رغم اختلاف أنماط التفاعل بين كل أم وابنتها، فإن تجربة جميع بنات الأمهات غير المدركات لدورهن مؤلمة؛ فعجزهن عن تلقي دفء وحنان الأم والتصديق على مشاعرهن يشوه إحساسهن بالذات، ويؤدي إلى افتقارهن إلى الثقة بالنفس، وقلقهن من الاتصال العاطفي الحميم، ويشكل شخصيتهن في طرق ظاهرة وكامنة. على الرغم مما قيل لنا، فإن الأم ليست مجبرة على حب أولادها، ولكن التطور زود الطفل بالحاجة المُلحة إلى اهتمام الأم بصفته وسيلة للنجاة.
«يصيب الحظ» نحو النصف منا وينتهي بهن الأمر مع أم رائعة، أو «جيدة بما فيه الكفاية»، بينما تحصل الأخريات على أم غير واعية بدورها أمًا. تُظهر المجموعة الأخيرة من الأمهات سلوكها السام بطرائق مختلفة، ولكنهن يشتركن في سمة واحدة؛ هي الانعدام الكلي للتعاطف تجاه أطفالهن.
تتأثر البنات جراء تلك السلوكيات المتنوعة بطرق معينة. بعد النظر إلى تجربتي وتجارب العديد من البنات التي تحدثت معهن على مدار السنوات منذ أن بحثت لأول مرة في سلوكيات «الأمهات اللئيمة» أعددت قائمة بهذه الأنماط. إن أسماء السلوكيات التالية ليست علمية وإنما اختيرت للتوضيح فقط، فقد يساعد التمييز بين هذه الأنماط بعبارات عامة على التعرف على هذه التفاعلات الصعبة والمؤلمة وفهمها، وفي نهاية الأمر فرزها والسيطرة عليها.
لا يشترط وجود هذه السلوكيات ظهورها جميعًا في الوقت نفسه، فقد تناوبت لدى أمي بين التجاهل، والعدوانية، والانخراط في نفسها (الانشغال بالتفكير في نفسها)، وكونها غير جديرة بالثقة.
1- متجاهلة
تكمن المشكلة في الطبيعة البشرية وسعي الأطفال إلى أمهاتهم وحاجتهم إليها؛ فحاجة الابنة إلى حب وانتباه الأم لا تتضاءل بتجاهل الأم لها، ويمكن أن يصبح التجاهل سلوكًا عدوانيًا إذا حولت الأم سلوكها من التجاهل إلى الرفض. في الواقع، أستطيع القول أنه يزيد من حاجة الابنة إلى أمها، ويدفعها لتصبح نمطًا نشطًا من الطلب والتساؤل؛ «لماذا لا تحبيني/ تهتمين لي؟»، أو «لماذا تتجاهليني؟»، أو العزم على «إصلاح» العلاقة بينهما عبر محاولات لنيل رضاها وفخرها؛ «سأتفوق في دراستي وأحصل على جائزة، وبعد ذلك بالتأكيد ستحبني!»، ولكن تأتي النتيجة مخيبة للأمل؛ فتنسحب الأم أكثر وغالبًا ما تنكر تمامًا محاولات ابنتها للتقرب منها.
تقول جوين: «تجاهلتني أمي، إذا فعلت شيئًا اعتقدت أنه سيجعلها فخورة إما تجاهلته وكأنه أمر تافه أو قللت منه، وأنا صدقتها لأطول وقت ممكن». تشكك البنات اللواتي نشأن مع أمهات متجاهلة في مصداقية احتياجاتهن العاطفية الخاصة. فيشعرن بأنهن لا يستحققن الرعاية والاهتمام ويختبرن مشاعر الشك الذاتي العميق إلى حد مؤلم، وفي الوقت نفسه يشعرن برغبة ملحة للحب ولأن تُدرك مشاعرهن.
وصفت إحدى البنات سمة الرفض كالآتي: «لم تنصت لي أمي أو تسمعني على الإطلاق، فتسألني إذا كنت جائعة، وعندما أقول لا تضع الطعام أمامي وكأنني لم أقل شيئًا. تسألني ماذا أود أن أفعل في إجازة نهاية الأسبوع أو الصيف، ثم تتجاهل إجابتي وتخطط إجازاتي لي. الأمر نفسه فيما يتعلق بالملابس التي أريدها، وهذا ليس كل شيء؛ فهي لم يسبق وأن سألتني عن مشاعري أو كيف حالي وبماذا أفكر، فبات أمرًا واضحًا أنني غير مهمة إطلاقًا بالنسبة إليها».
2- مسيطرة
وهذا شكل أخر من أشكال التجاهل، والرابط بينهما هو عدم اعتراف الأمهات في الحالتين برغبات بناتهن، إذ يتدخلن في التفاصيل الدقيقة لحياتهن، ويرفضن باستمرار الاعتراف بحقيقة أقوالهن واختياراتهن، مرسخين بهن الشعور بعدم الثقة والعجز. وغالبًا ما تتخفى تلك السلوكيات تحت عباءة أن كل ذلك «لمصلحة» الطفل؛ لأن الابنة ليست محل ثقة ولا مؤهله كفاية للحكم جيدًا على الأمور، وستفشل دون توجيه أمها لها.
3- غير متاحة عاطفيًا
تلحق الأمهات غير المتاحة عاطفيًا نوعًا مختلفًا من الضرر النفسي ببناتهن عبر انسحابهن المستمر عندما تحاول البنات التقرب منهن، أو بأن يمنحن حبهن لواحدة من بناتهن دون أخرى.
شاركت ابنة تجربتها، فقالت: «لم تكن أمي لئيمة، ولكنها كانت منفصلة عني عاطفيًا ومازالت كذلك»، وتظهر الأم انفصالها عن الابنة عاطفيًا عبر السلوكيات الآتية: الافتقار إلى الاتصال الجسدي (الأحضان والمواساة)، وعدم الاستجابة لأي مشاعر تظهرها الطفلة من بكاء أو غيره أو لاحتياجاتها المفصلة مع تقدمها في السن، وقد يصل الأمر إلى التخلي عنها تمامًا، الذي يخلف بدوره ندباته المميزة، خاصة لدى الثقافات مبرمجة الفكر على أن حب الأم لأولادها فطري وغير مشروط وسلوكها تجاه أولادها غريزي، ما يزيد الحيرة إلى الألم.
كان هذا هو الأمر بالنسبة إلى إيلين، التي قيدت اتصالها مع أمها باعتبارها أمًا الآن. انفصل والدا إيلين وهي في الرابعة من عمرها، وعاشت مع أمها حتى بلغت السادسة حين قررت أمها أن أباها هو الوالد الأنسب لها، والذي حطم إيلين أنها ما زالت تتساءل: «لن أستطيع أبدًا أن أفهم لماذا لم تود أمي أن تكون بالقرب مني. شعرت أنني افتقر إلى جزء كبير في حياتي وأمي وحدها التي تستطيع ملأه». تترك هذه السلوكيات جميعها البنات متعطشة عاطفيًا، وأحيانًا في حاجة ماسة.
ستجد أكثر البنات حظًا فردًا عائليًا آخر -والد، أو جد/ة، أو عم/ة- يحصلن منه على العاطفة، وهذا قد يساعد، ولكنه لا يشفي. ولكن العديد منهن لا يجدن ذلك حتى، وغالبًا ما تصبح هذه الفئة من البنات المتعلقة بصورة غير مستقرة أكثر تعلقًا في العلاقات البالغة؛ فيغدون بحاجة إلى طمأنة مستمرة من أصدقائهن وأحبابهن على حد سواء.
4- متدخلة
بينما يصف أول نوعين من السلوكيات أمهات تضع حاجزًا بينهن وبين أطفالهن، فالتدخل هو عكس ذلك؛ إذ لا يُعترف بأي نوع من الحدود أو الخصوصية بين الأمهات وأطفالهن في العلاقات المتدخلة. ولكن ما يهون خنق الأم لحرية ابنتها هو حاجة الابنة للحب والاهتمام، أي تستغل الأم الطبيعة البشرية في خدمة غرض آخر. ويُطلق على هذا النوع من الأمهات «أمهات المسرح»، إذ يعشن على إنجازات أطفالهن التي يطلبونها ويشجعونها. «يختفي» الشعور الذاتي لدى ابنة لأم غير متاحة أو مهملة، ولكنه يتلاشى تمامًا لدى ابنة الأم المتدخلة لغياب الحدود بين الابنة وأمها. يُنصح بقراءة كل ابنة نشأت مع أم من هذا النوع لمذكرات فيفيان جورنيك «مرفقات شرسة».
تمنح العلاقة الصحية لأم مع ابنتها الحرية والأمان لإزالة بعض القيود، أي يُنصح المراهق، ولكن يُستمع إليه ويُحترم، وهذا ما تفتقر إليه الأم وابنتها في العلاقة المتدخلة.
5- قتالية
لا تعترف هذه الأم أبدًا بسلوكها، وعادةً تتوخى الحذر حتى لا تظهر بهذا السلوك في العلن. إذ تستغل الأم كونها ذات سلطة على بناتها وتكون تفاعلاتها مع بناتها بمثابة «حرب مفتوحة». وتنتمي إلى هذه المجموعة الأم التي تلطخ سمعة بناتها أو تنتقدهن بقسوة أو تغار منهن أو تنافسهن، إذ تقول ديبورا تانين: «قد يكون هذا، في النهاية، هو جوهر سلطة الوالد على الطفل؛ ليس فقط خلق العالم الذي يعيش فيه الطفل، ولكن كذلك تحديد مسيرة هذا العالم».
لا يكون الطفل مهيأً ليحارب بنفسه، والأخطر من ذلك أنه سيستوعب ويمتص أقوال أمه الهجومية. تشير بعض البنات إلى أن آلام الشعور بالمسؤولية إلى حد ما (الاعتقاد بأنهم تسببن في «هجوم» أمهاتهن عليهن أو أنهن غير أكفاء)، تشعرهن بالعجز بمقدار افتقارهن إلى حب الأمومة.
تستخدم الأم الهجومية الإساءة اللفظية والعاطفية «لتفوز»، فلطالما كان اللوم والمعايرة سلاحي الأم المفضلين، ولكن يمكنها أيضًا اللجوء إلى استخدام القوة الجسدية (العنف)، وتبرر سلوكياتها بأنها ضرورية لتصحيح عيوب في شخصية ابنتها أو سلوكها، ما يعد أمرًا في غاية الخطورة.
6- غير جديرة بالثقة
لأسباب عدة، يعد التكيف مع هذا السلوك هو الأصعب؛ لأن الابنة لا تعلم أبدًا أي جانب ستظهره أمها في موقف معين، هل ستكون «الأم الجيدة» أم «الأم السيئة»؟
يبني جميع الأطفال صورًا ذهنية لما يجب أن تبدو عليه العلاقات في العالم الحقيقي، استنادًا إلى صِلاتهم مع أمهاتهم. وهكذا، تبني بنات الأمهات غير الجديرة بالثقة صورًا ذهنية لهذه العلاقات على أنها مشحونة وغير مستقرة، بل تصل إلى حد الخطورة. تقول إحدى ضحايا هذا السلوك في حوار من كتاب «أمهات لئيمات»: «أربط افتقاري للثقة بالنفس بأمي، فلم يكن يُعتمد عليها عاطفيًا؛ إذ تنتقدني بشدة في يوم، وتتجاهلني في اليوم التالي، ثم فجأة تبتسم لي وتدللني دون سبب وجيه. أدرك الآن أن أمي المبتسمة ما كانت إلا (ممثلة) لجمهور أمامها. علي أية حال، لم أعلم أبدًا ما علي توقعه.
فإما كانت حاضرة (في حياتي) بصورة لا تطاق أو غائبة دون سبب، ثم مدعية. ظننت أنني فعلت شيئًا يجعلها تعاملني بهذه الطريقة. والآن أعلم أنها كانت تفعل ما يحلو لها، دون أي اعتبار لي، ولكني ما زلت أسمع صوتها (يتردد) في رأسي، خاصة في المواقف الحياتية الصعبة أو عندما افتقر إلى الثقة (بالنفس)».
7- أنانية
يمكننا أيضًا أن نطلق عليها نرجسية. وتقتصر رؤية الأم من هذا النوع لابنتها -إذا كانت تراها على الإطلاق- على أنها امتداد لها، وليس أكثر. وتتحكم هذه الأم بحرص شديد في تدخلاتها في حياة ابنتها لتتناسب مع صورتها الذاتية؛ فهي تستغل سلطتها وغير قادرة على إظهار العاطفة، وفي المقابل، تشغل بالها بالمظاهر وآراء الآخرين بها. وتعد رابطتها العاطفية بابنتها سطحية (على الرغم من أنها ستنكر ذلك إذا سُئلت عن علاقتهما)، وذلك لأن كامل تركيزها على نفسها. فالأساليب والمناورات التي تستخدمها الأم للتلاعب بابنتها والسيطرة عليها تسمح لها بتعظيم ذاتها والإحساس بشعور أفضل تجاه نفسها.
عادةً ما يبدو المظهر الخارجي لأمهات هذا النمط رائعًا (يظهرن بمظهر جذاب ويسحرنك بشخصيتهن عندما تقابلهن ويعتنين بمنازلهن، وربما أيضًا يمتلكن مواهب ووظائف رائعة)، ما يؤدي إلى حيرة الابنة غير المحبوبة. من السهل اعتبار أن الابنة تلعب دور سندريلا التي تعيش مع أمها الشريرة.
8- انقلاب دور الأم والابنة
حين تخطو الابنة حتى ولو كانت صغيرة السن إلى دور مُساعدة؛ فتصبح «مسئولة رعاية» أو حتى بمثابة «أم» لأمها. ويظهر هذا النمط أحيانًا عندما تمتلك الأم أطفالًا صغار السن وأكثر مما يمكنها رعايتهم وحدها، مثل حالة جينا: «في الوقت الذي بلغت فيه أمي السادسة والعشرين من عمرها، أصبح لديها أربعة أطفال، والقليل من المال دون وجود مصدر دعم.
كنت أنا أكبرهم سنًا وعندما بلغت خمس سنوات تحولت إلى مساعدتها، فتعلمت الطبخ وتولي الغسيل والتنظيف، وظلت الأمور على هذا الحال، بل وازدادت عندما كبرت. كانت تقول عني أنني «صخرتها» ولكنها لم تولني اهتمامها أبدًا، وإنما لأخوتي الأصغر فقط. والآن بما أنني أكبر سنًا فلم تعد وصية عليّ، ولكنها تميل إلى التصرف وكأنها صديقة قديمة قاسية النقد. أعتقد أنها سرقت مني طفولتي»، وتروي مذكرات ماري كار «نادي الكذابين» كيف تحولت كل من ماري وأختها إلى أمهات لأمهم.
قد تجد بنات الأمهات اللواتي تسئن استخدام المواد المخدرة (الكحوليات وغيرها)، أو يعانين الاكتئاب دون علاج نفسي -بصرف النظر عن أعمارهن- في دور الراعية. وقد يشمل هذا رعاية إخوتهن وليس الأم فقط. هنالك أيضًا أمهات «هشة» تدعى تدهور حالتها الصحية لتحصل على الرعاية أو لتجعل من طفلتها مساعدتها. من المثير للسخرية أن تلك الأمهات قد يحببن بناتهن، ولكنهن يعجزن عن إظهار ذلك في أفعالهن.
صحيح أن تلك السلوكيات مؤذية، ولكن العديد من بنات الأمهات السامة، أبلغن عن تصالح مع الذات في مرحلة البلوغ بعد العلاج النفسي أو التداخلي، إضافة إلى التفهم والإدراك. وللواتي لم يوفقهن الحظ، ما زال يوجد أمل في العلاج.
«يصيب الحظ» نحو النصف منا وينتهي بهن الأمر مع أم رائعة، أو «جيدة بما فيه الكفاية»، بينما تحصل الأخريات على أم غير واعية بدورها أمًا. تُظهر المجموعة الأخيرة من الأمهات سلوكها السام بطرائق مختلفة، ولكنهن يشتركن في سمة واحدة؛ هي الانعدام الكلي للتعاطف تجاه أطفالهن.
تتأثر البنات جراء تلك السلوكيات المتنوعة بطرق معينة. بعد النظر إلى تجربتي وتجارب العديد من البنات التي تحدثت معهن على مدار السنوات منذ أن بحثت لأول مرة في سلوكيات «الأمهات اللئيمة» أعددت قائمة بهذه الأنماط. إن أسماء السلوكيات التالية ليست علمية وإنما اختيرت للتوضيح فقط، فقد يساعد التمييز بين هذه الأنماط بعبارات عامة على التعرف على هذه التفاعلات الصعبة والمؤلمة وفهمها، وفي نهاية الأمر فرزها والسيطرة عليها.
لا يشترط وجود هذه السلوكيات ظهورها جميعًا في الوقت نفسه، فقد تناوبت لدى أمي بين التجاهل، والعدوانية، والانخراط في نفسها (الانشغال بالتفكير في نفسها)، وكونها غير جديرة بالثقة.
1- متجاهلة
تكمن المشكلة في الطبيعة البشرية وسعي الأطفال إلى أمهاتهم وحاجتهم إليها؛ فحاجة الابنة إلى حب وانتباه الأم لا تتضاءل بتجاهل الأم لها، ويمكن أن يصبح التجاهل سلوكًا عدوانيًا إذا حولت الأم سلوكها من التجاهل إلى الرفض. في الواقع، أستطيع القول أنه يزيد من حاجة الابنة إلى أمها، ويدفعها لتصبح نمطًا نشطًا من الطلب والتساؤل؛ «لماذا لا تحبيني/ تهتمين لي؟»، أو «لماذا تتجاهليني؟»، أو العزم على «إصلاح» العلاقة بينهما عبر محاولات لنيل رضاها وفخرها؛ «سأتفوق في دراستي وأحصل على جائزة، وبعد ذلك بالتأكيد ستحبني!»، ولكن تأتي النتيجة مخيبة للأمل؛ فتنسحب الأم أكثر وغالبًا ما تنكر تمامًا محاولات ابنتها للتقرب منها.
تقول جوين: «تجاهلتني أمي، إذا فعلت شيئًا اعتقدت أنه سيجعلها فخورة إما تجاهلته وكأنه أمر تافه أو قللت منه، وأنا صدقتها لأطول وقت ممكن». تشكك البنات اللواتي نشأن مع أمهات متجاهلة في مصداقية احتياجاتهن العاطفية الخاصة. فيشعرن بأنهن لا يستحققن الرعاية والاهتمام ويختبرن مشاعر الشك الذاتي العميق إلى حد مؤلم، وفي الوقت نفسه يشعرن برغبة ملحة للحب ولأن تُدرك مشاعرهن.
وصفت إحدى البنات سمة الرفض كالآتي: «لم تنصت لي أمي أو تسمعني على الإطلاق، فتسألني إذا كنت جائعة، وعندما أقول لا تضع الطعام أمامي وكأنني لم أقل شيئًا. تسألني ماذا أود أن أفعل في إجازة نهاية الأسبوع أو الصيف، ثم تتجاهل إجابتي وتخطط إجازاتي لي. الأمر نفسه فيما يتعلق بالملابس التي أريدها، وهذا ليس كل شيء؛ فهي لم يسبق وأن سألتني عن مشاعري أو كيف حالي وبماذا أفكر، فبات أمرًا واضحًا أنني غير مهمة إطلاقًا بالنسبة إليها».
2- مسيطرة
وهذا شكل أخر من أشكال التجاهل، والرابط بينهما هو عدم اعتراف الأمهات في الحالتين برغبات بناتهن، إذ يتدخلن في التفاصيل الدقيقة لحياتهن، ويرفضن باستمرار الاعتراف بحقيقة أقوالهن واختياراتهن، مرسخين بهن الشعور بعدم الثقة والعجز. وغالبًا ما تتخفى تلك السلوكيات تحت عباءة أن كل ذلك «لمصلحة» الطفل؛ لأن الابنة ليست محل ثقة ولا مؤهله كفاية للحكم جيدًا على الأمور، وستفشل دون توجيه أمها لها.
3- غير متاحة عاطفيًا
تلحق الأمهات غير المتاحة عاطفيًا نوعًا مختلفًا من الضرر النفسي ببناتهن عبر انسحابهن المستمر عندما تحاول البنات التقرب منهن، أو بأن يمنحن حبهن لواحدة من بناتهن دون أخرى.
شاركت ابنة تجربتها، فقالت: «لم تكن أمي لئيمة، ولكنها كانت منفصلة عني عاطفيًا ومازالت كذلك»، وتظهر الأم انفصالها عن الابنة عاطفيًا عبر السلوكيات الآتية: الافتقار إلى الاتصال الجسدي (الأحضان والمواساة)، وعدم الاستجابة لأي مشاعر تظهرها الطفلة من بكاء أو غيره أو لاحتياجاتها المفصلة مع تقدمها في السن، وقد يصل الأمر إلى التخلي عنها تمامًا، الذي يخلف بدوره ندباته المميزة، خاصة لدى الثقافات مبرمجة الفكر على أن حب الأم لأولادها فطري وغير مشروط وسلوكها تجاه أولادها غريزي، ما يزيد الحيرة إلى الألم.
كان هذا هو الأمر بالنسبة إلى إيلين، التي قيدت اتصالها مع أمها باعتبارها أمًا الآن. انفصل والدا إيلين وهي في الرابعة من عمرها، وعاشت مع أمها حتى بلغت السادسة حين قررت أمها أن أباها هو الوالد الأنسب لها، والذي حطم إيلين أنها ما زالت تتساءل: «لن أستطيع أبدًا أن أفهم لماذا لم تود أمي أن تكون بالقرب مني. شعرت أنني افتقر إلى جزء كبير في حياتي وأمي وحدها التي تستطيع ملأه». تترك هذه السلوكيات جميعها البنات متعطشة عاطفيًا، وأحيانًا في حاجة ماسة.
ستجد أكثر البنات حظًا فردًا عائليًا آخر -والد، أو جد/ة، أو عم/ة- يحصلن منه على العاطفة، وهذا قد يساعد، ولكنه لا يشفي. ولكن العديد منهن لا يجدن ذلك حتى، وغالبًا ما تصبح هذه الفئة من البنات المتعلقة بصورة غير مستقرة أكثر تعلقًا في العلاقات البالغة؛ فيغدون بحاجة إلى طمأنة مستمرة من أصدقائهن وأحبابهن على حد سواء.
4- متدخلة
بينما يصف أول نوعين من السلوكيات أمهات تضع حاجزًا بينهن وبين أطفالهن، فالتدخل هو عكس ذلك؛ إذ لا يُعترف بأي نوع من الحدود أو الخصوصية بين الأمهات وأطفالهن في العلاقات المتدخلة. ولكن ما يهون خنق الأم لحرية ابنتها هو حاجة الابنة للحب والاهتمام، أي تستغل الأم الطبيعة البشرية في خدمة غرض آخر. ويُطلق على هذا النوع من الأمهات «أمهات المسرح»، إذ يعشن على إنجازات أطفالهن التي يطلبونها ويشجعونها. «يختفي» الشعور الذاتي لدى ابنة لأم غير متاحة أو مهملة، ولكنه يتلاشى تمامًا لدى ابنة الأم المتدخلة لغياب الحدود بين الابنة وأمها. يُنصح بقراءة كل ابنة نشأت مع أم من هذا النوع لمذكرات فيفيان جورنيك «مرفقات شرسة».
تمنح العلاقة الصحية لأم مع ابنتها الحرية والأمان لإزالة بعض القيود، أي يُنصح المراهق، ولكن يُستمع إليه ويُحترم، وهذا ما تفتقر إليه الأم وابنتها في العلاقة المتدخلة.
5- قتالية
لا تعترف هذه الأم أبدًا بسلوكها، وعادةً تتوخى الحذر حتى لا تظهر بهذا السلوك في العلن. إذ تستغل الأم كونها ذات سلطة على بناتها وتكون تفاعلاتها مع بناتها بمثابة «حرب مفتوحة». وتنتمي إلى هذه المجموعة الأم التي تلطخ سمعة بناتها أو تنتقدهن بقسوة أو تغار منهن أو تنافسهن، إذ تقول ديبورا تانين: «قد يكون هذا، في النهاية، هو جوهر سلطة الوالد على الطفل؛ ليس فقط خلق العالم الذي يعيش فيه الطفل، ولكن كذلك تحديد مسيرة هذا العالم».
لا يكون الطفل مهيأً ليحارب بنفسه، والأخطر من ذلك أنه سيستوعب ويمتص أقوال أمه الهجومية. تشير بعض البنات إلى أن آلام الشعور بالمسؤولية إلى حد ما (الاعتقاد بأنهم تسببن في «هجوم» أمهاتهن عليهن أو أنهن غير أكفاء)، تشعرهن بالعجز بمقدار افتقارهن إلى حب الأمومة.
تستخدم الأم الهجومية الإساءة اللفظية والعاطفية «لتفوز»، فلطالما كان اللوم والمعايرة سلاحي الأم المفضلين، ولكن يمكنها أيضًا اللجوء إلى استخدام القوة الجسدية (العنف)، وتبرر سلوكياتها بأنها ضرورية لتصحيح عيوب في شخصية ابنتها أو سلوكها، ما يعد أمرًا في غاية الخطورة.
6- غير جديرة بالثقة
لأسباب عدة، يعد التكيف مع هذا السلوك هو الأصعب؛ لأن الابنة لا تعلم أبدًا أي جانب ستظهره أمها في موقف معين، هل ستكون «الأم الجيدة» أم «الأم السيئة»؟
يبني جميع الأطفال صورًا ذهنية لما يجب أن تبدو عليه العلاقات في العالم الحقيقي، استنادًا إلى صِلاتهم مع أمهاتهم. وهكذا، تبني بنات الأمهات غير الجديرة بالثقة صورًا ذهنية لهذه العلاقات على أنها مشحونة وغير مستقرة، بل تصل إلى حد الخطورة. تقول إحدى ضحايا هذا السلوك في حوار من كتاب «أمهات لئيمات»: «أربط افتقاري للثقة بالنفس بأمي، فلم يكن يُعتمد عليها عاطفيًا؛ إذ تنتقدني بشدة في يوم، وتتجاهلني في اليوم التالي، ثم فجأة تبتسم لي وتدللني دون سبب وجيه. أدرك الآن أن أمي المبتسمة ما كانت إلا (ممثلة) لجمهور أمامها. علي أية حال، لم أعلم أبدًا ما علي توقعه.
فإما كانت حاضرة (في حياتي) بصورة لا تطاق أو غائبة دون سبب، ثم مدعية. ظننت أنني فعلت شيئًا يجعلها تعاملني بهذه الطريقة. والآن أعلم أنها كانت تفعل ما يحلو لها، دون أي اعتبار لي، ولكني ما زلت أسمع صوتها (يتردد) في رأسي، خاصة في المواقف الحياتية الصعبة أو عندما افتقر إلى الثقة (بالنفس)».
7- أنانية
يمكننا أيضًا أن نطلق عليها نرجسية. وتقتصر رؤية الأم من هذا النوع لابنتها -إذا كانت تراها على الإطلاق- على أنها امتداد لها، وليس أكثر. وتتحكم هذه الأم بحرص شديد في تدخلاتها في حياة ابنتها لتتناسب مع صورتها الذاتية؛ فهي تستغل سلطتها وغير قادرة على إظهار العاطفة، وفي المقابل، تشغل بالها بالمظاهر وآراء الآخرين بها. وتعد رابطتها العاطفية بابنتها سطحية (على الرغم من أنها ستنكر ذلك إذا سُئلت عن علاقتهما)، وذلك لأن كامل تركيزها على نفسها. فالأساليب والمناورات التي تستخدمها الأم للتلاعب بابنتها والسيطرة عليها تسمح لها بتعظيم ذاتها والإحساس بشعور أفضل تجاه نفسها.
عادةً ما يبدو المظهر الخارجي لأمهات هذا النمط رائعًا (يظهرن بمظهر جذاب ويسحرنك بشخصيتهن عندما تقابلهن ويعتنين بمنازلهن، وربما أيضًا يمتلكن مواهب ووظائف رائعة)، ما يؤدي إلى حيرة الابنة غير المحبوبة. من السهل اعتبار أن الابنة تلعب دور سندريلا التي تعيش مع أمها الشريرة.
8- انقلاب دور الأم والابنة
حين تخطو الابنة حتى ولو كانت صغيرة السن إلى دور مُساعدة؛ فتصبح «مسئولة رعاية» أو حتى بمثابة «أم» لأمها. ويظهر هذا النمط أحيانًا عندما تمتلك الأم أطفالًا صغار السن وأكثر مما يمكنها رعايتهم وحدها، مثل حالة جينا: «في الوقت الذي بلغت فيه أمي السادسة والعشرين من عمرها، أصبح لديها أربعة أطفال، والقليل من المال دون وجود مصدر دعم.
كنت أنا أكبرهم سنًا وعندما بلغت خمس سنوات تحولت إلى مساعدتها، فتعلمت الطبخ وتولي الغسيل والتنظيف، وظلت الأمور على هذا الحال، بل وازدادت عندما كبرت. كانت تقول عني أنني «صخرتها» ولكنها لم تولني اهتمامها أبدًا، وإنما لأخوتي الأصغر فقط. والآن بما أنني أكبر سنًا فلم تعد وصية عليّ، ولكنها تميل إلى التصرف وكأنها صديقة قديمة قاسية النقد. أعتقد أنها سرقت مني طفولتي»، وتروي مذكرات ماري كار «نادي الكذابين» كيف تحولت كل من ماري وأختها إلى أمهات لأمهم.
قد تجد بنات الأمهات اللواتي تسئن استخدام المواد المخدرة (الكحوليات وغيرها)، أو يعانين الاكتئاب دون علاج نفسي -بصرف النظر عن أعمارهن- في دور الراعية. وقد يشمل هذا رعاية إخوتهن وليس الأم فقط. هنالك أيضًا أمهات «هشة» تدعى تدهور حالتها الصحية لتحصل على الرعاية أو لتجعل من طفلتها مساعدتها. من المثير للسخرية أن تلك الأمهات قد يحببن بناتهن، ولكنهن يعجزن عن إظهار ذلك في أفعالهن.
صحيح أن تلك السلوكيات مؤذية، ولكن العديد من بنات الأمهات السامة، أبلغن عن تصالح مع الذات في مرحلة البلوغ بعد العلاج النفسي أو التداخلي، إضافة إلى التفهم والإدراك. وللواتي لم يوفقهن الحظ، ما زال يوجد أمل في العلاج.