Fareed Zaffour
29 مارس 2022 م
التاريخ
29 مارس 2022 ·
مصر في العصر البطلمي ... (2)
#جواهر_Ptolemaic_dynasty
-----------------------------------------------------
ملخص ماسبق :
شهد عصر الأسرة السادسة والعشرين الفرعونية طفرة في العلاقات بين مصر وبلاد الإغريق ، وذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت، أن المرتزقة الإغريق ساعدوا ماتجب في اعتلاء العرش وقد استمر فراعنة العصر الصاری(*نسبة إلى سايس أو صا الحجر عاصمتهم على فرع رشيد بالغربية حاليا)... استمروا في استخدام المرتزقة الإغريق في جيوشهم ، وشارك هؤلاء المرتزقة في حملات الملك إبسماتيك الثاني على النوبة في عام 593 ق.م ..
و بعد ازدياد النشاط التجاري للإغريق في مصر ، قام التجار الإغريق بإنشاء مدينة نقراطيس Naucratis وموقعها في محافظة البحيرة حاليا .
وفي خريف عام 332 ق.م. تقدم الإسكندر نحو مدينة غزة ، فسلمت له بعد أن حاصرها لمدة شهرين . وأصبح على مشارف مصر ، فبلغ مدينة بيلوزیون Pelosion ( تل الفرما الحالية . شرقی بورسعيد ) فسارع الوالي الفارسي بالاستسلام للفاتح المقدوني .
أبحر الإسكندر في الفرع البلوزی لنهر النيل ، ووصل إلى مدينة منف مقر عبادة الإله بتاح ، وحرص على إظهار احترامه للديانة المصرية ، فقدم القرابين للآلهة ، ثم أبحر في الفرع الكانوبي لنهر النيل ، حتی مصب هذا الفرع عند مدينة كانوب ( أبو قير الحالية )،
وسار بعد ذلك برا قاصدا مدينة تورینی Cyrene ، بليبيا محافظة الجبل الأخضر ؛ وأثناء سيره لفت انتباهه موقع قرية صغيرة ، تدعى راقودة Rhacotis ، وتقع قبالتها في البحر جزيرة تسمي فاروس Pharos ؛ فقرر إقامة مدينة في هذا الموقع ، وعهد إلى.مهندس يدعی دینوکراتیس Deinocratis بتخطيط المدينة ، وتم إقامة جسر إلى جزيرة فاروس وأطلق على المدينة الجديدة إسم الإسكندرية .
وعندما بلغ مدينة برايتونيون Paraetonion وهي مرسي مطروح الحالية ؛ التقى وفدا من مدينة تورینی جاء لمبايعته وتقديم الهدايا له .فلم يكمل مسيره إلى ليبيا وقرر أن يخترق الصحراء جنوبا إلى واحة سيوة ؛ ليزور معبد الإله آمون ، فاستقبله كبير الكهنة قائلا " أهلا بابن آمون"، ودعاه إلى دخول قدس الأقداس .
بعد أن فرغ الإسكندر من زيارة سيوة ، عاد إلى وادي النيل ، وحرص على أن يعلن للجميع عن دخول مصر ، في إمبراطوريته المقدونية ؛ و قسم إدارة مصر إلى قسمين هما الوجه البحرى ، والوجه القبلي ؛ وجعل على كل قسم منها حاكما من أبناء البلاد ؛ ووضع كليومینس الإغريقي على رأس النظام المالي لمصر ....ثم غادر لاستكمال غزواته ضد الفرس
ولغزو الهند وأفغانستان ..
و بعد موت الإسكندر احتدم صراع عنيف بين قادته استمر فاضطروا لعقد مؤتمر بابل في سنة 323 ق.م خرج بعدد من القرارات أهمها :-
1- تنصيب أرهیدایوس ملكا على الإمبراطورية، باسم فليب الثالث، وعند ولادة روكسانا ولدا يكون شريكا لعمه في الحكم، وبعد مرور شهر على ذلك أنجبت ولدا سمي بالإسكندر الرابع .
2- وضع برديکاس Predicas وكراتیروس وصيان على الملك فليب الثالث(أرهيدايوس) المجنون؛ والإسكندر الرابع الرضيع ، كما منح برديكاس في منصب القائد الأعلى للجيوش في آسيا،
3- كما جاء في مقررات مؤتمر بابل أيضأ توزيع الولايات الكبرى والمهمة في الإمبراطورية على أبرز واشهر القادة، ويكونوا ولاة خاضعين إلى حكم الوصي برديكاس الذي اتخذ مدينة بابل مقرا له .
ويهمنا من هؤلاء خمسة قادة فقط بعد أن أصبحوا محور الأحداث في ذلك الوقت هم وأسرهم :۔
أ- انتيباتروس نائبا عن برديكاس في حكم مقدونيا والغرب،
ب - أنتيغونيوس (Antigonus) واليا على القسم الأعظم من أراضي آسيا الصغرى..
ج - القائد بطليموس الأول (Ptolemaios) يمنح ولاية مصر .
د - القائد ليسماخوس (Lysimachus) يمنح ولاية تراقيا شمال بحر إيجة.
ه - سلوقس الأول (Seleucus I) لا يمنح أي ولاية و يعطى مصب نائب برديكاس على الجيش .
للتفاصيل و المصادر انظر الفقرة السابقة رقم (1)
-----------------------------------------‐------------‐--------------
بطليموس الأول ( سوتير أو المنقذ )
323 - 284 ق.م
ينتمي بطليموس إلى إحدى العائلات المقدونية النبيلة
(*1) ، وكان أكبر من الإسكندر ببضعة أعوام ، ويعد من أصدقائه المقربين ، فقد لازمه في المنفى في أبيروس حين تعرض الإسكندر وأمه أوليمپياس لغضب فيليب أبيه ، وقرر نفيهما من مقدونيا .
عاد بطليموس إلى الوطن مقدونيا مع الإسكندر بعد انتهاء النفي ، ولازم الإسكندر منذ ذلك الحين ، وقد أبلى بلاء حسنا
في كل المعارك التي خاضها ، مما أهله لكي يصبح عضوا في مجلس الحرب الأعلى ، وقد.حرص بطليموس على تسجيل مذكراته ، في أثناء مشاركته في حملات الإسكندر ، وعلى
الرغم من عدم وصول هذه المذكرات إلينا ، إلا أننا عرفنا محتوياتها من خلال مصادر أخرى ....(*2)
ومن الواضح أن بطليموس كان يطمح إلى الحصول على ولاية مصر ، وهذا ما يبدو من خلال التفاصيل التي أوردها عن هذا البلد في مذكراته ، فقد أدرك بفطنته أن مصر سوف
تكون بمنأی عن الصراعات التي ستدور بين قادة جيش الإسكندر ، كما أنها تتمتع بخيرات تمكنه من إقامة دولة وطيدة الأركان .
وصل بطليموس إلى مصر بعد خمسة شهور من وفاة الإسكندر ، فوجد كلیومینیس النقراطيسي الذي كان الإسكندر قد عينه مشرفا على الشئون المالية ، وقد انفرد بالسلطة علي
البلاد . مما أثار حفيظة بطليموس ، لأنه يعرف بامر الصداقة التي تربط ما بين برديکاس وهذا الرجل ، فأخذ يتحين الفرصة للتخلص منه . ..
وقد واتته تلك الفرصة عندما راح بتلقی شکاوی من الأهالي من الإجراءات المالية التي طبقها كليومینس ، فأمر بإعدامه ، ومصادرة ممتلكاته ..(*3) .
بعد أن تخلص بطليموس من تلك العقبة الكأداء، والتي كانت تتمثل في کليومینیس النقراطيسي ، راح يعمل على تدعيم مكانته في مصر ، وتأمين حدود هذه الولاية الإغريقية ، وفي هذا الإطار استجاب لطلب قوريني ، وهي مستوطنة إغريقية تقع على حدود مصر الغربية ( في ليبيا الحالية ) ، وكانت قد استنجدت به من أجل وضع حد للاضطرابات التي كانت تعاني
منها ، فبادر بإرسال قوة تمكنت من الاستيلاء على هذه الولاية ، وضمها لمصر في عام 322 ق.م.
راح بردیكاس الوصي على العرش المقدوني ، يراقب سلوك الولاة بكثير من الشك والريبة ، فقد أخذت النوازع الإستقلالية لديهم تطل برأسها ، وظهر من سلوك بطليموس إتجاهه الواضح نحو الاستقلال ، وبخاصة بعد قيامه بإعدام کلیومینیس النقراطيسي ، وتوسيع حدود ولايته غريا .
ومن ناحية أخرى ، لم يكن الولاة أقل توجسا في نظرتهم إلى بردیکاس وفسروا الكثير من تصرفاته على أنها رغبة منه في الاستحواذ على العرش المقدوني . ..(*4)
وكان برديكاس الوصي على عرش الإمبراطورية ؛ معروفا عنه رغبته في الزواج من كليوباترة شقيقة الإسكندر ، فسارعوا إلى عقد تحالف ضده، وشارك بطليموس في هذا الحلف ..
لم يلبث بطليموس أن أقدم على خطورة أخرى ، أدت إلى زيادة شكوك پردیکاس ومخاوفه منه ، وكان قد تقرر في مؤتمر بابل تحنيط جثمان الإسكندر على يد أطباء مصريين ، على أن يرسل بعد ذلك إلى مقدونيا لدفنه هناك .
وقد حاول بطلمیوس آنذاك إقناع باقي القادة بأن الإسكندر كان يرغب في أن يدفن في واحة سيوة ، في مصر في رحاب معبد الإله آمون ؛ إلا أن القادة رفضوا الاستماع إلى هذه الفكرة ، لكن بطليموس بيت النية على تنفيذ فكرته ؛ فقام بالاتفاق مع الضابط الذي أسندت إليه مهمة قيادة جنازة الإسكندر للإستيلاء على الجثة ،..
وتنفيذا لهذا الاتفاق قام هذا الضابط بتغيير خط سير الجنازة ، فاتحجه بها إلى جنوب سوريا حيث سلم الجثمان إلى رجال بطليموس . وتم دفن الجثمان في منف في البداية ثم نقل إلى الإسكندرية بعد ذلك .
يمكننا أن نتفهم أهمية هذه الخطوة التي أقدم عليها بطليموس إذا ما عرفنا أن يومپنیس إستولی على خيمة الإسكندر ، واحتفظ بها كتعويذة تجلب له الحظ ، وادعى أن روح الإسكندر ما تزال كامنة في هذه الخيمة ، (*5)
وكان بطليموس يرمی من وراء هذه الخطوة إلى جعل مصر عاصمة للإمبراطورية المقدونية ؛ لأنها ستصبح بذلك الولاية التي تحوي قبر مؤسس الإمبراطورية و الذي ارتفع في نظر
الإغريق إلى مرتبة التقديس ...
وقد أكدت هذه الخطوة شكوك برديکاس تجاه بطليموس ، فقرر أن يضع حدا لطموح هذا الوالی ...
وفي ربيع عام 321 ق.م. سار على رأس قواته قاصدا مصر إلا أنه فشل في عبور الفرع البلوزی لنهر النيل ..(*6).
وكان برديكاس مكروها من جنوده ، فثاروا عليه وقتلوه ، وبعد مقتله إجتمع القادة المقدونيون للمؤتمر الثاني ؛ في تریاباراديسوس Triparadisos لإعادة تنظيم الإمبراطورية المقدونية (*7).
ويقتضي الاتفاق الذي وقع عليه القادة في ذلك المؤتمر :
▪︎ تعيين أنتيباتروس خلفا لپردیکاس ، في منصب الوصاية على العرش المقدونی ، على أن يتخذ من مقدونيا مقرا
له ، فاتجه إلى مقره مصطحبا فيليب أرهیدایوس المجنون والإسكندر الرابع الطفل ( يعني أخو الإسكندر و ابنه الصغير من زوجته روكسانا) ..
29 مارس 2022 م
التاريخ
29 مارس 2022 ·
مصر في العصر البطلمي ... (2)
#جواهر_Ptolemaic_dynasty
-----------------------------------------------------
ملخص ماسبق :
شهد عصر الأسرة السادسة والعشرين الفرعونية طفرة في العلاقات بين مصر وبلاد الإغريق ، وذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت، أن المرتزقة الإغريق ساعدوا ماتجب في اعتلاء العرش وقد استمر فراعنة العصر الصاری(*نسبة إلى سايس أو صا الحجر عاصمتهم على فرع رشيد بالغربية حاليا)... استمروا في استخدام المرتزقة الإغريق في جيوشهم ، وشارك هؤلاء المرتزقة في حملات الملك إبسماتيك الثاني على النوبة في عام 593 ق.م ..
و بعد ازدياد النشاط التجاري للإغريق في مصر ، قام التجار الإغريق بإنشاء مدينة نقراطيس Naucratis وموقعها في محافظة البحيرة حاليا .
وفي خريف عام 332 ق.م. تقدم الإسكندر نحو مدينة غزة ، فسلمت له بعد أن حاصرها لمدة شهرين . وأصبح على مشارف مصر ، فبلغ مدينة بيلوزیون Pelosion ( تل الفرما الحالية . شرقی بورسعيد ) فسارع الوالي الفارسي بالاستسلام للفاتح المقدوني .
أبحر الإسكندر في الفرع البلوزی لنهر النيل ، ووصل إلى مدينة منف مقر عبادة الإله بتاح ، وحرص على إظهار احترامه للديانة المصرية ، فقدم القرابين للآلهة ، ثم أبحر في الفرع الكانوبي لنهر النيل ، حتی مصب هذا الفرع عند مدينة كانوب ( أبو قير الحالية )،
وسار بعد ذلك برا قاصدا مدينة تورینی Cyrene ، بليبيا محافظة الجبل الأخضر ؛ وأثناء سيره لفت انتباهه موقع قرية صغيرة ، تدعى راقودة Rhacotis ، وتقع قبالتها في البحر جزيرة تسمي فاروس Pharos ؛ فقرر إقامة مدينة في هذا الموقع ، وعهد إلى.مهندس يدعی دینوکراتیس Deinocratis بتخطيط المدينة ، وتم إقامة جسر إلى جزيرة فاروس وأطلق على المدينة الجديدة إسم الإسكندرية .
وعندما بلغ مدينة برايتونيون Paraetonion وهي مرسي مطروح الحالية ؛ التقى وفدا من مدينة تورینی جاء لمبايعته وتقديم الهدايا له .فلم يكمل مسيره إلى ليبيا وقرر أن يخترق الصحراء جنوبا إلى واحة سيوة ؛ ليزور معبد الإله آمون ، فاستقبله كبير الكهنة قائلا " أهلا بابن آمون"، ودعاه إلى دخول قدس الأقداس .
بعد أن فرغ الإسكندر من زيارة سيوة ، عاد إلى وادي النيل ، وحرص على أن يعلن للجميع عن دخول مصر ، في إمبراطوريته المقدونية ؛ و قسم إدارة مصر إلى قسمين هما الوجه البحرى ، والوجه القبلي ؛ وجعل على كل قسم منها حاكما من أبناء البلاد ؛ ووضع كليومینس الإغريقي على رأس النظام المالي لمصر ....ثم غادر لاستكمال غزواته ضد الفرس
ولغزو الهند وأفغانستان ..
و بعد موت الإسكندر احتدم صراع عنيف بين قادته استمر فاضطروا لعقد مؤتمر بابل في سنة 323 ق.م خرج بعدد من القرارات أهمها :-
1- تنصيب أرهیدایوس ملكا على الإمبراطورية، باسم فليب الثالث، وعند ولادة روكسانا ولدا يكون شريكا لعمه في الحكم، وبعد مرور شهر على ذلك أنجبت ولدا سمي بالإسكندر الرابع .
2- وضع برديکاس Predicas وكراتیروس وصيان على الملك فليب الثالث(أرهيدايوس) المجنون؛ والإسكندر الرابع الرضيع ، كما منح برديكاس في منصب القائد الأعلى للجيوش في آسيا،
3- كما جاء في مقررات مؤتمر بابل أيضأ توزيع الولايات الكبرى والمهمة في الإمبراطورية على أبرز واشهر القادة، ويكونوا ولاة خاضعين إلى حكم الوصي برديكاس الذي اتخذ مدينة بابل مقرا له .
ويهمنا من هؤلاء خمسة قادة فقط بعد أن أصبحوا محور الأحداث في ذلك الوقت هم وأسرهم :۔
أ- انتيباتروس نائبا عن برديكاس في حكم مقدونيا والغرب،
ب - أنتيغونيوس (Antigonus) واليا على القسم الأعظم من أراضي آسيا الصغرى..
ج - القائد بطليموس الأول (Ptolemaios) يمنح ولاية مصر .
د - القائد ليسماخوس (Lysimachus) يمنح ولاية تراقيا شمال بحر إيجة.
ه - سلوقس الأول (Seleucus I) لا يمنح أي ولاية و يعطى مصب نائب برديكاس على الجيش .
للتفاصيل و المصادر انظر الفقرة السابقة رقم (1)
-----------------------------------------‐------------‐--------------
بطليموس الأول ( سوتير أو المنقذ )
323 - 284 ق.م
ينتمي بطليموس إلى إحدى العائلات المقدونية النبيلة
(*1) ، وكان أكبر من الإسكندر ببضعة أعوام ، ويعد من أصدقائه المقربين ، فقد لازمه في المنفى في أبيروس حين تعرض الإسكندر وأمه أوليمپياس لغضب فيليب أبيه ، وقرر نفيهما من مقدونيا .
عاد بطليموس إلى الوطن مقدونيا مع الإسكندر بعد انتهاء النفي ، ولازم الإسكندر منذ ذلك الحين ، وقد أبلى بلاء حسنا
في كل المعارك التي خاضها ، مما أهله لكي يصبح عضوا في مجلس الحرب الأعلى ، وقد.حرص بطليموس على تسجيل مذكراته ، في أثناء مشاركته في حملات الإسكندر ، وعلى
الرغم من عدم وصول هذه المذكرات إلينا ، إلا أننا عرفنا محتوياتها من خلال مصادر أخرى ....(*2)
ومن الواضح أن بطليموس كان يطمح إلى الحصول على ولاية مصر ، وهذا ما يبدو من خلال التفاصيل التي أوردها عن هذا البلد في مذكراته ، فقد أدرك بفطنته أن مصر سوف
تكون بمنأی عن الصراعات التي ستدور بين قادة جيش الإسكندر ، كما أنها تتمتع بخيرات تمكنه من إقامة دولة وطيدة الأركان .
وصل بطليموس إلى مصر بعد خمسة شهور من وفاة الإسكندر ، فوجد كلیومینیس النقراطيسي الذي كان الإسكندر قد عينه مشرفا على الشئون المالية ، وقد انفرد بالسلطة علي
البلاد . مما أثار حفيظة بطليموس ، لأنه يعرف بامر الصداقة التي تربط ما بين برديکاس وهذا الرجل ، فأخذ يتحين الفرصة للتخلص منه . ..
وقد واتته تلك الفرصة عندما راح بتلقی شکاوی من الأهالي من الإجراءات المالية التي طبقها كليومینس ، فأمر بإعدامه ، ومصادرة ممتلكاته ..(*3) .
بعد أن تخلص بطليموس من تلك العقبة الكأداء، والتي كانت تتمثل في کليومینیس النقراطيسي ، راح يعمل على تدعيم مكانته في مصر ، وتأمين حدود هذه الولاية الإغريقية ، وفي هذا الإطار استجاب لطلب قوريني ، وهي مستوطنة إغريقية تقع على حدود مصر الغربية ( في ليبيا الحالية ) ، وكانت قد استنجدت به من أجل وضع حد للاضطرابات التي كانت تعاني
منها ، فبادر بإرسال قوة تمكنت من الاستيلاء على هذه الولاية ، وضمها لمصر في عام 322 ق.م.
راح بردیكاس الوصي على العرش المقدوني ، يراقب سلوك الولاة بكثير من الشك والريبة ، فقد أخذت النوازع الإستقلالية لديهم تطل برأسها ، وظهر من سلوك بطليموس إتجاهه الواضح نحو الاستقلال ، وبخاصة بعد قيامه بإعدام کلیومینیس النقراطيسي ، وتوسيع حدود ولايته غريا .
ومن ناحية أخرى ، لم يكن الولاة أقل توجسا في نظرتهم إلى بردیکاس وفسروا الكثير من تصرفاته على أنها رغبة منه في الاستحواذ على العرش المقدوني . ..(*4)
وكان برديكاس الوصي على عرش الإمبراطورية ؛ معروفا عنه رغبته في الزواج من كليوباترة شقيقة الإسكندر ، فسارعوا إلى عقد تحالف ضده، وشارك بطليموس في هذا الحلف ..
لم يلبث بطليموس أن أقدم على خطورة أخرى ، أدت إلى زيادة شكوك پردیکاس ومخاوفه منه ، وكان قد تقرر في مؤتمر بابل تحنيط جثمان الإسكندر على يد أطباء مصريين ، على أن يرسل بعد ذلك إلى مقدونيا لدفنه هناك .
وقد حاول بطلمیوس آنذاك إقناع باقي القادة بأن الإسكندر كان يرغب في أن يدفن في واحة سيوة ، في مصر في رحاب معبد الإله آمون ؛ إلا أن القادة رفضوا الاستماع إلى هذه الفكرة ، لكن بطليموس بيت النية على تنفيذ فكرته ؛ فقام بالاتفاق مع الضابط الذي أسندت إليه مهمة قيادة جنازة الإسكندر للإستيلاء على الجثة ،..
وتنفيذا لهذا الاتفاق قام هذا الضابط بتغيير خط سير الجنازة ، فاتحجه بها إلى جنوب سوريا حيث سلم الجثمان إلى رجال بطليموس . وتم دفن الجثمان في منف في البداية ثم نقل إلى الإسكندرية بعد ذلك .
يمكننا أن نتفهم أهمية هذه الخطوة التي أقدم عليها بطليموس إذا ما عرفنا أن يومپنیس إستولی على خيمة الإسكندر ، واحتفظ بها كتعويذة تجلب له الحظ ، وادعى أن روح الإسكندر ما تزال كامنة في هذه الخيمة ، (*5)
وكان بطليموس يرمی من وراء هذه الخطوة إلى جعل مصر عاصمة للإمبراطورية المقدونية ؛ لأنها ستصبح بذلك الولاية التي تحوي قبر مؤسس الإمبراطورية و الذي ارتفع في نظر
الإغريق إلى مرتبة التقديس ...
وقد أكدت هذه الخطوة شكوك برديکاس تجاه بطليموس ، فقرر أن يضع حدا لطموح هذا الوالی ...
وفي ربيع عام 321 ق.م. سار على رأس قواته قاصدا مصر إلا أنه فشل في عبور الفرع البلوزی لنهر النيل ..(*6).
وكان برديكاس مكروها من جنوده ، فثاروا عليه وقتلوه ، وبعد مقتله إجتمع القادة المقدونيون للمؤتمر الثاني ؛ في تریاباراديسوس Triparadisos لإعادة تنظيم الإمبراطورية المقدونية (*7).
ويقتضي الاتفاق الذي وقع عليه القادة في ذلك المؤتمر :
▪︎ تعيين أنتيباتروس خلفا لپردیکاس ، في منصب الوصاية على العرش المقدونی ، على أن يتخذ من مقدونيا مقرا
له ، فاتجه إلى مقره مصطحبا فيليب أرهیدایوس المجنون والإسكندر الرابع الطفل ( يعني أخو الإسكندر و ابنه الصغير من زوجته روكسانا) ..