احتمال
Probability - Probabilité
الاحتمال
تستعمل كلمة الاحتمال probability في الوقت الحاضر للدلالة بصورة كمية على درجة القناعة التي يراد إضفاؤها على حوادث معينة، أو على الاتجاه الذي تبديه بعض الحوادث للظهور «بتواتر منتظم» عند تكرار تجارب معينة بالشروط نفسها.
إن هذا الاستعمال لم يترسخ قبل منتصف القرن السابع عشر على الرغم من وجود الكثير من الأدلة على أن الاحتمالات والمفاهيم العشوائية كانت موجودة منذ قديم الزمان، فهنالك الكثير من الأمثلة على أن الآشوريين كانوا يستخدمون الكعب لتوليد حوادث عشوائية يستعملونها في اللعب، وكذلك هنالك ما يؤكد أن فكرة التواتر المنتظم كانت معروفة لدى المصريين القدماء، وفي القاعة القديمة في متحف القاهرة نرد من العاج هو نَرْد متوازن (كل وجه له الحظ نفسه في الظهور) على الرغم من عدم انتظام شكله. كذلك كان اليونان يطلقون اسم فينوس على ظهور أربعة أوجه مختلفة لدى إلقاء أربعة نرود مرة واحدة وذلك لصعوبة ظهور تلك الحادثة.
أما عند العرب فكانت فكرة الاحتمالات وفوائدها واستعمالها واضحة تماماً عند الكندي [ر] (ت260 هـ) وعند آخرين غيره. لقد وضع الكندي في كتابه «علم استخراج المعمَّى» (كسر الشيفرة) جدولاً لتواتر أحرف اللغة العربية ودرس تواتر الثنائيات واستخدم ذلك لاستخراج المعمَّى.
وكان بذلك متقدماً على الأوربيين الذين لم يعالجوا هذه الأمور إلا بعده بسبعة قرون على الأقل. وكما يرى هوكنغ Hocking فإن التسمية القديمة للاحتمال (كما هو الحال في كلمة الجبر) عربية الأصل. فالكلمة الرديفة لكلمة احتمال في اللغات اللاتينية التي كانت تستعمل قبلها هي hasard (بالفرنسية) hazard (بالإنكليزية) وأصل هذه الكلمة كما تورد المعاجم الفرنسية والإنكليزية من الزهر (النرد) وأصبحت في الإسبانية azar في القرن الثاني عشر، ومنها انتقلت إلى اللغات الأخرى.
ويذكر هوكنع كذلك أن الاحتماليين الأوربيين الأوائل كانوا في إيطالية حيث كانوا يهتمون بالكثير من المسائل الحسابية والجبرية ومسائل أخرى احتمالية مستوحاة من النرد، وكان مصدر هذه المسائل شمالي إفريقية. إن كل هذه الأدلة لا تسمح بإنكار دور العرب في هذا الجزء من الرياضيات، مع أن تاريخ الرياضيات عند العرب لم يكتمل وضوحه ولما تكتب فصوله الأخيرة.
نشوء نظرية الاحتمالات في العصر الحديث وتطورها
يتفق المؤرخون على أن علم الاحتمال في العصر الحديث بدأ منذ منتصف القرن السابع عشر، وأنه يمكن تتبع تطوره بدقة منذ ذلك التاريخ، ويعطون سببين لبدئه في ذلك التاريخ، أولهما أن الاحتمالات قد نشأت من مسائل متعلقة بالنرد، ويدلون على ذلك بأولى المسائل والرسائل المتبادلة بين فرما [ر] Fermat وباسكال [ر] Pascal في عام 1654، التي يعدها البعض نقطة انطلاق الاحتمالات الحديثة إذ تم حل مسألة أيهما أكثر احتمالاً، ظهور المجموع 11 أو 12 لدى إلقاء ثلاثة نرود. وثاني السببين هو أن هنالك ضرورات عدة واستعمالات للاحتمالات دفعت تطورها، ولاسيما مسائل التأمين التي انتشرت في ذلك الوقت، وكذلك الإحصاءات السكانية المختلفة التي ظهرت في عدد من الدول الأوربية، والتي جعلت مفاهيم مثل الاحتمالات الشرطية ضرورية، ويربط القائلون بهذا السبب بين تطور الاحتمالات وتطبيقاتها عند تفسير هذا التطور.
ومنذ منتصف القرن السابع عشر مرت الاحتمالات بثلاث مراحل:
ـ تمتد المرحلة الأولى حتى عام 1713، ويتفق المؤرخون على أن هذه الحقبة شهدت بداية الاحتمال بوصفه علماً، فقد ظهرت المفاهيم الأساسية مثل الأمل الرياضي وقوانين جمع الاحتمالات وضربها والاحتمالات الشرطية. وفي عام 1657 نشر هويْغِنْز Huygens أول كتاب عن الاحتمالات، ويُعَدُّ اسما فِرْما وباسكال مرتبطين بهذه الحقبة، وشهدت هذه الحقبة أيضاً عدداً من تطبيقات هذا العلم في مجال تعداد السكان، ولكن لم تذهب الاحتمالات بعيداً لعدم وجود حساب تفاضلي وتكاملي بعد، فبقيت الاحتمالات مقتصرة على الحالات المنتهية.
ـ وتمتد المرحلة الثانية حتى عام 1933، وهي تبدأ مع برنولي [ر] Bernoulli في كتابه «فن التخمين» الذي نشر عام 1713 إذ برهن فيه أول شكل لقانون الأعداد الكبيرة الضعيف. وفي عام 1714 نشر دوموافر De Moivre أول شكل لمبرهنة النهاية المركزية في كتابه «قانون الحظ»، وظهرت بالتالي أول مرة التوزيعات الاحتمالية المستمرة وذلك بظهور التوزيع النظامي، وتشكل الأمور التالية أهم المعالم البارزة لتلك الحقبة.
ففي عام 1763 نشر للعالم بايز Bayes بعد وفاته مقالة بعنوان «تجربة» تحوي علاقته المشهورة في احتمال الأسباب والتي قامت بدور مهم في النظرية الشخصية لتفسير الاحتمالات.
وفي أواخر القرن الثامن عشر تطورت مسألة معالجة القياسات الفلكية ولا سيما بأعمال غوص Gauss، ونشر لابلاس Laplace في عام 1812 كتابه «النظرية التحليلية للاحتمالات»، ويحوي الكتاب عدداً من النتائج والتطبيقات المختلفة لهذا العلم ويلخص ما كان معروفاً حتى ذلك التاريخ
Probability - Probabilité
الاحتمال
تستعمل كلمة الاحتمال probability في الوقت الحاضر للدلالة بصورة كمية على درجة القناعة التي يراد إضفاؤها على حوادث معينة، أو على الاتجاه الذي تبديه بعض الحوادث للظهور «بتواتر منتظم» عند تكرار تجارب معينة بالشروط نفسها.
إن هذا الاستعمال لم يترسخ قبل منتصف القرن السابع عشر على الرغم من وجود الكثير من الأدلة على أن الاحتمالات والمفاهيم العشوائية كانت موجودة منذ قديم الزمان، فهنالك الكثير من الأمثلة على أن الآشوريين كانوا يستخدمون الكعب لتوليد حوادث عشوائية يستعملونها في اللعب، وكذلك هنالك ما يؤكد أن فكرة التواتر المنتظم كانت معروفة لدى المصريين القدماء، وفي القاعة القديمة في متحف القاهرة نرد من العاج هو نَرْد متوازن (كل وجه له الحظ نفسه في الظهور) على الرغم من عدم انتظام شكله. كذلك كان اليونان يطلقون اسم فينوس على ظهور أربعة أوجه مختلفة لدى إلقاء أربعة نرود مرة واحدة وذلك لصعوبة ظهور تلك الحادثة.
أما عند العرب فكانت فكرة الاحتمالات وفوائدها واستعمالها واضحة تماماً عند الكندي [ر] (ت260 هـ) وعند آخرين غيره. لقد وضع الكندي في كتابه «علم استخراج المعمَّى» (كسر الشيفرة) جدولاً لتواتر أحرف اللغة العربية ودرس تواتر الثنائيات واستخدم ذلك لاستخراج المعمَّى.
وكان بذلك متقدماً على الأوربيين الذين لم يعالجوا هذه الأمور إلا بعده بسبعة قرون على الأقل. وكما يرى هوكنغ Hocking فإن التسمية القديمة للاحتمال (كما هو الحال في كلمة الجبر) عربية الأصل. فالكلمة الرديفة لكلمة احتمال في اللغات اللاتينية التي كانت تستعمل قبلها هي hasard (بالفرنسية) hazard (بالإنكليزية) وأصل هذه الكلمة كما تورد المعاجم الفرنسية والإنكليزية من الزهر (النرد) وأصبحت في الإسبانية azar في القرن الثاني عشر، ومنها انتقلت إلى اللغات الأخرى.
ويذكر هوكنع كذلك أن الاحتماليين الأوربيين الأوائل كانوا في إيطالية حيث كانوا يهتمون بالكثير من المسائل الحسابية والجبرية ومسائل أخرى احتمالية مستوحاة من النرد، وكان مصدر هذه المسائل شمالي إفريقية. إن كل هذه الأدلة لا تسمح بإنكار دور العرب في هذا الجزء من الرياضيات، مع أن تاريخ الرياضيات عند العرب لم يكتمل وضوحه ولما تكتب فصوله الأخيرة.
نشوء نظرية الاحتمالات في العصر الحديث وتطورها
يتفق المؤرخون على أن علم الاحتمال في العصر الحديث بدأ منذ منتصف القرن السابع عشر، وأنه يمكن تتبع تطوره بدقة منذ ذلك التاريخ، ويعطون سببين لبدئه في ذلك التاريخ، أولهما أن الاحتمالات قد نشأت من مسائل متعلقة بالنرد، ويدلون على ذلك بأولى المسائل والرسائل المتبادلة بين فرما [ر] Fermat وباسكال [ر] Pascal في عام 1654، التي يعدها البعض نقطة انطلاق الاحتمالات الحديثة إذ تم حل مسألة أيهما أكثر احتمالاً، ظهور المجموع 11 أو 12 لدى إلقاء ثلاثة نرود. وثاني السببين هو أن هنالك ضرورات عدة واستعمالات للاحتمالات دفعت تطورها، ولاسيما مسائل التأمين التي انتشرت في ذلك الوقت، وكذلك الإحصاءات السكانية المختلفة التي ظهرت في عدد من الدول الأوربية، والتي جعلت مفاهيم مثل الاحتمالات الشرطية ضرورية، ويربط القائلون بهذا السبب بين تطور الاحتمالات وتطبيقاتها عند تفسير هذا التطور.
ومنذ منتصف القرن السابع عشر مرت الاحتمالات بثلاث مراحل:
ـ تمتد المرحلة الأولى حتى عام 1713، ويتفق المؤرخون على أن هذه الحقبة شهدت بداية الاحتمال بوصفه علماً، فقد ظهرت المفاهيم الأساسية مثل الأمل الرياضي وقوانين جمع الاحتمالات وضربها والاحتمالات الشرطية. وفي عام 1657 نشر هويْغِنْز Huygens أول كتاب عن الاحتمالات، ويُعَدُّ اسما فِرْما وباسكال مرتبطين بهذه الحقبة، وشهدت هذه الحقبة أيضاً عدداً من تطبيقات هذا العلم في مجال تعداد السكان، ولكن لم تذهب الاحتمالات بعيداً لعدم وجود حساب تفاضلي وتكاملي بعد، فبقيت الاحتمالات مقتصرة على الحالات المنتهية.
ـ وتمتد المرحلة الثانية حتى عام 1933، وهي تبدأ مع برنولي [ر] Bernoulli في كتابه «فن التخمين» الذي نشر عام 1713 إذ برهن فيه أول شكل لقانون الأعداد الكبيرة الضعيف. وفي عام 1714 نشر دوموافر De Moivre أول شكل لمبرهنة النهاية المركزية في كتابه «قانون الحظ»، وظهرت بالتالي أول مرة التوزيعات الاحتمالية المستمرة وذلك بظهور التوزيع النظامي، وتشكل الأمور التالية أهم المعالم البارزة لتلك الحقبة.
ففي عام 1763 نشر للعالم بايز Bayes بعد وفاته مقالة بعنوان «تجربة» تحوي علاقته المشهورة في احتمال الأسباب والتي قامت بدور مهم في النظرية الشخصية لتفسير الاحتمالات.
وفي أواخر القرن الثامن عشر تطورت مسألة معالجة القياسات الفلكية ولا سيما بأعمال غوص Gauss، ونشر لابلاس Laplace في عام 1812 كتابه «النظرية التحليلية للاحتمالات»، ويحوي الكتاب عدداً من النتائج والتطبيقات المختلفة لهذا العلم ويلخص ما كان معروفاً حتى ذلك التاريخ