العلاقة بين الروائي المصري نجيب محفوظ (1911 – 2006) وشهر رمضان علاقة استثنائية ومثيرة للاهتمام. فعدا عن حضوره الملفت في بعض رواياته، فإنه يحظى أيضًا بمكانة خاصة لدى صاحب "الحرافيش" الذي يُقال إنه كان يتوقف فيه عن العمل، باستثناء ما هو ضروري، وبما في ذلك الكتابة، من أجل الاستمتاع بأجوائه والتفرّغ لقراءة الكتب، خاصةً الدينية منها.
صوّر محفوظ أجواء رمضان وطقوسه في العديد من رواياته، مثل "ثلاثية القاهرة" التي يُروى، نقلًا عنه، أنه كتب فيها عنه بعين الطفل، بينما تناوله في "خان الخليلي" بعين الموظف. وفي هذه الرواية الكثير من التفاصيل حول علاقة أهل القاهرة بشهر الصيام، وطبيعة حياة الأسرة المصرية، عمومًا، في ظله، ومكانته لديهم.
نضع هنا مقبوسات من بعض رواياته حول شهر رمضان وأجوائه في مصر، على أمل أن تكون بمثابة دعوة لقراءة بعضها.
خان الخليلي
وانشغلت الأم في الأيام الباقية بتهيئة المطبخ، وتبييض الأواني وتخزين ما تيسر من النقل والسكر والبصل والتوابل، وكان لمقدم رمضان في نفسها وسرور، ولو أنها لم تؤد فريضة الصيام إلا منذ سنوات قلائل، إذ أنه شهر المطبخ كما أنه شهر الصيام، أو لأنه شهر الصيام، وأجمل من هذا أنه شهر الليالي الساهرة، والزيارات الممتعة، حيث تدار الأحاديث على قزقزة اللب والجوز والفستق. ومن حسن الحظ أن رمضان وافق ذاك العام شهر أكتوبر، وهو شهر معتدل، وغالبًا ما يصفو جوه ويطيب فيلذ فيه السهر حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر.
وجاء مساء الرؤية، وانتظر الناس بعد الغروب يتساءلون، وعند العشى أضاءت مئذنة الحسين إيذانًا بشهود الرؤية – وقد اجتزأوا بالإضاءة عن إطلاق المدافع لظروف الطوارئ – وتزينت المئذنة بعقود المصابيح مرسلة على العالمين ضياء لألاء، فطاف بالحي وما حوله جماعات مطبلة هاتفة "صيام صيام كما أمر قاضي الإسلام" فقابلها الغلمان بالهتاف والبنات بالزغاريد، وشاع السرور في الحي كأنما حمله الهواء الساري.
بين القصرين
كان يطيب لها أن تعلل نحافتها بضعف دينها فتقول لها: "كلنا نصوم رمضان إلا أنتِ، تتظاهرين بالصوم، وتندسين في حجرة الخزين كالفأرة، وتملئين بطنك بالجوز واللوز والبندق، ثم تفطرين معنا بنهم يحسدك عليه الصائمون، ولكن الله لا يبارك لكِ". وكانت ساعة الفطور من الأوقات النادرة التي يختلين فيها إلى أنفسهن، فكانت أخلق الأوقات بالمكاشفة ونفض السرائر خاصةً في الأمور التي يدعو إلى كتمانها عادةً الحياة البالغ الذي تتسم به مجالس الأسرة الحاوية للجنسين.
قصر الشوق
ابتسم كمال في حياء، ثم أشار إلى ما تبقى من السندويتشات والبيرة قائلًا:
بالرغم من هذا، فإن احتفالكم بشهر رمضان يفوق كل وصف، أنوار تُضاء، قرآن يُتلى في بهو الاستقبال، المؤذنون في السلاملك، هه؟
إن أبي يحيي ليالي رمضان حبًا وكرامة واستمساكًا بالتقاليد التي اتبعها جدي، وإلى هذا فهو وماما يواظبان على الصوم..
قالت عايدة باسمة:
وأنا..
فقال حسين بجد أريد به السخرية:
عايدة تصوم يومًا واحدًا من الشهر، وربما أفلست قبيل العصر!
فقالت عايدة على سبيل الانتقام:
وحسين يأكل في رمضان أربع وجبات يوميًا، الوجبات الثلاث المعتادة ووجبة السحور.
القرار الأخير
ويعشق رمضان، والعيدين، ويحب الأيام في انتظارها. والكرار أول ما يبشرنا باقتراب شهر رمضان حين تُرصَّ بجنباته أجولة الياميش. وتهفو نفسه للصيام، ولكن الأم تمتنع عن إيقاظه وقت السحور وتسمح له بالصوم عدد الساعات التي يستطيعها، فتدرّب عليه رويدًا حتى شرع فيه جادًا في السابعة ومعه الصلاة. وتلاشت آلام الصوم في مسرّات لا حصر لها؛ السحور، والإفطار، والفوانيس، واللعب ما بين الميدان والحسين وترديد الأناشيد.
المرايا
وكانت ليالي رمضان فرصة هنية للصغار من الجنسين، يجتمعون في الشارع بلا اختلاط، ويتراءون على ضوء الفوانيس وهم يلوّحون بها في أيديهم، وكنا نترنّم بأناشيد رمضان ونتبادل مشاعر الحب وهو كامن في براعمه المغلقة، وقنعت عواطفنا الساذجة بتبادل النظرات، وإظهار الرشاقة في الجري والغناء، أو المخاطبة بالابتسام في خفاء.
صوّر محفوظ أجواء رمضان وطقوسه في العديد من رواياته، مثل "ثلاثية القاهرة" التي يُروى، نقلًا عنه، أنه كتب فيها عنه بعين الطفل، بينما تناوله في "خان الخليلي" بعين الموظف. وفي هذه الرواية الكثير من التفاصيل حول علاقة أهل القاهرة بشهر الصيام، وطبيعة حياة الأسرة المصرية، عمومًا، في ظله، ومكانته لديهم.
نضع هنا مقبوسات من بعض رواياته حول شهر رمضان وأجوائه في مصر، على أمل أن تكون بمثابة دعوة لقراءة بعضها.
خان الخليلي
وانشغلت الأم في الأيام الباقية بتهيئة المطبخ، وتبييض الأواني وتخزين ما تيسر من النقل والسكر والبصل والتوابل، وكان لمقدم رمضان في نفسها وسرور، ولو أنها لم تؤد فريضة الصيام إلا منذ سنوات قلائل، إذ أنه شهر المطبخ كما أنه شهر الصيام، أو لأنه شهر الصيام، وأجمل من هذا أنه شهر الليالي الساهرة، والزيارات الممتعة، حيث تدار الأحاديث على قزقزة اللب والجوز والفستق. ومن حسن الحظ أن رمضان وافق ذاك العام شهر أكتوبر، وهو شهر معتدل، وغالبًا ما يصفو جوه ويطيب فيلذ فيه السهر حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر.
وجاء مساء الرؤية، وانتظر الناس بعد الغروب يتساءلون، وعند العشى أضاءت مئذنة الحسين إيذانًا بشهود الرؤية – وقد اجتزأوا بالإضاءة عن إطلاق المدافع لظروف الطوارئ – وتزينت المئذنة بعقود المصابيح مرسلة على العالمين ضياء لألاء، فطاف بالحي وما حوله جماعات مطبلة هاتفة "صيام صيام كما أمر قاضي الإسلام" فقابلها الغلمان بالهتاف والبنات بالزغاريد، وشاع السرور في الحي كأنما حمله الهواء الساري.
بين القصرين
كان يطيب لها أن تعلل نحافتها بضعف دينها فتقول لها: "كلنا نصوم رمضان إلا أنتِ، تتظاهرين بالصوم، وتندسين في حجرة الخزين كالفأرة، وتملئين بطنك بالجوز واللوز والبندق، ثم تفطرين معنا بنهم يحسدك عليه الصائمون، ولكن الله لا يبارك لكِ". وكانت ساعة الفطور من الأوقات النادرة التي يختلين فيها إلى أنفسهن، فكانت أخلق الأوقات بالمكاشفة ونفض السرائر خاصةً في الأمور التي يدعو إلى كتمانها عادةً الحياة البالغ الذي تتسم به مجالس الأسرة الحاوية للجنسين.
قصر الشوق
ابتسم كمال في حياء، ثم أشار إلى ما تبقى من السندويتشات والبيرة قائلًا:
بالرغم من هذا، فإن احتفالكم بشهر رمضان يفوق كل وصف، أنوار تُضاء، قرآن يُتلى في بهو الاستقبال، المؤذنون في السلاملك، هه؟
إن أبي يحيي ليالي رمضان حبًا وكرامة واستمساكًا بالتقاليد التي اتبعها جدي، وإلى هذا فهو وماما يواظبان على الصوم..
قالت عايدة باسمة:
وأنا..
فقال حسين بجد أريد به السخرية:
عايدة تصوم يومًا واحدًا من الشهر، وربما أفلست قبيل العصر!
فقالت عايدة على سبيل الانتقام:
وحسين يأكل في رمضان أربع وجبات يوميًا، الوجبات الثلاث المعتادة ووجبة السحور.
القرار الأخير
ويعشق رمضان، والعيدين، ويحب الأيام في انتظارها. والكرار أول ما يبشرنا باقتراب شهر رمضان حين تُرصَّ بجنباته أجولة الياميش. وتهفو نفسه للصيام، ولكن الأم تمتنع عن إيقاظه وقت السحور وتسمح له بالصوم عدد الساعات التي يستطيعها، فتدرّب عليه رويدًا حتى شرع فيه جادًا في السابعة ومعه الصلاة. وتلاشت آلام الصوم في مسرّات لا حصر لها؛ السحور، والإفطار، والفوانيس، واللعب ما بين الميدان والحسين وترديد الأناشيد.
المرايا
وكانت ليالي رمضان فرصة هنية للصغار من الجنسين، يجتمعون في الشارع بلا اختلاط، ويتراءون على ضوء الفوانيس وهم يلوّحون بها في أيديهم، وكنا نترنّم بأناشيد رمضان ونتبادل مشاعر الحب وهو كامن في براعمه المغلقة، وقنعت عواطفنا الساذجة بتبادل النظرات، وإظهار الرشاقة في الجري والغناء، أو المخاطبة بالابتسام في خفاء.