عُرضت الدراما الكورية «لعبة الحبار» على نتفلكس، واشتُهرت بكونها أحد أكثر البرامج مشاهدةً، وقد استوحاها كاتبها من ضائقةٍ عاناها في أيام شبابه. تتمحور القصة حول سلسلة قاتلة من الألعاب يخوضها أشخاص يائسون، يعانون من مشاكل مالية، ولا يجدون أملًا غيرها لإصلاح فوضى حياتهم.
يوجّه المسلسل أيضًا نقدًا لكيفية استغلال الأثرياء من هم دونهم مكانةً لأجل التسلية، إذ يخوض من يتضورون جوعًا قتالاتٍ حتى الموت ضد بعضهم لالتقاط فتات الطعام.
تلعب الشخصيات سلسلةً من ستة ألعابٍ للأطفال يُعاقب فيها الخاسرون بالموت. في أول لعبتين لا يفكر اللاعبون بمنافسة بعضهم أو إيذاء أحد، ولكن القليل منهم يبدؤون بالاستفادة من خسارة الآخرين لحماية أنفسهم، مثل الاختباء خلف لاعبٍ ما لتفادي الإصابة في لعبة «الضوء الأحمر، والضوء الأخضر».
في اللعبة الثانية (ببوبجي -Ppopgi) يجب أن يرسم اللاعبون أشكالًا على قطعة من حلوى (دالغونا -Dalgona)، وهنا نجد أن بعض الشخصيات -التي تعرف اللعبة- تختار أشكالًا بسيطة ولكنها لا تشارك تلك الفكرة مع بقية اللاعبين، وهو سلوكٌ عدواني سلبي، أي أنها لم تؤذ أحدًا ولكنها منعت المساعدة التي قد تنقذ اللاعبين الآخرين من الموت. وهنا استطاعت إحدى الشخصيات على الأقل -وهو مستثمر على وشك الاعتقال بتهمة الاحتيال على العملاء- باتخاذ خطوته الأولى نحو ارتكاب المزيد من العنف المباشر.
نأتي إلى تعريف ظاهرة إدخال القدم من الباب، فإنها تصف طواعية الشخص تجاه جهة معينة عندما يوافق على أداء مهمةٍ بسيطة إجبارية، فيبدأ بقبول مهماتٍ كبيرة رغم كونها اختيارية. لم يطلب القائمون على اللعبة من اللاعبين قتل بعضهم بطريقةٍ مباشرة، ولكنهم صعّدوا المهمات الملقاة مع كل لعبةٍ جديدة، وحرّضوا العدوانية بالتلاعب ببعض الأمور، مثل تقديم طعام قليل لهم في أحد المساءات، وبتركهم سكاكين الطعام للاعبين المتبقيين في الجولة الأخيرة، بهدف استخدامها في أثناء لعبة الحبار، أو قبلَها.
حدث القتل المتعمد والعنف في اللعبة الثالثة، لعبة شد الحبل، فكان كل فريق يشد الحبل من خصمه مسقطًا أفراده إلى الهاوية صرعى. ولكن عندما ننظر إلى الأمر نجد أن أحدًا من اللاعبين لم يكن مسؤولًا عن الموت بمفرده فقد تقاسم المسؤوليةَ أعضاءُ الفريق الفائز.
ومنذ اللعبة الثالثة، غدت الألعاب تنافسية، وأصبح فوز شخصٍ يعني بالضرورة إقصاء آخر. في لعبة الكرات الزجاجية، يُجبَر اللاعبون على أوضاع تصعّد تداعياتٍ شخصية. وننتبه هنا إلى أن موت اللاعبين في المرحلة الأولى لم يكن يعني شيئًا للبقية، ولكن في المراحل الأخيرة، كان بعضهم قد تعرف إلى بعضهم الآخر، وعرف خصومه وحلفاءه.
عندما اختار كلُّ لاعبٍ لاعبًا آخر ليرافقه إلى اللعبة الرابعة، ظنّ أنه سيكون حليفه، بينما صدر الأمر بأن يلعب ضد من اختاره. وهنا خسر بعض اللاعبين عن قصد ليموت ويحيا رفيقه، ولعب الأغلبية بهدف الفوز وإنقاذ حياتهم.
رغم الظروف الخارجية القوية التي قد تساعد على تبرير اختياراتهم لأنفسهم، فإن إضفاء الطابع الشخصي في المرحلة الرابعة خلق تنافرًا معرفيًا عند اللاعبين، والتنافر المعرفي هو حالة من الإجهاد العقلي تنجم عن تضارب فكرتين متناقضتين أو أكثر في الوقت نفسه داخل رأس الشخص، أوعندما يقوم بسلوك يُعارض قيمه، أو يواجَه بمعلومات جديدة تنسف ما يألف من معتقدات، ولكم أن تتصوروا التأثير الذي يضفيه هذا التناقض، فهو يوّلد شعورًا طاغيًا بالذنب يجرّ الإنسان إلى مهاوي الانتحار.
أدت شخصنة المسألة إلى تكثيف مشاعر العداء الموجودة مسبقًا، مثل الكراهية بين رجال العصابات والنشّالة، ولكن الشخصنة قد تحوِّل أيضًا الألفة إلى كراهية.
تتغير مشاعر بطل القصة جي هون من المحبة -تجاه صديق طفولته (سانغ وو) الذي عمل مستثمرًا في السابق- إلى مشاعر الغضب لأنه تحوَّل إلى قاتل. ولنتكلم بأسلوبٍ علمي نفسي، لقد خذل سانغ وو توقعات جي هون عنه، بل عنّفها. ولكن رغم ذلك، لم يتمكن جي هون من قتل سانغ وو في أثناء خوضهم لعبة الحبار ولا حتى بطريقةٍ غير مباشرة. فبدلًا من إنهاء اللعبة، قدم لصديق طفولته عرضًا بالنجاة من اللعبة والمضي دون جائزة، ولكن سانغ وو فضَّل الانتحار على العودة إلى العالم ومواجهة عقاب الاعتقال بتهم الاحتيال المترامية عليه.
لم تنجح الأموال في شراء سعادة جي هون، فقد عاد إلى المنزل متعبًا من التوتر والإجهاد الذي عاناه خلال أيام اللعب، ليواجه مصيبةً أخرى في المنزل. يغرق جي هون عميقًا في اكتئابٍ مطوّل، بينما يملك الآن -مُكوّمًا في البنك- كميةً من النقود تبلغ 38 مليون دولار لا يرغب في انفاقها، ولم يعد حتى لعادته المندفعة في المقامرة، التي منحته سابقًا مشاعر الرضا، لأن إغراء الفوز كان يمنحه الأمل.
فقط، عندما أتاه ما يذكره بأن أولئك الذين يُسيّرون اللعبة ما زالوا يستغلون الفقراء والمديونين للمشاركة، استشاط غضبًا، وقرر إعطاء مشاركته وفوزه معنىً؛ بأن ينهي تلك الألعاب ويوقف المسؤولين عنها.
- يناقش المسلسل ظاهرة «إدخال القدم من الباب» التي تنص على أن من يوافق على أداء مهمةٍ بسيطة سيميل إلى الموافقة أيضًا على مهماتٍ أخرى أكبر فأكبر.
- يمثل مسلسل لعبة الحبار نقدًا لاذعًا وتشبيهًا بليغًا لاستغلال الفقراء والناس من الطبقات الاجتماعية الدنيا من قبل ذوي المال والسلطة.
- إذا شاهدت ذاك المسلسل فلا بد أن أسلوب أسياد اللعبة قد حيرك، فهم لم يعطوا اللاعبين أية توجيهات مباشرة لقتل أيٍّ كان، لكنهم صعدوا المهمات المطلوبة شيئًا فشيئًا.
يوجّه المسلسل أيضًا نقدًا لكيفية استغلال الأثرياء من هم دونهم مكانةً لأجل التسلية، إذ يخوض من يتضورون جوعًا قتالاتٍ حتى الموت ضد بعضهم لالتقاط فتات الطعام.
تلعب الشخصيات سلسلةً من ستة ألعابٍ للأطفال يُعاقب فيها الخاسرون بالموت. في أول لعبتين لا يفكر اللاعبون بمنافسة بعضهم أو إيذاء أحد، ولكن القليل منهم يبدؤون بالاستفادة من خسارة الآخرين لحماية أنفسهم، مثل الاختباء خلف لاعبٍ ما لتفادي الإصابة في لعبة «الضوء الأحمر، والضوء الأخضر».
في اللعبة الثانية (ببوبجي -Ppopgi) يجب أن يرسم اللاعبون أشكالًا على قطعة من حلوى (دالغونا -Dalgona)، وهنا نجد أن بعض الشخصيات -التي تعرف اللعبة- تختار أشكالًا بسيطة ولكنها لا تشارك تلك الفكرة مع بقية اللاعبين، وهو سلوكٌ عدواني سلبي، أي أنها لم تؤذ أحدًا ولكنها منعت المساعدة التي قد تنقذ اللاعبين الآخرين من الموت. وهنا استطاعت إحدى الشخصيات على الأقل -وهو مستثمر على وشك الاعتقال بتهمة الاحتيال على العملاء- باتخاذ خطوته الأولى نحو ارتكاب المزيد من العنف المباشر.
نأتي إلى تعريف ظاهرة إدخال القدم من الباب، فإنها تصف طواعية الشخص تجاه جهة معينة عندما يوافق على أداء مهمةٍ بسيطة إجبارية، فيبدأ بقبول مهماتٍ كبيرة رغم كونها اختيارية. لم يطلب القائمون على اللعبة من اللاعبين قتل بعضهم بطريقةٍ مباشرة، ولكنهم صعّدوا المهمات الملقاة مع كل لعبةٍ جديدة، وحرّضوا العدوانية بالتلاعب ببعض الأمور، مثل تقديم طعام قليل لهم في أحد المساءات، وبتركهم سكاكين الطعام للاعبين المتبقيين في الجولة الأخيرة، بهدف استخدامها في أثناء لعبة الحبار، أو قبلَها.
حدث القتل المتعمد والعنف في اللعبة الثالثة، لعبة شد الحبل، فكان كل فريق يشد الحبل من خصمه مسقطًا أفراده إلى الهاوية صرعى. ولكن عندما ننظر إلى الأمر نجد أن أحدًا من اللاعبين لم يكن مسؤولًا عن الموت بمفرده فقد تقاسم المسؤوليةَ أعضاءُ الفريق الفائز.
ومنذ اللعبة الثالثة، غدت الألعاب تنافسية، وأصبح فوز شخصٍ يعني بالضرورة إقصاء آخر. في لعبة الكرات الزجاجية، يُجبَر اللاعبون على أوضاع تصعّد تداعياتٍ شخصية. وننتبه هنا إلى أن موت اللاعبين في المرحلة الأولى لم يكن يعني شيئًا للبقية، ولكن في المراحل الأخيرة، كان بعضهم قد تعرف إلى بعضهم الآخر، وعرف خصومه وحلفاءه.
عندما اختار كلُّ لاعبٍ لاعبًا آخر ليرافقه إلى اللعبة الرابعة، ظنّ أنه سيكون حليفه، بينما صدر الأمر بأن يلعب ضد من اختاره. وهنا خسر بعض اللاعبين عن قصد ليموت ويحيا رفيقه، ولعب الأغلبية بهدف الفوز وإنقاذ حياتهم.
رغم الظروف الخارجية القوية التي قد تساعد على تبرير اختياراتهم لأنفسهم، فإن إضفاء الطابع الشخصي في المرحلة الرابعة خلق تنافرًا معرفيًا عند اللاعبين، والتنافر المعرفي هو حالة من الإجهاد العقلي تنجم عن تضارب فكرتين متناقضتين أو أكثر في الوقت نفسه داخل رأس الشخص، أوعندما يقوم بسلوك يُعارض قيمه، أو يواجَه بمعلومات جديدة تنسف ما يألف من معتقدات، ولكم أن تتصوروا التأثير الذي يضفيه هذا التناقض، فهو يوّلد شعورًا طاغيًا بالذنب يجرّ الإنسان إلى مهاوي الانتحار.
أدت شخصنة المسألة إلى تكثيف مشاعر العداء الموجودة مسبقًا، مثل الكراهية بين رجال العصابات والنشّالة، ولكن الشخصنة قد تحوِّل أيضًا الألفة إلى كراهية.
تتغير مشاعر بطل القصة جي هون من المحبة -تجاه صديق طفولته (سانغ وو) الذي عمل مستثمرًا في السابق- إلى مشاعر الغضب لأنه تحوَّل إلى قاتل. ولنتكلم بأسلوبٍ علمي نفسي، لقد خذل سانغ وو توقعات جي هون عنه، بل عنّفها. ولكن رغم ذلك، لم يتمكن جي هون من قتل سانغ وو في أثناء خوضهم لعبة الحبار ولا حتى بطريقةٍ غير مباشرة. فبدلًا من إنهاء اللعبة، قدم لصديق طفولته عرضًا بالنجاة من اللعبة والمضي دون جائزة، ولكن سانغ وو فضَّل الانتحار على العودة إلى العالم ومواجهة عقاب الاعتقال بتهم الاحتيال المترامية عليه.
لم تنجح الأموال في شراء سعادة جي هون، فقد عاد إلى المنزل متعبًا من التوتر والإجهاد الذي عاناه خلال أيام اللعب، ليواجه مصيبةً أخرى في المنزل. يغرق جي هون عميقًا في اكتئابٍ مطوّل، بينما يملك الآن -مُكوّمًا في البنك- كميةً من النقود تبلغ 38 مليون دولار لا يرغب في انفاقها، ولم يعد حتى لعادته المندفعة في المقامرة، التي منحته سابقًا مشاعر الرضا، لأن إغراء الفوز كان يمنحه الأمل.
فقط، عندما أتاه ما يذكره بأن أولئك الذين يُسيّرون اللعبة ما زالوا يستغلون الفقراء والمديونين للمشاركة، استشاط غضبًا، وقرر إعطاء مشاركته وفوزه معنىً؛ بأن ينهي تلك الألعاب ويوقف المسؤولين عنها.