كلمة شوقي بغدادي كاتب وأديب سوري معروف
بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته
إن الشعر أيضاً حزين لغيابك
ليس من تخوم حاسمة بين الجسد والروح ، فكلما يهوى الجسد اللعب ، تحب الروح مثله أن تلعب ، وكثيراً ما تكون اللعبة واحدة ، تتماثل فيها حركة الجسد ، لاعبأ يتنفس ، ويتمدد ويتقلص ، ويتواثب ، بحركة الروح ، لاعبة تستعين بالحنجرة كي ترسم ، أو باللغة الطازجة كي تقول الشعر ، فالحركتان تعبران عن حالة واحدة مداها المتعة ، والحيوية والجمال .
من هنا كان لقائي بعدنان بوظو تأثراً وتجاوباً ، وليس تعارفاً شخصياً ، كان يكفي أن أسمع صوته الرجولي الرخيم في الإذاعة حتى أجد نفسي مصغياً بكل مسامعي حتى نهاية الحديث ، أو أن يطل بقسماته الوديعة في برنامج تلفزيوني حتى أترك كل شيء لكي أتابعه .
كانت المباريات في كل الألعاب وليس في كرة القدم وحدها ، تكتسب أهمية خاصة لمجرد ظهور اسمه مقدماً لها ، وما أن يظهر حتى تأخذني وتأخذ من معي من أشباهي حالة مثيرة من الاهتمام والمتعة لا تفارقنا طوال فترة حضوره المباراة معنا ، حتى كتاباته عن الرياضة في الصحف كان لها أيضاً طعمها الطري الممتع ، وهكذا بهذه الموهبة .. وهي موهبة حقاً .. استطاع عدنان بوظو أن يغدو نجماً ورمزاً عزيزاً في وجدان ملايين البشر الذين تعلقوا به وانضموا إلى الفضاء الفسيح الجميل الذي كان قادراً أكثر من غيره على أن يفتحه لهم لكي يدخلوا فيه دخول الأطفال إلى بستان مزهر ، معشب ، طليق .
بلى .. لقد كان عدنان بوظو وهو يحبب إلينا اللعب يسهم في توحيدنا ، وصنع ذوقنا الجماعي ، كما كان يساعد في غسل أرواحنا من عناء الرصانة والجد الفارغين ، ومن أوضار الصراع اليومي على كسب الرزق المهدد بالتلوث ، أو الملطخ به .
وفي ذات يوم حين بلغنا أن عدنان بوظو مريض ، بدا لنا كما أن لو الرياضة نفسها قد مرضت معه ، وأننا صرنا نلاحظ جميعاً أكثر من أي وقت مضى التراجع المريع لألعاب الكرة عموماً ، وكرة القدم خاصة في الأيام الأخيرة .
وحين أسوق هذه الملاحظة فأنا لا أخشى من اتهامي بالمبالغة ، أو بتغليب الشعرية على الموضوعية ، فأنا أتحدث عن واقع بائس بالرغم من التشجيع الكبير الذي تحظى به الرياضة والرياضيون في البلاد ، عن بؤس لا أعرف أسبابه ، غير أنني لا أدري لماذا شعرت مع غياب عدنان بوظو وقبله في حضوره المتقطع بسبب مرضه ، أن الرياضة نفسها قد شرعت تصاب بالإحباط والضياع ، وأن موته فيما بعد كان ذروة التعبير
عن هذه الحالة البائسة .
هل هذا الكلام مجرد تفسير شعري أو عاطفي لما حدث ؟!
ربما ! .. ولكن ما أدرانا ألا يكون الشعر أحياناً أبلغ المفسرين للحالات التي تبدو عصية على أي تفسير !
في كل ميدان من ميادين الحياة أيها السادة ..
في السياسة كما في الاجتماع والعلوم ، في الأدب والفنون عامة كما في الرياضة ، أفراد موهوبون نحن دائماً بحاجة إليهم لكي تتألق الحياة وتنشط بوجودهم فيه ، وهؤلاء الموهوبون لا يصنعون تصنيعاً في المدارس ، أو في النوادي والأحزاب ، بل يولدون بالفطرة ..
ولقد كان عدنان بوظو واحداً منهم بالتأكيد ولا أعتقد أنه من السهل التعويض عنه !
رحمة الله عليك يا عدنان ، فأنا حتماً لن أتابع بعدك أحداث الرياضة بالمتعة نفسها التي كنت أشعر بها معك ، وهكذا سوف يقربنا غيابك من شـيـخـوخـتـنـا أكثر فأكثر لـكـي نـفـقـد طفولتنا التي كنت أقدر الناس على تحريضها في أعماقنا ..
رحمة الله عليك يا أبا لؤي .. إن الشعر أيضاً حزين لغيابك !
بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته
إن الشعر أيضاً حزين لغيابك
ليس من تخوم حاسمة بين الجسد والروح ، فكلما يهوى الجسد اللعب ، تحب الروح مثله أن تلعب ، وكثيراً ما تكون اللعبة واحدة ، تتماثل فيها حركة الجسد ، لاعبأ يتنفس ، ويتمدد ويتقلص ، ويتواثب ، بحركة الروح ، لاعبة تستعين بالحنجرة كي ترسم ، أو باللغة الطازجة كي تقول الشعر ، فالحركتان تعبران عن حالة واحدة مداها المتعة ، والحيوية والجمال .
من هنا كان لقائي بعدنان بوظو تأثراً وتجاوباً ، وليس تعارفاً شخصياً ، كان يكفي أن أسمع صوته الرجولي الرخيم في الإذاعة حتى أجد نفسي مصغياً بكل مسامعي حتى نهاية الحديث ، أو أن يطل بقسماته الوديعة في برنامج تلفزيوني حتى أترك كل شيء لكي أتابعه .
كانت المباريات في كل الألعاب وليس في كرة القدم وحدها ، تكتسب أهمية خاصة لمجرد ظهور اسمه مقدماً لها ، وما أن يظهر حتى تأخذني وتأخذ من معي من أشباهي حالة مثيرة من الاهتمام والمتعة لا تفارقنا طوال فترة حضوره المباراة معنا ، حتى كتاباته عن الرياضة في الصحف كان لها أيضاً طعمها الطري الممتع ، وهكذا بهذه الموهبة .. وهي موهبة حقاً .. استطاع عدنان بوظو أن يغدو نجماً ورمزاً عزيزاً في وجدان ملايين البشر الذين تعلقوا به وانضموا إلى الفضاء الفسيح الجميل الذي كان قادراً أكثر من غيره على أن يفتحه لهم لكي يدخلوا فيه دخول الأطفال إلى بستان مزهر ، معشب ، طليق .
بلى .. لقد كان عدنان بوظو وهو يحبب إلينا اللعب يسهم في توحيدنا ، وصنع ذوقنا الجماعي ، كما كان يساعد في غسل أرواحنا من عناء الرصانة والجد الفارغين ، ومن أوضار الصراع اليومي على كسب الرزق المهدد بالتلوث ، أو الملطخ به .
وفي ذات يوم حين بلغنا أن عدنان بوظو مريض ، بدا لنا كما أن لو الرياضة نفسها قد مرضت معه ، وأننا صرنا نلاحظ جميعاً أكثر من أي وقت مضى التراجع المريع لألعاب الكرة عموماً ، وكرة القدم خاصة في الأيام الأخيرة .
وحين أسوق هذه الملاحظة فأنا لا أخشى من اتهامي بالمبالغة ، أو بتغليب الشعرية على الموضوعية ، فأنا أتحدث عن واقع بائس بالرغم من التشجيع الكبير الذي تحظى به الرياضة والرياضيون في البلاد ، عن بؤس لا أعرف أسبابه ، غير أنني لا أدري لماذا شعرت مع غياب عدنان بوظو وقبله في حضوره المتقطع بسبب مرضه ، أن الرياضة نفسها قد شرعت تصاب بالإحباط والضياع ، وأن موته فيما بعد كان ذروة التعبير
عن هذه الحالة البائسة .
هل هذا الكلام مجرد تفسير شعري أو عاطفي لما حدث ؟!
ربما ! .. ولكن ما أدرانا ألا يكون الشعر أحياناً أبلغ المفسرين للحالات التي تبدو عصية على أي تفسير !
في كل ميدان من ميادين الحياة أيها السادة ..
في السياسة كما في الاجتماع والعلوم ، في الأدب والفنون عامة كما في الرياضة ، أفراد موهوبون نحن دائماً بحاجة إليهم لكي تتألق الحياة وتنشط بوجودهم فيه ، وهؤلاء الموهوبون لا يصنعون تصنيعاً في المدارس ، أو في النوادي والأحزاب ، بل يولدون بالفطرة ..
ولقد كان عدنان بوظو واحداً منهم بالتأكيد ولا أعتقد أنه من السهل التعويض عنه !
رحمة الله عليك يا عدنان ، فأنا حتماً لن أتابع بعدك أحداث الرياضة بالمتعة نفسها التي كنت أشعر بها معك ، وهكذا سوف يقربنا غيابك من شـيـخـوخـتـنـا أكثر فأكثر لـكـي نـفـقـد طفولتنا التي كنت أقدر الناس على تحريضها في أعماقنا ..
رحمة الله عليك يا أبا لؤي .. إن الشعر أيضاً حزين لغيابك !
تعليق