سافو
(القرن7 ـ 6 ق.م)
سافو أو (سابفو) Sappho هي الشاعرة الوحيدة التي تعد في مصاف الشعراء الإغريق قبل دخول الاسكندر المقدوني أرض اليونان غازياً. ولدت في قرية إريسوسEresos من أعمال جزيرة لِسبوس Lesbosونشأت في مدينة موتيلينِِه Mytilene في الجزيرة نفسها، وهي سليلة أسرة أرستقراطية من ملاكي الأراضي. وعندما سادت الاضطرابات السياسية المنطقة بسبب النزاع بين الأرستقراطية الآفلة ونمط حكم ممثلي الشعب الذين أُطلق عليهم لقب «الطغاة»، نفيت الأسرة، فتوجهت إلى سرقسطة في جزيرة صقلية حيث أقامت تقديرياً بين 600ـ590ق.م، ويحتمل أن سافو ماتت هناك. ولكن يُحكى أنها أحبت رجلاً فصدها، مما دفعها إلى الانتحار برمي نفسها في البحر من فوق صخرة ليوكاس في إبيروس شمال غربي اليونان، وفي رواية أخرى هجرها حبيبها إلى صقلية فلحقت به وماتت هناك. ويروى أيضاً أنها تزوجت رجلاً من مدينة أندروس يدعى كِركولاس Kerkylasأنجبت منه ابنة سمتها كليس Kleis تيمناً باسم أمها.
لم يبق من شعر سافو الغزير سوى قصيدة واحدة بعنوان «دعاء إلى أفروديت» إلى جانب عدد كبير من الشذرات التي جُمعت في تسعة كتب. ولأن سافو امرأة وشاعرة مُجيدة ومجددة فقد صارت شخصية فريدة في التاريخ الأدبي عند الإغريق، إذ يتحدث عنها استرابون[ر]Strabon وكأنها معجزة، كما يصفها أفلاطون[ر] Plato بأنها «ربة الفن» العاشرة إلى جانب الربات التسع Musai. وقد عدها النقاد بصفة عامة من الطراز الأول ووضعوها إلى جوار هوميروس[ر]. ومثلما أحاطت الأساطير بحياتها ونهايتها، فقد صارت أيضاً مادة لكثير من الأعمال الأدبية الشعرية والمسرحية والروائية، كما يرى عند ليلي[ر]Lyly و فري Ferri وغريلبارتسر[ر] Grillparzerولامارتين[ر] Lamartine وليوباردي Leopardiوريلكه[ر] Rilke ودارل[ر] Durrell.
كانت سافو على علاقة ودية مع الشاعر ألكايوس[ر] Alcaeus، تجلت في أشعارهما وفي صورهما المشتركة على الخزف، ولاسيما بعد مرحلة المنفى، حين جمعت سافو حولها في موتيلينِِه مجموعة من الشابات في شكل منتدى أدبي thiasosأطلقت عليه اسم «دار خدمة ربات الفنون» بهدف تعليمهن الموسيقى والرقص والشعر وطقوس عبادة ربة الحب أفروديت، وذلك لإعداد الشخصية النسائية المتكاملة الصالحة للزواج.
كان الحب أهم أغراض الشعر عند سافو، وقد عبرت عنه تارة ببساطة وتلقائية، وتارة أخرى برقّة ونعومة متعمدتين، لكنها كانت دائماً تعاني عاطفة نارية، علماً أن الرجال لم يكن لهم دور مهم في حياتها وأشعارها، أو أن هذا الدور لا يقارن بدور النساء اللاتي تظهرن في قصائدها باستمرار بصورة مشرقة تبعث البهجة، وهذا ما يعكس إحساس سافو نحوهن مما جعل بودلير[ر] Baudelaire يقول إنها «الشاعرة العاشقة لتلميذاتها»، ولكن ليس هناك أي أدلة على أن عاطفة سافو تجاه النساء قد بلغت حد الشذوذ. ومع ذلك فإن التعبير الشائع «الحب اللِسْبي» lesbian love، نسبة إلى جزيرة لِسبوس، يحيل إلى سافو شاعرة لِسْبوس.
يندرج شعر سافو في إطار الشعر الغنائي Lyrikos بحسب تصنيف قدماء الإغريق ونقاد الاسكندرية، أي إنه الشعر الذي يغنى بصحبة القيثارة Lyra أو الناي أو كليهما معاً. ونظمت سافو أغاني الزواج Epithalamiaأيضاً، وأعطت اسمها للمقطوعة الشعريةstanza المعروفة باسم «السافية» Sapphicالتي نظم على منوالها شعراء كبار مثل هوراسيوس[ر] وكاتولوس[ر]. كانت تنظم أشعارها باللهجة اللسبية المحلية، وإن داخلتها بعض مفردات الموروث الملحمي. ويحتمل أن الأوزان التي استخدمتها قد أتت من الأغاني الشعبية التقليدية حيث تشكل المقطوعة strophe وحدتها العروضية التي نادراً ما تزيد على أربعة أبيات، وغالباً ما تكون من بيتين فقط. أما الأوزان التي طورها الموسيقار ترباندروس Terpandros من لسبوس، فقد أوصلتها إيقاعات سافو إلى درجة الكمال.
تتمتع سافو بروح الدعابة حتى في أغنيات الزواج ذات الطابع الرصين عادة، وتتميز بالصدق والحيوية والدفء، وقلما استخدمت المجاز لأنها تتحدث من القلب كي يصل كلامها إلى القلب مباشرة، ولا يحتاج فنها إلى صور شعرية تزيده ثراء. وفي قصائدها يتحرك المستمع في عالم كل ما فيه مرئي وملموس على نحو بلغ من الوضوح ما لا يحتاج إلى زخرف أو شرح إضافي. وليس ثمة فجوة بين تجربة سافو الفعلية في الحياة وتعبيرها الشعري، فأشعارها تبدو غاية في البساطة وكأنها نُظمت بلا أدنى جهد، لكنها، في الوقت نفسه، غاية في الاتساق والإتقان بحيث تشكل إحدى قمم الشعر الغنائي.
نبيل الحفا
(القرن7 ـ 6 ق.م)
سافو أو (سابفو) Sappho هي الشاعرة الوحيدة التي تعد في مصاف الشعراء الإغريق قبل دخول الاسكندر المقدوني أرض اليونان غازياً. ولدت في قرية إريسوسEresos من أعمال جزيرة لِسبوس Lesbosونشأت في مدينة موتيلينِِه Mytilene في الجزيرة نفسها، وهي سليلة أسرة أرستقراطية من ملاكي الأراضي. وعندما سادت الاضطرابات السياسية المنطقة بسبب النزاع بين الأرستقراطية الآفلة ونمط حكم ممثلي الشعب الذين أُطلق عليهم لقب «الطغاة»، نفيت الأسرة، فتوجهت إلى سرقسطة في جزيرة صقلية حيث أقامت تقديرياً بين 600ـ590ق.م، ويحتمل أن سافو ماتت هناك. ولكن يُحكى أنها أحبت رجلاً فصدها، مما دفعها إلى الانتحار برمي نفسها في البحر من فوق صخرة ليوكاس في إبيروس شمال غربي اليونان، وفي رواية أخرى هجرها حبيبها إلى صقلية فلحقت به وماتت هناك. ويروى أيضاً أنها تزوجت رجلاً من مدينة أندروس يدعى كِركولاس Kerkylasأنجبت منه ابنة سمتها كليس Kleis تيمناً باسم أمها.
لم يبق من شعر سافو الغزير سوى قصيدة واحدة بعنوان «دعاء إلى أفروديت» إلى جانب عدد كبير من الشذرات التي جُمعت في تسعة كتب. ولأن سافو امرأة وشاعرة مُجيدة ومجددة فقد صارت شخصية فريدة في التاريخ الأدبي عند الإغريق، إذ يتحدث عنها استرابون[ر]Strabon وكأنها معجزة، كما يصفها أفلاطون[ر] Plato بأنها «ربة الفن» العاشرة إلى جانب الربات التسع Musai. وقد عدها النقاد بصفة عامة من الطراز الأول ووضعوها إلى جوار هوميروس[ر]. ومثلما أحاطت الأساطير بحياتها ونهايتها، فقد صارت أيضاً مادة لكثير من الأعمال الأدبية الشعرية والمسرحية والروائية، كما يرى عند ليلي[ر]Lyly و فري Ferri وغريلبارتسر[ر] Grillparzerولامارتين[ر] Lamartine وليوباردي Leopardiوريلكه[ر] Rilke ودارل[ر] Durrell.
كانت سافو على علاقة ودية مع الشاعر ألكايوس[ر] Alcaeus، تجلت في أشعارهما وفي صورهما المشتركة على الخزف، ولاسيما بعد مرحلة المنفى، حين جمعت سافو حولها في موتيلينِِه مجموعة من الشابات في شكل منتدى أدبي thiasosأطلقت عليه اسم «دار خدمة ربات الفنون» بهدف تعليمهن الموسيقى والرقص والشعر وطقوس عبادة ربة الحب أفروديت، وذلك لإعداد الشخصية النسائية المتكاملة الصالحة للزواج.
كان الحب أهم أغراض الشعر عند سافو، وقد عبرت عنه تارة ببساطة وتلقائية، وتارة أخرى برقّة ونعومة متعمدتين، لكنها كانت دائماً تعاني عاطفة نارية، علماً أن الرجال لم يكن لهم دور مهم في حياتها وأشعارها، أو أن هذا الدور لا يقارن بدور النساء اللاتي تظهرن في قصائدها باستمرار بصورة مشرقة تبعث البهجة، وهذا ما يعكس إحساس سافو نحوهن مما جعل بودلير[ر] Baudelaire يقول إنها «الشاعرة العاشقة لتلميذاتها»، ولكن ليس هناك أي أدلة على أن عاطفة سافو تجاه النساء قد بلغت حد الشذوذ. ومع ذلك فإن التعبير الشائع «الحب اللِسْبي» lesbian love، نسبة إلى جزيرة لِسبوس، يحيل إلى سافو شاعرة لِسْبوس.
يندرج شعر سافو في إطار الشعر الغنائي Lyrikos بحسب تصنيف قدماء الإغريق ونقاد الاسكندرية، أي إنه الشعر الذي يغنى بصحبة القيثارة Lyra أو الناي أو كليهما معاً. ونظمت سافو أغاني الزواج Epithalamiaأيضاً، وأعطت اسمها للمقطوعة الشعريةstanza المعروفة باسم «السافية» Sapphicالتي نظم على منوالها شعراء كبار مثل هوراسيوس[ر] وكاتولوس[ر]. كانت تنظم أشعارها باللهجة اللسبية المحلية، وإن داخلتها بعض مفردات الموروث الملحمي. ويحتمل أن الأوزان التي استخدمتها قد أتت من الأغاني الشعبية التقليدية حيث تشكل المقطوعة strophe وحدتها العروضية التي نادراً ما تزيد على أربعة أبيات، وغالباً ما تكون من بيتين فقط. أما الأوزان التي طورها الموسيقار ترباندروس Terpandros من لسبوس، فقد أوصلتها إيقاعات سافو إلى درجة الكمال.
تتمتع سافو بروح الدعابة حتى في أغنيات الزواج ذات الطابع الرصين عادة، وتتميز بالصدق والحيوية والدفء، وقلما استخدمت المجاز لأنها تتحدث من القلب كي يصل كلامها إلى القلب مباشرة، ولا يحتاج فنها إلى صور شعرية تزيده ثراء. وفي قصائدها يتحرك المستمع في عالم كل ما فيه مرئي وملموس على نحو بلغ من الوضوح ما لا يحتاج إلى زخرف أو شرح إضافي. وليس ثمة فجوة بين تجربة سافو الفعلية في الحياة وتعبيرها الشعري، فأشعارها تبدو غاية في البساطة وكأنها نُظمت بلا أدنى جهد، لكنها، في الوقت نفسه، غاية في الاتساق والإتقان بحيث تشكل إحدى قمم الشعر الغنائي.
نبيل الحفا