عاماً أخرى وأكثر وعدنان يثير بحضوره الآسر مختلف أنواع المشاعر .. مشاعر الود حيناً والحماسة حيناً والغيرة لدى بعضهم حيناً آخر .. والإعجاب بالروح الملأي بأفانين الفرح والغيرة والعطاء كل الأحيان .. ذلك هو عدنان .. طفولة تقفز من عينيه لملاقاة أصدقائه وكأنه حين يقابل هذا الصديق أو ذاك قد حصل على هدية العيد وهو في العاشرة من العمر .. شارف على الستين وكلما التقينا أنظر
إليه متسائلا : صارحني يا عدنان أحقاً أنك وصلت إلى السنة كذا .. ويضحك قائلاً أنا لا أفكر بهذا .. أنا شاب وسأبقى ، هذا ما أعرفه وما أحس به وما أظنني أشيخ يوماً .. ولم يشخ .
في زهو الشباب طار إلى آفاقه العليا ، لم يودع رفاقه ، ولم يعلن رغم سنتين من المرض العضال عن اقتراب موعد الوداع .. كانت تستفزه نظرات فيها ملامح إشفاق من أي من رفاقه أو محبيه ، صارع جيوش المرض التي داهمته بعشق للحياة لم وما أحسبني سأرى مثيلا له .
لم تنفع معه نصائح الأطباء أو الأصدقاء باختصار العمل أو النشاطات الاجتماعية ، فهو لم يعترف بالمرض أصلاً .. بل كان يتحدث عنه باستخفاف وتبسيط إن دلا على شيء فإنما يدلان على رغبة جامحة لا تقبل إلا الحياة عنواناً ومحتوى وغاية .
فأثناء صراعه مع المرض كنا نسأله : كيف أنت يا أبا لؤي ؟
فيجيب ضاحكاً : حديد ، ومتى تحب أن نلتقي ؟ فيبادر قائلاً دون تردد : اليوم وفي سهرة عامرة ، لا تؤجلوا فرح اليوم إلى الغد ، لقد كان نسيجاً خاصاً وفريداً في علاقته بالحياة ، لا يشكو مهما تزاحمت أعباء العمل وطلبات الأسرة ، تشترك وعيناه ولسانه وعقله وكل حواسه في إنجاز وإنجاح عمله ، لا يعرف القنوط واليأس والتردد إلى شخصه سبيلا .
يـحـيـل أي مـعـوق لـلـعـمـل مـهـمـا كـانت مـرتـبـتـه إلى أضحوكة أمام زملائه ومرؤوسيه ببراعة أسلوبية نادرة المثال ، سنده في ذلك خفة دمه وحب العاملين له وثقة كل المخلصين بوفائه وعشقه الصافي لعمله ولوطنه ولطموحه النبيل إلى النجاح والتميز .. لا يتهيب إذا اقتنع .. يقول الحقيقة ولو على نفسه ، لا يرحم بنقده المقصرين ولا يمالئ أحداً لا يجد فيه مقومات الكفاءة والاحترام ولو كان له عنده مصالح ستتهدد جراء ذلك .
فكم خسارتنا كبيرة بغياب عدنان ؟ !
كان زميلاً وأخاً وصديقاً يملأ دارة عملنا ليس الرياضي منه فحسب بل مد ظلال حضوره وأريحيته إلى كل قطاعات العمل الإعلامي .. أحبه الأديب والباحث الاقتصادي والمعـلـق السياسي والمهندس والـرسـام والمخرج والمصـور وعـمـال المقاسـم والحراس والبوابون وكل العاملين ..
باختصار : كان قاسماً مشتركاً لاحترام ومحبة الجميع .
لذلك وجد الجميع في رعاية السيد الرئيس حافظ الأسد لعدنان تكريماً للقيمة والأنموذج وتكريماً للإعلام بوجهه المضيء ، وهو ما يعنيه كبير الأمة ورمز كرامتها ، حين يحضن عدنان وأمثاله لأنه بذلك يضيف إلى مجد الموقف ومجد الكبرياء ومجد البناء مجد الإيثار والحب والقلب الكبير .
أيها السيدات والسادة :
سأحتفظ من عدنان بصورته الضاحكة لأنها الأقوى لديه والأبقى منه ، ولن أندم لأنني لم أزره في الشهر الأخير من صراعه مع المرض لكي لا أرى صورة أخرى .
أيها العاشق الطموح أتيت
نقبس الجمر والهوى من صباحك
جلل أن يصيدك القدر الأعمى
و يمشي مقصه في جناحك
ذهب الموت بالرفاة ولكن
قد ملأنا قلوبنا من صداحك
تعليق