Fareed Zaffour
29 مارس 2022 م
التاريخ
28 مارس 2022 ·
تاريخ السلاجقة والدانشمند ... (21)
-------------------------------------------------------------------
ملخص ماسبق :
استطاعت تركان خاتون أرملة ملكشاه أخذ البيعة لابنها محمود بالحيلة ؛ وكان يبلغ من العمر وقتئذ أربع سنوات أما بركيارق فكان في الثالثة عشرة من عمره .
ثم أرسلت أحد أتباعها ليقبض على بركيارق، و تم إيداعه السجن !! إلا أن أتباع الوزير الراحل نظام الملك ومؤيدي بركيارق في أصفهان تمكنوا من إخراجه من سجن أصفهان ونصبوه سلطاناً في أصفهان .
كانت تركان خاتون هي البادئة بالقتال لبركياروق، والتقى الجيشان في بروجرد ، أواخر ذي الحجة 485ﻫ ؛ فلحقت الهزيمة بتركان خاتون وابنها محمود ؛ وعادوا إلى أصفهان وتبعهم بركيارق وحاصرهم فيها ، واتفق الطرفان على الصلح ..
على أن تدفع تركان خاتون خمسمائة ألف دينار لبركيارق، وأن تكون بلاده أصفهان، وبلاد فارس لتركان خاتون وابنها، ▪︎أما باقي البلاد فتكون لبركيارق .
وفي شهر محرم من سنة 486ﻫ نشبت معركة عنيفة بين المعسكرين ؛ فلحقت الهزيمة بتركان خاتون وابنها للمرة الثانية ؛ وفي نفس العام إلتقيا مرة أخرى فلحقت بها الهزيمة للمرة الثالثة ؛ وفر الوزير المحرض تاج الملك الشيرازي هارباً إلا أنه قبض عليه و تم قتله .
لاذت تركان خاتون بالفرار إلى أصفهان، فتوجه إليها بركياروق بجيشه وفتحها وقضى على أنصار تركان خاتون ؛ فاتفقت مع خال بركيارق إسماعيل ياقوتي ، ووعدته بالزواج على أن يتقدم لمحاربة بركياروق !
والتقى الجيشان في رمضان 486ﻫ، فانتصر بركياروق، أما إسماعيل ياقوتي فقد أسر وقتل .
وفي سنة 487ﻫ تم أسر بركياروق في أصفهان بخديعة من أخيه محمود ؛ إلا أن محمود أصيب بالحمى و الجدري ومات في شوال من نفس العام 487ﻫ ، و حظي برقياروق باعتراف الخليفة العباسي المقتدى به سلطاناً على السلاجقة في المحرم نفس السنة ؛ ولقبه بركن الدين ،.
و طمع عمه تتش بن ألب في الإستيلاء على السلطنة وراسل تركان خاتون ؛ واتفق معها على الزواج ؛ فماتت في طريقها إليه !
أجبر تتش والي حلب آقسنقر على الخروج معه لقتال بركيا روق ؛ و كان آقسنقر يكره تتش ، فسار بركيا روق لملاقاة عمه تتش فلما التقى الجمعان، انضم آقسنقر بجيوشه إلى بركيارق ؛ فانهزم تتش وولى هاربا إلى دمشق ؛ ولاحقا هاجم حلب واستولى عليها وقتل آق سنقر الذي ترك ولده الطفل عماد الدين زنكي فأخذه أمير الموصل كربوغا صديق والده فرباه وعلمه .
وفي سنة 488 ﻫ تمكن بركيا روق من هزيمة عمه تتش بشكل نهائي ؛ و ما لبث تتش أن قتل بعد ذلك ؛ فأخذ أبنه رضوان حلب ؛ و أخذ دقاق دمشق ؛ وقامت بذلك دولة سلاجقة الشام ..ونشبت المنازعات بين رضوان ودقاق ابني تتش .
ظهر منافس آخر للسلطان بركيارق ينازعه في أمور السلطنة وهو عمه أرسلان أرغون، الذي سار إلى مرو فاستلمها وامتد سلطانه على بلخ وترمذ ونيسابور وسائر خراسان، وطلب من ابن أخيه بركيارق ؛ الإعتراف به سلطانا عليها ؛ فأرسل بركياروق عمه الآخر بورى بن ألب لقتاله عند حدود خراسان، فانهزم أرسلان أرغون ؛ ثم عاد فاستولى على مرو مرة أخرى ...
وسار إليه بورى بقصد قتاله، واجتمع العسكران عند مرو فانهزم بوري وأسره أخوه أرسلان أرغون في ترمذ، وقتله.
فأرسل بركيارق جيشاً إلى خراسان لمحاربة عمه أرسلان أرغون بقيادة أخيه سنجر بن ملكشاه ؛ ثم سار بركيارق على رأس جيش آخر إلى خراسان، وقبل أن يصل إلى خراسان علم بمقتل عمه أرسلان أرغون ، فأجلس أخاه سنجر على عرش خراسان سنة 490ﻫ ثم رجع إلى بغداد، وظل سنجر هناك إلى أن استقل فتأسست بذلك دولة سلاجقة شرق فارس .(*1)
---------------------------------------------------------------------
النزاع بين بركيارق وأخويه محمد وسنجر على عرش السلطنة :
عاد النزاع على عرش السلطنة من جديد داخل البيت السلجوقي مرة أخرى بين بركيارق وأخويه محمد وسنجر، وقد استمر هذا النزاع خمس سنوات من عام 492ﻫ حتى 497ﻫ .
وليس من المهم أن نذكر أن محمداً استطاع أن يدخل بغداد وأن يقيم الخطبة لنفسه فيها سنة 492ﻫ بموافقة الخليفة المستظهر العباسي الذي خلع عليه الخلع والهدايا، وكان بركيارق في هذه الأثناء مريضاً ، ثم استمرت الحرب مع محمد طوال عهد بركيارق الذي تمكن من إعادة الخطبة لنفسه في بغداد .
ومن المهم أن نذكر أن الخليفة هو الذي كان يسمح بإعادة الخطبة لكل من دخل بغداد من هذين السلطانين المتنازعين وهذا يدلنا على مقدار ما وصلت إليه الخلافة من ضعف ويلاحظ أن سنجر بن ملكشاه كان قد انضم إلى أخيه محمد في صراعه مع بركيارق، ويرجع السبب في ذلك لكونهما كانا ولدين لأم واحدة غير أم بركياروق ، كان تزوجها ملكشاه.
وقد انتهت الحرب بين محمد وبركيارق سنة 497ﻫ، إذ عقد الصلح بين الطرفين في هذه السنة..
يقول السيوطي :
{ إن الحروب لما تطاولت بينهماً وعّم الفساد وصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والسلطنة مطموعاً فيها، وأصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قادرين دخل العقلاء بينهما في الصلح وكتبت العهود والإيمان والمواثيق }
ولقد تقرر أن يكون للصلح قواعد نوردها فيما يلي :
▪︎- ألا يعترض بركياروق أخاه محمد في المستقبل .
▪︎- ألا يذكر اسم بركياروق بجانب اسم محمد في البلاد التي صارت له.
▪︎- أن يكون الاتصال بينهما عن طريق الوزراء.
▪︎- ألا يعترض أحد العسكرين الآخر في داخل حدود كل منهما.
▪︎- أن يمتد نصيب محمد من نهر اسبيندروذ ، إلى باب الأبواب ، وديار بكر والجزيرة ؛ والموصل والشام، ويكون له في العراق البلاد التي كانت تحت حكم سيف الدولة صدقة
بن مزيد ..
وأرسل بركيارق إلى الخليفة العباسي المستظهر بالله الرسل حاملة شروط وقواعد الصلح بينه وبين أخيه محمد، فما كان من الخليفة إلا أن أجابه وأمر بإقامة الخطبة لبركيارق
سنة 497ﻫ .
وقد عين بركياروق سنجراً والياً على خراسان، لما يتمتع به من هيبة كبيرة وخبرة بقواعد وقوانين السلطنة والحكم في البلاد مما جعل حكمه يستمر واحد وستين عاماً، منها عشرون عاماً واليا على خراسان من قبل أخيه بركيارق، وواحداً وأربعين عاماً سلطاناً لسلاجقة فارس .
ومن هنا يتبين أنه بعدما طالت الحروب والنزاعات من أبناء السلطان ملكشاه، وما ترتب على ذلك من ويلات لتلك الحروب من سفك الدماء، والدمار والخراب الذي عم البلاد وانتشر بسبب النزاع على عرش السلطنة، مما أدى إلى ضعف وتفكك السلاجقة أدرك الأخوة المتصارعون ما عم البلاد من خراب فتداعوا إلى الصلح .
وفاة بركياروق وتولى محمد بن ملكشاه السلطنة
توفى السلطان بركيارق في سنة 498 ﻫ ببروجرد ، على أثر مرض أصابه، وقد عين السلطان بركيارق قبيل وفاته ابنه ملكشاه ولياً لعهده، وكان طفلاً صغيراً لم يبلغ الخامسة من عمره آنذاك ولذلك عين الأمير أياز ، أتابكا له .. (الأتابك مربي الأمير ومؤدبه يعامل معاملة الوالد ويدعوه الأمير ب أبي )
وسار الأمير أياز وبرفقته ملكشاه بن بركيارق إلى بغداد ونال موافقة الخليفة العباسي المستظهر بالله بإقامة الخطبة له في بغداد ولقبه بلقب جلال الدولة ..
كان السلطان محمد وقتذاك توجه إلى الموصل يخبره بأن الموصل من الأقاليم التي دانت له بعد الصلح بينه وبين أخيه السلطان بركيارق، وما كان من جكرمش واليها إلا أن رفض تسليمها أياه مدعياً بأن ما وصل إليه من كتب السلطان بركيارق بعد الصلح يأمره ألا يسلمها إلى غيره ..
ولما وصل الخبر بوفاة السلطان بركيارق إلى جكرمش لم يكن أمامه مفر من أن يبذل الطاعة للسلطان محمد، وأن يسلم الموصل له ..
وقد أسرع السلطان محمد إلى بغداد بعد أن أقيمت الخطبة بها لملكشاه ابن بركيارق ودخلها من الجانب الغربي وخطب له في مساجد هذا الجانب، بينما كانت الخطبة قائمة باسم جلال الدولة ملكشاه بن بركياروق في الجانب الشرقي ومن ثم أصبح هناك سلطانين في وقت واحد بالعراق !!
واستشار الأتابك أياز أتباع السلطان ملكشاه بن بركيارق فيما يفعله مع السلطان محمد، فاستقر بهم الرأي على قتاله ومنعه من السلطنة ؛ ولكن وزيره الصفي أبا المحاسن، أشار عليه بالصلح مع السلطان محمد وتسليمه السلطنة ..
فأرسل أياز وزيره الصفى أبا المحاسن إلى السلطان محمد طالباً للصلح، وتسليمه السلطنة، ومعه اعتذار عما بدر منه، وطلب العهد والأمان لملكشاه بن بركيارق ولنفسه وللأمراء الذين معه ..
وأجاب السلطان محمد الأمير أياز إلى ما التمسه منه ، وكان الذي أخذ البيعة بالصُّلح إلكيا الهّراسي مدرس النظامية ..
كان هذا الفقيه ونعما هو ؛ فلم يقف أمام الصراعات الدامية التي كانت تهدد كيان الدولة الإسلامية آنذاك موقف المتفرج، وإنما كان له دور كبير في فض كثير من المنازعات القائمة بين الحكام والملوك في بعض البلدان الإسلامية حرصاً على تماسك المسلمين ووحدتهم ..
وقد نجح بالفعل إلى حد كبير في الصلح بين ملكشاه بن بركيارق وعمه السلطان محمد ، وأصبحت السلطنة دون منازع وخطب له في سنة 498 ﻫ ، .
يقول ابن كثير في من توفي من الأعيان عام 498 ﻫ ،:
{ بركيارق بن ملكشاه ركن الدولة السلجوقي، خطب له ببغداد سِتَّ مرات وعزل عنها ست مرات وكان عمره يوم مات أربعاً وعشرون سنة وشهوراً وقام من بعده ولده ملكشاه، فلم يتّم أمره بسبب منازعة عمه محمد له }
وقال الذهبي :
{وكان بركيارق شاباً شهماً شجاعاً لّعاباً، فيه كرم وحلم، وكان مدمناً، للخمر، تسلطن وهو حدث، له ثلاث عشرة سنة، فكانت دولته في نكد وحروب بينه وبين أخيه محمد، يطول شرحها وهي مذكورة في الحوادث ...
مات بعلة السَّلَّ والبواسير، وكان في أواخر دولته قد توطَّد ملكه وعظم شأنه ولما احتضر، عهد بالأمر من بعده لابنه ملكشاه بمشورة الأمراء، فعقدوا له، وهو ابن خمسة أعوام .}
وقد تولى محمد بن ملكشاه حكم السلاجقة أكثر من ثلاثة عشر عاماً ؛ عمت الفوضى في أثنائها جميع أنحاء الدولة فضعف الشرق الإسلامي أمام الصليبيين في بلاد الشام وأمام القوات الأخرى المعادية في جوف الدولة الإسلامية وأهمها الطائفة الإسماعيلية .
وانقسمت الدولة السلجوقية بعد وفاة بركيارق وأصبح كل جزء من الدولة السلجوقية تابع لوال مستقل، فالأجزاء الشرقية تخضع لحكم سنجر، والأجزاء الشمالية تخضع لحكم أخيه محمد ؛ وبلاد الشام تحت سيطرة أبناء تتش، وآسيا الصغرى تحت حكم أبناء سليمان بن قتلمش ..
وتفككت وحدة الدولة عما كانت عليه في عهد السلاجقة العظام . وآلت إلى أربع دول للسلاجقة ودولة للدانشمند :
سلاجقة كرمان في شرق فارس وخراسان
سلاجقة العراق و غرب فارس والجزيرة (*الفراتية)
سلاجقة الشام .دمشق و حلب و باقي سوريا و الأردن
سلاجقة الروم
وانشق عليها كمشتكين غازي بن الدانشمند لينشئ دولة تركية مستقلة على البحر الأسود .تسمى :
دولة بني الدانشمند
---------------------
موعظة بليغة يحضرها السلطان محمد بن ملكشاه
في سنة 501ﻫ من يوم الجمعة زار السلطان محمد بن ملك شاه السلجوقي مشهد الإمام أبي حنيفة، وكان معه الوزير أحمد نظام الملك، والبرسقي صاحب الشرطة ببغداد، وجماعة من الأمراء والأعيان، ثم أدى صلاة الجمعة، في جامع المهدي بالرصافة ...
وقد خطب الجمعة الشيخ أبو سعد المعّمر بن علي، فكانت خطبته رهيبة وقد وجّه الكلام فيها إلى الوزير أحمد نظام الملك قال :
{الحمد لله ولي الإنعام، وصلى الله على من هو للأنبياء ختام، وعلى آله سٌرج الظلام ، زينه الله بالتقوى، وختم أعماله بالحسنى ، وجمع له بين خير الآخرة والدنيا...
معلوم يا صدر الإسلام أن آحاد الرعية من الأعيان، مخيَّرون في القاصد والوافد، إن شاؤوا وصلوه وإن شاءوا فصَلوه، فأمّا من توشحَّ بولائه، وشرشح لآلآئه، فليس مخيراً في القاصد والوافد ...
لأنّ من هو على الحقيقة أمير ، فهو في الحقيقة أجير، قد باع نفسه وأخذ ثمنه ، فلم يبق له من نهاره ، ما يتصّرف فيه على اختياره، ولا له أن يصلي نفلاً ، ولا يدخل معتكفاً دون التبتّل، لتدبيرهم ، والنظر في أمورهم ؛ لأن هذا فضل، وهذا فرض لازم ....
وأنت يا صدر الإسلام، وإن كنت وزير الدولة، فأنت أجير الأمة استأجرك جلال الدولة بالأجرة الوافرة، لتنوب عنه في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا ففي مصالح المسلمين، وأما في الآخرة فلتجب عند ربّ العالمين، فإنه سيقفه بين يديه، ويقول له : ملكتك البلاد، وقلدّتك أزمّة العباد فما صنعت في إقامة البذل وإفاضة العدل ؟
فلعله يقول : يا رب اخترت من دولتي شجاعاً عاقلاً حازماً، وسمّيته قوام الدين نظام الملك، وها هو قائم في جملة الولاة وبسطت يده في السوط والسيف والقلم، ومكنتّه في الدينار والدرهم فأسله يا ربّ ماذا صنع في عبادك وبلادك ؟
أفتحسن أن تقول في الجواب : نعم تقلّدت أمور البلاد وملكت أزمّة العباد، ودنوت من تلقائك، اتخذت الأبواب والنّواب، والحجاب والحُجّاب، ليصّدوا عني القاصد، ويردّوا عني الوافد ؟!
فاعُمر قبرك كما عمّرت قصرك، وانتهز الفرصة، ما دام الدهر يقبل أمرك، فلا تعتذر فما ثّم من يقبل عذرك ..
فهذا ملك الهند، وهو عابد صَنَم ، ذهب سمعه، فدخل عليه أهل مملكته يعزّونه في سمعه فقال : ما حزني لذهاب هذه الجارحة من بدني ولكن لصوت مظلوم كيف لا أسمعه فأغيثه !
ثم قال إن كان ذهب سمعي، فما ذهب بصري، فليؤمر كل ذي ظلامه أن يلبس أحمر، حتى إذا رأيته عرفته وأنصفته ...
وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثرة، وأولى بهذه المعدلة، وأحرى من أعّد جواباً لتلك المسألة، فإنّه الله الذي تكاد السموات يتفطرن منه، في موقف ما فيه إلا خاشع أو خاضع، أو مقنع ينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرب، ويعظم الكرب أو يشيب الصغير والكبير ويُعزَل الملك والوزير ..
" يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ " الفجر 23
"يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ". آل عمران 30
وقد استحلبت لك الدعاء وخلّدت لك الثناء مع براءتي من التهمة، فليس لي في الأرض ضيعة ولا قرية ولا بيني وبين أحد خصومه، ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة ...
فلما سمع الوزير أحمد نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء شديداً، وأمر له بعد الصلاة بمائة دينار ...
فأبى الفقيه أن يأخذها الخطيب. وقال : أنا في ضيافة أمير المؤمنين الخليفة، ومن يكون في ضيافة الخليفة يقبح أن يأخذ عطاء غيره.
فقال له الوزير فضّها على الفقراء، فأجابه الشيخ الخطيب : الفقراء على بابك أكثر منهم على بابي، ولم يأخذ شيئاً !!
وبعد انتهاء الصلاة، اجتمع الفقهاء بحضرة السلطان محمد بن ملكشاه فقال لهم : هذا يوم قد انفردت فيه مع الله تعالى، فخلّوا بيني وبين المكان فصعدوا إلى أعاليه، فأمر غلمانه بغلق الأبواب وأن لا يمكنّوا الأمراء من الدخول إليه ، وقام يصلى ويدعو ويخشع وأعطاهم خمسمائة دينار، وقال : اصرفوا هذه في مصالحكم وادعوا لي .
---------------------------------------------------------------------
(*1) إنظر الفقرة السابقة تاريخ السلاجقة و الدانشمند (20)
*باب الأبواب : تقع في أقصى شمالي بلاد شروان وهي ميناء على بحر قزوين.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر ص 66.
تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (4/41 ، 42).
السلاجقة في التاريخ والحضارة ص 114.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر ص 66.
*بروجرد : مدينة حسنة عرضها أكثر من طولها بنحو نصف فرسخ من مدن إقليم الجبال.
*من مماليك السلطان ملكشاه وقد جعله بركيارق أتا بكالابنه.
الحياة السياسية ونظم الحكم في العراق ص 204.
دول الإسلام (227).
الحياة السياسية ونظم الحكم في العراق ص 205.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر ص 70.
البداية والنهاية (16/188).
دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأقصى في الجهاد ضد الصليبيين ص 83.
الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
سير أعلام النبلاء (19/196).
الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر ص 71.
المنتظم (9/155 ، 73 – 174) تاريخ الأعظمية ص 261.
تاريخ الأعظمية ص 261نقلاً عن المنتظم.
تاريخ الأعظمية ص 261 نقلاً عن المنتظم.
☆السلاجقة د. علي الصلابي ص136 ص 141
---------------------------------------------------------------------
تابعونا
#تاريخ_السلاجقة_والدانشمند_جواهر (21)
29 مارس 2022 م
التاريخ
28 مارس 2022 ·
تاريخ السلاجقة والدانشمند ... (21)
-------------------------------------------------------------------
ملخص ماسبق :
استطاعت تركان خاتون أرملة ملكشاه أخذ البيعة لابنها محمود بالحيلة ؛ وكان يبلغ من العمر وقتئذ أربع سنوات أما بركيارق فكان في الثالثة عشرة من عمره .
ثم أرسلت أحد أتباعها ليقبض على بركيارق، و تم إيداعه السجن !! إلا أن أتباع الوزير الراحل نظام الملك ومؤيدي بركيارق في أصفهان تمكنوا من إخراجه من سجن أصفهان ونصبوه سلطاناً في أصفهان .
كانت تركان خاتون هي البادئة بالقتال لبركياروق، والتقى الجيشان في بروجرد ، أواخر ذي الحجة 485ﻫ ؛ فلحقت الهزيمة بتركان خاتون وابنها محمود ؛ وعادوا إلى أصفهان وتبعهم بركيارق وحاصرهم فيها ، واتفق الطرفان على الصلح ..
على أن تدفع تركان خاتون خمسمائة ألف دينار لبركيارق، وأن تكون بلاده أصفهان، وبلاد فارس لتركان خاتون وابنها، ▪︎أما باقي البلاد فتكون لبركيارق .
وفي شهر محرم من سنة 486ﻫ نشبت معركة عنيفة بين المعسكرين ؛ فلحقت الهزيمة بتركان خاتون وابنها للمرة الثانية ؛ وفي نفس العام إلتقيا مرة أخرى فلحقت بها الهزيمة للمرة الثالثة ؛ وفر الوزير المحرض تاج الملك الشيرازي هارباً إلا أنه قبض عليه و تم قتله .
لاذت تركان خاتون بالفرار إلى أصفهان، فتوجه إليها بركياروق بجيشه وفتحها وقضى على أنصار تركان خاتون ؛ فاتفقت مع خال بركيارق إسماعيل ياقوتي ، ووعدته بالزواج على أن يتقدم لمحاربة بركياروق !
والتقى الجيشان في رمضان 486ﻫ، فانتصر بركياروق، أما إسماعيل ياقوتي فقد أسر وقتل .
وفي سنة 487ﻫ تم أسر بركياروق في أصفهان بخديعة من أخيه محمود ؛ إلا أن محمود أصيب بالحمى و الجدري ومات في شوال من نفس العام 487ﻫ ، و حظي برقياروق باعتراف الخليفة العباسي المقتدى به سلطاناً على السلاجقة في المحرم نفس السنة ؛ ولقبه بركن الدين ،.
و طمع عمه تتش بن ألب في الإستيلاء على السلطنة وراسل تركان خاتون ؛ واتفق معها على الزواج ؛ فماتت في طريقها إليه !
أجبر تتش والي حلب آقسنقر على الخروج معه لقتال بركيا روق ؛ و كان آقسنقر يكره تتش ، فسار بركيا روق لملاقاة عمه تتش فلما التقى الجمعان، انضم آقسنقر بجيوشه إلى بركيارق ؛ فانهزم تتش وولى هاربا إلى دمشق ؛ ولاحقا هاجم حلب واستولى عليها وقتل آق سنقر الذي ترك ولده الطفل عماد الدين زنكي فأخذه أمير الموصل كربوغا صديق والده فرباه وعلمه .
وفي سنة 488 ﻫ تمكن بركيا روق من هزيمة عمه تتش بشكل نهائي ؛ و ما لبث تتش أن قتل بعد ذلك ؛ فأخذ أبنه رضوان حلب ؛ و أخذ دقاق دمشق ؛ وقامت بذلك دولة سلاجقة الشام ..ونشبت المنازعات بين رضوان ودقاق ابني تتش .
ظهر منافس آخر للسلطان بركيارق ينازعه في أمور السلطنة وهو عمه أرسلان أرغون، الذي سار إلى مرو فاستلمها وامتد سلطانه على بلخ وترمذ ونيسابور وسائر خراسان، وطلب من ابن أخيه بركيارق ؛ الإعتراف به سلطانا عليها ؛ فأرسل بركياروق عمه الآخر بورى بن ألب لقتاله عند حدود خراسان، فانهزم أرسلان أرغون ؛ ثم عاد فاستولى على مرو مرة أخرى ...
وسار إليه بورى بقصد قتاله، واجتمع العسكران عند مرو فانهزم بوري وأسره أخوه أرسلان أرغون في ترمذ، وقتله.
فأرسل بركيارق جيشاً إلى خراسان لمحاربة عمه أرسلان أرغون بقيادة أخيه سنجر بن ملكشاه ؛ ثم سار بركيارق على رأس جيش آخر إلى خراسان، وقبل أن يصل إلى خراسان علم بمقتل عمه أرسلان أرغون ، فأجلس أخاه سنجر على عرش خراسان سنة 490ﻫ ثم رجع إلى بغداد، وظل سنجر هناك إلى أن استقل فتأسست بذلك دولة سلاجقة شرق فارس .(*1)
---------------------------------------------------------------------
النزاع بين بركيارق وأخويه محمد وسنجر على عرش السلطنة :
عاد النزاع على عرش السلطنة من جديد داخل البيت السلجوقي مرة أخرى بين بركيارق وأخويه محمد وسنجر، وقد استمر هذا النزاع خمس سنوات من عام 492ﻫ حتى 497ﻫ .
وليس من المهم أن نذكر أن محمداً استطاع أن يدخل بغداد وأن يقيم الخطبة لنفسه فيها سنة 492ﻫ بموافقة الخليفة المستظهر العباسي الذي خلع عليه الخلع والهدايا، وكان بركيارق في هذه الأثناء مريضاً ، ثم استمرت الحرب مع محمد طوال عهد بركيارق الذي تمكن من إعادة الخطبة لنفسه في بغداد .
ومن المهم أن نذكر أن الخليفة هو الذي كان يسمح بإعادة الخطبة لكل من دخل بغداد من هذين السلطانين المتنازعين وهذا يدلنا على مقدار ما وصلت إليه الخلافة من ضعف ويلاحظ أن سنجر بن ملكشاه كان قد انضم إلى أخيه محمد في صراعه مع بركيارق، ويرجع السبب في ذلك لكونهما كانا ولدين لأم واحدة غير أم بركياروق ، كان تزوجها ملكشاه.
وقد انتهت الحرب بين محمد وبركيارق سنة 497ﻫ، إذ عقد الصلح بين الطرفين في هذه السنة..
يقول السيوطي :
{ إن الحروب لما تطاولت بينهماً وعّم الفساد وصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والسلطنة مطموعاً فيها، وأصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قادرين دخل العقلاء بينهما في الصلح وكتبت العهود والإيمان والمواثيق }
ولقد تقرر أن يكون للصلح قواعد نوردها فيما يلي :
▪︎- ألا يعترض بركياروق أخاه محمد في المستقبل .
▪︎- ألا يذكر اسم بركياروق بجانب اسم محمد في البلاد التي صارت له.
▪︎- أن يكون الاتصال بينهما عن طريق الوزراء.
▪︎- ألا يعترض أحد العسكرين الآخر في داخل حدود كل منهما.
▪︎- أن يمتد نصيب محمد من نهر اسبيندروذ ، إلى باب الأبواب ، وديار بكر والجزيرة ؛ والموصل والشام، ويكون له في العراق البلاد التي كانت تحت حكم سيف الدولة صدقة
بن مزيد ..
وأرسل بركيارق إلى الخليفة العباسي المستظهر بالله الرسل حاملة شروط وقواعد الصلح بينه وبين أخيه محمد، فما كان من الخليفة إلا أن أجابه وأمر بإقامة الخطبة لبركيارق
سنة 497ﻫ .
وقد عين بركياروق سنجراً والياً على خراسان، لما يتمتع به من هيبة كبيرة وخبرة بقواعد وقوانين السلطنة والحكم في البلاد مما جعل حكمه يستمر واحد وستين عاماً، منها عشرون عاماً واليا على خراسان من قبل أخيه بركيارق، وواحداً وأربعين عاماً سلطاناً لسلاجقة فارس .
ومن هنا يتبين أنه بعدما طالت الحروب والنزاعات من أبناء السلطان ملكشاه، وما ترتب على ذلك من ويلات لتلك الحروب من سفك الدماء، والدمار والخراب الذي عم البلاد وانتشر بسبب النزاع على عرش السلطنة، مما أدى إلى ضعف وتفكك السلاجقة أدرك الأخوة المتصارعون ما عم البلاد من خراب فتداعوا إلى الصلح .
وفاة بركياروق وتولى محمد بن ملكشاه السلطنة
توفى السلطان بركيارق في سنة 498 ﻫ ببروجرد ، على أثر مرض أصابه، وقد عين السلطان بركيارق قبيل وفاته ابنه ملكشاه ولياً لعهده، وكان طفلاً صغيراً لم يبلغ الخامسة من عمره آنذاك ولذلك عين الأمير أياز ، أتابكا له .. (الأتابك مربي الأمير ومؤدبه يعامل معاملة الوالد ويدعوه الأمير ب أبي )
وسار الأمير أياز وبرفقته ملكشاه بن بركيارق إلى بغداد ونال موافقة الخليفة العباسي المستظهر بالله بإقامة الخطبة له في بغداد ولقبه بلقب جلال الدولة ..
كان السلطان محمد وقتذاك توجه إلى الموصل يخبره بأن الموصل من الأقاليم التي دانت له بعد الصلح بينه وبين أخيه السلطان بركيارق، وما كان من جكرمش واليها إلا أن رفض تسليمها أياه مدعياً بأن ما وصل إليه من كتب السلطان بركيارق بعد الصلح يأمره ألا يسلمها إلى غيره ..
ولما وصل الخبر بوفاة السلطان بركيارق إلى جكرمش لم يكن أمامه مفر من أن يبذل الطاعة للسلطان محمد، وأن يسلم الموصل له ..
وقد أسرع السلطان محمد إلى بغداد بعد أن أقيمت الخطبة بها لملكشاه ابن بركيارق ودخلها من الجانب الغربي وخطب له في مساجد هذا الجانب، بينما كانت الخطبة قائمة باسم جلال الدولة ملكشاه بن بركياروق في الجانب الشرقي ومن ثم أصبح هناك سلطانين في وقت واحد بالعراق !!
واستشار الأتابك أياز أتباع السلطان ملكشاه بن بركيارق فيما يفعله مع السلطان محمد، فاستقر بهم الرأي على قتاله ومنعه من السلطنة ؛ ولكن وزيره الصفي أبا المحاسن، أشار عليه بالصلح مع السلطان محمد وتسليمه السلطنة ..
فأرسل أياز وزيره الصفى أبا المحاسن إلى السلطان محمد طالباً للصلح، وتسليمه السلطنة، ومعه اعتذار عما بدر منه، وطلب العهد والأمان لملكشاه بن بركيارق ولنفسه وللأمراء الذين معه ..
وأجاب السلطان محمد الأمير أياز إلى ما التمسه منه ، وكان الذي أخذ البيعة بالصُّلح إلكيا الهّراسي مدرس النظامية ..
كان هذا الفقيه ونعما هو ؛ فلم يقف أمام الصراعات الدامية التي كانت تهدد كيان الدولة الإسلامية آنذاك موقف المتفرج، وإنما كان له دور كبير في فض كثير من المنازعات القائمة بين الحكام والملوك في بعض البلدان الإسلامية حرصاً على تماسك المسلمين ووحدتهم ..
وقد نجح بالفعل إلى حد كبير في الصلح بين ملكشاه بن بركيارق وعمه السلطان محمد ، وأصبحت السلطنة دون منازع وخطب له في سنة 498 ﻫ ، .
يقول ابن كثير في من توفي من الأعيان عام 498 ﻫ ،:
{ بركيارق بن ملكشاه ركن الدولة السلجوقي، خطب له ببغداد سِتَّ مرات وعزل عنها ست مرات وكان عمره يوم مات أربعاً وعشرون سنة وشهوراً وقام من بعده ولده ملكشاه، فلم يتّم أمره بسبب منازعة عمه محمد له }
وقال الذهبي :
{وكان بركيارق شاباً شهماً شجاعاً لّعاباً، فيه كرم وحلم، وكان مدمناً، للخمر، تسلطن وهو حدث، له ثلاث عشرة سنة، فكانت دولته في نكد وحروب بينه وبين أخيه محمد، يطول شرحها وهي مذكورة في الحوادث ...
مات بعلة السَّلَّ والبواسير، وكان في أواخر دولته قد توطَّد ملكه وعظم شأنه ولما احتضر، عهد بالأمر من بعده لابنه ملكشاه بمشورة الأمراء، فعقدوا له، وهو ابن خمسة أعوام .}
وقد تولى محمد بن ملكشاه حكم السلاجقة أكثر من ثلاثة عشر عاماً ؛ عمت الفوضى في أثنائها جميع أنحاء الدولة فضعف الشرق الإسلامي أمام الصليبيين في بلاد الشام وأمام القوات الأخرى المعادية في جوف الدولة الإسلامية وأهمها الطائفة الإسماعيلية .
وانقسمت الدولة السلجوقية بعد وفاة بركيارق وأصبح كل جزء من الدولة السلجوقية تابع لوال مستقل، فالأجزاء الشرقية تخضع لحكم سنجر، والأجزاء الشمالية تخضع لحكم أخيه محمد ؛ وبلاد الشام تحت سيطرة أبناء تتش، وآسيا الصغرى تحت حكم أبناء سليمان بن قتلمش ..
وتفككت وحدة الدولة عما كانت عليه في عهد السلاجقة العظام . وآلت إلى أربع دول للسلاجقة ودولة للدانشمند :
سلاجقة كرمان في شرق فارس وخراسان
سلاجقة العراق و غرب فارس والجزيرة (*الفراتية)
سلاجقة الشام .دمشق و حلب و باقي سوريا و الأردن
سلاجقة الروم
وانشق عليها كمشتكين غازي بن الدانشمند لينشئ دولة تركية مستقلة على البحر الأسود .تسمى :
دولة بني الدانشمند
---------------------
موعظة بليغة يحضرها السلطان محمد بن ملكشاه
في سنة 501ﻫ من يوم الجمعة زار السلطان محمد بن ملك شاه السلجوقي مشهد الإمام أبي حنيفة، وكان معه الوزير أحمد نظام الملك، والبرسقي صاحب الشرطة ببغداد، وجماعة من الأمراء والأعيان، ثم أدى صلاة الجمعة، في جامع المهدي بالرصافة ...
وقد خطب الجمعة الشيخ أبو سعد المعّمر بن علي، فكانت خطبته رهيبة وقد وجّه الكلام فيها إلى الوزير أحمد نظام الملك قال :
{الحمد لله ولي الإنعام، وصلى الله على من هو للأنبياء ختام، وعلى آله سٌرج الظلام ، زينه الله بالتقوى، وختم أعماله بالحسنى ، وجمع له بين خير الآخرة والدنيا...
معلوم يا صدر الإسلام أن آحاد الرعية من الأعيان، مخيَّرون في القاصد والوافد، إن شاؤوا وصلوه وإن شاءوا فصَلوه، فأمّا من توشحَّ بولائه، وشرشح لآلآئه، فليس مخيراً في القاصد والوافد ...
لأنّ من هو على الحقيقة أمير ، فهو في الحقيقة أجير، قد باع نفسه وأخذ ثمنه ، فلم يبق له من نهاره ، ما يتصّرف فيه على اختياره، ولا له أن يصلي نفلاً ، ولا يدخل معتكفاً دون التبتّل، لتدبيرهم ، والنظر في أمورهم ؛ لأن هذا فضل، وهذا فرض لازم ....
وأنت يا صدر الإسلام، وإن كنت وزير الدولة، فأنت أجير الأمة استأجرك جلال الدولة بالأجرة الوافرة، لتنوب عنه في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا ففي مصالح المسلمين، وأما في الآخرة فلتجب عند ربّ العالمين، فإنه سيقفه بين يديه، ويقول له : ملكتك البلاد، وقلدّتك أزمّة العباد فما صنعت في إقامة البذل وإفاضة العدل ؟
فلعله يقول : يا رب اخترت من دولتي شجاعاً عاقلاً حازماً، وسمّيته قوام الدين نظام الملك، وها هو قائم في جملة الولاة وبسطت يده في السوط والسيف والقلم، ومكنتّه في الدينار والدرهم فأسله يا ربّ ماذا صنع في عبادك وبلادك ؟
أفتحسن أن تقول في الجواب : نعم تقلّدت أمور البلاد وملكت أزمّة العباد، ودنوت من تلقائك، اتخذت الأبواب والنّواب، والحجاب والحُجّاب، ليصّدوا عني القاصد، ويردّوا عني الوافد ؟!
فاعُمر قبرك كما عمّرت قصرك، وانتهز الفرصة، ما دام الدهر يقبل أمرك، فلا تعتذر فما ثّم من يقبل عذرك ..
فهذا ملك الهند، وهو عابد صَنَم ، ذهب سمعه، فدخل عليه أهل مملكته يعزّونه في سمعه فقال : ما حزني لذهاب هذه الجارحة من بدني ولكن لصوت مظلوم كيف لا أسمعه فأغيثه !
ثم قال إن كان ذهب سمعي، فما ذهب بصري، فليؤمر كل ذي ظلامه أن يلبس أحمر، حتى إذا رأيته عرفته وأنصفته ...
وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثرة، وأولى بهذه المعدلة، وأحرى من أعّد جواباً لتلك المسألة، فإنّه الله الذي تكاد السموات يتفطرن منه، في موقف ما فيه إلا خاشع أو خاضع، أو مقنع ينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرب، ويعظم الكرب أو يشيب الصغير والكبير ويُعزَل الملك والوزير ..
" يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ " الفجر 23
"يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ". آل عمران 30
وقد استحلبت لك الدعاء وخلّدت لك الثناء مع براءتي من التهمة، فليس لي في الأرض ضيعة ولا قرية ولا بيني وبين أحد خصومه، ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة ...
فلما سمع الوزير أحمد نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء شديداً، وأمر له بعد الصلاة بمائة دينار ...
فأبى الفقيه أن يأخذها الخطيب. وقال : أنا في ضيافة أمير المؤمنين الخليفة، ومن يكون في ضيافة الخليفة يقبح أن يأخذ عطاء غيره.
فقال له الوزير فضّها على الفقراء، فأجابه الشيخ الخطيب : الفقراء على بابك أكثر منهم على بابي، ولم يأخذ شيئاً !!
وبعد انتهاء الصلاة، اجتمع الفقهاء بحضرة السلطان محمد بن ملكشاه فقال لهم : هذا يوم قد انفردت فيه مع الله تعالى، فخلّوا بيني وبين المكان فصعدوا إلى أعاليه، فأمر غلمانه بغلق الأبواب وأن لا يمكنّوا الأمراء من الدخول إليه ، وقام يصلى ويدعو ويخشع وأعطاهم خمسمائة دينار، وقال : اصرفوا هذه في مصالحكم وادعوا لي .
---------------------------------------------------------------------
(*1) إنظر الفقرة السابقة تاريخ السلاجقة و الدانشمند (20)
*باب الأبواب : تقع في أقصى شمالي بلاد شروان وهي ميناء على بحر قزوين.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر ص 66.
تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (4/41 ، 42).
السلاجقة في التاريخ والحضارة ص 114.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر ص 66.
*بروجرد : مدينة حسنة عرضها أكثر من طولها بنحو نصف فرسخ من مدن إقليم الجبال.
*من مماليك السلطان ملكشاه وقد جعله بركيارق أتا بكالابنه.
الحياة السياسية ونظم الحكم في العراق ص 204.
دول الإسلام (227).
الحياة السياسية ونظم الحكم في العراق ص 205.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر ص 70.
البداية والنهاية (16/188).
دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأقصى في الجهاد ضد الصليبيين ص 83.
الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
سير أعلام النبلاء (19/196).
الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر ص 71.
المنتظم (9/155 ، 73 – 174) تاريخ الأعظمية ص 261.
تاريخ الأعظمية ص 261نقلاً عن المنتظم.
تاريخ الأعظمية ص 261 نقلاً عن المنتظم.
☆السلاجقة د. علي الصلابي ص136 ص 141
---------------------------------------------------------------------
تابعونا
#تاريخ_السلاجقة_والدانشمند_جواهر (21)