سبأ (دولة ـ)
سبأ أرض باليمن مدينتها مأرب، وسميت هذه الأرض بهذا الأسم لأنها كانت منازل ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان اسم سبأ عامرا وقيل:
سبأ: اسم القوم الذين كانوا ينزلون جنوب غربي بلاد العرب في الألف الأول قبل الميلاد، لأنها أنسب المناطق للاستقرار بسبب جودة تربتها ووفرة مياهها.
وقد زعم الإخباريون أن اسم سبأ الحقيقي هو عبد شمس، وسبأ لقب لأنه أول من سن السبي من ملوك العرب، وأدخل اليمن السبايا، وبنى مدينة سبأ، وسد مأرب، وغزا الأقطار وكان يقال له من حسنه عب الشمس ـ حب الشمس ـ وهو ضوؤها، والعين معدلة من الحاء،وسمي السفر البعيد سبأة لأن الشمس تحرق فاعله، وكأن هذا الموضع سمي سبأ لحرارته.
وقد كانوا أعظم فرع بين فروع السلالة الجنوبية، ولكن ليس في النصوص العربية الجنوبية شيء عن سبأ وعن هويته
وأما حظها في الموارد التأريخية فإنه لا بأس به بالقياس إلى حظ مثيلاتها قبل الإسلام،فقد ورد ذكرها في النقوش الآشورية التي عثر عليها في بلاد الرافدين في عهد تغلات فلاصر الثالث (745ـ727ق.م ). وقد ذُكر أن السبئيين أرسلوا إليه هدايا (جزية ) من الذهب والجمال، والتوابل.
وكذلك ذكر سرغون الثاني (721ـ705ق.م) في أخبار حروبه أن يثعر أمرا زعيم سبأ قد دفع له الجزية. وذكرهم كذلك سنحاريب وخلفاؤه.
وبما أن الآشوريين لم يصلوا في فتوحاتهم إلى أرض اليمن، فيظهر أن هذه الجزية لا تعدو أن تكون رسوماً أو هدايا كان السبئيون يقدمونها إليهم عن تجارتهم في شمالي جزيرة العرب حتى يؤذن لهم بالمرور إلى شواطئ البحر المتوسط، وخصوصا إلى غزة لأنها فرضة تجارية قديمة.
وهناك إشارة أخرى إلى سبأ في التوراة بأنهم كانوا يمارسون الزراعة، والتجارة، وأن قوافلهم التجارية كانت تصل إلى بلاد الشام وذلك نحو 922ق.م، وأنها كانت تسيطر على طريق التجارة الرئيس الذي يربط جنوب غرب الجزيرة العربية بسورية، ومصر، وكان التجار من سبأ ينقلون خير أنواع البلسم، واللبان، والحجارة الكريمة المتنوعة، والذهب، إلى السوق بمدينة صور.
وأشار القرآن الكريم إلى منزلة سبأ الاقتصادية العالية بقوله تعالى: )لقد كان لسبأ في مسكنهم آية *جنتان عن يمين وشمال( (سبأ51).
وفي المصادر العربية، يمكن تقسيم الإشارات القليلة التي وردت فيها عن السبئيين إلى قسمين كبيرين، يتألف أحدهما من بيانات جغرافية وتاريخية قيمة عن بقايا العمائر السبئية، وتفصيلات عن الآثار القديمة، ويتألف الثاني من أساطير أخرى أقل شأناً من هذه بكثير، والهمداني (ت334هـ) هو المصدر الرئيس، ذلك أنه يسوق أكثر البيانات تنوعا عن سبأ وأعظمها قيمة.
ولعل المسعودي (ت346هـ) يستند على المصادر الأقدم منه فيصف سبأ بأنها أكثر بقاع اليمن رخاء وخصباً، وهي غنية بحدائقها ومزارعها ومروجها، ومناخها بديع.
وقد قسم المؤرخون تاريخ سبأ إلى عصرين تبدأ عام 800ق.م وتنتهي 115ق.م تقريبا:
العصر الأول:عاصرت فيه الدولة السبئية دولة مَعِين، وكانت تتبع لها في الحقبة الأولى ثم استقلت عنها ونافستها السيادة في اليمن، وفي المحطات في شمال غربي الجزيرة العربية بحيث كان يقيم في كل محطة جالية عربية من عرب الجنوب ومقيم من أهله. كان لقب حكام سبأ الأوائل مكرب أي المقرب من الآلهة (وربما اشتق الاسم من تقديم القرابين إلى الآلهة)، وفي ذلك إشارة إلى دور الحاكم الديني إضافة إلى عمله السياسي، ويذكر أن أول مكرب سبئي أسس الدولة وأتخذ صرواح حاضرة له هو سمة علي ثم تولى أبناؤه من بعده، ويتصف هذا العصر بالبناء، والتأسيس الحضاري، فقد أتيحت لهم الفرصة لإقامة مشروعاتهم العمرانية، والزراعية منها بناء سد رحب، وسد مأرب العظيم.
وبعد أن قوي سلطان السبئيين بفضل الدعم الديني، وتكدست الثروات، وتوسعت الأراضي والممتلكات، نهج آخرهم وهو كرب إيل وتر (نحو450ق.م) نهجاً توسعياً، وشن الحروب، وقاد الحملات، وتخلى عن لقب مكرب، ولقب نفسه ملك سبأ، أي إنه لم يعد ممثل الإله ولم يعد الوسيط بين الإله والناس لذا يعدّ المؤسس الحقيقي لمملكة سبأ وبذلك بدأ العصر الثاني الذي أتخذ ملوك سبأ فيه مأرب عاصمة لدولتهم وجعلوا من قصر سلحين مقاماً ومستقراً لهم، ومنه تصدر أوامرهم إلى أجزاء الدولة في إدارة الأمور، وبنوا السدود والقصور والمعابد والحصون والأسوار، وذلك لتوافر الموارد المالية بسبب الحروب التي قاموا بها حيث ظهر لأول مرة في تاريخ شبه الجزيرة العربية دولة قوية وحدت أهم المناطق في الجنوب، لذا لم يكن من محض المصادفة أن يطرح كرب إبل لقب مكرب ويتلقب بلقب ملك الذي يعني الاستبداد والاستئثار بالسلطة، وأصبحت السلطة تؤول تدريجياً إلى أيدي الأسر الأوسع أملاكاً، والأكثر ثراء، وقوة في أوساط الفئات العليا الغنية ( الأرستقراطية)، فنتج من ذلك اضطرابات عنيفة، وثورات داخلية، أضرت بالوضع السياسي والاقتصادي لمملكة سبأ كما أدت إلى تدهور أحوالها وإلى اندثار كثير من المواضع الحضرية بسبب إحراق المدن والقرى أو تخريبها وتدميرها وقتل أصحابها، أو هلاكهم، فقام اليشرحا بن يحضب الحميري بالاستيلاء على سبأ ولُقب بملك سبأ وذي ريدان، وهو أول من حمل ذلك اللقب واتخذ من ريدان (ظفار كما أصبحت تدعى اليوم) عاصمة للمملكة الحميرية الجديدة وإليه ينسب قصر غمدان.
شكران خربوطلي
سبأ أرض باليمن مدينتها مأرب، وسميت هذه الأرض بهذا الأسم لأنها كانت منازل ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان اسم سبأ عامرا وقيل:
سبأ: اسم القوم الذين كانوا ينزلون جنوب غربي بلاد العرب في الألف الأول قبل الميلاد، لأنها أنسب المناطق للاستقرار بسبب جودة تربتها ووفرة مياهها.
وقد كانوا أعظم فرع بين فروع السلالة الجنوبية، ولكن ليس في النصوص العربية الجنوبية شيء عن سبأ وعن هويته
وأما حظها في الموارد التأريخية فإنه لا بأس به بالقياس إلى حظ مثيلاتها قبل الإسلام،فقد ورد ذكرها في النقوش الآشورية التي عثر عليها في بلاد الرافدين في عهد تغلات فلاصر الثالث (745ـ727ق.م ). وقد ذُكر أن السبئيين أرسلوا إليه هدايا (جزية ) من الذهب والجمال، والتوابل.
وكذلك ذكر سرغون الثاني (721ـ705ق.م) في أخبار حروبه أن يثعر أمرا زعيم سبأ قد دفع له الجزية. وذكرهم كذلك سنحاريب وخلفاؤه.
وبما أن الآشوريين لم يصلوا في فتوحاتهم إلى أرض اليمن، فيظهر أن هذه الجزية لا تعدو أن تكون رسوماً أو هدايا كان السبئيون يقدمونها إليهم عن تجارتهم في شمالي جزيرة العرب حتى يؤذن لهم بالمرور إلى شواطئ البحر المتوسط، وخصوصا إلى غزة لأنها فرضة تجارية قديمة.
وهناك إشارة أخرى إلى سبأ في التوراة بأنهم كانوا يمارسون الزراعة، والتجارة، وأن قوافلهم التجارية كانت تصل إلى بلاد الشام وذلك نحو 922ق.م، وأنها كانت تسيطر على طريق التجارة الرئيس الذي يربط جنوب غرب الجزيرة العربية بسورية، ومصر، وكان التجار من سبأ ينقلون خير أنواع البلسم، واللبان، والحجارة الكريمة المتنوعة، والذهب، إلى السوق بمدينة صور.
وأشار القرآن الكريم إلى منزلة سبأ الاقتصادية العالية بقوله تعالى: )لقد كان لسبأ في مسكنهم آية *جنتان عن يمين وشمال( (سبأ51).
وفي المصادر العربية، يمكن تقسيم الإشارات القليلة التي وردت فيها عن السبئيين إلى قسمين كبيرين، يتألف أحدهما من بيانات جغرافية وتاريخية قيمة عن بقايا العمائر السبئية، وتفصيلات عن الآثار القديمة، ويتألف الثاني من أساطير أخرى أقل شأناً من هذه بكثير، والهمداني (ت334هـ) هو المصدر الرئيس، ذلك أنه يسوق أكثر البيانات تنوعا عن سبأ وأعظمها قيمة.
ولعل المسعودي (ت346هـ) يستند على المصادر الأقدم منه فيصف سبأ بأنها أكثر بقاع اليمن رخاء وخصباً، وهي غنية بحدائقها ومزارعها ومروجها، ومناخها بديع.
وقد قسم المؤرخون تاريخ سبأ إلى عصرين تبدأ عام 800ق.م وتنتهي 115ق.م تقريبا:
العصر الأول:عاصرت فيه الدولة السبئية دولة مَعِين، وكانت تتبع لها في الحقبة الأولى ثم استقلت عنها ونافستها السيادة في اليمن، وفي المحطات في شمال غربي الجزيرة العربية بحيث كان يقيم في كل محطة جالية عربية من عرب الجنوب ومقيم من أهله. كان لقب حكام سبأ الأوائل مكرب أي المقرب من الآلهة (وربما اشتق الاسم من تقديم القرابين إلى الآلهة)، وفي ذلك إشارة إلى دور الحاكم الديني إضافة إلى عمله السياسي، ويذكر أن أول مكرب سبئي أسس الدولة وأتخذ صرواح حاضرة له هو سمة علي ثم تولى أبناؤه من بعده، ويتصف هذا العصر بالبناء، والتأسيس الحضاري، فقد أتيحت لهم الفرصة لإقامة مشروعاتهم العمرانية، والزراعية منها بناء سد رحب، وسد مأرب العظيم.
وبعد أن قوي سلطان السبئيين بفضل الدعم الديني، وتكدست الثروات، وتوسعت الأراضي والممتلكات، نهج آخرهم وهو كرب إيل وتر (نحو450ق.م) نهجاً توسعياً، وشن الحروب، وقاد الحملات، وتخلى عن لقب مكرب، ولقب نفسه ملك سبأ، أي إنه لم يعد ممثل الإله ولم يعد الوسيط بين الإله والناس لذا يعدّ المؤسس الحقيقي لمملكة سبأ وبذلك بدأ العصر الثاني الذي أتخذ ملوك سبأ فيه مأرب عاصمة لدولتهم وجعلوا من قصر سلحين مقاماً ومستقراً لهم، ومنه تصدر أوامرهم إلى أجزاء الدولة في إدارة الأمور، وبنوا السدود والقصور والمعابد والحصون والأسوار، وذلك لتوافر الموارد المالية بسبب الحروب التي قاموا بها حيث ظهر لأول مرة في تاريخ شبه الجزيرة العربية دولة قوية وحدت أهم المناطق في الجنوب، لذا لم يكن من محض المصادفة أن يطرح كرب إبل لقب مكرب ويتلقب بلقب ملك الذي يعني الاستبداد والاستئثار بالسلطة، وأصبحت السلطة تؤول تدريجياً إلى أيدي الأسر الأوسع أملاكاً، والأكثر ثراء، وقوة في أوساط الفئات العليا الغنية ( الأرستقراطية)، فنتج من ذلك اضطرابات عنيفة، وثورات داخلية، أضرت بالوضع السياسي والاقتصادي لمملكة سبأ كما أدت إلى تدهور أحوالها وإلى اندثار كثير من المواضع الحضرية بسبب إحراق المدن والقرى أو تخريبها وتدميرها وقتل أصحابها، أو هلاكهم، فقام اليشرحا بن يحضب الحميري بالاستيلاء على سبأ ولُقب بملك سبأ وذي ريدان، وهو أول من حمل ذلك اللقب واتخذ من ريدان (ظفار كما أصبحت تدعى اليوم) عاصمة للمملكة الحميرية الجديدة وإليه ينسب قصر غمدان.
شكران خربوطلي