"يا خليج" تحذير أم تنّبؤ مسرحي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "يا خليج" تحذير أم تنّبؤ مسرحي

    "يا خليج" تحذير أم تنّبؤ مسرحي


    مسرحية بحرينية تعود إلى الماضي بأسلوب معاصر.
    الجمعة 2023/03/03
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    أداء مميز يجسد الخوف والغضب

    العمل المسرحي يحمل فكرة في النهاية، حتى مع عودته إلى الماضي – وكثير من الأعمال اختارت العودة إلى الماضي – فإنه أكثر جرأة من الأدب في هذه العودة، إذ يجسدها بصريا بطرق تدمج الزمنين الماضي والحاضر وتدفع بهما إلى المستقبل. وهذا ما رسخه المسرح الملحمي خاصة من مساءلات. ولعل العرض البحريني “يا خليج” ينخرط في هذا التمشي.

    ترك العرض البحريني “يا خليج” الذي عرض ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي بين متلقيه الذين احتشد بهم مسرح قصر ثقافة الشارقة، اختلافات وتساؤلات كثيرة لا تقتصر على الرؤية الإخراجية وعناصر السينوغرافيا والأداء التمثيلي للممثلين وغير ذلك من الأدوات التي لا يكتمل بناء أي عرض مسرحي إلا بها، بل تمتد إلى الفكرة الأساسية التي سعى لتبصير وتوعية المتلقي بها.

    العرض إخراج وسينوغرافيا عبدالله البكري ومأخوذ عن نص للكاتب والناقد المسرحي يوسف الحمدان، وقد اشتغل على ثلاثة محاور، الأول الجسد ممثلا في أجساد الممثلين، والثاني السينوغرافيا ممثلة في الإضاءة ورسومات الشاشة التي تطل من الخلف كاشفة فضاء خشبة المسرح، والثالث التراث الغنائي والموسيقي الشعبيان ممثلين في الفرقة الغنائية والمغني.

    المحاور الثلاثة للعرض هامت الفكرة الرئيسية داخلها بذكاء فني جميل، وهو ذكاء كشف عن إرادة المخرج في البحث عن التطوير والتجديد في رؤيته المسرحية، وقد ساعده فريق من الممثلين يتمتع بحس جمالي وحماس فني وإمكانات أدائية متميزة على خشبة المسرح.
    رسالة تحذير



    قراءة رسالة العرض تظل مفتوحة على تأويلات متعددة خاصة وأنه قائم على لوحات تشكيلية قابلة للتأويل


    هل أراد العرض أن يقول لنا هذا هو الماضي الذي كان عليه الخليج؛ بحر يردي الرجال ورمال تعكر صفو الرؤية وظمأ لا ينتهي جراء الجفاف وأحلام كالسراب؟ ومخاض وولادة عسيرة مضمخة بالألم؟ أم أراد أن يقول إن كل هذ يشكل رؤية للراهن والمستقبل؟

    لا يمكن الجزم بالأمر حتى وإن لفت مؤلف العرض يوسف الحمدان إلى أن ذلك الشاب الذي افتتح به العرض وهو يمسك بحقيبة سفر حديثة ويصعد بها إلى خشبة المسرح، مارا بمقدمة المسرح التي ترفع على صراخ امرأة تدلي بدلوها في بئر في محاولة للحصول على بعض الماء، ما هو إلا عائد إلى الماضي، ومن ثم فإن العرض يحمل رؤية لما كان عليه ماضي الخليج، قبل الطفرة النفطية وبناء الدولة الحديثة.

    البعض قد يرى العرض تنبّئيا وتحذيريا مما يحمله الراهن والمستقبل والبعض الآخر قد يرى أنه تذكير بالماضي

    لكن العرض الذي قام على الصور المشهدية كما يوضح ما لفت إليه المؤلف، يحتمل رؤى مغايرة تماما ومنها أنه رسالة تحذيرية – أراها تشاؤمية خائفة وغاضبة – مما يجري في الراهن وما يمكن أن يترتب على هذا الراهن في المستقبل، والمستقبل يتمثل هنا في الجفاف والعطش كما تجلى في العرض سواء على مستوى الديكور أو السينوغرافيا أو الإيقاعات الموسيقية الشعبية أو الأغاني، أو الأداءات الجسدية/ الرقصات التي تكررت وتشابهت وتمت تأديتها بشكل يكاد أن يكون عشوائيا في كثير من الأحيان.

    يدخل الشاب الوسيم وجها والمتأنق ملبسا بحقيبته الحديثة، يدخل مع هدير لأمواج البحر، ولا يظهر إلا مرات قليلة مرة لالتقاط الصور لحركة الناس والأماكن، ومرة حاملا لاب توب، ومرة بتليفونه الحديث وأخيرا نراه قد وضع سماعات الأذن متجولا بهدوء غير عابئ بحطام السفن وعويل الفزع والفقد الذي يجتاح الناس، وآثار ما أصابهم من نكبات، إنه لا يرى ولا يسمع بل لا يبصر، بينما أصوات المجاميع الراقصة تتردد أصداء أوجاعها في أرجاء الفضاء المسرحي.
    مفتوح على التأويل



    عرض فني جميل


    إطلالة الديكور المتهالك الذي ينبئ عن غدر البحر تارة والجفاف والتصحر، ومطاردة السراب تارة أخرى كان ثابتا، وتجلت تأثيراته ودلالاته في حركة الممثلين ورقصات المجاميع، أما الشاشة التي تطل من الخلف على تفاصيل المشهد فقد كانت حاضرة بقوة، حيث بدا أن يدا ترسم وتكتب عليها مصائر الأرض والناس، وكانت إضاءتها والرسم أو الكتابة عليها بمثابة فاصل تُطفأ بعده أضواء الخشبة وتتوقف حركة الأجساد ثم تفتح على مشهد آخر.

    والتزمت تعبيرات الإيقاعات والموسيقى الشعبيتين والأغاني بحالة الوجع والألم، فلم تبتعد عن أجواء العطش والضبابية التي سيطرت على الحركات الجسدية.

    بالنهاية تظل قراءة رسالة العرض مفتوحة على تأويلات متعددة، خاصة وأنه قائم على ما يمكن أن نطلق عليه لوحات تشكيلية قابلة للتأويل، وتقنيات استخدام الإضاءة والشاشة، فيمكن أن يذهب تأويل منها إلى كونه عرضا تنبئيا وتحذيريا لما يمكن أن يحمله الراهن والمستقبل في حال ضياع الهوية وما يحمله التراث من أصالة، ويمكن أن يذهب تأويل آخر إلى أنه عرض تذكيري بما كان عليه الماضي من أوجاع وأن علينا الالتفات إلى الخارج لنرى آفاق تقدمه وتحضره، ويمكن أن يذهب أيضا إلى أن اضطرابات مجتمعاتنا بعد غزو الحداثة أصبحت مجرد فرجة للآخر الذي لا يعبأ بما بماضينا أو راهننا ولا مستقبلنا.. إلخ.

    ويبقى أن نشير إلى أن العرض حمل اجتهادا وجهدا فائقا يؤكد أن هناك تمردا وسعيا حثيثا من قبل المخرج لتجاوز السائد والتقليدي والمكرر في المسرح الخليجي.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X