تفسير الأحلام
المقصود من تفسير الأحلام أو تأويلها, في الدراسات النفسية, هو استخراج دلالتها. والقول بوجود دلالة للأحلام قديم في حياة الإِنسان وواضح الانتشار في حضاراته المختلفة. وفي استخراج الدلالة أكثر من اتجاه, وفي المقدمة الاتجاه الذي يشير إِلى المستقبل والاحتمالات فيه, والاتجاه الذي يشير إِلى واقع حياة الشخص وماضيه وما يوجد لديه من مشكلات. يستشهد جماعة من الاتجاه الأول بقصة يوسف ورؤيا الملك المتصلة بسبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف, وتأويل يوسف للرؤيا بأنها تدل على سبع سنوات خصاب تأتي بعدها سبع سنوات يسودها القحط. ولكن التدقيق في هذه القصة ينتهي إِلى أن قصة يوسف حالة خاصة, إِذ إِن الله اجتباه وعلمه من تأويل الأحاديث ما لم يكن يعلم. لذلك يأخذ أكثر القائلين بهذا الاتجاه الأول بمبدأ الاحتمال والإمكان لدى تأويل الأحلام وذكر ما تتصل به من أمور المستقبل. ويمثل هذا المنحى ابن سيرين في كتابه عن تفسير الأحلام حين يورد الكثير الكثير مما يمكن أن تنطوي عليه الأحلام وما يحتمل أن تدل عليه مع الإلحاح على أن العلم عند الله وأن العامل في تفسير الأحلام يجب أن تتوافر فيه صفات علمية وأخلاقية ودينية من مستوى عال ليكون قادراً على استخراج ما يحتمل من دلالة للحلم.
أما الاتجاه الثاني الذي يقف عند حاضر الشخص ومشكلاته, وما ينطوي عليه ماضيه مما يقف وراء هذه المشكلات, فالممثل الأول له هو فرويد [ر] Freud يقول فرويد في مطلع كتابه «تفسير الأحلام»: «سأقيم البرهان في الصفحات المقبلة على أن ثمة منهجاً سيكولوجياً يمكن به تفسير الأحلام, وأننا إذا اصطنعنا هذا المنهج تكشّف أمامنا كل حلم فإِذا هو بناء نفسي ذو معنى يمكن الربط بينه وبين مشاغل اليقظة في موضع معلوم». ويعد هذا المنطلق أساساً في نظرية «التحليل النفسي» وحجر قاعدة في التطور الواسع الذي عبّر عنه باحثون كثيرون اهتموا, بعد فرويد, بالأحلام ووظائفها.
وفي عملية تفسير الأحلام اهتمام بأمرين: الأول أن الحلم رمزي في الكثير من عناصره وفي شكل تجمعها مع بعضها, والثاني أنه ذو معان خاصة يجب استخراجها. ويحتاج فهم الحلم واستخراج دلالته إِلى معرفة واسعة بدلالة الرموز, وإِلى حدس علمي وبصيرة ثاقبة, وإِلى سعي حثيث وتدقيق عميق من أجل إِدراك التشابه في جهات بين أمرين هما: الرمز, وما يدل عليه, وذلك من حيث الشكل والوظائف والصفات المميزة.
ويفصََّل فرويد القول في ما يلزم لتفسير الحلم ويلح على ضرورة فهم نوع الارتباطات الموجودة بين عناصر الحلم والرغبات التي تحركه والأغراض التي ينتهي إِلى تحقيقها. ويقتضي تفسير الحلم كذلك فهماً دقيقاً لسير العمليات العقلية و«آلياتها», وما تعبر عنه من دفاع, وما تشير إِليه من هروب إِلى الرموز بدلاً من مواجهة الوقائع وذلك بغية اتقاء المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها النائم بسبب من بقايا الشعور لديه ونزوعه إِلى أن يتفادى في حلمه أمراً يحرمه المجتمع ويحاسب عليه. وإِذا كان الغالب عند ابن سيرين أن يقدم الحل جاهزاً ذاكراً ما يدل عليه هذا الرمز أو ذاك, فإِن أصحاب الاتجاه الحديث الذين يعبرون عن منحى فرويد ويتابعون خطواته ويحلّون الأحلام مكانة خاصة في فهمهم للشخص ومشكلاته يضعون قوائم مطولة في الرموز التي يمكن أن تظهر في الأحلام ودلالتها, ولكن تأويل الحلم يبقى لديهم عملية فردية خاصة بكل حلم وكل شخص, مع العلم أن الشخص يساعد عالم النفس العامل في تفسير الحلم على الوصول إِلى غرضه وذلك عن طريق ما يذكره الشخص من شروح وبيانات بشأن الحلم الذي يوضع موضع التفسير.
أصناف الأحلام
تذهب الدراسات المتأثرة بمدرسة التحليل النفسي إِلى وضع الأحلام في أربعة أصناف هي: الأحلام النموذجية, وأحلام العقاب, وأحلام القلق, وأحلام الكابوس. تمثل الأحلام النموذجية الأشكال الشائعة بين الأحلام من حيث المحتوى والدلالة, ومثال ذلك أحلام الامتحانات أو موت شخص عزيز. أما أحلام العقاب فتنطوي على تحمّل الشخص عقاباً ما في محتوى الحلم, ويعبّر ذلك عن تغلّب الرغبة في وقوع العقوبة وهي الرغبة المتأثرة بمحاسبة الأنا الأعلى أو الضمير على الرغبات المتصلة بشهوات تكون بين محتويات الحلم وتكون محرّمة في حياة اليقظة. وتحدث أحلام القلق حين يخفق الحلم في وظيفته الهادفة إِلى تحقيق رغبة لا شعورية بطريقة تبقى مقبولة ساعة الحلم, وتكون النتيجة ظهور القلق واستفاقة الشخص من نومه. أما أحلام الكابوس التي يغلب فيها أن تكون قاسية فهي نوع من أحلام القلق, ويمرّ بها كل إِنسان, ولكنها تكثر في مراحل الطفولة لشدة ما يمرّ به الطفل من صراعات في حياته اليومية.
مكانة الأحلام في المعالجة النفسية
يُعدّ تفسير الأحلام واحداً من القواعد الأساسية في المعالجة النفسية كما يقول بها فرويد وأدلر [ر] Adler ويونغ [ر] Jung والآخذون باتجاهاتهم, وكثيرون غيرهم من المتأثرين بإِنجازات مدرسة التحليل النفسي. ويجتمع هؤلاء عند القول إِن فهم الحلم يعني الوصول إِلى جزء مهم من محتويات اللاشعور عند الفرد المضطرب نفسياً مما يكون العامل والمحرك في اضطرابه: أكانت هذه المحتويات رغبات أو دوافع مكبوتة, أم كانت مركبات متصلة بمشاعر الإِثم أو بخبرة مؤلمة حدثت قديماً أيام الطفولة. وحين يجتمع المعالج النفسي والمعالَج المضطرب نفسياً في موقف المعالجة, فإِن الأول يوفر للثاني الفرصة لينطلق في الحديث عن حلمه وتفصيلاته حديثاً يعتمد التداعي أي استدعاء بعض العناصر النفسية بعضها الآخر بسبب من روابط بينها. ويتأثر هذا الحديث بضعف في رقابة الشعور يرافق عملية التداعي, ويكون
المقصود من تفسير الأحلام أو تأويلها, في الدراسات النفسية, هو استخراج دلالتها. والقول بوجود دلالة للأحلام قديم في حياة الإِنسان وواضح الانتشار في حضاراته المختلفة. وفي استخراج الدلالة أكثر من اتجاه, وفي المقدمة الاتجاه الذي يشير إِلى المستقبل والاحتمالات فيه, والاتجاه الذي يشير إِلى واقع حياة الشخص وماضيه وما يوجد لديه من مشكلات. يستشهد جماعة من الاتجاه الأول بقصة يوسف ورؤيا الملك المتصلة بسبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف, وتأويل يوسف للرؤيا بأنها تدل على سبع سنوات خصاب تأتي بعدها سبع سنوات يسودها القحط. ولكن التدقيق في هذه القصة ينتهي إِلى أن قصة يوسف حالة خاصة, إِذ إِن الله اجتباه وعلمه من تأويل الأحاديث ما لم يكن يعلم. لذلك يأخذ أكثر القائلين بهذا الاتجاه الأول بمبدأ الاحتمال والإمكان لدى تأويل الأحلام وذكر ما تتصل به من أمور المستقبل. ويمثل هذا المنحى ابن سيرين في كتابه عن تفسير الأحلام حين يورد الكثير الكثير مما يمكن أن تنطوي عليه الأحلام وما يحتمل أن تدل عليه مع الإلحاح على أن العلم عند الله وأن العامل في تفسير الأحلام يجب أن تتوافر فيه صفات علمية وأخلاقية ودينية من مستوى عال ليكون قادراً على استخراج ما يحتمل من دلالة للحلم.
أما الاتجاه الثاني الذي يقف عند حاضر الشخص ومشكلاته, وما ينطوي عليه ماضيه مما يقف وراء هذه المشكلات, فالممثل الأول له هو فرويد [ر] Freud يقول فرويد في مطلع كتابه «تفسير الأحلام»: «سأقيم البرهان في الصفحات المقبلة على أن ثمة منهجاً سيكولوجياً يمكن به تفسير الأحلام, وأننا إذا اصطنعنا هذا المنهج تكشّف أمامنا كل حلم فإِذا هو بناء نفسي ذو معنى يمكن الربط بينه وبين مشاغل اليقظة في موضع معلوم». ويعد هذا المنطلق أساساً في نظرية «التحليل النفسي» وحجر قاعدة في التطور الواسع الذي عبّر عنه باحثون كثيرون اهتموا, بعد فرويد, بالأحلام ووظائفها.
وفي عملية تفسير الأحلام اهتمام بأمرين: الأول أن الحلم رمزي في الكثير من عناصره وفي شكل تجمعها مع بعضها, والثاني أنه ذو معان خاصة يجب استخراجها. ويحتاج فهم الحلم واستخراج دلالته إِلى معرفة واسعة بدلالة الرموز, وإِلى حدس علمي وبصيرة ثاقبة, وإِلى سعي حثيث وتدقيق عميق من أجل إِدراك التشابه في جهات بين أمرين هما: الرمز, وما يدل عليه, وذلك من حيث الشكل والوظائف والصفات المميزة.
ويفصََّل فرويد القول في ما يلزم لتفسير الحلم ويلح على ضرورة فهم نوع الارتباطات الموجودة بين عناصر الحلم والرغبات التي تحركه والأغراض التي ينتهي إِلى تحقيقها. ويقتضي تفسير الحلم كذلك فهماً دقيقاً لسير العمليات العقلية و«آلياتها», وما تعبر عنه من دفاع, وما تشير إِليه من هروب إِلى الرموز بدلاً من مواجهة الوقائع وذلك بغية اتقاء المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها النائم بسبب من بقايا الشعور لديه ونزوعه إِلى أن يتفادى في حلمه أمراً يحرمه المجتمع ويحاسب عليه. وإِذا كان الغالب عند ابن سيرين أن يقدم الحل جاهزاً ذاكراً ما يدل عليه هذا الرمز أو ذاك, فإِن أصحاب الاتجاه الحديث الذين يعبرون عن منحى فرويد ويتابعون خطواته ويحلّون الأحلام مكانة خاصة في فهمهم للشخص ومشكلاته يضعون قوائم مطولة في الرموز التي يمكن أن تظهر في الأحلام ودلالتها, ولكن تأويل الحلم يبقى لديهم عملية فردية خاصة بكل حلم وكل شخص, مع العلم أن الشخص يساعد عالم النفس العامل في تفسير الحلم على الوصول إِلى غرضه وذلك عن طريق ما يذكره الشخص من شروح وبيانات بشأن الحلم الذي يوضع موضع التفسير.
أصناف الأحلام
تذهب الدراسات المتأثرة بمدرسة التحليل النفسي إِلى وضع الأحلام في أربعة أصناف هي: الأحلام النموذجية, وأحلام العقاب, وأحلام القلق, وأحلام الكابوس. تمثل الأحلام النموذجية الأشكال الشائعة بين الأحلام من حيث المحتوى والدلالة, ومثال ذلك أحلام الامتحانات أو موت شخص عزيز. أما أحلام العقاب فتنطوي على تحمّل الشخص عقاباً ما في محتوى الحلم, ويعبّر ذلك عن تغلّب الرغبة في وقوع العقوبة وهي الرغبة المتأثرة بمحاسبة الأنا الأعلى أو الضمير على الرغبات المتصلة بشهوات تكون بين محتويات الحلم وتكون محرّمة في حياة اليقظة. وتحدث أحلام القلق حين يخفق الحلم في وظيفته الهادفة إِلى تحقيق رغبة لا شعورية بطريقة تبقى مقبولة ساعة الحلم, وتكون النتيجة ظهور القلق واستفاقة الشخص من نومه. أما أحلام الكابوس التي يغلب فيها أن تكون قاسية فهي نوع من أحلام القلق, ويمرّ بها كل إِنسان, ولكنها تكثر في مراحل الطفولة لشدة ما يمرّ به الطفل من صراعات في حياته اليومية.
مكانة الأحلام في المعالجة النفسية
يُعدّ تفسير الأحلام واحداً من القواعد الأساسية في المعالجة النفسية كما يقول بها فرويد وأدلر [ر] Adler ويونغ [ر] Jung والآخذون باتجاهاتهم, وكثيرون غيرهم من المتأثرين بإِنجازات مدرسة التحليل النفسي. ويجتمع هؤلاء عند القول إِن فهم الحلم يعني الوصول إِلى جزء مهم من محتويات اللاشعور عند الفرد المضطرب نفسياً مما يكون العامل والمحرك في اضطرابه: أكانت هذه المحتويات رغبات أو دوافع مكبوتة, أم كانت مركبات متصلة بمشاعر الإِثم أو بخبرة مؤلمة حدثت قديماً أيام الطفولة. وحين يجتمع المعالج النفسي والمعالَج المضطرب نفسياً في موقف المعالجة, فإِن الأول يوفر للثاني الفرصة لينطلق في الحديث عن حلمه وتفصيلاته حديثاً يعتمد التداعي أي استدعاء بعض العناصر النفسية بعضها الآخر بسبب من روابط بينها. ويتأثر هذا الحديث بضعف في رقابة الشعور يرافق عملية التداعي, ويكون